المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثانيا: المفهوم والمصطلح - الاتجاهات الحديثة في تخطيط المناهج الدراسية في ضوء التوجيهات الإسلامية

[محمود أحمد شوق]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌الفهرس العام:

- ‌الباب الأول: مفهوم تخطيط المناهج الدراسية وأهم مجالاته المتعلقة بها

- ‌مقدمة الباب الأول:

- ‌الفصل الأول: مفهوم تخطيط المناهج الدراسية

- ‌مقدمة الفصل الأول

- ‌أولًا: مفهوم التخطيط، على وجه العموم

- ‌ثانيًا: مفهوم التخطيط للتدريس وأهميته بالنسبة للمعلمين

- ‌ثالثًا: مفهوم تخطيط المنهج الدراسي

- ‌خاتمة الفصل الأول:

- ‌أهم مصادر الفصل الأول

- ‌الفصل الثاني: أهم مجالات التخطيط المتعلقة بالمناهج الدراسية

- ‌مقدمة الفصل الثاني

- ‌أولًا: التخطيط للتربية الميدانية

- ‌ثانيًا: التخطيط لبداية ناجحة في التدريس

- ‌ثالثًا: التخطيط للتدريس فصلًا دراسيا أو عاما دراسيا

- ‌رابعًا: التخطيط لتدريس موضوع أو وحدة

- ‌خامسًا: التخطيط للعمل اليومي

- ‌سادسًا: التخطيط لتدريس الدرس

- ‌سابعًا: التخطيط لاستثمار الفروق الفردية بين المتعلمين

- ‌خاتمة الفصل الثاني:

- ‌أهم مصادر الفصل الثاني:

- ‌خاتمة الباب الأول:

- ‌الباب الثاني: الأسس العامة لتخطيط المنهج الدراسي

- ‌مقدمة الباب الثاني:

- ‌الفصل الثالث: أهم خصائص التربية الإسلامية

- ‌مقدمة الفصل الثالث

- ‌أولًا: التربية الإسلامية ربانية المصدر، عالمية الغاية، شاملة الأثر

- ‌ثانيا: ثاتبة أصولها، مرنة تطبيقاتها

- ‌ثالثا: تعد التربية الإسلامية الإنسان للحياتين، الدنيا والآخرة في توازن واعتدال

- ‌رابعًا: حث المسلم على العمل بقدر طاقته

- ‌خاتمة الفصل الثالث:

- ‌أهم مصادر الفصل الثالث:

- ‌الفصل الرابع: أهم خصائص العلم وفق التوجيه الإسلامي

- ‌مقدمة الفصل الرابع:

- ‌أولًا: طلب العلم فريضة على كل مسلم

- ‌ثانيًا: العلم كله من عند الله، ولا ينفد

- ‌ثالثا: غاية العلم هي تطبيق منهج الله في الحياة

- ‌رابعًا: العلم يحيط بجميع متطلبات الحياة وفق منهج الله

- ‌خامسًا: تتوافق فيه حقائق الكون مع حقائق الوحي

- ‌سادسًا: العلم يرفع قدر طلابه عند الله

- ‌خاتمة الفصل الرابع:

- ‌أهم مصادر الفصل الرابع:

- ‌الفصل الخامس: التوجيه الإسلامي للعلوم

- ‌مقدمة الفصل الخامس

- ‌أولًا: دوافع التأصيل الإسلامي للعلوم

- ‌ثانيًا: المفهوم والمصطلح

- ‌ثالثًا: أسس التوجيه الإسلامي للعلوم ومنهجه

- ‌خاتمة الفصل الخامس:

- ‌أهم مصادر الفصل الخامس:

- ‌الفصل السادس: أهم الاتجاهات التربوية المعاصرة

- ‌مقدمة الفصل السادس:

- ‌أولًا: أهم ملامح التطورات العالمية المعاصرة

- ‌ثانيا: أهم الاتجاهات التربوية المعاصرة

- ‌مدخل

- ‌ أهم الاتجاهات المعاصرة في سياسة التعليم:

