الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تبارك وتعالى يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} . وإن أحب مالي إلي بيرحاء (1)، وإنها صدقة لله تعالى أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((بخ (2)، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح! وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين))، فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه (3).
وأوغل رسول الله صلى الله عليه وسلم في قلب الزمن، موصيا بالرحم المتحدرة عبر القرون والآماد، حينما أوصى بشعب مصر في الحديث الذي رواه مسلم:
((ستفتحون مصر، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها، فإن لهم ذمة ورحما، أو قال: ذمة وصهرا)). وقال العلماء في شرحه: الرحم التي لهم: كون هاجر أم إسماعيل منهم. والصهر: كون مارية أم إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم.
فيا للوفاء والبر، ويا للندى الإنساني يمتد ويتسع حتى يشمل الذراري المتحدرة من هاتين الرحمين الكريمتين على كر السنين والأحقاب!.
فلا بدع إذا أن يولي المسلم التقي الواعي ذوي رحمه اهتماماته كلها، وأن يقبل على برهم وصلتهم والإحسان إليهم إقبال الربيع الخصب الجواد المعطاء.
يصل أرحامه ولو كانوا غير مسلمين:
ويسمو الإسلام في سماحته وإنسانيته، إذ يوصي بصلة الرحم ولو كان الأرحام من غير المسلمين، ففي الحديث الذي رواه عبد الله بن عمرو بن
(1) بيرحاء: حديقة نخل.
(2)
بخ: كلمة تقال للإعجاب بالأمر وتفخيمه.
(3)
متفق عليه.
العاص رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم جهارا غير سر يقول:
((إن آل أبي فلان ليسوا بأوليائي، إنما وليي الله وصالح المؤمنين، ولكن لهم رحم أبلها ببلالها (1))) (2).
ولما نزل قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} (3)، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا، فاجتمعوا، فعم وخص، وقال:((يا بني عبد شمس، يا بني كعب بن لؤي، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة أنقذي نفسك من النار؛ فإني لا أملك لكم من الله شيئا، غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها)) (4).
إن ندى العاطفة الإنسانية لا ينقطع من قلب المسلم، بل يتسرب منه إلى ذوي القربى بلة من ري البر والعطف، ولو كانوا على غير دين الإسلام، ومن هنا كان تعبير الرسول الكريم:((غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها)) من درر البلاغة العربية؛ إذ شبه الرحم بالأرض تندى بالصلة فتثمر المحبة والصفاء، وتجف بالقطيعة فتنبت البغضاء والجفاء، والمسلم الحق آلف مألوف، يحبه الناس جميعا، إذ يرون فيه مكارم الأخلاق مجسدة حية ناطقه.
ولهذا لم يجد عمر رضي الله عنه خرجا من أن يهدي حلة بعث بها إليه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أخ له من أمه مشرك (5).
(1) أي أصلها بالمعروف اللائق بها. والبلال: الماء، شبه صلة الأرحام بالنداوة والري.
(2)
متفق عليه.
(3)
الشعراء: 214.
(4)
رواه مسلم.
(5)
رواه البخاري.