الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من الأقوال التي يتزيد فيها الناس ابتغاء استمالة النفوس النافرة، وتليين القلوب المتحجرة، ولا يعد هذه الأقوال من الكذب الحرام، ولا قائليها من الكذابين الآثمين، ونجد ذلك في حديث أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها، قالت:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، فينمي خيرا (1)، أو يقول خيرا)) (2). وفي رواية لمسلم زادت: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقوله الناس إلا في ثلاث: تعني الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها.
داعية إلى الحق:
والمسلم الحق دائم الحركة والنشاط، يعيش دوما في دعوته، لا ينتظر الحوادث والدوافع لتحركه نحو الخير، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى دعوة الناس إلى الحق، مبتغيا الثواب الجزيل الذي أعده الله للدعاة المخلصين، كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه:
((فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم)) (3).
إن كلمة طيبة يلقيها الداعية الصادق في أذن امرئ شارد عن الطريق، فيغرس بها بذرة الهداية في قلبه، تعود على الداعية بثواب يفوق حمر النعم، أنفس الأموال التي كان يتطلع إليها العرب آنذاك، ويضيف إلى ثوابه هذا أيضا مثل أجور المهتدين على يديه، كما أخبر بذلك الرسول الكريم:
(1) أي يبلغ خبرا فيه خير.
(2)
متفق عليه.
(3)
رواه البخاري.
((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك
من أجورهم شيئا)) (1).
فلا عجب أن يحسد الدعاة على صبرهم وحسن بلائهم في سبيل الله، إذ ينفقون أموالهم وأوقاتهم في دعوة الشاردين المنحرفين عن الجادة، وأن ينوه بهذا الحسد المرغوب رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:
((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها)) (2).
ولا يستصغر المسلم بضاعته من العلم، وهو يدعو إلى الله، فحسبه أن يبلغ ما وصل إليه سمعه من الحق، ولو كان آية واحدة من كتاب الله، وهذا ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر به أصحابه:
((بلغوا عني ولو آية
…
)) (3).
ذلك أن هداية الإنسان قد تكون متوقفة على كلمة في هذه الآية تلامس قلبه، فتصادف مكمنا من مكامن الإيمان، فإذا شرارة الهداية تنقدح فيه، فتضيء حياة هذا الإنسان وقلبه جميعا، ويغدو خلقا آخر.
إن المسلم الحق غيري بطبعه، يحب لأخيه الإنسان ما يحب لنفسه، ويهتم بأمر المسلمين دوما؛ وهو إلى ذلك ناصح لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم كما تقدم في حديث سابق (4). ومن هنا لا يقتصر على هداية نفسه ومن يعول، بل يعمل على إشاعة الهداية بين الناس. إنه لا يريد الجنة لنفسه
(1) رواه مسلم.
(2)
متفق عليه.
(3)
جزء من حديث رواه البخاري.
(4)
انظر ص: 168.
وأسرته فحسب، وإنما يريدها للناس جميعا؛ ولذلك فهو دوما يدعوهم إلى ما يوصلهم إلى الجنة ويبعدهم عن النار، وهذه هي أخلاق الداعية التي تميزه من الإنسان العادي، وإنها لأخلاق كريمة عالية، استحقت من رسول الله صلى الله عليه وسلم التنويه والثناء والدعاء:
((نضر الله امرءا سمع منا شيئا فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع)) (1).
إن المجتمع الإسلامي مجتمع متكافل، تعيش المسؤولية في نفوس أبنائه في أجلى معانيها وأصدق صورها، ولو فقه المسلمون مسؤوليتهم أمام الله، ونهض كل فرد واع بواجب الدعوة في مجتمعه لما انحط المسلمون وتخلفوا عن هدي دينهم حتى وصلوا إلى الدرك الذي هم فيه.
ومن هنا جاء الوعيد شديدا لمن يملك أسباب الدعوة ويتقاعس عنها، ويكتم ما آتاه الله من العلم، جاعلا علمه وسيلة لارتقاء المناصب وبلوغ متاع الدنيا الزائل وحطامها الفاني:
((من تعلم علما يبتغى به وجه الله عز وجل، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة (2) يوم القيامة)) (3).
((من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار)) (4).
(1) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
(2)
أي ريحها.
(3)
رواه أبو داود بإسناد حسن.
(4)
رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن.