الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثا: غاية العلم هي تطبيق منهج الله في الحياة
…
ثانيًا: غاية العلم هي تطبيق منهج الله في الحياة
من المعروف أن مفهوم العبادة في الإسلام شامل. فهو لا يقتصر على أداء الشعائر التعبدية فحسب، ولكن يشمل جوانب سلوك الإنسان في جميع جوانب حياته، ويحيط بجميع نشاطات الإنسان في الاعتقاد والعبادة والمعاملات والأخلاق، ويأبى على الإنسان إلا أن يعبد الله في كل قول يقوله وكل عمله يعمله، وأن يبتغي بذلك وجه الله تعالى. وذلك مصداقًا لقوله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] .
وقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 163] .
فغاية العلم، إذن، تطبيقه في الحياة، ومن وظائفه أن يزيد الإنسان معرفة بربه ليعبده حق عبادته اعتقادًا بوحدانيته، وأداء لشرائعه، والتزاما بمنهجه. وأن يؤهله للارتقاء بالحياة وفق معطيات العصر. ولا يكون هذا سلوكًا موجهًا نحو الذات فقط، ولكن نحو الغير والمجتمع أيضًا، فالمسلم لا يعيش في معزل، ولا يعمل لذاته فقط، بل هو عنصر في جماعة المسلمين، وعضو في المجتمع المسلم وفي المجتمع الإنساني.
وبذلك فإن تطبيق منهج الله في كل مكان وكل زمان وكل الأمور لخدمة كل الناس غاية من غايات تحصيل العلم في الإسلام، قال الله تعالى:
ونلاحظ هنا أن الخطاب يخص الناس كلهم، ذكرهم وأنثاهم دون تمييز لعنصر أو دين أو لون أو خلافه.
وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] .
وقال تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 151] .
ويروي السيوطي: أن الرجل من الصحابة كان يحفظ من القرآن عشر آيات ثم لا يتجاوزها حتى يفهم معناها ويؤدي ما طلب فيها. وعلى هذا أمضى ابن عمر ثماني سنوات في حفظ سورة البقرة.
ومما يوضح -أيضًا- أن تطبيق ما يتعلمه المسلم هو أساس المعرفة ما قاله ابن مسعود رضي الله عنه، حين قال: كنا إذا تعلمنا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات من القرآن لم نتعلم العشر التي بعدها حتى نعلم ما فيه، فقيل: من العمل؟ قال: نعم.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وماذ عمل فيما علم""أخرجه الترمذي".
طبقًا لهذا الحديث فإن الإنسان يسأل عن علمه فيم استخدمه؟ هل استخدمه في الخير أم في الشر؟ أم حبسه عن الناس فلم ينتفع به أحد، وقد أوضح الحق تبارك وتعالى وظيفة العلم في مساعدة العالم على معرفة قدرة الله وبديع صنعه وعظيم سلطانه، مما يجعل العلماء يخشون الله. نجد هذا في قوله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر: 28] .
والله سبحانه وتعالى يريدنا أن نتدبر في مكونات هذا الكون ونبحث عن أسراره، ونستخرج منه ما ينفعنا في دنيانا وآخرتنا. فيقول تبارك وتعالى:{وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} [يوسف: 105] .
ويقول تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 17] .
ويقول تعالى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122] .
ونلاحظ أن الخطاب هنا للناس جميعًا، ولا شك أن قيمة العلم هي في مدى أثره في حياة الناس بالتطبيق العملي، ولا شك أيضًا أن النصوص وحدها لا تضع شيئًا، وأن المبادئ وحدها لا تعيش إلا إذا تحقق آثارها في حياة الناس.
ويفصل هذا إجرائيا مصطفى عبد الصادق، في قوله:
إن الإسلام وتعاليمه ارتبط بالسلوك من اللحظة الأولى، فمن اللحظة التي يؤمن فيها الإنسان بأن الله واحد، وهو خالق الكون ومصدر النعم وإليه المصير، وبيده الحساب.... من تلك اللحظة يتبدل سلوك الإنسان فلا يسجد لصنم ولا يشهد الزور ولا يأكل الربا
…
إلخ، بل يتحمل -في سبيل ذلك- العذاب الأليم، ولا يرجع عن الحق، ومن هنا نجد أن العلم الإسلامي ارتبط بالحياة العملية للناس؛ وذلك لأن الدين والحياة في الإسلام لا يفترقان "4، 124" فالعلم في الإسلام له أهداف محددة أهمها أن يحقق به الإنسان العبودية لله تعالى، وأن يحقق به تطبيق منهجه في الحياة: حياة الفرد وحياة الجماعة، والحياة في المجتمع على وجه العموم، ويوظف العلم فيما ينفع الناس، ويجعل كلمة الله هي العليا، ويمكن لدين الله في الأرض، ويهيئ للناس كلهم التقدم والرفاه، وهذا يخالف ما يتصوره البعض -خطأ- من أن العلم الإلهي يتعلق بالعبادات فقط وربما بالأخلاق، أما العلوم المتعلقة بالكون وربما بالحياة الدنيا فهي من صنع الإنسان.
فالله سبحانه وتعالى، خلق الإنسان وأودع فيه العقل والفؤاد والبصر والسمع وغير ذلك من وسائل اتصال الإنسان بالعالم الخارجي، وأمره بأن ينظر، ويتفكر، ويتدبر ليصل إلى بديع خلق الله في نفسه وفي الكون. وبهذا فإن الله قد أمد الإنسان بوسائل البحث في ذاته وفيمن حوله وما حوله من حيوان ونبات وطير وجماد وأنساق من المجرات والنجوم والنيازك، وتكامل بين عناصر الكون وغير ذلك من المشهود أمامه.
والله هو الذي استخلف الإنسان في الأرض وأمره بعمارتها. وهذا الاستخلاف ليس مطلقًا، وتلكم العمارة ليست بدون قيود، بل يحكمها منهج أنزله -الله سبحانه- ليطبقه الإنسان في حياته الدنيا في مختلف شئونها بما في ذلك اكتساب معارف وخبرات جديدة في أثناء كدحه لعمارة الأرض إنفاذا لأمر الله.