الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كنت لأمينا على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أجل، ولكن أحببت أن أستثبت)) (1).
وفي رواية لمسلم أيضا أن عمر قال معاتبا نفسه حين ثبت له الحديث: ((خفي علي هذا من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ألهاني عنه الصفق بالأسواق)). يعني الخروج إلى التجارة في الأسواق.
يجلس حيث ينتهي به المجلس:
وللمسلم الحق الواعي المستنير أدبه المتميز أيضا في المجلس الذي يغشاه، وإنه لأدب عالم مستقى من هدي الرسول القولي والعملي، يجعل من تحلى به آية في الرقي الاجتماعي والدماثة الخلقية.
وأول ما يتعلمه المسلم من هذا الهدي الرفيع الجلوس حيث ينتهي به المجلس، فلا يتخطى الرقاب، ولا يزاحم الجلوس ليفسحوا له مكانا بينهم في صدر المجلس، متبعا بذلك السنة الاجتماعية القويمة التي علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة الكرام حين يغشون مجلسه الكريم.
فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه، قال:((كنا إذا أتينا النبي صلى الله عليه وسلم جلس أحدنا حيث ينتهي)) (2).
فالمسلم المتأدب بهذا الأدب العالي يتحاشى أن يقحم نفسه بين اثنين،
فيفرق بينهما إلا بإذنهما حين تدعو ضرورة إلى ذلك؛ ذلك أن تفريقه بينهما بغير إذنهما مما نهى عنه الرسول الكريم، وحذر منه بقوله:
(1) رواه البخاري ومسلم. وانظر: الأدب المفرد، الحديث 1073.
(2)
رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح غريب.
((لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما)) (1).
ذلك أن اقحام الشخص نفسه بين اثنين، سواء كان ذلك في مجلس أم في غير مجلس، من الأمور المستكرهة المستهجنة التي اشتد الإسلام في تبيان قبحها، والتنبيه إلى تجنبها. والأحاديث والآثار في ذلك كثيرة جدا، ومنها ما يرويه سعيد المقبري، يقول:((مررت على ابن عمر ومعه رجل يتحدث، فقمت إليهما، فلطم في صدري فقال: إذا وجدت اثنين يتحدثان فلا تقم معهما، ولا تجلس معهما، حتى تستأذنهما. فقلت: أصلحك الله يا أبا عبد الرحمن، إنما رجوت أن أسمع منكما خيرا)) (2).
وإذا قام له أحد من المجلس ليجلسه مكانه لم يقبل الجلوس فيه؛ ذلك
أكرم وأفضل وأمثل، وأشبه بما كان عليه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم. فعن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((لا يقيمن أحدكم رجلا من مجلسه، ثم يجلس فيه، ولكن توسعوا وتفسحوا)) (3). وكان ابن عمر إذا قام له رجل من مجلسه لم يجلس فيه (4).
وإذا ما استقر به المجلس كان في أحاديثه وتصرفاته متأدبا ما استطاع بأدب الرسول الكريم حين كان يجالس الناس؛ فقد كان صلى الله عليه وسلم يعطي كل جلسائه نصيبه، لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه، لا يذم أحدا، ولا يعيره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوزه فيقطعه بانتهاء أو قيام (5).
(1) رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن.
(2)
أخرجه البخاري في الأدب المفرد.
(3)
متفق عليه.
(4)
رواه مسلم.
(5)
انظر حياة الصحابة 1/ 22 - 23.