الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ودهما؟! ألا إنه الإسلام ومنهجه المتميز الفريد في صياغة النفوس وتقرير الأواصر الإنسانية النبيلة السامية التي ما وصل إليها نظام، ولا بلغ شأوها تشريع.
أسلوبه في بره لهما:
إن المسلم الذي صاغه الإسلام بحق إنسان بار بوالديه، يحيطهما بأجمل مظاهر الاحترام والتقدير، يقوم لهما إذا قدما على مجلسه، وينكب على أيديهما لثما وتقبيلا، يغض من صوته أمامهما تأدبا منه وإجلالا لهما، ويخفض لهما من جناحه، وينتقي العبارات المهذبة اللطيفة في حديثه معهما، فلا يجري على لسانه معهما لفظ ناب أو عبارة خشنة جارحة، ولا يبدو منه في تعامله معهما فعل عار عن أدب التوقير والتكريم والإجلال، مهما تكن الظروف والأحوال، مستهديا دوما بقوله تعالى:
وقد يكون الوالدان منحرفين عن جادة الصواب، حائدين عن طريق الحق، فواجب الولد المسلم البار في مثل هذه الحالة أن يتأتى إليهما برفق وتؤدة ولباقة وسماحة، ليزحزحهما عن الباطل الذي يتمسكان به، لا يشتد، ولا يغلظ، ولا يقسو، ولا ينهر، بل يحاول إقناعهما بذكاء وتلطف، حتى يلفتهما إلى الحق الذي يؤمن به، وسلاحه في هذا كله الحجة القوية، والمنطق السليم، والأسلوب المهذب الحكيم.
(1) الإسراء: 23 - 24.
ولا ينسى المسلم الواعي الحصيف أنه مطالب بهذا الأسلوب مع والديه حتى لو كانا مشركين. إنه مطالب حتى في حالة شركهما أن يحسن معاشرتهما، وإنه ليعلم أن الشرك أكبر الكبائر. إنه ليمتثل في ذلك أمر الله جل وعلا إذ يقول:
إن الوالدين لأقرب الأقرباء، وأحب الأحباب، ولكن رابطتهما- على جلالة قدرهما- تأتي بعد رابطة العقيدة، فإن كانا مشركين وأمرا ابنهما بالشرك، فلا طاعة لهما عليه؛ إذ لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإذ تعلو وشيجة العقيدة على كل وشيجة، ويسمو أمرها على كل أمر، ولكن الولد يبقى ملزما ببرهما ورعايتهما والإحسان إليهما.
ومن هنا كان المسلم الحق برا بوالديه في الأحوال كلها، عاملا على إسعادهما وإدخال السرور على قلبيهما ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وفي حدود طاعة الله عز وجل، لا يدخر وسعا في تقديم ألوان البر والرعاية والإكرام لهما، من مأكل شهي، وملبس نفيس، وسكن مريح، وما يدخل في طوقه من صنوف الرفاهية المباحة المناسبة للعصر الذي يعيشان فيه، والمستوى الاجتماعي الذي هما عليه، وفوق ذلك كله: الكلمة الطيبة، والوجه الطلق المحيا، الباسم الثغر، الفائض بالحب والحنان والوفاء والعرفان بالفضل لصاحبي الفضل الكبير، الوالدين.
(1) لقمان: 13.
ويمتد بر المسلم الحق لوالديه إلى ما بعد وفاتهما، بالتصدق عنهما، والإكثار من الدعاء لهما بمثل قوله تعالى:
وبعد، فهذا هو هدي الإسلام في بر الوالدين، وهذا هو المسلم الحق المهتدي به، فهل يتبعه المسلمون اليوم بعد أن غمرتهم الحياة المادية، وأعشت أبصارهم أضواء المدنية الحديثة؟.
إن الاهتمام لينصب اليوم في حياتنا على الزوجة والأولاد. أما الوالدان، فالعناية بهما تأتي بعدهم، وقد لا يظفر باليسير منها الوالدان، إلا إذا كان أولادهما من البررة الأتقياء.
ذلك أن النظم الاجتماعية الغربية الحديثة التي غزت عقول كثير من المسلمين، لا تحسب حسابا لبر الوالدين وحفظ شيخوختهما، وصونهما من الضيعة والامتهان حين يردان إلى أرذل العمر، وهذا ما جعل الرجل المطبوع بتلك المفاهيم والنظم لا يفكر إلا بزوجه وأولاده، ولا يلتفت إلى الوراء قليلا، ليلقي نظرة حب وبر ووفاء للجيل المدبر المولي، الذي طالما سهر الليل في تربيته، وأنفق الغالي والرخيص في تنشئته وإعداده للحياة، فتراه إذا ما فكر بالسكن المريح، والملبس الفاخر، والطعام الطيب، والرحلة الممتعة، التفت قلبه لزوجته وأولاده، ولم تدر في خلده خاطرة تذكره بنصيب والديه من هذا النعيم، وإنهما لفي أمس الحاجة إليه، يتلقيانه من يد ولدهما الحبيب.
إن بر الوالدين والإقبال عليهما بالقلب النابض بالحب، واليد المبسوطة بالبذل، وبالكلمة الطيبة المؤنسة، والبسمة المفترة الودود، لخليقة أصيلة من
(1) الإسراء: 24.
خلائق المسلمين. وما ينبغي للمسلمين أن تغيب فيهم هذه الخليقة، مهما تعقدت أمور الحياة،! مهما طرأ عليها من تطؤر، ومهما تجضغ فوقها من ركام العادات المستوردة؟ فهي من الخلائق التي تحفظهم من تحخر القلب،! تقيهم من أنانية السلوك، وترف! م إلى أصالتهم وإنسانيتهم صوفائهم، إذا ما ترفى غيرهم في حضيض الأثرة والجحود والكفران، وهي فوق ذلك كله، تفتح لهم أبواب الجنان.