- ‌ أهم الاتجاهات المعاصرة في تربية المعلم *:

- ‌أهم الاتجاهات المعاصرة في المناهج الدراسية

- ‌خاتمة الفصل السادس:

- ‌أهم مصادر الفصل السادس:

- ‌خاتمة الباب الثاني:

- ‌الباب الثالث: مصادر خبرات المنهج الدراسي

- ‌مقدمة الباب الثالث:

- ‌الفصل السابع: أهم خصائص المتعلم

- ‌مقدمة الفصل السابع

- ‌أولًا: أهم جوانب طبيعة المتعلم

- ‌ثانيًا: أهم جوانب شخصية المتعلم

- ‌ثالثًا: وظيفة المتعلم

- ‌رابعا: أهم خصائص نمو المتعلم

- ‌مدخل

- ‌ مرحلة التكوين:

- ‌ مرحلة الرضاعة

- ‌ مرحلة الطفولة:

- ‌ مرحلة التمييز:

- ‌ مرحلة البلوغ أو الرشد:

- ‌مرحلة الشباب:

- ‌خاتمة الفصل السابع:

- ‌أهم مصادر الفصل السابع:

- ‌الفصل الثامن: أهم خصائص المجتمع المسلم

- ‌مقدمة الفصل الثامن:

- ‌أولًا: ترسيخ عقيدة التوحيد

- ‌ثانيًا: الحكم بما أنزل الله والأخذ بالشورى والالتزام بالعدل

- ‌ثالثًا: الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌رابعا: تكوين الأسرة المسلمة

- ‌مدخل

- ‌ الترغيب في الزواج وبيان أسس اختيار كل من الزوجين:

- ‌ بيان حقوق كل من الزوجين ووقايتهما من الغواية:

- ‌ بيان حقوق الوالدين:

- ‌بيان حقوق الأولاد والحرص على تربيتهم

- ‌ وضع أسس لوقاية الأسرة من التفكك أو الانحراف:

- ‌خامسا: تحقيق كل من التضامن الإسلامي والتكافل الاجتماعي بين المسلمين

- ‌إرساء أسس المحبة وصولا إلى التضامن والتعاون

- ‌ التكافل الاجتماعي:

- ‌سادسًا: متابعة الاجتهاد

- ‌سابعًا: بث روح الجهاد في سبيل الله

- ‌ثامنا: حسن استثمار المصادر البشرية والطبيعية بالمجتمع والعمل على الارتقاء بالحياة فيه

- ‌خاتمة الفصل الثامن:

- ‌أهم مصادر الفصل الثامن:

- ‌الفصل التاسع: أهم خصائص المجال الدراسي والثقافة والعلمية والتقنية

- ‌مقدمة الفصل التاسع

- ‌أولا: المجال الدراسي

- ‌مدخل

- ‌ بالنسبة للأساسيات والتسلسل:

- ‌ بالنسبة للتطورات المعاصرة في المجال

- ‌ بالنسبة للتطبيقات:

- ‌ بالنسبة للتوجيه الإسلامي للمجال الدراسي

- ‌ بالنسبة لإسهامات العلماء المسلمين في المجال الدراسي:

- ‌ثانيًا: الثقافة العلمية والتقنية

- ‌خاتمة الفصل التاسع:

- ‌أهم مصادر الفصل التاسع:

- ‌خاتمة الباب الثالث:

- ‌الباب الرابع: أهم خطوات تخطيط المنهج الدراسى ومعوقاته

- ‌مقدمة الباب الرابع

- ‌الفصل العاشر: أهم خطوات إعداد المنهج الدراسي

- ‌مقدمة الفصل العاشر

- ‌أولا: الإعداد للمهمة

- ‌ثانيًا: أهم أسس إعداد أهداف المنهج الدراسي

- ‌ثالثا: أهم أسس إعداد محتوى المنهج الدراسي

- ‌أهم أسس اختيار خبرات المنهج الدراسي

- ‌أهم أسس تنظيم خبرات المنهج الدراسي

- ‌رابعًا: أهم أسس إعداد طرائق التدريس *

- ‌خامسًا: أهم أسس الإعداد لاستخدام وسائل تقانة التعليم *

- ‌سادسًا: أهم أسس إعداد المناشط المدرسية *

- ‌سابعًا: أهم أسس الإعداد لتقويم مخرجات المنهج الدراسي

- ‌ثامنًا: تقويم المنهج الدراسي الذي تم إعداده

- ‌خاتمة الفصل العاشر:

- ‌أهم مصادر الفصل العاشر:

- ‌الفصل الحادي عشر: أهم خطوات تطبيق المنهج الدراسي الجديد

- ‌مقدمة الفصل الخادي عشر

- ‌أولًا: التخطيط للتطبيق الميداني

- ‌ثانيًا: إعداد متطلبات التطبيق

- ‌ثالثًا: تدريب المشاركين في تطبيق المنهج الجديد

- ‌رابعًا: بث الشعور بالحاجة إلى منهج جديد، والتوعية بمتطلباته ومشكلاته

- ‌خامسا: تجريب المنهج الجديد

- ‌سادسًا: تعميم المنهج الجديد ومتابعته بالتقويم والتطوير

- ‌خاتمة الفصل الحادي عشر:

- ‌أهم مصادر الفصل الحادي عشر:

- ‌الفصل الثاني عشر: أهم معوقات تخطيط المنهج الدراسي

- ‌مقدمة الفصل الثاني عشر

- ‌أولًا: معوقات خاصة بطبيعة التخطيط التربوي

- ‌ثانيًا: معوقات خاصة بالجوانب الفنية لعملية تخطيط المناهج

- ‌ثالثًا: معوقات خاصة بالقائمين بعملية تخطيط المنهج الدراسي

- ‌رابعًا: معوقات إدارية

- ‌خامسًا: معوقات اجتماعية

- ‌سادسًا: معوقات سياسية

- ‌سابعًا: معوقات خاصة بالظروف الطارئة، وعدم اتخاذ القرار في الوقت المناسب

- ‌ثامنًا: القصور في الاعتمادات المالية

- ‌خاتمة الفصل الثاني عشر:

- ‌أهم مصادر الفصل الثاني عشر:

- ‌خاتمة الباب الرابع:

الفصل: ‌ثانيا: المفهوم والمصطلح

‌ثانيًا: المفهوم والمصطلح

أ- المفهوم:

يقتضي المنهج العلمي تحديد معنى المصطلحات التي سوف تستخدم في تناول القضايا العلمية حتى لا تختلف المفهومات وفق اختلاف التفسيرات المتعلقة بها.

ويشتد هذا الاختلاف إذا كانت القضية المراد دراستها جديدة على ساحة البحث العلمي، إذ تكثر حولها الاجتهادات وتتباين فيها وجهات النظر، ومن بين القضايا العلمية المعاصرة التي اختلف فيها المهتمون بها، قضية توجيه العلم توجيهًا إسلاميا، فقد اختلفوا في المفهوم كما اختلفوا في المصطلح.

وقبل أن نناقش الاختلاف في المفهوم، نذكر أننا نعني بالمفهوم هنا: ذلك التجريد العقلي للصفات المشتركة بين مجموعة من الخبرات أو العناصر أو الظواهر:"11، 160".

فالمفهوم إذن -تصور عقلي أو فكرة مجردة، ولا يمكن التعامل معه حسيا، ولكن يمكن استخدام تمثيل حسي له، مثلما نعبر عن المثلث بثلاثة خطوط متقاطعة مثنى مثنى، ومثلما نعبر عن الخطر برسم جمجمة، ونعبر عن العدل بميزان متعادل الكفتين، ومع أن جميعها مفاهيم مجردة، كما يمكن أن نعبر عن كل منها بكلمة أو عبارة، فقد عبرنا عن هذه المفاهيم الثلاثة -على الترتيب- بالكلمات: مثلث وخطر وعدل.

