الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه المقداد رضي الله عنه في حديثه الطويل، قال:((كنا نرفع للنبي صلى الله عليه وسلم نصيبه من اللبن، فيجيء من الليل فيسلم تسليما لا يوقظ نائما، ويسمع اليقظان، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فسلم كما كان يسلم)) (1).
ويكون السلام عند الدخول إلى المجلس وحين القيام منه وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
((إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم، فإذا أراد أن يقوم فليسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة)) (2).
لا يدخل غير بيته إلا باستئذان:
ولا يدخل المسلم الواعي آداب دينه بيتا غير بيته إلا باستئذان. وهذا الاستئذان أمر رباني، لا يجوز التهاون في شأنه أو التغاضي عنه:
{وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
…
} (4).
إن الدخول إلى بيوت الناس لا يكون نقيا خاليا من الشوائب بعيدا عن الشبهات، إلا إذا كان بإذن أهله. ومن هنا لا مجال للتلصص والاستغفال والترقب والتسرب والدخول غير المشروع الذي يخفي وراءه الريب والشكوك؛
(1) رواه مسلم.
(2)
رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن.
(3)
أي تستأذنوا.
(4)
النور: 27 - 28، 59.
ذلك أزكى وأنقى لسمعة الزائر والمزور، وهذا ما أراده الله لعباده المؤمنين حين شرع الاستئذان.
وللاستئذان آداب حرص الإسلام على تجليتها للمسلم، وأمره بالتحلي بها كلما قادته قدماه إلى زيارة إنسان.
وأولها: ألا يقف أمام الباب، بل يأخذ يمنة أو يسرة، وهذا ما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فعن عبد الله بن بسر، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم:((أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى بابا يريد أن يستأذن لم يستقبله، جاء يمينا أو شمالا، فإن أذن له، وإلا انصرف)) (1).
ذلك أن الاستئذان جعل من أجل البصر، كما في حديث سهل بن سعد رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((إنما جعل الاستئذان من أجل البصر)) (2).
ومن هنا لا يجوز للمستأذن أن يقف في مواجهة الباب حيث ينصب البصر حين فتحه.
وثانيها: السلام فالاستئذان، ولا يصح الاستئذان قبل السلام؛ بهذا جاء الهدي النبوي العالي في حديث ربعي بن حراش، قال:((حدثنا رجل من بني عامر أنه استأذن على النبى صلى الله عليه وسلم، وهو في بيت، فقال: أألج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخادمه: ((أخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان، فقل له: قل: السلام عليكم، أأدخل؟)) فسمعه الرجل فقال: السلام عليكم أأدخل؟ فأذن له النبى صلى الله عليه وسلم، فدخل (3).
(1) أخرجه البخاري في الأدب المفرد.
(2)
متفق عليه.
(3)
أخرجه البخارى في الأدب المفرد.
وثالثها: أن يسمي نفسه بما يعرف به من اسم أو كنية، إذا قيل له: من أنت؟ ولا يقول كلمة غامضة مثل: أنا، ونحوها؛ فقد كره النبي صلى الله عليه وسلم أن يجيب الطارق بكلمة أنا التي لا تفصح عن هوية صاحبها وشخصيته، وأمر بذكر الاسم الصريح عند السؤال.
عن جابر رضي الله عنه قال: ((أتيث النبى صلى الله عليه وسلم، فدققت الباب، فقال: ((من هذا؟، فقلت: أنا، فقال: ((أنا أنا؟!)) كأنه كرهها)) (1).
لقد علمنا الرسرل الكريم بذلك أن السنة في أدب الاستئذان ذكر الاسم الصريح، وهذا ما كان عليه هو وصحابته الأكرمون.
فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: خرجت ليلة من الليالي، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وحده، فجعلت أمشي في ظل القمر، فالتفت فرآني، فقال:((من هذا؟)) فقلت: أبو ذر)) (2).
وعن أم هانئ رضي الله عنها قالت: أتيت النبى صلى الله عليه وسلم، وهو يغتسل، وفاطمة تستره، فقال:((من هذه؟)) فقلت: أنا أم هانئ)) (3).
ورابعها: أن يرجع إذا قيل له: ارجع، دون أن يجد في نفسه شيئا من غضاضة؛ إذ بذلك جاء أمر الله في كتابه العزيز:
{وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (4).
وبذلك أيضا جاءه الهدي النبوي العالي، مبينا أن الاستئذان ثلاث، فإن
(1) متفق عليه.
(2)
متفق عليه.
(3)
متفق عليه.
(4)
النور: 28.
أذن للمستأذن دخل، وإلا رجع، وذلك في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((الاستئذان ثلاث، فإن أذن لك (1)، وإلا فارجع)) (2).
واستاذن أبو موسى الأشعري مرة على عمر فلم يأذن له، فانصرف، فأرسل إليه عمر، ودار بين الاثنين حديث حول الاستئذان والرجوع، من المفيد إيراده بنصه، ليطلع القارئ على دقة الصحابة الكرام في تقصي هدي الرسول الكريم، وحرصهم على وضعه موضع التطبيق، قال أبو موسى:
((استأذنت على عمر فلم يؤذن لي- ثلاثا- فأدبرت، فأرسل إلي فقال:
يا عبد الله، اشتد عليك أن تحتبس على بابي؟ إعلم أن الناس كذلك يشتد عليهم أن يحتبسوا على بابك، فقلت: بل استأذنت عليك ثلاثا، فلم تؤذن لي، فرجعت [وكنا نؤمر بذلك]. فقال: ممن سمعت هذا؟ فقلت: سمعته من النبى صلى الله عليه وسلم، فقال: أسمعت من النبي صلى الله عليه وسلم ما لم نسمع؟ لئن لم تأتني على هذا ببينة لأجعلنك نكالا، فخرجت حتى أتيت نفرا من الأنصار جلوسا في المسجد، فسألتهم، فقالوا: أو يشك في هذا أحد؟ فأخبرتهم ما قال عمر، فقالوا: لا يقوم معك إلا أصغرنا. فقام معي أبو سعيد الخدري - أو أبو مسعود- إلى عمر، فقال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يريد سعد بن عبادة، حتى أتاه، فسلم، فلم يؤذن له، ثم سلم الثانية ثم الثالثة، فلم يؤذن له، فقال: قضينا ما علينا. ثم رجع، فأدركه سعد، فقال: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق ما سلمت من مرة إلا وأنا أسمع وأرد عليك، ولكن أحببت أن تكثر من السلام علي وعلى أهل بيتي. فقال أبو موسى: والله إن
(1) أي فإن أذن لك فادخل.
(2)
متفق عليه.