الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يشهد الجماعة في المسجد:
ويحرص المسلم التقي على الجماعة الأولى في المسجد ما استطاع إلى ذلك سبيلا؛ ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر أن ((صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)) (1).
وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن المسلم ((إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد، لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة (2)، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه ما لم يحدث: اللهم صل عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة)) (3). وبشر الرسول الكريم المصلي الحريص على الجماعة بالجنة في كل غدوة من غدواته إلى المسجد أو روحة إليه، فقال:((من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلا، كلما غدا أو راح)) (4).
ولهذا كان الصحابة رضوان الله عليهم أحرص ما يكونون على صلاة الجماعة، وفي ذلك يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
من سره أن يلقى الله تعالى غدا مسلما فليحافط على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما يتخلف
(1) متفق عليه.
(2)
لهذا كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقارب بين خطوه، وهو في طريقه إلى المسجد، لتزداد خطواته فتزداد بها حسناته.
(3)
متفق عليه.
(4)
متفق عليه.
عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى (1) بين الرجلين حتى يقام في الصف (2).
ويبلغ اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بأمر الجماعة في المسجد أن يهم بتحريق بيوت تاركي الجماعة من غير عذر، إذ يقول:
((والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب، فيحتطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلا فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم)) (3).
فلا عجب بعد ذلك أن نجد مثل سعيد بن المسيب لا يرى خلال ثلاثين سنة قفا أحد في المسجد لأنه كان دائما في الصف الأول قبل الأذان، وأمثال سعيد كثير في تاريخ المسلمين.
ولم يكن بعد الدار عن المسجد ليعيق الصحابة الكرام عن حضور الجماعة كلما سمعوا النداء، لما كان للجماعة من أهمية بالغة في نفوسهم، بل إنهم كانوا يسرون ببعد بيوتهم عن المسجد ليكتب لهم ممشاهم إلى المسجد، وتحسب لهم خطواتهم إليه في صحيفة أعمالهم:
فعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: كان رجل من الأنصار لا أعلم أحدا أبعد من المسجد منه، وكانت لا تخطئه صلاة! فقيل له: لو اشتريت حمارا لتركبه في الظلماء وفي الرمضاء (4)، قال: ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((قد جمع الله لك ذلك كله)) (5).
(1) أي يمشي بينهما معتمدا عليهما من ضعفه وتمايله.
(2)
رواه مسلم.
(3)
متفق عيه.
(4)
أي شدة الحر.
(5)
رواه مسلم.
ولقد كان من هدي الرسول الكريم للصحابة الذين بعدت بيوتهم عن المساجد ألا يتحولوا إلى بيوت قريبة منها، وأكد لهم أن آثارهم في السعي إليها ستكتب في صحيفة أعمالهم، وأن خطواتهم الكثيرة إليها لن تضيع:
فعن جابر رضي الله عنه قال: ((خلت البقاع حول المسجد، فأراد بنوا سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد، فبلغ ذلك النبى صلى الله عليه وسلم فقال لهم: ((بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد؟)) قالوا: نعم يا رسول الله، قد أردنا ذلك، فقال:((بني سلمة دياركم تكتب آثاركم، دياركم تكتب آثاركم))، فقالوا:((ما يسرنا أنا كنا تحولنا)) (1).
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم، والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجرا من الذي يصليها ثم ينام)) (2).
وجاء الحث على حضور الجماعة في الصبح والعشاء في عدد من النصوص، بين فيها الرسول الكريم الثواب الجزل العميم لمن شهد الجماعة في هاتين الصلاتين، أجتزئ منها بنصين:
الأول: عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله)) (3).
والثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال سول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس صلاة أثقل على المنافقين من صلاة الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا)) (4).
(1) رواه مسلم، وروى البخاري معناه من رواية أنس.
(2)
متفق عليه.
(3)
رواه مسلم.
(4)
متفق عليه.