الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"ب"
أهم الاتجاهات المعاصرة في تربية المعلم *:
الاتجاهات المعاصرة في تريبة المعلم كثيرة ومتعددة الجوانب: فالمعلم هو حجر الزاوية في عملية التعليم والتعلم؛ لأن مهماته تتعلق بمختلف مجالات العملية التعليمية من إدارة وإرشاد تعليمي وفني ومعالجة مشكلات المتعلم وسد الثغرات في المنهج الدراسي والتواصل مع أولياء الأمور، ومختلف أعضاء المجتمع المحلي ومؤسساته. لهذا فإن أية اتجاهات حديثه في كل من هذه المجالات تؤثر على المعلم سواء في تربيته أم في وظيفته. ومن ثم تظهر اتجاهات حديثة في تربية المعلم تواكب هذه الاتجاهات كلها، إضافة إلى حاجات المجتمع المعاصرة. وفي ضوء الاتجاهات التربوية المعاصرة والحاجات المعاصرة للمجتمع المسلم، يمكن تحديد أهم الاتجاهات المعاصرة في تربية المعلم. ونذكر أهمها على النحو التالي:
1-
مساعدة المعلم على اكتساب المهارات اللازمة لكل من تربية تلاميذه تربية إسلامية، وتوجيه المادة التي يدرسها توجيهًا إسلاميا، والعناية بإسهامات العلماء المسلمين فيها.
لا يمكن للمعلم أن يربي تلاميذه تربية إسلامية ما لم يعد لهذه المهمة. فكل تربية لها أصولها ومصادرها وأهدافها. وقد بينا -في الفصل الثالث- أهم جوانب التربية الإسلامية التي ينبغي أن تكون من بين أسس كل من تربية المعلم وتخطيط المناهج وغيرهما من مجالات العمل التربوي.
ولقد مضى على المسلمين حين من الدهر ومناهجهم الدراسية تعب من مناهل معرفة لا تستقيم مع أصول التربية التي يبغون، ولا تؤدي إلى الأهداف التي يرجون، ولا تقود إلى نوع الحياة التي ينشدون. وأخذ علماء المسلمين يدقون ناقوس الخطر الذي يغزو أمة الإسلام في أعز ما تملك، وهو عقول شبابها، بل قلدنا غير المسلمين في التوحيد بين مناهج الفتية والفتيات، ولما كانت المناهج كما سبق أن بينا قد أصابها تلوث تربوي، فقد أصبح كثير من فتياتنا -مثل كثير من فتياننا- غريبات المزاج والفكر والمظهر والمخبر، واتحذن من غير المسلمات مثلًا وقدوة، وتباكينا نحن على حالها. فهل جنينا إلا ما غرسناه بأيدينا؟
ولتصحيح مسار المناهج الدراسية ولدرء خطر التلوث التربوي ينادي علماء المسلمين اليوم بإعادة صياغة مختلف العلوم، والحرص على تقديمها للناشئة وفق التصور الإسلامي. ومن أهم ما يساعد على تحقيق هذا الهدف، وتطوير نظم إعداد المعلم وبرامجه، بحيث تعد معلمًا قادرًا على توجيه ما يعلمه لتلاميذه من خبرات توجيهًا إسلاميا.
وهذا يتطلب مراعاة ذلك في إعداده الثقافي والتخصصي والمهني، وفي برامج تدريبه في أثناء الخدمة، على السواء.
أما بالنسبة لإسهامات العلماء المسلمين في تقدم العلوم، فإن القارئ المدقق في تاريخ العلوم يلاحظ طمسا متعمدًا لهذه الإسهامات، ورغم أن للمسلمين أيادي
* للاطلاع على مزيد من هذه الاتجاهات، فضلًا، ارجع إلى كتاب المؤلف: تربية المعلم للقرن الحادي والعشرين. الرياض: مكتبة العبيكان، 1416هـ-1995م.
