الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يغش ولا يخدع ولا يغدر:
والمسلم الصدوق الذي بلغ هذه المرتبة الرفيعة لا يغش ولا يخدع ولا يغدر؛ ذلك أن مقتضى الصدق النصيحة والصفاء والإنصاف والوفاء، لا الغش والخديعة والمخاتلة والإجحاف والغدر.
إن وجدان المسلم المرهف الصادق لا يطيق الغش ولا يصبر عليه، بل إنه ليرتجف هلعا منه، إذ يرى في ارتكابه انخلاعا من الانتساب للإسلام، يقرره رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم:
((من حمل علينا السلاح فليس منا، ومن غشنا فليس منا)).
وفي رواية لمسلم أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبرة (1) طعام، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللا، فقال:
((ما هذا يا صاحب الطعام؟)) قال: أصابته السماء (2) يا رسول الله، قال:((أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس! من غش فليس مني)).
إن مجتمع المسلمين مجتمع يعمره الحب، وتسوده النصيحة، ويغلب على أفراده البر والصدق والوفاء، ومن هنا لا مكان فيه لغشاش مخادع مخاتل مراوغ كفور غدار.
ولقد اشتد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتنديد بالغش والخديعة والغدر، فلم يكتف بنبذ الغشاش الغدار، ورميه بعيدا عن مجتمع المسلمين في الدنيا، بل أعلن أن كل غادر سيحشر يوم القيامة، وهو يحمل لواء غدرته، والمنادي ينادي في ساحة العرض الكبير، دالا عليه، لافتا إلى غدرته الأنظار، وذلك في قوله:
(1) أي كومة.
(2)
أي المطر.
((لكل غادر لواء يوم القيامة، يقال: هذه غدرة فلان)) (1).
فيا لخجلة الغدارين الذين حسبوا أن غدراتهم طوتها الأيام، فإذا هي تنشر يوم القيامة على رؤوس الأشهاد، وألويتها مرفوعة بأيديهم.
وإن خجلتهم لتزداد سوءا وخزيا يوم القيامة، حين يجدون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو المؤمل المرجى للشفاعة في هذا الموقف الرهيب، يعلن أن رب العزة يقف خصما لهم؛ لأنهم اقترفوا جريمة الغدر الفادحة، وإنها لجريمة كبرى، تحجب عن صاحبها رحمة الله، وتحرمه شفاعة رسوله الكريم:
((قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنة، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره)) (2).
إن المسلم الحق الذي أرهف الإسلام مشاعره، وفتح نوافذ البصيرة في نفسه، ليأنف من الخديعة والغش والغدر والكذب مهما جرت عليه هذه الصفات من منافع، ومهما حققت له من مكاسب؛ ذلك أن هدي الإسلام يعد أصحاب هذه الصفات من المنافقين وإن المنافقين لفي الدرك الأسفل من النار، ولا ناصر لهم يوم القيامة:
{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} (3).
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)) (4).
(1) متفق عليه.
(2)
رواه البخاري.
(3)
النساء:145.
(4)
متفق عليه.