الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مضياف:
وبدهي أن المسلم الحق الذي أشربت روحه معاني الكرم مضياف، يهش لاستقبال الضيف، ويسارع إلى إكرامه، مستجيبا إلى خليقة الإسلام الأصيلة في نفسه، المنبثقة من الإيمان بالله واليوم الآخر:
((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)) (1).
فمكرم الضيف يؤكد بإكرامه ضيفه أنه مؤمن بالله واليوم الآخر، ومن هنا
سمي هذا الإكرام جائزة، تقدم للضيف، وكأنها شكر له على ما أتاح للمضيف من عمل صالح، يحقق به إيمانه ويرضي ربه:
((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته))، قالوا: وما جائزته يا رسول الله؟ قال: ((يومه وليلته، والضيافة ثلاثة أيام، فما كان وراء ذلك فهو صدقة)) (2).
إن إكرام الضيف في الإسلام عمل عزيز محبب للمسلم الصادق، يثاب عليه، وقد نظمه الإسلام ووضع له حدودا، فجائزة الضيف يوم وليلة، ثم يأتي واجب الضيافة، ومدته ثلاثة أيام، وما زاد على ذلك فهو صدقة تثبت في صحيفة الرجل الكريم المضياف.
وليس إكرام الضيف في الإسلام أمرا اختياريا يتبع الأمزجة والنفسيات والاجتهادات الشخصية، وإنما هو واجب على المسلم، عليه أن يبادر إلى تأديته إذا ما قرع بابه طارق، أو نزل بفنائه ضيف:
(1) متفق عليه.
(2)
متفق عليه.
((ليلة الضيف حق واجب على كل مسلم، فمن أصبح بفنائه فهو دين عليه فإن شاء اقتضاه، وإن شاء تركه)) (1).
أما الذين يضيقون ذرعا باستقبال الضيف، ويغلقون دونه الأبواب، فلا خير فيهم، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
((لا خير فيمن لا يضيف)) (2).
لقد جعل الإسلام الضيافة واجبة على كل مسلم، وعدها حقا مفروضا للضيف، لا ينبغي أن يقصر في أدائه مسلم، فإن استحكم شح النفوس في قوم، وبلغ بهم أن يمنعوا الضيف حقه، فإن الإسلام أذن للضيف أن يأخذ حقه منهم، وذلك في الحديث الذي رواه الشيخان وغيرهما عن عقبة بن عامر، قال: قلت: يا رسول الله، إنك تبعثنا فننزل بقوم فلا يقرونا، فما ترى في ذلك؟ فقال:
((إن نزلتم بقوم فأمر لكم بما بنبغي للضيف فاقبلوا، فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم)).
إن الضيافة خلق إسلامي أصيل، ومن هنا لا تجد مسلما حسن إسلامه
بخيلا ممسكا عن الضيف، مهما كانت حاله؛ ذلك أن الإسلام علمه أن طعام الاثنين يكفي الثلاثة، وطعام الثلاثة يكفي الأربعة، وأن لا خوف البتة من طروق الضيف المفاجئ؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((طعام الاثتين، كافي الثلاثة، وطعام الثلاثة كافي الأربعة)) (3).
(1) أخرجه البخاري في الأدب المفرد.
(2)
رواه الإمام أحمد ورجاله رجال الصحيح.
(3)
متفق عليه.
وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية)) (1).
إن المسلم الحق لا يخاف كثرة الأيدي على الطعام، شأن الإنسان الغربي الذي لا يستقبل ضيفا مفاجئا لم يعد له طعاما من قبل، بل إن المسلم ليستقبل ضيفه المفاجئ، ويرحب في مشاركته طعامه، وما عليه إن نقص حظ معدته لقيمات معدودات؛ لأن الجوع أهون عند المسلم الحق من الإعراض عن الضيف الذي أمر الله رسوله بإكرامه، بل إن الله ليبارك في طعام الواحد فإذا هو يكفي الاثنين ويبارك في طعام الاثنين فإذا هو يكفي الأربعة، وهكذا
…
ولا داعي لذلك الجفاف المقيت الذي مني به الإنسان الغربي، ربيب المدنية المادية في الشرق والغرب سواء.
ولقد ضرب سلفنا الصالح المثل الأعلى في إكرام الضيف، حتى إن الله تبارك وتعالى عجب من صنيع بعضهم في إكرام الضيف، ونجد ذلك في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث إلى نسائه، فقلن: ما عندنا إلا الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يضم (أو يضيف) هذا؟ فقال رجل من الأنصار: أنا، فانطلق به إلى امرأته فقال: أكرمي ضيف رسول الله، فقالت: ما عندنا إلا قوت الصبيان، فقال: هيئي طعامك، وأصلحي سراجك، ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء، فهيأت طعامها، وأصلحت سراجها، ونومت صبيانها، ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته، وجعلا يريانه أنهما يأكلان، وباتا طاويين. فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: ((تقد عجب الله من صنيعكما
(1) رواه مسلم.
بضيفكما الليلة، وأنزل الله تعالى:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (1).
على أن المسلم الحق كيس فطن، إذا نزل ضيفا على أخيه فإنه يقدر ظروفه، فلا يقيم عنده مسترخيا متثاقلا غير عابئ بما يسبب لمضيفه من إحراج وإثقال وإزعاج قد يبلغ به درجة التذمر والضيق، بل إنه ليجد في هدي الرسول الكريم ما يحرم عليه هذا الإثقال البشع الذي تأباه روح الإسلام، وذلك في الحديث الذي رواه مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم:
((لا يحل لمسلم، أن يقيم عند أخيه حتى يؤثمه (2)))، قالوا: يا
رسول الله!، وكيف يؤثمه؟ قال:((يقيم عنده ولا شيء له يقريه به)).
وفي رواية للبخاري:
((ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجه)).
وأيا كان الإثم أو الإحراج، فالمسلم الحق بعيد عن إيقاع أخيه المضيف فيهما.
والضيف المسلم مؤدب، علمه الإسلام أدب الضيافة وسلوكها الرصين الراشد، ومن هنا هو يتحرى الدقة في تطبيق هذا السلوك، بحيث يكون خفيف الظل على مضيفيه، دمثا في الاستجابة لما يحبون أو يبدون من ملاحظات ورغبات.
(1) الحشر: 9.
(2)
أي إلى أن يوقعه في الإثم.