بيضاء على مسيرة الحضارة الإنسانية إلا أن أعداء الإسلام يعمدون إلى طمس جهودهم والتقليل من شأنهم، متجاهلين حفظ المسلمين لتراث من سبقوهم من الضياع، حين نقلوا للعربية أعمال الهنود والإغريق، وطوروا ما وصلت إليه أيديهم في أسفارهم الكثيرة إلى أرجاء المعمورة، وأهدوا إلى أوربا مفاتيح المعرفة والبحث، التي بها فتحت أوربا طرائق الكشف والبحث العلمي.
ولم يكن المسلمون ناقلين لأعمال غيرهم مطورين لها فقط، ولكن كان لعلمائهم كشوفهم في الرياضيات والفلك والكيمياء، والطب والهندسة وعلوم البحار، وغير ذلك من مجالات المعرفة، ومما يمكن ذكره في هذا الصدد أن أول كتاب ألف في الجبر هو كتاب "الجبر والمقابلة" للخوارزمي، وأن نظام العد الذي نستخدمه اليوم، من إسهامات العلماء المسلمين.
ومن المؤسف حقا أن إسهامات العلماء المسلمين لم تأخذ حظها من الدراسة في ديار الإسلام، وإن كانت قد قتلت بحثًا في غير بلاد المسلمين، بهدف الاستفادة منها، واتخاذ السبل المناسبة لطمسها وتشويهها.
وغني عن القول أن شباب المسلمين في حاجة -اليوم أكثر من أي وقت مضى- لأن يدركوا أن أمتهم لم تكن في الماضي تبعًا في ركب العلم والتقدم- كما هي اليوم. ولكن، أتى عليها حين من الدهر كانت فيه رائدة للعالم.؟ وأن مهمة هؤلاء الشباب -اليوم- هي الكدح في سبيل استعادة الأمة مكانتها التي فقدتها في هذا الركب.
وتحقيقًا لهذا الهدف ظهر اتجاه قوي نحو تجلية إسهامات العلماء المسلمين، وتقديمها لأبناء المسلمين، ومن ثم العناية بها في برامج إعداد المعلم.
2-
العناية بتزويد المعلم بالثقافة الإسلامية:
الثقافة الإسلامية ضرورة حياة لغير المتخصصين في العلوم الشرعية، وبخاصة المعلمون منهم. فالمعلم يربي أجيالًا تعتمد عليها الأمة في مسيرتها الحضارية. وفي قيادة الصحوة الإسلامية المعاصرة وترشيدها وتوجيهها وجهة الخير لدين الله ولعباده. ومن هذا المنطلق ينبغي أن يتزود المعلم بزاد من الثقافة الإسلامية يعينه على أداء هذه المهمة بنجاح. وفاء لهذا ظهر اتجاه قوي نحو ضرورة أن يعمل برنامج تربية المعلم على تزويده بثقافة إسلامية مناسبة.
ومن أهم ما يرى الكاتب أن تعنى به الثقافة الإسلامية للمعلم دراسة ما يلي:
1-
2 المذاهب المعاصرة في ضوء العقيدة. فالعقيدة عماد الدين، وهي الأساس الذي يبنى عليه نظام المجتمع وهياكله التنظيمية وتعتمد
عليه تربية الأفراد والجماعات، فضلًا عن كونها الأساس الذي يقوم عليه البناء التعبدي، وهي منطلق تحرر النفس الإنسانية من العبودية لغير الله، ومن الولاء لأحد سواه، ومصدر قوة المسلم في حياته، ومنطلق اعتزازه بخالقه وخشيته في السر والعلن.
ودراسة المذاهب المعاصرة في ضوء العقيدة الإسلامية تجلي العقيدة وتعين على فهم مرامي هذه المذاهب ومقاصدها ونواقصها.
وفي هذا تثقيف وتوعية للمعلم.
2-
2 دراسة بعض القوانين الوضعية في ضوء الشريعة الإسلامية، فإن هذا يجلي حقيقة الشريعة وقدرتها على تنظيم الحياة، وحل مشكلاتها وفق مهج الله.
2-
3 السيرة النبوية العطرة فيها نماذج فريدة لم تتكرر في التاريخ. ففي حياة الرسول عليه الصلاة والسلام وجهاده في سبيل الله، وصبره على المكاره وكدحه في سبيل الدعوة إلى الله، ومعاملته لأصحابه وأعدائه، مدرسة متفردة تولد في نفوس الشباب طاقات متجددة للعمل والكفاح في سبيل الحق والعدل والهداية، وتقدم لهم مثلًا وقدوة غير مسبوقة في الأخلاق الإسلامية، وفي الالتزام بمنهج الله عز وجل.
2-
4 العبادات، فالعبادات -في الإسلام- ليست طقوسًا تمارس أو شعائر تؤدى فقط، ولكنها أيضًا قنوات اتصال للعبد بربه يحاسب نفسه خلالها عن أعماله.
2-
5 الأخلاق الإسلامية، فقد بين الإسلام بجلاء ما ينبغي أن يتخلق به المسلم في تعامله مع جميع البشر في جميع الأمكنة والأزمنة والأحوال.
2-
6 ويرشح الكاتب مقارنة الأديان لتكون المجال السادس الذي تعنى به الثقافة الإسلامية للمعلم. فمعرفة الخصائص المشتركة بينها، ونقاط التفرد في كل منها من عوامل التثقيف المهمة.
2-
7 حركات الإصلاح في الفكر الإسلامي في العصر الحديث، وحركات الحيود عن الطريق الصحيح للإسلام في الوقت الحاضر. ففي دراستها توعية وتنوير يحتاج إليهما المعلم في أداء رسالته.
2-
8 التاريخ الإسلامي. ففيه ثراء كبير من الخبرات المفيدة في تثقيف المعلم، وفيه معارف ينبغي أن تدرك، ومواقف ينبغي أن تحيا في ذاكرة المسلمين، وأخلاق ينبغي أن تحتذى، وعبر ينبغي أن تعتبر.
2-
9 التحديات المعاصرة التي تواجه المسلمين، ففيها تبصرة للمعلم بما يحيط الأمة من مخاطر ومشكلات ينبغي أن يعيها طلابه.
وما نود أن نؤكده هنا هو أن الثقافة الإسلامية التي نقدمها للمعلم ينبغي أن تستنفره لتربية تلاميذه، وتوجيههم وإرشادهم، وحفز هممهم نحو دفع الأمة إلى الانطلاق الحضاري تحت راية دين الله الحنيف، وتعريفهم بماضي أمتهم وواقع حاضرها.
3-
تمكين المعلم من مهارات التعبير باللغة العربية الفصحى، ومن التدريس بها:
ولقد نزل القرآن بلسان عربي مبين فيه بلاغة وعليه طلاوة، نافذ بفصحاه إلى العقول، وبجرس عباراته إلى الأفئدة، وبجزالة أسلوبه إلى الوجدان. ترقى بمعانيه النفوس. وترق له القلوب، وقد أحاط بجوامع الكلم.
وقد اقتضت حكة الله بأن ينزل كتابه وتسجل سنة رسوله عليه الصلاة والسلام بالفصحى. فظل هذان النبعان العظيمان يفيضان على أمة الإسلام بالهدى والتقوى والتمسك بحبل الله المكين. وكلما تمكن الإنسان من الفصحى كان على الارتواء منهما أقدر، ودلف إلى دين الله بصورة أقوى وأشد. وكلما سبر غورها ومهر في السباحة في بحرها، ازداد فهمًا وإدراكًا لهدي هذا الدين القيم. أما من صرفه صارف أو شغله شاغل أو تكاسل عن إتقان اللغة الفصحى، فإنه بهذا قد بنى سدا بينه وبين منابع الدين الحنيف والتراث الإسلامي الذي يبين أصول العقيدة ومقاصد الشريعة وحكمة التشريع وأسس العبادات والمعاملات وما هية الأخلاق. وإذا فات المسلم هذا كله أدركته أمية تبتليه بتخبط عقدي وتيه إيماني وتذبذب عبادي وضعف أخلاقي.
