الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
((من اقتنى كلبا إلا كلب صيد أو ماشية، فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان)) (1).
وأما اقتناء الكلاب على الطريقة الغربية في البيوت، والعناية بها وتدليلها، وتخصيص أطعمة وصابون (شامبو) لها، وإنشاء حمامات خاصة بها، إلى غير ذلك مما ينفق عليه الغرب والولايات المتحدة بلايين الدولارات في العام، فليس من الإسلام وعاداته السمحة في شيء. وإذا كانت ظروف القوم النفسية في الغرب، والحياة المادية الجافة التي يحيونها انحرفت بهم إلى هذا التطرف في تربية الكلاب، ليعوضوا بها عن عاطفة الحب الإنساني التي فقدوها في حياتهم الاجتماعية، فإن الحياة الاجتماعية في الإسلام ريا بالعاطفة الإنسانية، ولا حاجة بها لمثل هذا الانحراف (2).
يتأدب بأدب الإسلام في طعامه وشرابه:
ومن أهم ما يميز المسلم الحق أدبه على الطعام. فإذا ما وجد في مجتمع على مائدة طعام عرفته من آداب طعامه وشرابه التي جاء بها الهدي النبوي العالي، ورغب كل مسلم أن يتحلى بها.
فهو لا يبدأ الطعام حتى يسمي الله، ويأكل بيمينه، وما يليه، عملا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
((سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك)) (3).
وإذا نسي أن يذكر اسم الله تعالى في أول طعامه استدرك ما فاته فقال:
(1) متفق عليه.
(2)
انظر تحليلا لهذا الانحراف 154 - 156.
(3)
متفق عليه.
بسم الله أوله وآخره، كما في الحديث الذي روته السيدة عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى، فإن نسي أن يذكر اسم الله تعالى في أوله فليقل: بسم الله أوله وآخره)) (1).
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهتم جدا بذكر الله تعالى على الطعام، ويحض أصحابه على ذلك لما في هذا الذكر من خير كثير للآكلين، ودفع للشيطان وأذاه عن الطعام وآكليه:
فعن حذيفة رضي الله عنه قال: كنا إذا حضرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما لم نضع أيدينا حتي يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضع يده. وإنا حضرنا معه مرة طعاما، فجاءت جارية كأنها تدفع، فذهبت لتضغ يدها في الطعام، فأخذ رسول الله بيدها، ثم جاء أعرابي كأنما يدفع، فأخذ بيده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إن الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله تعالى عليه، وإنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها فأخذت بيدها، فجاء بهذا الأعرابي ليستحل به فأخذت بيده، والذي نفسي بيده إن يده في يدي مع يديهما، ثم ذكر اسم الله تعالى وأكل)) (2).
أما المسألة الثانية فهي أكله بيمينه؛ فالمسلم المتأدب بأدب الإسلام يأكل بيمينه، ولا يأكل بشماله، وقد جاء الأمر بالأكل باليمين، والنهي عن الأكل بالشمال، واضحين صريحين في أحاديث كثيرة، منها قول الرسول الله:((إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله)) (3).
(1) رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
(2)
رواه مسلم.
(3)
رواه مسلم.
وقوله:
((لا يأكلن أحدكم بشماله، ولا يشربن بشماله، فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله)).
وكان نافع يزيد فيها: ((ولا يأخذ بها ولا يعط بها)) (1).
وكان الرسول الكريم إذا رأى أحدا يأكل بشماله نهاه ووعظه وأدبه، وربما اشتد ودعا عليه إذا رأى منه كبرا وإصرارا على فعلته:
فعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن رجلا أكل عند رسول الله بشماله، فقال:((كل بيمينك)) قال: لا أستطيع. قال: ((لا استطعت))! ما منعه إلا الكبر! فما رفعها إلى فيه (2).
ذلك أن الرسول الكريم يحب التيامن في كل شيء، ويحض على الأخذ به، وفي ذلك يروي الشيخان والإمام مالك عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بلبن قد شيب بماء من البئر، وعن يمينه أعرابي وعن يساره أبو بكر الصديق، فشرب، ثم أعطى الأعرابي، وقال:((الأيمن فالأيمن)).
