الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حليم:
والمسلم التقي الذي ارتوت نفسه من هدي الإسلام يروض نفسه دوما على الحلم وكظم الغيظ، متمثلا قول الله تبارك وتعالى:
{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (1).
ذلك أن الشديد في نظر الإسلام ليس بالرجل ذي العضلات المفتولة،
القادر على صرع الناس والتغلب عليهم، بل الشديد هو الرجل المتزن الحليم الذي يملك نفسه عند الغضب:
((ليس الشديد بالصرعة (2)، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)) (3).
إن ضبط النفس عند الغضب مقياس رجولة الرجال، وليس اندفاعهم وراء لوثة الغضب الهوجاء، واستسلامهم لنزق الانفعال الطائر؛ فبضبط الرجل نفسه، وتحكمه في أعصابه حين الثورة والانفعال، يسيطر على المواقف، ويدرأ الفتن والخصومات، ويحسن الوصول إلى الهدف، ويحظى برضا الله والناس. ومن هنا كانت توصية الرسول الكريم للرجل الذي يستوصيه كلمة واحدة:((لا تغضب))،! وردد الرجل مرارا قوله: أوصني، وكان جواب الرسول الكريم هذه الكلمة الجامعة لمكارم الأخلاق:((لا تغضب)) (4).
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس:
((إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة)) (5).
(1) آل عمران: 134. وانظر فضل بيان في هذه المسألة ص 142، 143.
(2)
أي الذي يصرع الناس ويغلبهم.
(3)
متفق عليه.
(4)
رواه البخاري.
(5)
رواه مسلم.
إن المسلم الحق ليغضب أحيانا، ولكنه لا يغضب إذا غضب لنفسه، وإنما يغضب لله، حين تنتهك حرمة من حرماته، أو يعتدى على شعيرة من شعائر دينه، أو يعطل حكم من أحكامه، هنالك ينتفض المسلم ثورة عارمة على المعتدين الآثمين المنتهكين حرمات الله، العابثين بشرعه وأحكامه وقيمه، وهذا ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه البخاري ومسلم.
((ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه، إلا أن تنتهك حرمة الله، قينتقم لله بها)).
لقد كان صلوات الله عليه يغضب، ويتلون وجهه الشريف حين يجد إساءة لسمعة الدين، أو خطأ في تطبيق أحكامه، أو تساهلا في إقامة حدوده. غضب يوم جاءه رجل فقال: إني لأتأخر عن صلاة الصبح من أجل فلان مما يطيل بنا، فلم ير النبي الكريم غضب في موعظة قط أشد مما غضب يومئذ، فقال:
يا أيها الناس، إن منكم منفرين، فأيكم أم الناس فليوجز، فإن من ورائه الكبير والصغير وذا الحاجة)) (1).
وغضب يوم قدم من سفره على عائشة فرأى في بيتها سترا رقيقا فيه تماثيل، فلما رآه هتكه وتلون وجهه، وقال:((يا عائشة، أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله)) (2).
وغضب يوم كلمه أسامة بن زيد في شأن المرأة المخزومية التي سرقت، وعزم رسول الله على أن يقيم عليها الحد، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: من يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد، حب
(1) متفق عليه.
(2)
متفق عليه.