الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنه الفرق البعيد الشاسع بين تشريع الله الذي جاء لسعادة الإنسان، وتشريع البشر القاصر الذي شقي به الإنسان.
ولا بدع أن نجد في الغرب، نتيجة لهذا التشريع المادي، جيوش المنحلين التائهين من الشبان، وجموع العاثرات من الأمهات غير المتزوجات من الفتيات البائسات الضائعات، وأعداد هؤلاء وأولئك في تصاعد مستمر على مر الأيام.
مفتح العينين على كل ما تؤثر في تكوينهم وتوجيههم:
والوالد المسلم الواعي مفتح العينين على أولاده، يعرف ما يقرأون وما يكتبون، ويعرف هواياتهم التي اختاروها لأنفسهم، أو لفتهم هو إليها ونماها فيهم من حيث لا يشعرون، ويعرف رفاقهم الذين يلازمونهم، أو يقضون معهم معظم الأوقات، ويعرف الأماكن التي يرتادها أولاء في أوقات الفراغ، يعرف هذا كله من حيث لا يشعرون برقابته عليهم، فإذا ما وجد انحرافا منهم في مطالعة، أو هواية، أو تعلق برفيق سوء، أو ارتياد لأماكن مشبوهة، أو اعتياد بعض العادات الضارة كالتدخين، أو العكوف على الألعاب المكروهة أو المحرمة، مما يقتل الوقت، ويهدر الطاقة، ويعود الناشىء على الفراغ واللهو والتفاهة، إذا ما آنس الوالد شيئا من ذلك في أولاده، ردهم إلى الجادة برفق وحكمة وحزم، وسددهم إلى الصواب بلباقة وإقناع وجد.
ذلك أن كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري.
ومن هنا تبرز مسؤولية الوالدين في صياغة عقل المولود وتكوين شخصيته وتربية نفسه بملاحظة العوامل التربوية المؤثرة المذكورة آنفا.
فالكتاب الذي يعكف على مطالعته الأولاد ينبغي أن يكون مفتحا
لأذهانهم، مكونا لنفوسهم على مكارم الأخلاق، مزودا شخصياتهم بالمثل العليا، لا أن يكون مغتالا لعقولهم، مفسدا لفطرهم، مطفئا جذوات الخير في نفوسهم.
والهوايات ينبغي أن تكون منفية جوانب الخير في نفوسهم لا جوانب الشر، مشعلة جمرات الحق في أفئدتهم لا جمرات الباطل، مربية فيهم الذوق السليم لا الذوق السقيم.
والرفيق ينبغي أن يكون قائدا إلى الجنة لا إلى النار، مرشدا إلى الحق
لا إلى الباطل، هاديا إلى الرشد والتسامي والنجاح والبر، لا إلى الغي والهبوط والخيبة والعقوق، وكم من رفيق جر رفاقه إلى مزالق السوء ومنحدرات الشر ومهاوي الرذيلة، والآباء عن أولادهم غافلون، وما أحكم قول الشاعر عدي بن زيد العبادي في الصاحب والقرين (1):
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم
…
ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي
عن المرء لا تسأل وسل عن قرييه
…
فكل قرين بالمقارن يقتدي
وهكذا فعين الوالد المسلم الواعي تلحظ في تربيته لأولاده الكتاب والمجلة والرفيق والهواية والمدرسة والأساتذة والنادي ووسائل الإعلام، وكل ما له تأثير في تكوين شخصيات أولاده وتربية عقولهم ونفوسهم وعقيدتهم، وتتدخل عند اللزوم سلبا أو إيجابا، كيلا تتعثر العملية التربوية للأولاد، أو تصاب بعراقيل أو أمراض أو مشوهات.
ومن هنا نستطيع تفسير نجاح بعض الأسر في تربية أبنائها، وإخفاق بعضها، فالأسر الأولى شعرت بمسؤوليتها إزاء أولادها، فأولتهم عنايتها، فكانوا خيرا عليها وعلى المجتمع والناس، والثانية لم تشعر بمسؤوليتها هذه،
(1) ديوان عدي: 107.