ولقد أدرك أعداء الأمة الإسلامية بالغ أثر اللغة في توثيق الرباط بينها وبين دين الله الحنيف، ومن ثم وحدتها وسيادتها، فخططوا ومكروا، وأثاروا النعرات القومية، واتهموا الفصحى بالقصور عن العتير عن مواقف العصر وأساليبه وأدواته. وشجعوا كتاب العامية وأفسحوا لهم الساحات، وأخيرًا نجد أن كثيرًا من معلمي الفصحى يعلمونها بالعامية. ناهيك عن بيقة المعلمين والإداريين وبقية العاملين في مجال التعليم.
أما وسائل الإعلام فأمرها واضح للعيان في معظم البلدان العربية بخاصة، فما علينا إلا أن ننظر في الصحف اليومية، أو نستمع إلى نشرة الأخبار أو مسلسلة إذاعية لنجد الفصحى تتململ بين السطور وتحتضر بين الشفاه.
أما في البلدان الإسلامية غير العربية فقد لاحقتها الحملة على اللغة العربية بأساليب متعددة منها: حجب اللغة العربية عن مناهج التعليم وإضعافها إلى حد يجعل أثرها يمحى بالتقادم، ولما كان إحياء اللغة استخدامها فقد بين اللغة العربية وجعلها اللغة الرسمية للتخاطب في البلاد. إضافة إلى هذا، تم استبدال الحروف اللاتينية بالحروف العربية إبعادًا لأبناء المسلمين عن الألفة بالحروف كتب بها القرآن الكريم، وتشجيع علية القوم على التحدث بلغة غير عربية، وربط ذلك بالتميز الاجتماعي. والمخطط لا يزال مستمرا.
ولكن العقد الأخير من الزمن حمل معه اتجاه العناية بلغة القرآن، فإزاء الحملة الشرسة على اللغة العربية وإزاء التدني الخطير في مستوى استيعابها بين خريجي المعاهد العلمية على وجه الخصوص، هبت صحوة صادقة للمحافظة عليها.
ومن نتائج اتجاه العناية باللغة العربية في عالمنا العربي، الاتجاه إلى تعريب جميع العلوم ورفع مستوى المعلم فيها، ومساعدته على التدريس بها.
4-
الأخذ بمبدأ التعلم مدى الحياة، والنظر إلى تربية المعلم في إطار نظام موحد:
إن التطورات المعاصرة في التدفق المعرفي والتقني، والحاجة إلى استثمار التعليم استثمارًا فوريا، جعل تطبيق مبدأ التعليم مدى الحياة في تربية المعلم خطوة منطقية، كما أصبح من الاتجاهات التي ينادي بها التربويون المعاصرون، والتي بدأت تأخذ مكانها في التطبيق.
فنظرا لهذه التطورات، ونظرًا للحاجات الفردية والاجتماعية المتزايدة للتعليم كمًّا ونوعًا بصورة غير مسبوق في تاريخ البشرية. ونظرًا للارتباط الذي يتوثق يومًا بعد يومًا بين التعليم وحركة الإنتاج في المجتمع، وبين التعليم والتقدم العلمي والتقني لهذا المجتمع، فإن برامج إعداد المعلم لم تعد كافية لإعداده للممارسات المهنية بقدر مقبول من الثقة.
لذلك، فقد أملت هذه التطورات وتلكم الحاجات تفكيرًا جديدًا في أهداف التعليم ومن ثم في مهام المعلم. الأمر الذي جعل مراحل تربية المعلم تتوثق عراها وتتكامل في منظومة هدفها الاحتفاظ بكفاءة المعلم مدى حياته المهنية.
ولا يقف توحيد النظم عند تكامل مراحل تربية المعلم، بدءًا من اختياره إلى تعليمه مدى الحياة، ولكن يشمل أيضًا البحوث المتعلقة بهذه التربية في أي من مراحلها. وقد ساعد على هذا أن تطوير النظام يعتمد اعتمادًا كبيرًا على التغذية العائدة التي تعتمد على البحوث التقويمية بالدرجة الأولى. وبناء عليه أصبح "البحث التربوي" من عناصر تربية المعلم. وهكذا يتكامل البحث العلمي مع كل من نظام القبول إلى معاهد إعداد المعلم، ونظام إعداده ونظام تنميته في منظومة موحدة لاستمرار الاحتفاظ بكفاءة المعلم في أدائه المهني.
5-
الأخذ بالتطورات المعاصرة في التقنية التربوية:
لا مبالغة في القول أن التقنية المعاصرة قد جعلت حياة الإنسان تفور بالمستحدثات وتتوشح بالمفاجآت، وهي وإن كانت قد بدأت في مجالات الصناعة إلا أنها ما لبثت أن غشيت جميع دروب الحياة ومواقفها، وشغلت البشر بأخبار متابعتها؛ نظرًا لأنها تشكل ملامح المستقبل وفق نفاذها إلى أعماق الكون أرضَا وبحرًا وجوا وفضاء، ووفق إسهامها في زيادة قبضة العلم على مقدرات الإنسان، بما يوفق الله العقل البشري إلى كشفه من كوامن خلقه.
ولقد كان أثر التقنية على التعليم غامرًا. فغيرت من نظمه ومناهجه وإدرته، والإشراف عليه إلى غير ذلك من الكثير الكثير الذي لا يمكن أن نفي بمعالجته هنا. ولكن غاية ما نستطيعه أن نذكر أمثلة من آثارها على تربية المعلم.
يذكر عبد الرزاق عن التغير الذي حدث في مهمات المعلم بسبب تطبيق التقنية في التعليم، ما يلي:
1-
أقل ممارسة لتقديم المعلومات، وأكثر ممارسة للتوجيه والنشاط نحو تحقيق الأهداف والتقويم.
2-
أقل توجيها للأسئلة وتصحيحًا للكراسات، وأكثر متابعة للتقدم الفردي، وتحديد الأهداف الإجرائية للتدريس، والمناقشة الجماعية، وتفسير المعلومات.
3-
اختيار المعرفة من مصادرها المتعددة والمعقدة.
4-
استعراض أساليب مناقشة أوسع مدى، وأكثر عناية بالجانب الوجداني.
5-
تحمل مسئولية أكبر في الجوانب الشخصية، وممارسة وظائف كان يمارسها المتخصصون في علم النفس، واستخدام تفاعل الجماعة في دفع تطوير النضج الاجتماعي والتفكير الإبداعي.
6-
تقويم وتشخيص حاجات كل تلميذ وتقدمه.
7-
تطوير خطط الدراسة الفردية.
8-
إعداد خطط قصيرة الأجل، وأخرى طويلة الأجل للعمل داخل حجرة الدراسة، تأخذ في الاعتبار الحاجات الفردية للتلاميذ.
9-
تخطيط حجرة الدراسة وتنظيمها وتخطيط وقت التعليم، لابتكار بيئة تعليمية فعالة.
10-
تطوير خطط الدراسة اللازمة للمجموعات الكبيرة.
11-
الإشراف على عمل الطلاب كمرشحين للمهنة.
12-
دراسة النظام وتقويمه، لتطوير العمل في حجرة الدراسة.
6-
العناية بأداء المعلم داخل حجرة الدراسة باستخدام أسلوب الكفايات:
يرجع أسلوب الكفايات في جوهره إلى النظرية السلوكية في علم نفس التعلم، ومن أهم ملامحه الارتباط الوثيق بين النظرية والتطبيق، والتركيز على أداء المتعلم وأهدافه، وعلى ناتج عملية التعليم والتغذية العائدة من تقويمها.
وتوجد ثلاث خصائص مهمة لتربية المعلم على أساس الكفايات.
الأولى: هي وجود أهداف تعليمية محدد معرفة بأسلوب إجرائي ومعروفة لدى كل من المتعلم والمعلم.
والثانية: هي تحديد المسئولية، بمعنى أن المتعلم يعرف أنه مسئول عن أداء الكفايات المعينة بالمستوى المطلوب وفق المعايير المحددة.
أما الثالثة: فهي خاصة ضمنية تتلعق بتفريد التعليم. بمعنى أن كل متعلم له نوع من الحق في اختيار الأهداف، وفي اختيار الأنشطة التعليمية ويسير في هذه الأنشطة بسرعته الخاصة. ولذلك فإن الوقت الذي يستغرق في تنفيذ هذه الأنشطة له دلالته.
ونتيجة لهذا أمكن تحديد بعض النتائج بالنسبة لتربية المعلم على أساس الكفايات ومنها:
1-
انتقال التركيز في التقويم وفي المسئولية إلى الفرد. فلم يعد تقويم الفرد منسوبًا إلى موقعه أقرانه أو إلى اختبار جمعي، ولكن يقارن أداؤه بمجموعة أهداف ومعايير خاصة به.
2-
انتقال التركيز من المعلم وعملية التعليم، إلى المتعلم وعملية التعلم.
3-
تطبيق تريبة المعلم على أساس الكفايات تتعلق بالتقنية، فالتقنية هي محور تفريد التعليم، إذ من خلالها فقط يستطيع المتعلم التخلص من الاعتماد الكلي أو المبالغ فيه على المعلم، ومن خلالها يمكن مد فرص التعليم للفرد وتوسيعها.
4-
استخدام أسلوب النظم، ويستخدم "أسلوب النظم" التغذية العائدة في تصميم المنظومات التدريسية الصغيرة، ويمكن اعتبار أسلوب النظم -مثله مثل التقنية- عاملًا مساندًا يزيد من فعاليات تربية المعلم على أساس الكفايات.
7-
العناية بأداء المعلم داخل حجرة الدراسة باستخدام أسلوب التعليم المصغر:
يستخدم التعليم المصغر في تدريب الطلاب الذين يعدون لمهنة التعليم، كما يستخدم أيضًا في تدريب المعلمين الذين يمارسون التعليم، وتثبيت كفاءته في الحالين، كما ساعد تطبيقه على حل الكثير من مشكلات التربية العلمية التقليدية في مراحل الإعداد، وتصحيح أخطاء الممارسة في أثناء الخدمة.
والتعليم المصغر لا يخرج عن كونه عينة مصغرة لتدريس واقعي يستغرق عادة ما بين عشر دقائق وثلاثين دقيقة، ويضم ما بين أربعة إلى عشرة تلاميذ. وبذلك فإن جلسة التدريس المصغر تماثل حصة الفصل العادية من جميع الجوانب، فيما عدا كل من الطول الزمني وعدد التلاميذ الذي يكون أقل كثيرًا.
ويمكن تلخيص خطوات أسلوب التعليم المصغر على النحو التالي:
1-
يقوم الطالب المعلم بالتعرف من المشرف على المهارة المطلوب التدريب عليها.
2-
يبدأ الطالب في التحضير للدرس موضحا الأهداف والمحتوى والطريقة.
3-
يبدأ الطالب التدريس الفعلي لعدد من زملائه.
4-
تبدأ عملية التقويم بواسطة المشرف.
5-
تبدأ التغذية الراجعة بعد انتهاء الدرس.
