الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ال
مقدمة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين
…
أما بعد:
فإن الفوز في السباق المعاصر بين الأمم يعتمد على قدرتها على تربية أبنائها تربية تنبع من عقيدتها وقيمها وتقي أبناءها من التلوث الفكري، وتتيح لهم حرية التفكير والتعبير والتطبيق في حدود النظم والقيم المرعية، وتستثمر أساليب العصر وتقانته في إطلاق طاقاتهم الإبداعية، وتكون أجيالا لا تقنع باستعياب المعاصر فقط، ولكنها تتطلع أيضًا إلى المستقبل لتسهم في صنعه.
ولقد آن الأوان لأن ننهل نحن المسلمين من تراثنا، ونكف عن اعتبار الفكر الأجنبي المصدر الأفضل لمسيرتنا التربوية؛ لأن هذا فيه ظلم للنفس شديد. فالأولى لنا أن ندرس تراثنا التربوي دراسة علمية ننطلق منها إلى إيجاد سياسة تعليمية خاصة بنا، ومناهج تستجيب لطموحاتنا وتحقق أهدافنا وتستجيب لآمالنا.
نحن في حاجة -أيضًا- إلى وقفة مع مناهجنا الدراسية بعد أن وصل الحال في أمتنا إلى ما وصلت إليه من تخلف. وقفة نتجه فيها بصدق وعزم إلى المحافظة على هويتنا مع الأخذ بأسباب التقدم المعاصر. فنربي أبناءنا تربية إسلامية ونعلم أبناءنا لغتنا وتاريخنا وتراثنا وإسهامنا في الحضارة الإنسانية، وقفة نستعد فيها بالعلم والتقانة للإنطلاق الحضاري. فلم يحدث في التاريخ أن انطلق طير بأجنحة طير آخر، ولا نهضت أمة تجاهلت جذورها وتعلقت بفروع أمم أخرى.
ونقطة الانطلاق إلى هذه الوقفة، من وجهة نظر المؤلف، أن نخطط مناهجنا بناء على عقيدتنا وشريعتنا الإسلامية مع الأخذ بالمعاصر النافع مهما كان مصدره، والعمل الجاد على مواكبة التقدم العلمي والثقافي المعاصر. وفي الوقت نفسه، ينبغي أن يوجه كل متخصص في مجال معين -وبخاصة العلوم الاجتماعية- هذا المجال، توجيهًا إسلاميا، وإذا كان بعضنا غير مؤهل التأهيل الكافي لهذه المهمة، فلا بأس من الاستعانة -بعد الله- بالزملاء المتخصصين في العلوم الشرعية على إنجازها.
فهم ونحن جنود في ميدان تنشئة أجيال الأمة الإسلامية، ولا بأس من أن نتشاور بل نتتلمذ على بعضنا البعض. وكم طلب المؤلف من إخوته المتخصصين في العلوم الشرعية قراءة ما كان يكتب، فقرءوا -جزاهم الله خيرًا- برحابة
صدر وطيب خاطر، وشاورهم فأشاروا بسعادة، وناقشهم فكانوا سعداء بالاتفاق سعادتهم بالاختلاف. ولذلك فإن لهم من المؤلف جزيل الشكر والامتنان.
ويعتبر المؤلف كتابه هذا -إضافة إلى كتابيه: "أساسيات المنهج الدراسي ومهماته" و"تطوير المناهج الدراسية"، محاولة صادقة على طريق توجيه المناهج الدراسية توجيهًا إسلاميا. فقد حاول المؤلف بناء ما ورد في هذه الكتب على تعاليم الدين الحنيف.
وبالنسبة لهذا الكتاب: قدم المؤلف في الباب الأول تعريفًا جديدًا لكل من التخطيط التربوي وتخطيط المناهج الدراسية، مراعيًا فيهما التوجيه الإسلامي للمناهج الدراسية، إضافة إلى أهم تطبيقات التخطيط التربوي المتعلقة بالمناهج.
وقدم في الباب الثاني اقتراحًا غير مسبوق بالأسس العامة لتخطيط المناهج، فتناول التربية الإسلامية في الفصل الثالث، وخصائص العلم وفق التصور الإسلامي في الفصل الرابع، والتوجيه الإسلامي للعلوم في الفصل الخامس والاتجاهات التربوية الحديثة في المناهج الدراسية في الفصل السادس، باعتبارها جميعًا أسسا عامة لتخطيط المناهج الدراسية.