وأتي مرة بشراب، وكان عن يمينه غلام (3)، وعن يساره أشياخ، فشرب، ثم قال للغلام: الشربة لك، فهل تتنازل عنها لهؤلاء الأشياخ؟ فقال الغلام: لا والله، لا أوثر بسؤرك أحدا يا رسول الله، والحديث المروي في هذا عن سهيل بن سعد رضي الله عنه، ونصه:
((أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بشراب، فشرب منه، وعن يمييه غلام وعن يساره
(1) رواه مسلم.
(2)
رواه مسلم.
(3)
هو ابن عباس.
أشياخ، فقال للغلام:((أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟)) فقال الغلام: لا والله، لا أوثر بنصيبي منك أحدا، فتله (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده (2).
إن هذه الشواهد والنصوص، وأمثالها كثير، لتدل دلالة قاطعة على أن التيامن أدب هام جدا من آداب الإسلام، يأخذ المسلم الحق به نفسه دونما تساهل أو ترخص أو تراخ، وهذا ما كان عليه الصحابة والتابعون، لا يشذ عن ذلك منهم أحد، ولقد كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعير هذا التيامن أهمية كبرى، ولا يتغاضى عمن يتساهل فيه. وفي إحدى جولاته على الرعية متفقدا أحوالهم رأى رجلا يأكل بشماله، فقال له: يا عبد الله كل بيمينك، ورآه ثانية يأكل بشماله، فخفقه بالدرة، وقال له: يا عبد الله كل بيمينك، ورآه مرة ثالثة يأكل بشماله، فخفقه بالدرة، وقال له بحدة: يا عبد الله كل بيمينك، فأجاب الرجل: يا أمير المؤمنين إنها مشغولة، فقال عمر: وما شغلها؟ قال: شغلها يوم مؤتة (3)، فبكى عمر، وأقبل على الرجل معتذرا مواسيا قائلا له: من يوضئك؟ من يقوم بحاجاتك؟ من يعينك على أمورك؟ ثم أمر، بإنصافه ورعايته.
إن اهتمام أمير المؤنين عمر رضي الله عنه بهذه الجزئية في سلوك رجل
من الرعية ليؤكد أهمية هذه الجزئية، ودلالتها الكبيرة على شخصية المسلم، وتعبيرها عن هويته المتميزة، وحرص عمر الشديد على تطبيقها في حياة المسلمين. ومن هنا لا يجوز التساهل فيها أو التغاضي عنها.
وأحب أن أسوق هذا الكلام إلى المسلمين الذين أخذوا بنظام المائدة الغربية القاضي بجعل الشوكة على اليسار، والسكين على اليمين، ليقطع
(1) أي وضعه.
(2)
متفق عليه.
(3)
) أي قطعت في غزوة مؤتة.
الأكل بيمينه، ويتناول اللقمة بيساره، فاتبعوه دونما تعديل، فإذا هم يأكلون بيسارهم مخالفين بذلك هدي دينهم، ولم يكلفوا أنفسهم أن ينقلوا الشوكة إلى اليمين، والسكين إلى اليسار، ليأكلوا بيمينهم خشية أن يخدش (الإتيكليت) الغربي. وهذا لون من ألوان الهزيمة النفسية التي منيت بها أمتنا أمام ما يفد إلينا من أشياء مستحدثة، نعكف على تطبيقها دونما تعديل أو تكييف يوائم شخصيتنا وديننا وقيمنا الأصيلة. والمسلم الحق بعيد عن هذا التقليد الببغاوي الأعمى التافه الهزيل.
إن المسلم الواعي البصير المعتز بهدي دينه القويم وأدبه العالي الرفيع
في شؤون الحياة كافة ليعمد إلى الأكل باليمين، داعيا إلى ذلك، ولا يخجل أن يجهر به في المحافل والمجتمعات التي لا تزال تتمسك بحرفية ما جاءنا من الغرب، حتى يتنبه الغافلون واللامبالون، ويثوبون إلى رشدهم في اتباع هدي السنة النبوية المطهرة في التيامن في الطعام والشراب.
