الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يحسد:
ومما يلحق بهذه الصفات القبيحة غير اللائقة بالمسلم التقي: الحسد، ولذلك حذر الرسول الكريم منه تحذيرا شديدا إذ أخبر أن الحسد والإيمان لا يجتمعان فى قلب مؤمن:((لا يجتمع في جوفي عبد الإيمان والحسد)) (1).
وعن ضمرة بن ثعلبة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال الناس بخير ما لم يتحاسدوا)) (2).
إن من سمات المسلم الحق صفاء النفس من الغش والحسد، ومن الغدر والضغينة، وإن هذا الصفاء ليدخل صاحبه الجنة، وما هو من العباد المكثرين من العبادة، القائمين الليل، الصائمين النهار؛ فقد أخرج الإمام أحمد بإسناد حسن والنسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال:
كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنه)) فطلع رجل من الأنصار (3)، تنطف لحيته من وضوئه (4)، فد علق نعليه بيده الشمال، فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضا، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى. فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه (5) عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه فقال: إني لاحيت (6) أبي فأقسمت إني لا أدخل عليه ثلاثا، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت، قال: نعم، قال أنس: فكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الثلاث الليالي فلم يره يقوم من الليل شيئا، غير أنه إذا تعار (7) وتقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبر، حتى يقوم
(1) رواه ابن حبان في صحيحه.
(2)
رواه الطبراني، ورواته ثقات.
(3)
هو سعد بن أبى وقاص كما جاء مصرحا باسمه في البداية والنهاية لابن كثير 8/ 74.
(4)
أي من الماء الذي يتوضأ به.
(5)
أي تبع الرجل.
(6)
أي خاصمت.
(7)
أي استيقظ من نومه.
لصلاة الفجر. قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا، فلما مضت الثلاث الليالي وكدت احتقر عمله قلت: يا عبد الله صلى الله عليه وسلم لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ثلاث مرات:((يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة))، فطلعت أنت الثلاث مرات، فأردت أن آوي إليك فانظر ما عملك فأقتدي بك، فلم أرك عملت كبير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما هو إلا ما رأيت، فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه، فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق)).
إن هذا الحديث الشريف ليدل على أثر صفاء النفس من الحقد والحسد، وسلامة الصدر من الضغينة والغدر في تقرير مصير الإنسان في آخرته، ورفع مكانته عند الله، وتقبل عمله، ولو قل. وإن هذا الأثر ليبدو واضحا جدا بمقارنة هذا الرجل الذي لم يأت من العبادة إلا بالقليل، ودخل الجنة بصفاء سريرته وسلامة الناس من أذاه، بالمرأة التي سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها، وهي امرأة تقوم الليل وتصوم النهار، ولكنها تؤذي جيرانها، فقال:((لا خير فيها، هي من أهل النار)) (1).
ذلك أن الإنسان الذي ترجح كفته دوما في ميزان الإسلام هو الإنسان الصادق الصافي الخالية نفسه من الغش والغدر والحسد والضغينة، ولو كان قليل العبادة، فمثله، على قلة عبادته، كمثل لبنة متماسكة نظيفة في بناء المجتمع الإسلامي، أما الإنسان الذي طوى صدره على مقت الناس وحسدهم وأذاهم وغشهم، فإن كفته تطيش في ميزان الإسلام، ولو كثرت عبادته، لأن مثله كمثل لبنة هشة فاسدة في بناء المجتمع، وقد تكون هي
(1) أخرجه البخاري في الأدب المفرد.