وقدم المؤلف في الباب الثالث مصادر المنهج الدراسي وفق التوجيه الإسلامي:
فاستخلص من القرآن الكريم والسنة المطهرة خصائص المتعلم، ووظيفته في الحياة الدنيا في الفصل السابع، كما استخلص خصائص المجتمع في الفصل الثامن. وفي الفصل التاسع قدم الثقافة العلمية والتقانية باعتبارها من مصادر خبرات المنهج الدراسي، إضافة إلى المجال الدراسي نفسه.
وعالج في الباب الرابع الخطوات الإجرائية لتخطيط المنهج الدراسي على أساس المفهوم والأسس العامة والمصادر التي سبق تحديدها في الأبواب الثلاثة السابقة، كما حدد معوقات هذا التخطيط. ففي الفصل العاشر، تناول إعداد المنهج الدراسي، وفي الفصل الحادي عشر تناول تطبيق هذا المنهج. وفي الفصل الثاني عشر تناول المعوقات التي يمكن أن تواجه تخطيط المناهج الدراسية.
ويشير المؤلف إلى أنه قد يبدو تشابه بين ما جاء في الفصلين السابع والثامن في هذا الكتاب، والفصلين الثالث والرابع -على الترتيب- من كتابه "أساسيات المنهج الدراسي ومهماته". إلا أن هذا التشابه في العناوين المعبرة عن الخصائص فقط. إذ إن التركيز في هذا الكتاب على اشتقاق خصائص كل من المتعلم والمجتمع من المصادر الأساسية للدين الحنيف، أما التركيز في الكتاب الآخر فعلى مهمات المناهج الدراسية في إيجاد هذه الخصائص وترسيخها لدى المتعلم.
كما يشير المؤلف إلى وجود تشابه بين الفصلين الحادي عشر والثاني عشر من هذا الكتاب، والفصلين السادس والسابع على الترتيب من كتابه "تطوير المناهج الدراسية". ويرجع هذا التشابه إلى التقارب الكبير بين خطوات تطبيق المنهج المطور وخطوات تطبيق المنهج الجديد، وأن معوقات عملية التطوير هي نفسها -تقريبًا- معوقات عملية تخطيط المنهج الجديد.
والمؤلف يتوقع من إخوانه أن يعينوه -بعد الله سبحانه وتعالى على تصويب ما هو في حاجة إلى تصويب، وتحسين ما هو في حاجة إلى ذلك في هذا الكتاب. ولهم منه -سلفًا- جزيل الشكر وخالص الدعاء.
والشكر والتقدير لكل من أعطاني من وقته وجهده أثناء إعداد مادة هذا الكتاب، وأخص بالذكر والشكر والامتنان زوجتي -أطال الله في عمرها- فقد قرأت مرارًا ونقدت وصوبت في إخلاص ودأب وحرص، أسهم في تجويد هذا الكتاب شكلًا ومضمونًا. أما ولداي فقد جادا بالوقت الذي ينبغي أن أخصصه لهما ليمكناني من الانتهاء من تأليف هذا الكتاب. فلهما مني جزيل شكري وخالص دعواتي بتوفيق الله.
كما أشكر وأقدر زملائي المتخصصين في العلوم الشرعية الذين لم يبخلوا بآرائهم ومشورتهم، والشكر والتقدير ممدود لكل من أعانني -بعد الله- على إنجاز هذا الكتاب.
وأولًا وآخرًا، الحمد لله والثناء عليه، سبحانه وتعالى، أن هداني إلى فكرة هذا الكتاب، ومنحني الصبر والجلد على تنفيذها، في أكثر من عشر سنين دأبًا، متتلمذا على القرآن الكريم والسنة المطهرة، ومطلعًا على آراء الكاتبين المنشورة، ومشاورا للزملاء المتخصصين في العلوم الشرعية وغيرهم، والكتابة -تراكميا- حتى وصلت إلى الإحساس بإمكان نشر ما كتبت.
وأسأله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا الجهد خالصا لوجهه، وأن يثقل به ميزان حسناتي يوم القيامة، إنه نعم المولى ونعم النصير.
تحريرا في 1417هـ-1997م.
المؤلف