الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والخيلاء والتفاخر بالعمل، وهي الشجاعة، والعلم، والكرم. وبين الخزي الذي يلقاه أصحابها يوم القيامة إذ عروا أمام الناس من كل ما كانوا يأملون من ورائها من مقام حميد، كما بين الخسارة الكبرى التي حاقت بهم، إذ جردوا من كل الثواب الذي أعده الله لهذه الأعمال العظيمة، فإذا هم بدل أن يزفوا إلى جنان الخلد، سحبوا على وجوههم إلى النار.
إن المسلم الحق الواعي أحكام دينه، المرهف الإحساس بهديه الحكيم، لينأى عن الرياء في كل عمل من أعماله، ويحرص على أن يمحضها وجه ربه الكريم، واضعا نصب عينيه وأذنيه قول الرسول الكريم صلوات الله عليه:
((من سمع سمع الله به (1)، ومن يرائي يرائي الله به (2))) (3).
مستقيم:
والمسلم الحق الصادق مستقيم واضح بين، لا يعرف الالتواء ولا الغموض ولا الجمجمة ولا المخاتلة، على ما في الاستقامة من صعوبة وجهد ومشقة، يصادفها الإنسان في حياته الاجتماعية.
ذلك أن الاستقامة في حياة المسلم وسلوكه ليست حلية خلقية، له الخيار في أن يتحلى بها أو يدعها، وإنما هي سلوك أمر به الله ورسوله، وجاءت مرتبته في الأهمية بعد الإيمان بالله في كثير من آي الذكر الحكيم: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ
(1) أي من أظهر عمله للناس رياء فضحه الله يوم القيامة.
(2)
أي من أظهر للناس عمله ليعظم عندهم أظهر الله سريرته على رؤوس الخلائق.
(3)
متفق عليه.
الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} (1).
فما أجزل ثواب المؤمنين المستقيمين! وما أكرم نزلهم يوم الدين! وما
أجمل البشارة التي تنزلت عليهم تحملها الملائكة!.
ذلك أن الاستقامة مرتقى عال صعب، لا يبلغه إلا المؤمنون الأتقياء الذين أخلصوا وجوههم لله، وانخلعوا من ربقة العبودية لغيره، من مال وجاه وسلطان ونعيم ولذاذات وغير ذلك مما تتعلق به قلوب الناس في هذه الحياة. فلا غرو أن يكون ثوابهم عند الله كبيرا، وأن تكون منزلتهم في جواره عالية عالية.
وليس أدل على علو منزلة الاستقامة، وصعوبة مرتقاها، من شدة وقعها على حس الرسول اليقظ المرهف البصير بأبعاد الاستقامة وضخامة مدلولها وخطرها في تقرير مصير الإنسان، وذلك فيما رواه ابن عباس رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى:{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} (2)، قال:((ما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع القرآن آية كانت أشد ولا أشق عليه من هذه الآية)) (3)، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه حين قالوا له: قد أسرع إليك الشيب، قال:((شيبتني هود وأخواتها))، مشيرا إلى قوله تعالى:{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} (4).
وقد كان من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم المطابق قول الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} قوله لسفيان بن عبد الله الثقفي: ((قل آمنت
(1) فصلت: 30.
(2)
هود: 112.
(3)
رواه مسلم.
(4)
انظر باب جامع أوصاف الإسلام في صحيح مسلم.