الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حين لم يعرف هذا عنا في جاهليتنا، بله إسلامنا، إذ كان شاعرنا الشهم الغيور على الأعراض يقول حينما يصادف جارته (1):
وأغض طرفي ما بدت لي جارتى
…
حتى يواري جارتي مأواها
وقال الشاعر الأموي مسكين الدارمي:
ناري ونار الجار واحدة
…
وإليه قبلي تنزل القدر
ما ضر جارا لي أجاوره
…
ألا يكون لبابه ستر
أعمى إذا ما جارتي برزت
…
حتى يغيب جارتي الخدر
ولقد نمى الإسلام هذا الخلق الإنساني النبيل فينا، إذ حشد تلك النصوص الضخمة في رعاية الجار، وصيانة عرضه، والحفاظ على شرفه، وستر عورته، وسد خلته (2)، وغض البصر عن محارمه، والبعد عن كل ما يريبه ويسيء إليه.
فلا بدع أن يكون المسلم الحق الصادق خير جار عرفته المجتمعات البشرية في كل آن ومكان.
إن المسلم المتفتح الذهن، اليقظ البصيرة، المرهف الإحساس، الواعي أخلاق دينه وتوجيهاته الاجتماعية الراقية نحو جيرانه، ليحسب ألف حساب لخصومة قد تستعر بينه وبينهم لسبب من الأسباب؛ ذلك أن تحذير رسول الله صلى الله عليه وسلم من مخاصمة الجيران لا يبارح سمعه:
((أول خصمين يوم القيامة جاران)) (3).
لا يقصر في إسداء المعروف إليه:
بل إن المسلم الراقي في إسلامه، لا يدخر وسعا في إسداء المعروف
(1) البيت لعنترة، وهو في ديوانه تحقيق المولوي ص:308.
(2)
أي حاجته.
(3)
رواه أحمد والطبراني بإسناد حسن.
لجاره، فيفتح له باب الرعاية والود والإكرام على مصراعيه، محاذرا أن يقصر في واجبه نحوه، فيصدق عليه ما بينه الرسول الكريم في شأن الجار الكنود الكز قبيل المعروف في قوله:
((كم من جار متعلق بجاره يوم القيامة، يقول: يا رب، هذا أغلق بابه دوني، فمنع معروفه)) (1).
فيا لسوء الموقف! ويا لخجلة الجار الضنين بمعروفه على جاره يوم الأشهاد!
إن المسلمين في نظر الإسلام بناء سامق متراص، لبناته أبناء هذه الأمة، وكل لبنة ينبغي أن تكون متينة متماسكة، شديدة الارتباط باللبنات الأخرى، ليتوافر للبناء تماسكه وقوته وصموده، وإلا فإنه يتعرض للوهن والتداعي والانهيار.
ومن هنا أحاط الإسلام لبناته برباط وثيق من الزاد الروحي، يحفظ تماسكها وتساندها ومقاومتها، ليبقى بناء المسلمين قويا، لا تزعزعه عوارض الأحداث، ولا يهز من كيانه عاتي الأعاصير.
وما أروع التمثيل النبوي لتماسك المسلمين وتكافلهم وتساندهم في قول الرسول الكريم:
((المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضا)) (2).
وقوله:
((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) (3).
إن دينا يحرص على تماسك أفراد الأمة هذا التماسك العجيب لبدهي
(1) أخرجه البخاري في الأدب المفرد.
(2)
متفق عليه.
(3)
متفق عليه.