وأما المسألة الثالثة، فهي أكله مما يليه، عملا بأدب الإسلام في تناول الطعام. وقد جاء به الأمر النبوي أيضا صريحا واضحا مع التسمية والأكل باليمين في أحاديث كثيرة، ومنها قوله فيما رواه عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه قال: كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم (1)، وكانت يدي تطيش في الصحفة (2)، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((يا غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك)) (3).
وإذا تناول المسلم طعامه بيده تناوله برفق ولطف وتهذيب، كما كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ كان يتناول طعامه بأصابع ثلاث، ولا يغمس يده كلها
(1) أي تحت نظره.
(2)
أي تتحرك وتمتد إلى نواحي الصحفة، وهي الإناء.
(3)
متفق عليه.
في الطعام على نحو تشمئز منه الأنظار وتنفر النفوس، وهذا ما حكاه كعب بن مالك رضي الله عنه قال:
((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع، فإذا فرغ لعقها)) (1).
وكان صلى الله عليه وسلم يأمر بلعق الأصابع وسلت الصحفة (2)، وذلك فيما يروى عن جابر رضي الله عنه من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلعق الأصابع والصحفة، وقال:
((إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة)) (3).
وعن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل طعاما لعق أصابعه الثلاث، وقال:((إذا سقطت لقمة أحدكم فليأخذها، وليمط عنها الأذى، وليأكلها، ولا يدعها للشيطان))، وأمرنا أن نسلت القصعة، وقال:((إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة)) (4).
وفي هذا الهدي النبوي الكريم، فضلا عن التماس البركة، حض على نظافة الأيدي والآنية؛ ومسحها من بقايا الأطعمة أليق بالإنسان المهذب النظيف، وأدل على نظافته وترتيبه وذوقه المرهف. وقد وصل الغرب اليوم إلى الأخذ بهذه العادة الحسنة التي قررها الرسول الكريم منذ خمسة عشر قرنا؛ فالأوربيون اليوم يمسحون الصحون ولا يدعون فيها شيئا.
وبدهي أن المسلم المرهف الحس المتأدب بأدب الإسلام لا يتمطق في
أكله، ولا يشخر، ولا ينفخ حين مضغه الطعام محدثا أصواتا منفرة مزعجة، ولا يكبر اللقمة بحيث يصبح منظر فيه منتفخا مزريا قبيحا.
(1) رواه مسلم.
(2)
أي مسحها.
(3)
رواه مسلم.
(4)
رواه مسلم.
فإذا فرغ من طعامه، فاه بالحمد لله عز وجل بالصيغة الرائعة التي علمنا
إياها الرسول الكريم، شاكرا نعمته، ملتمسا منه أجر ومثوبة الحامدين الشاكرين.
فعن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع مائدته قال: ((الحمد لله كثيرا طيبا مباركا فيه، غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه، ربنا)) (1).
وعن معاذ بن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((من أكل طعاما فقال: الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة، غفر له ما تقدتم من ذنبه)) (2).
ولا يعيب المسلم المتأدب بأدب الإسلام الطعام مهما كان، أخذا بالهدي النبوي في ذلك، وجريا على فعل الرسول صلى الله عليه وسلم حين يأتيه الطعام.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط: إن اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه)) (3).
وأما آدابه في الشراب فمستمدة أيضا من أدب الإسلام الذي أدب الإنسان، فأحسن تأديبه في كل شأن من شؤون الحياة.
فهو يشرب على دفعتين أو ثلاث، بعد التسمية، ولا يتنفس في الإناء، ولا يشرب من فم السقاء ما أمكنه ذلك، ولا ينفخ في الشراب، ويشرب قاعدا إن استطاع.
(1) رواه البخاري.
(2)
رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن.
(3)
متفق عليه.