فماذا يمكن أن نفهم مما يشار إليه بلفظ "تأصيل العلوم" أو ماذ يعني مفهوم "تأصيل العلوم"؟

عرف أحد الباحثين التأصيل الإسلامي للعلوم بما يلي:

إعادة صياغة المعرفة على أساس من علاقة الإسلام بها، أي: إعادة تجديد وترتيب المعلومات، وإعادة النظر في استنتاجات هذه المعلومات وترابطها، وإعادة تقويم النتائج وإعادة تصور الأهداف، وأن يتم ذلك بطريقة تمكن من إغناء وخدمة قضية الإسلام. "2، 54".

ص: 162

وعرفه آخر، بأنه:

اشتقاق الأسس الشرعية والاستفادة مما توصل علماء الغرب من نتائج مادية تساهم في عمارة الأرض، وقيام الإنسان بوظيفته المرتضاة له دينا، وتوجيه هذه النتائج في سبيل تحقيق الغاية من هذا الوجود. "9، 33-34".

وعرفه ثالث: بالصيغة التالية:

إسلامية المعرفة أو "أسلمة المعرفة" تعني: ممارسة النشاط المعرفي كشفا وتجميعًا وتوصيلًا، من زاوية التصور الإسلامي للكون والحياة والإنسان.

وبين ما قصده بـ"النشاط المعرفي" بأنه: إضافة أو "تسليط العقل البشري" -أو بعبارة أدق "القدرات العقلية والبشرية"- على الظواهر المادية والحيوية والروحية والإنسانية في مدى الكون والعالم والحياة. "8، 15".

وعن شمول المعرفة للإنسان والكون، قال: إن قطبي التعامل: الإنسان والكون، هما من صنع الله الذي أتقن كل شيء

فمن الطبيعي إذا أن تتشكل مفردات هذا التعامل من منظور الإيمان بالله خالق الكون والحياة والإنسان.. وكان من الطبيعي أن تسلم المعرفة بهذه الحقيقة الكبرى، أي: أن تكون "إسلامية" بهذا المعنى الواسع الذي يضع الأمر في نصابه من نطاق الملكوت الإلهي وسنته ونواميسه.

وبالنسبة لنطاق الأسلمة في العلوم، قال: إن هذه "الإسلامية" لا تنسحب فقط على ما يسمى بالعلوم الصرفة "المحضة" والتطبيقية في التعامل مع الوجود، وإنما تمتد بالضرورة إلى ما يعرف بدائرة العلوم الإنسانية، بل إنها في هذه أشد ضرورة؛ لأنها المعنية بترتيب وضع الإنسان في العالم، وتنظيم حياته بما يجعله قادرًا على تحقيق مهمته في العالم "8، 16".

ثم قال: ومن ثم تغدو هذه العلوم التي تعالج الإنسان فردًا، كعلم النفس مثلًا، وتلك التي تعالجه جماعة كعلم الاجتماع والتاريخ، أو تلك التي تستهدف دراسة وتنظيم مؤسساته العامة كعلوم الإدارة، أو ضبط نشاطه المعاشي كعلوم الاقتصاد، أو تنسيق علاقاته العامة كالعلوم السياسية، أو حماية حقوقه وتنظيم واجباته كالقوانين والتشريعات، أو متابعة رؤيته الجمالية ونشاطه التعبيري كالأداب والفنون. تغدو هذه العلوم جميعًا في حاجة إلى أن تتشكل هي الأخرى في دائرة "الإسلامية" وأن تستمد مناهجها وطرائق عملها، بل أن تبني مفرداتها من نسيج المعطيات الدينية التي حددها كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونماها النشاط الفقهي بمرور الزمن عن طريق استجابته للتحديات ومتابعته للمتغيرات الزمنية والمكانية، وذلك من أجل أن تصبح الحياة البشرية، بمختلف أنشطتها وصيغها إسلامية التوجيه، إسلامية الممارسة، إسلامية المفردات، ويتم بذلك تجاوز كل ما من

ص: 163

شأنه أن يقود إلى الثنائية أو الازدواج بين التوجيه الإلهي ذي العلم المطلق وبين اجتهادات الإنسان النسبية المتضاربة. "8، 16".

