الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلا بدع أن يقبل المسلم الصادق على هذه الرسالة إقبال الربيع، فيهبها كل خيره، ويمنحها كل كنوزه، ويضع في سبيل نصرتها كل وقته وجهده وماله؛ ذلك أنها سمة حياته المتميزة، ومعنى وجوده السامي، وعنوان قربه من الله، لا طعم لحياته إلا بها، ولا معنى لوجوده بدونها، ولا اطمئنان إلى رضوان الله إلا بالعمل المتواصل الدؤوب على تحقيقها.
وهي، بعد، أعظم عبادة يقوم بها المسلم المتبتل الصادق، يتقرب بها إلى الله، وهي أجل عمل يدنيه منه، ويكسبه رضاه. ومن هنا كان المسلم الواعي عاملا دوما على نصرة هذه الرسالة وتحقيق هدفها الكبير في الحياة، لا يمنح ولاءه إلا لها، ولا يرفع راية إلا رايتها، ولا يلتزم بعقيدة سواها.
كثير التلاوة للقرآن:
ومن أجل بلوغ هذا المرتقى السامي الوضيء يفيء المسلم دوما إلى ظلال القرآن الوارفة المعطرة، يستروح فيها نسمات الهداية الندية البرود، ويستشرف آفاق الخير، تفتحها له آيات الذكر الحكيم، فهو يكثر من تلاوته في تدبر وتفكر وخشوع، ويجعل لهذه التلاوة أوقاتا لا تتخلف، يخلو فيها إلى ربه يتلو كلامه، فتنسرب معانيه في نفسه فتزكيها، وتلامس عقله فتنميه، وتخالط قلبه فتزيده إيمانا وطمأنينة:{أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (2).
وحسب المسلم التقي الواعي أن يتملى الصورة الجميلة المحببة لقارئ القرآن التي رسمها الرسول الكريم ببيانه البليغ الفذ، ليملأ بياض
(1) الإسراء: 70.
(2)
الرعد: 28.
أيامه وسواد لياليه بتلاوة القرآن الكريم، والتغني بمعانيه العاليه المباركة الوضاء. يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم:
((مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة (1)، ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمر، لا ريح لها، وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر)) (2).
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((اقرأوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه)) (3).
ويقول أيضا: ((الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه، وهو عليه شاق، له أجران)) (4).
فهل يستطيع المسلم الصادق بعد هذا أن يتلكأ في تلاوة القرآن وتدبر معانيه؟!.
وبعد، فهذا شأن المسلم الحق مع ربه: إيمان صادق عميق، وعمل صالح مستمر، وتطقع دائم إلى رضوانه، يؤكد عبوديته له، ويحقق الهدف من وجوده في هذه الحياة الذي حدده قوله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (5).
…
(1) الأترجة: فاكهة ذات رائحة طيبة تشبه الكبااد.
(2)
متفق عليه.
(3)
رواه مسلم.
(4)
متفق عليه.
(5)
الذاريات: 56.