الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان من حديث على رضي الله عنه:
((إذا اجتمع المسلمان فتذاكرا غفر الله لأبشهما وجها)).
ولذلك كان من عادة الصحابة الكرام الذي كان هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في نفوسهم حيا طريا أن يتصافحوا إذا تلاقوا وإذا قدموا من سفر تعانقوا، وفي ذلك إشاعة للمحبة الود بين الإخوة المتلاقين. ويروي ابن سعد في طبقاته (1) عن الشعبي قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر تلقاه جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، فالتزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبل ما بين عينيه، وقال: ما أدري بأيهما أنا أفرح، بقدوم جعفر أو بفتح خيبر. وزاد في رواية أخرى: وضمه إليه واعتنقه.
لقد حبب الإسلام إفشاء السلام، والمصافحة والمعانقة، عند تلاقي الإخوة، لتبقى أسباب الود بين القلوب معقودة الأواصر، ولتزداد وشائج الأخوة بين المؤمنين صلابة وقوة، وبذلك يستطيع المجتمع المسلم أن يعيش إسلامه، وينهض بتكاليف رسالته في الحياة.
ينصح لهم:
والمسلم الصادق ناصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((الدين النصيحة)) قلنا: لمن؟ قال: ((لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم))، فلا عجب أن يكون ناصحا لإخوانه، لا يخدعهم ولا يغشهم. والنصيحة في حس المسلم المرهف من أمهات قواعد الإسلام التي
كان المؤمنون الأولون يبايعون رسول الله عليها، يؤكد ذلك قول جرير بن
(1) 4/ 34.
عبد الله رضي الله عنه: ((بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسليم)) (1).
ولقد رأينا في الحديث السابق أن الرسول الكريم عرف الدين بكلمة واحدة هي ((النصيحة))، دلالة على أن النصيحة مرتكز الدين الأصيل، وأساسه الراسخ، إذ بدونها لا يصح إيمان المرء، ولا يحسن إسلامه، وهذا مصداق قول الرسول الكريم:
((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) (2). ولا يمكن أن
يحب له ما يحب لنفسه إلا إذا كان له محبا نصوحا.
لا جرم أنه مرتقى صعب عسير المنال أن يحب الإنسان لأخيه ما يحب لنفسه، ولكنه ليس بالمستحيل إذا استقر في حس هذا الإنسان أن حبه لأخيه ما يحب لنفسه شرط من شروط الإيمان، وأن الدين النصيحة، بل إنه ليغدو شيئا طبيعيا في تصرفات المسلم الحق الصادق الذي خالطت قلبه بشاشة الإسلام، وتاريخنا في القديم والحديث مليء بالشواهد على حب المسلمين الصادقين لإخوانهم ما يحبون لأنفسهم. ويحضرني في هذا المقام ما يتناقله شيوخ الجيل السابق من الأحياء عن التجار في بلاد الشام، ممن تجمعهم سوق واحدة، كسوق العطارين، وسوق الصباغين، وسوق الخياطين، وغيرها من الأسواق المسقوفة القديمة، كان أحدهم إذا سبق إليه مشتر، فاشترى منه بضاعة، ثم جاءه مشتر ثان، وكان جاره لم يستفتح نهاره ببيع بعد، قال له بلطف: اذهب واشتر ما يلزمك من جاري، فإني قد بعت، وهو لم يبع بعد.
(1) متفق عليه.
(2)
متفق عليه.
يا لله! كم تبدو الحياة بهيجة شائقة ممتعة في ظلال هذا الإخاء وهذا التعاطف! وكم يبدو الأحياء سعداء حين تسري فيهم روح الإسلام، وتسود في معاملاتهم قيمه! إنهم حينئذ يعيشون في سمو ما وصل إليه الإنسان إلا حين استظل بهذا الدين الذي علمه أن ((الدين: النصيحة))، وأنه لا يؤمن حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
من هذا المنطلق السامي الرفيع من المحبة والنصيحة، كان الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه يقول:
((المؤمن مرآة أخيه، إذا رأى فيه عيبا أصلحه)) (1).
وأبو هريرة في حديثه هذا يقتبس من هدي الرسول الكريم القائل:
((المؤمن مرآة أخيه، والمؤمن أخو المؤمن، يكف عليه ضيعته (2) ويحوطه من ورائه)) (3).
إنها طبيعة الأشياء أن يقف المسلم الحق الصادق من أخيه المسلم هذا الموقف السامى النبيل، ولو أراد أن يقف منه غير هذا الموقف لما استطاع، إذ ما كان لمن يعيش في ذلك الأفق العالي الوضيء أن يهبط في مواقفه إلى مستوى الفردية والأنانية والمنفعة الخاصة؛ فكل إناء بالذي فيه ينضح، والزهر لا ينفح إلا الشذا، والأرض الطيبة لا تخرج إلا النبات الطيب، ولله در الشاعر (4) إذ يقول:
وهل ينبت الخطي إلا وشيجه
…
وتغرس إلا في منابتها النخل
(1) أخرجه البخاري في الأدب المفرد.
(2)
أي يمنع ضياعه وهلاكه ويتكفله.
(3)
أخرجه البخاري في الأدب المفرد.
(4)
هو زهير بن أبي سلمى.