الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرد عن هدي الله، فإذا أفراده لا يبالون على من تسقط فضلاتهم التي يلقونها من فوق الرفات والنوافذ وأسطحة المنازل!
ولقد استطاع العالم الغربي المتمدن أن يصل في مثل هذه الأمور إلى مستوى عال من التنظيم بتعويد أفراده على احترام النظام، وتطبيقه بدقة وصرامة. بيد أن هذا المستوى الاجتماعي العالي عند الغرب يبقى دون المستوى الاجتماعي الإسلامي الصحيح؛ لسبب واضح، هو أن الفرد المسلم الذي أحكم الإسلام تربيته أكثر دقة وأشد إخلاصا في تطبيق النظام، لأنه يعتقد أن الخروج عن هذا النظام عصيان لله، يعاقب عليه في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، على حين لا يرى الغربي في مخالفته النظام أكثر من ذنب، قد يؤنبه ضميره عليه، وقد لا يؤنبه، ثم ينتهى الأمر، وبخاصة إذا كانت عين السلطة غافلة عنه.
يسعى بالصلح بين المسلمين:
ومن الاهتمام بأمر المسلمين، والحرص على نفعهم، ودفع الأذى عنهم، السعي بالصلح بينهم إن كانوا متخاصمين، والنصوص في وجوب الصلح بين المسلمين أكثر من أن تتسع لها هذه الصفحات، منها قوله تعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (1).
إنه أمر رباني حاسم بالصلح بين الطائفتين المتقاتلتين، ولو أدى الأمر إلى قتال الفئة المتعنتة الباغية، حتى يسود العدل مجتمع المؤمنين، وترف الأخوة بنداها النقي العطر في سمائه من جديد:
(1) الحجرات: 10.
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى بنفسه للصلح بين المتنازعين، على ما كان يشغله من أعباء الدعوة وتكاليفها، مؤكدا للمسلمين بسعيه هذا وجوب الصلح بين المتخاصمين، فعن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن بني عمرو بن عوف كان بينهم شر، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلح بينهم في أناس معه حتى حانت الصلاة
…
في حديث طويل متفق على صحته.
لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحرص الحرص كله على أن تسود الأخوة مجتمع المؤمنين، ويرفرف الوئام والصفاء والتفاهم في حياتهم، فكان لا يفتأ يحضهم على فعل المعروف والتسامح والتغاضي والرفق، بأقواله وأفعاله، ويولي هذا الجانب التربوي كثيرا من اهتمامه وعنايته، حتى يحول فورة الغضب والخصومة والتعنت إلى بسمة رضا وصفاء وتسامح، ومن ذلك ما روته أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، قالت:
سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت خصوم بالباب عالية أصواتهما، إذا أحدهما يستوضع الآخر (2)، ويسترفقه (3) في شيء، وهو يقول: والله لا أفعل، فخرج عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:((أين المتألي على الله (4) لا يفعل المعروف؟)). وهنا ذاب الخصم خجلا، إذ سمع صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستنكرا معاتبا، فتنازل عن حقه قائلا: أنا يا رسول الله، فله أي ذلك أحب (5).
وفي سبيل ذلك الإصلاح بين الناس كان الرسول صلى الله عليه وسلم يرخص في كثير
(1) الحجرات: 11.
(2)
أي يسأله أن يضع عنه بعض دينه.
(3)
أي يسأل الرفق.
(4)
أي الحالف.
(5)
متفق عليه.