وتعني "إسلامية المعرفة" عند باحث رابع:

منهجية إسلامية قويمة شاملة تلتزم توجيه الوحي ولا تعطل دور العقل، بل تتمثل مقاصد الوحي وقيمه وغاياته وتدرس وتدرك، وتتمثل موضوع اهتمام الوحي وإرشاده، وهو الفرد والمجتمع الإنساني والبناء والإعمار الحضاري، وما أودع الله في هذه الكائنات والعلاقات من فطرة ومن طبع، وكيف توجه تلك الطبائع وتتفاعل وكيف تطوع وتستخدم، وكل ذلك من أجل تفهم هذه الكائنات وعلاقاتها، حتى يمكن تسخيرها لتوجيه الإسلام وغاياته. "3، 167-168".

ويقول باحث خامس بعد أن سأل: ما هي "إسلامية المعرفة" التي نقترحها حلا لأزمتنا المعرفية والفكرية، وأزمة العالم معنا، وكيف يمكن تحقيقها؟

تتحقق إسلامية المعرفة بقراءة كتابين، وتؤسس على تقابلهما وتكاملهما منهجًا في البحث والاكتشاف، وهما الوحي المقروء والكون المتحرك الذي يتضمن ظواهر الوجود كافة. فالقرآن العظيم كالكون البديع، وكلاهما يدل على الآخر ويقود إليه. فالقرآن يهدي إلى الكون. والكون يدل ويرشد إلى القرآن كذلك. "1، 15".

ويقول باحث سادس: التأصيل الإسلامي لهذه العلوم "علوم الإنسان"

يعني العودة إلى أصول الشريعة الإسلامية باعتبارها المنهج الرئيسي، والمعيار الأساسي الذي تستمد منه هذه العلوم أسسها ومنطلقاتها في التفسير والتحليل والتقويم والتأويل، وبحيث لا يبقى من خلال عملية التأصيل تلك ما علق بهذه العلوم من شوائب نظرية وأفكار غربية أو شرقية لا تتفق مع الإسلام غاية ومنهجًا ومسارًا. "10، 30".

وقدمت اللجنة الدائمة للتأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. تعريفًا للتأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية بأنه:

تأسيس تلك العلوم على ما يلائمها في الشريعة الإسلامية من أدلة نصية، أو قواعد كلية أو اجتهادات مبنية عليها. وبذلك تستمد العلوم الاجتماعية أسسها ومنطلقاتها من الشريعة، ولا تتعارض في تحليلاتها ونتائجها وتطبيقاتها مع الأحكام الشرعية، ولا يعني ذلك بطبيعة الحال أن تدخل العلوم الاجتماعية في إطار العلوم الشرعية وإنما المهم ألا تتعارض معها.

ونجد عملية التأصيل بهذا المفهوم العام لا تتعارض مع أي تقدم علمي وتطور منهجي، ولا تناقض المنهج الإسلامي على أساس أن الإسلام دعا إلى العلم وحث عليه.

ص: 164

ويعرف أحد الباحثين:

"التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية" على النحو التالي:

التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية أو التوجيه الإسلامي للعلوم الاجتماعية -اختصارًا- بأنه بلورة أبعاد التصور الإسلامي للإنسان والمجتمع والكون، واستخدام هذا التصور كأساس معرفي تنطلق منه العلوم الاجتماعية

ليكون موجها لنظرياتها ومفسرًا لحقائقها ومشاهداتها التي ثبتت صحتها بالتجربة أو الدليل العلمي المحقق. "10، 11".

في هذا التعريف محاولة لتوضيح الصورة التي ينبغي أن تكون عليها العلاقة بين معطيات التصور الإسلامي من جانب، وبين معطيات المشاهدة الحسية التجريبية من جانب آخر، على أساس أن التصور الإسلامي المنطلق من اجتها المسلمين في فهم الوحي يمثل الإطار النظري الأشمل الذي ينطلق منه التنظير لفهم الإنسان والمجتمع -سواء فيما يتصل بأحوالهما في هذه الحياة الدنيا مباشرة، أو في تأثير تلك الأحوال بما ينتظرهما في الحياة الباقية- والذي يتم في ضوئه تفسير الحقائق الأمبيريقية أو الملاحظات والمشاهدات التي يتم التوصل إليها من خلال الدراسات الواقعية.

