الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلن من على المنبر، وهو يذكر الصدقة والتعفف عن المسألة، أن ((اليد العليا خير من اليد السفلى، واليد العليا هي المنفقة، والسفلى هي السائلة)) (1).
آلف مألوف:
والمسلم الواعي المستنير بهدي دينه دمث آلف مألوف، يألف الناس ويخالطهم ويوادهم، ويألفه الناس ويخالطونه ويوافونه، وهذه صفة اجتماعية راقية، يتصف بها المسلم الراقي الذي وعى رسالة دينه، وأدرك أن الاتصال بالناس في المجتمع وكسب ثقتهم من أهم واجبات المسلم، وأنه الوسيلة الفعالة الناجعة لإسماعهم كلمة الحق، وتعريفهم بالقيم والمثل العليا التي يحملها؛ ذلك أن الناس لا يستمعون إلا لمن يألفون ويثقون به، ولا يقتنعون بكلام إلا إذا صدر ممن يحملون له شيئا من الثقة والود والقبول؛ ومن هنا جاءت النصوص تعلي من شأن هذا النمط الذي يألف ويؤلف، وتجعله من الفئة المختارة، أحب الفئات إلى الرسول الكريم، وأقربها منه مجالس يوم القيامة:
((ألا أخبركم بأحبكم إلي، وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة؟ فأعادها ثلاثا أو مرتين، قالوا: نعم يا رسول صلى الله عليه وسلم، قال: أحسنكم خلقا)) (2). وزادت بعض الروايات: ((الموطأون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون)).
إن من صفات المؤمن أن يكون آلفا مألوفا، يحب الناس ويحبونه، يقبل عليهم وبقبلون عليه، وإذا لم يكن كذلك فإنه لا يستطيع أن يؤدي رسالة،
(1) رواه مسلم.
(2)
رواه أحمد وإسناده جيد.
ولا يرخى لأمر، ولا ينهض بعبء، ومن كان كذلك لا خير فيه، كما جاء في الحديث الشريف:
((المؤمن يألف ويؤلف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف)) (1).
ولقد ضرب الرسول الكريم لأمته المثل الأعلى في حسن سلوكه مع الناس، وبراعته في تأليف القلوب، ودعاها للتاسي به في القول والعمل والسلوك، ورسم لها السبيل القصد في كيفية التسرب إلى قلوب الناس، والوصول إلى حبهم وإعجابهم ومودتهم، فقد كان صلوات الله عليه دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ، إذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك، يعطي كل جلسائه نصيبه، لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه، من سأله حاجة لم يرده إلا بها، أو بميسور من القول، قد وسع الناس منه بسطه وخلقه، فصار لهم أبا وصاروا له عنده في الحق سواء، الناس في مجلسه متعادلون، يتفاضلون بالتقوى، متواضعون، يوقرون الكبير، ويرحمون الصغير، يؤثرون ذا الحاجة، ويحفظون الغريب.
وكان صلوات الله عليه لا يوئس منه راجيه، ولا يخيب فيه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء، والإكثار، وما لا يعنيه، وترك من الناس ثلاثا: كان لا يذم أحدا، ولا يعيره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا، ولا يتنازعون عنده، يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته، حتى إن كان أصحابه ليستحلبونه في المنطق، ويقول: إذا رأيتم صاحب حاجة فارفدوه (2)، ولا يقبل
(1) رواه أحمد والبزار ورجال أحمد رجال الصحيح.
(2)
أي أعينوه.