الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على معروفهم، ولا تند عنه عبارة تثلج صدور صانعي المعروف، وتهز فيهم المروءة، وتحرك الأريحية، هو إنسان جحود كنود كفور، لا يقدر النعم والفضائل ولا يشكر عليها، فهو غير مؤهل لشكر الله تعالى، واهب النعم والفضائل والخيرات. وفي هذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((لا يشكر الله من لا يشكر الناس)) (1).
ذلك أن في شكر من أسدى إليك معروفا إشاعة لفعل الخير، وتشجيعا عليه، وترغيبا فيه، وفيه أيضا تعويد للإنسان على حفظ اليد، وتقدير المعروف، والاعتراف بالجميل، وبهذا وذاك تتوطد أواصر المودة بين أفراد المجتمع، وتنفتح القلوب على الحب، وتنشط النفوس لفعل الخير، وهذا ما يهدف الإسلام إلى ترسيخه في المجتمع الإسلامي.
يخالط الناس ويصبر على أذاهم:
والمسلم الحق العامل يخالط الناس ويصبر على أذاهم؛ لأنه صاحب قضية، ورائد رسالة، ولسان دعوة. ولا بد لمن تصدى لهذه المهمات الجسام من أن يوطن نفسه على التضحية في سبيل تلك القضية، والصبر على تكاليف الرسالة، وتحمل تبعات الدعوة، ومنها الصبر على آراء الناس الفجة، وسوء تصرفاتهم، وخطل ظنونهم وتصوراتهم، وجفاء طبعهم، وبطء استجابتهم للحق، وتثاقلهم إلى الأرض، والدوران حول المصلحة والذات، إلى غير ذلك مما يبدر من البشر من تفاهات يضيق بها الدعاة ذرعا، فإذا هم يميلون في لحظات السأم والضيق والإعياء إلى الانزواء واعتزال الناس، ومن هنا جاء الهدي النبوي العالي يشد من عزمات المؤمنين، ويربط على قلوبهم، ويثبث
(1) أخرجه البخاري في الأدب المفرد.
منهم الأقدام، فيعلن أن الصابرين في درب الدعوة الشائك الطويل خير من الذي لا يصبرون:
((المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط
الناس ولا يصبر على أذاهم)) (1).
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم والأنبياء من قبله آية في الصبر على رعونات الناس وتخرصاتهم وتفاهاتهم، ما احوج الدعاة إلى الوقوف عندها كلما نفد صبرهم، وضاقت صدورهم، وبرح بهم الأذى والعدوان.
ومن نماذج ذلك الصبر الكبير ما رواه الشيخان من أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم قسمة كبعض ما كان يقسم، فقال رجل من الأنصار: والله إنها لقسمة ما أريد بها وجه الله عز وجل. وبلغت تلك القالة الظالمة مسامع الرسول الكريم فشق ذلك عليه، وتغير وجهه، وغضب، ثم قال:((قد أوذي موسى بأكثر من ذلك فصبر)).
بهذه الكلمات القليلة سكت عن الرسول الكريم الغضب، وانقشع الغيظ، وهدأت النفس الكريمة السمحة الصفوح.
إنه خلق الأنبياء والدعاة الصادقين في كل زمان ومكان، وهو الصبر على
أذى الناس وتخرصاتهم وأقاويلهم، وبدونه لا تستمر دعوة، ولا يثبت دعاة. ولا تنقص المسلم الواعي الحصيف اللباقة في تألف الناس ومداراتهم واتقاء شرهم وفحشهم، إن كانوا من السفهاء؛ فالمؤمن كيس فطن في مخالطته الناس، ذكي لبق في مخاطبتهم، لا يحسون منه جفوة، ولا يلمسون فظاظة أو غلظة، وهذا ما جاء به الهدي النبوي الكريم فيما يرويه الإمام البخاري عن السيدة عائشة من أن رجلا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:
(1) أخرجه البخاري في الأدب المفرد.