ويرى المؤلف أن تعريف "اللجنة الدائمة للتأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية" بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية يفي بالتعبير عن مفهوم "التأصيل"، إذ بتحليل هذا التعريف، نستنتج ما يلي:

1-

النظر إلى جوهر عملية "التأصيل" بأنه تحديد الأسس الشرعية المناسبة لتأسيس العلوم المراد تأصيلها عليها.

وهذه خطوة مهمة في عملية التأصيل: إذ إنها تساعد المتخصصين في العلوم المراد تأصيلها -وهم ليسوا بالضرورة متخصصين في العلوم الشرعية- على معرفة الأسس الشرعية التي يمكن أن ينطلقوا منها في بناء هذه العلوم وتنميتها، كما تساعد المتخصصين في العلوم الشرعية على فهم أعمق لطبيعة العلوم المراد تأصيلها من خلال التعرف على هذه العلوم تمهيدًا لانتقاء الأسس

الشرعية التي تتعلق به من نصوص الشريعة وقضاياها الكلية و

2-

أن هذا التأصيل ينبغي أن يتناول أسس العلوم المراد توجيهها ومنطلقاتها وتحليلاتها وتطبيقاتها، ويضيف المؤلف "وبناؤها". فهذا يجعل عملية

ص: 165

التأصيل عملية إعادة بناء للعلوم وليس كسوتها بقشرة خارجية فقط، قد لا تصل إلى الجوهر.

3-

أن هذا التأسيس ينبغي أن يستند على أدلة نصية أو قواعد كلية أو اجتهادات مبنية عليها، وليس على آراء فردية.

وهذا يجعل من عملية التأصيل عملية موضوعية، وبنأى بها من التحيزات الشخصية.

4-

الاعتراف بخصوصية العلوم المراد تأصيلها من حيث منهجية البحث وأساليبه وأدواته وغير ذلك، على ألا يتعارض هذا كله مع الشريعة الإسلامية، وهذا يساعد العلوم على الانطلاق في النمو، ويشجع المتخصصين فيها على الإبداع والابتكار، ولكنه -في هذا الحال- انطلاق وإبداع وابتكار موجه توجيهًا إسلاميا.

ب- المصطلح:

كما تعددت الرؤى بالنسبة للمفهوم تعددت المصطلحات التي تعبر عنه. فقد استخدم البعض مصطلح "أسلمة العلم" أو "أسلمة المعرفة" و"إسلامية العلوم" أو "إسلامية المعرفة". واستخدم آخرون مصطلح "تأصيل العلوم" واستخدم فريق ثالث "التوجيه الإسلامي للعلوم". ولكل مصطلح من هؤلاء إيجابياته وسلبياته.

فالذين يستخدمون مصطلح "أسلمة العلوم "المعرفة"" أو مصطلح "إسلامية العلوم "المعرفة"" يرون أن العلوم وبخاصة العلوم الاجتماعية قد نمت في حضن ثقافات غير إسلامية، ومن ثم تلوثت من هذه الثقافات. وبناء عليه، فإنها في حاجة إلى أن تمحص على أساس الدين الحنيف من حيث المنطلق والمنهج

والأدلة النصية والقواعد الكلية، ومن حيث عدم تعارضها مع الأحكام الشرعية في تحليلاتها ونتائجها وتطبيقاتها.

والذين لا يوافقون على هذا المصطلح إنما يرون أنه ينظر إلى العلوم المراد "أسلمتها" على أنها علوم كافرة. وهي نظرة مغلوطة، إذ لا يمكن النظر إلى العلوم من حيث كونها علوم مسلمة وأخرى كافرة. فالعلوم -بذاتها- لا تؤمن ولا تكفر.

والذين يستخدمون مصطلح "تأصيل العلوم" إنما يرون أن العلوم المراد تأصيلها لها أصل في الدين الإسلامي بحكم أن الإسلام شامل لجميع عناصر الكون، شامل لجميع الأزمنة والأمكنة، شامل لعلوم الوحي وعلوم الاكتساب، شامل للحياتين الدنيا والآخرة، شامل لجميع مناشط الحياة. وخاصة الشمول هذه استقصائية جامعة مانعة، وذلك مصداقا لقول الله، سبحانه وتعالى:

ص: 166

{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38]

بناء على ما سبق، فإن جميع العلوم سابقها وحاضرها وغائبها لها أصل في كتاب الله -القرآن الكريم- ومن ثم فإن تصحيح مسار هذه العلوم من وجهة النظر الإسلامية تعني العودة بها إلى أصلها الذي انفصلت عنه.

والذين لا يوافقون على هذا المصطلح يرون أن كلمة التأصيل تعني "العودة إلى الأصل" وهذا يعني أن جميع العلوم مثل الكيمياء والرياضيات وعلوم الحاسب الآلي وعلوم الفضاء والعلوم الاجتماعية لها أصل في القرآن. وهذا غير صحيح؛ لأن القرآن ليس كتابًا منزلًا في أي من هذه العلوم بل هو كتاب هداية يهدي -من بين ما يهدي إليه- إلى النظر إلى الكون -خلق الله المنظور- لللتدبر والتفكر في بديع صنعه، وإعمال العقل في الكشف عن كوامن خلقه، وصولًا إلى العلم اليقيني بوحدانيته والاعتراف بقدراه المتفردة، وللعمل على الوفاء بتكليفه للإنسان بعمارة الأرض. وبناء عليه، فإن اعتبار وجود أصل لكل علم في القرآن أو السنة أو غيرهما من مصادر الدين الحنيف أمر فيه نظر.

والذين يستخدمون "التوجيه الإسلامي للعلوم" -والمؤلف منهم- يرون أن الإسلام دين محيط بالحياتين الدنيا والآخرة وشامل لجميع جوانب حركة الإنسان، بالمعنى الذي تؤدي هذه الإحاطة وهذا الشمول إلى صلاحه لكل زمان ومكان.

وأن هذه الإحاطة الجامعة المانعة وهذا الشمول المستقصى يرجع إلى أن القرآن يحوي مبادئ عامة وقضايا كلية، تهدي الإنسان وتوجه حركته إلى اتباع منهج الله في جميع جوانب حياته سواء بالنسبة للعقيدة أو الشريعة أو العبادات أو المعاملات أو الأخلاق، وفي جميع ما يقول وفي جميع ما يعمل.

وبناء عليه، فإن اصطلاح "التوجيه الإسلامي للعلوم" ينطلق من هذه المبادئ العامة، وتلكم القضايا الكلية ليحقق خاصة صلاح الإسلام لكل زمان ومكان، مهما تغيرت العلاقات بين عناصر الكون بتغير الأزمنة والأمكنة كما، يحقق عدم تعارض الحقائق الدينية في كتاب الله المسطور -وهو القرآن الكريم- مع الحقائق الكونية في خلق الله المنظور، وهو الكون.

والذين لا يوافقون على مصطلح "التوجيه الإسلامي للعلوم" يرون أنه يتعلق بعلوم كائنة فعلًا، ويخشون ألا يمتد إلى استنباط هذه العلوم أو اكتشافها، وألا يتعرض لبنيتها والعلاقة بين عناصرها. وهذا تخوف لا مجال له، ومن وجهة نظر المؤلف إذا رجعنا إلى تعريف مفهوم "التوجيه الإسلامي للعلوم" الذي تخيرناه سابقًا من حيث إنه تأسيس للعلوم المراد توجيهها على ما يلائمها في الشريعة الإسلامية من أدلة وقواعد كلية واجتهادات مبنية عليها. وأن هذه العملية تتناول أسس هذه العلوم ومنطلقاتها بحيث لا تتعارض في تحليلاتها ونتائجها وتطبيقاتها مع الأحكام الشرعية. وغني عن القول أن هذا ينطبق على جميع العلوم السابقة منها واللاحقة.

ص: 167