6-
يسمح للطالب بمراجعة درسه وإعادة تخطيطه.
7-
يبدأ الطالب في التدريس مرة أخرى على مجموعة أخرى.
8-
تبدأ التغذية الراجعة، للمرة الثانية.
ولقد حدثت تطورات في أسلوب التعليم المصغر نتيجة لما حدث في مجاله من تجارب وبحوث، منها:
1-
أن التلاميذ الذين يتلقون التدريس من تلاميذ المدارس، وليسوا زملاء الطالب. بل إن من التوصيات المهمة أن يمثل هؤلاء التلاميذ المدارس التي سوف يقوم الطلاب بالتدريس فيها بعد التخرج.
2-
هناك من يرى أن يبدأ زمن الدرس بخمس دقائق ثم يزاد إلى عشر دقائق ثم خمس عشرة دقيقة، ويرى أن زيادة الوقت على النحو المذكور يعتبر مكافأة للطالب على نجاحه في المرحلة الأولى ذات الخمس دقائق. ويناسب تكوين المهارت، ويقرب التدريس المصغر من التدريس الفعلي.
3-
تختلف نتائج البحوبث بالنسبة لحضور المشرف في أثناء تدريس الطالب دروس التعليم المصغر. فبعضها أوصى بضرورة وجوده، وأخرى انتهت إلى أن وجوده سلبيا على أداء الطالب.
ولا تزال البحوث تترى في متابعة التعليم المصغر بهدف تحسينه، بعد أن أثبت تفوقه على الأسلوب التقليدي للتربية الميدانية.. ويظل الباب مفتوحا لتحسينه وتطويره.
مما سبق نلاحظ أن أهم خصائص التعليم المصغر ما يلي:
1-
قصر مدة الدرس بالمقارنة بالدرس العادي.
2-
قلة عدد التلاميذ.
3-
التركيز على تعلم مهارات بذاتها.
4-
التحكم في معظم المتغيرات.
5-
معرفة النتيجة بعد الأداء مباشرة.
6-
التركيز على تنفيذ نموذج معين من التدريس، وليس تقليد مدرس معين.
8-
ظهور النموذج الإنساني في تربية المعلم:
إن العصر المادي الذي نعيش فيه، وسيطرة الآلة على حياة البشر وزحف التقنية على هذه الحياة، جعل الإنسان يلهث وراء مستحدثاتها التي تمطره بوابل منها وتغرقه في مشكلاتها حتى أصبحت هي الصديق اللدود الذي لا يحبه، وفي الوقت نفسه لا يقدر على فراقه.
ويحاول البعض أن يعيد الإنسانية إلى الجسد الذي أزهقت منه في غمرة السعي إلى السبق الحضاري المادي والتفوق العلمي والتقني. والذي معه قذفوا بأنفسهم في هوة الخواء الروحي -وإن كان هذا التفوق لم يكن بالضرروة سببًا له- فنادوا بالمنهج الإنساني.
وهدفنا هنا أن نلقي بعض الضوء على هذا المنهج وأثره على تربية المعلم. وذلك على النحو التالي:
8-
1 أهداف المنهج الإنساني وأسسه النفسية:
إن أهم أهداف المنهج الإسلامي هي إمداد المتعلم بخبرات تشعره بالمكافأة الداخلية وتسهم في تحريره وتنميته. ويرى المنهج الإنساني أن التربية عملية ديناميكية شخصية ترتبط بالتنمية الذاتية، والكمال الإنساني والاستقلال الذاتي، وينبغي أن تحقق اتجاها أسلم نحو الذات والأقران والتعلم. وتحقق الذات هو في موضع القلب من هذا المنهج، فلكل متعلم ذات خاصة ينبغي اكتشافها وبناؤها وتعليمها.
وطبقًا للمنهج الإنساني فإنه ينبغي أن يسمح للمتعلمين أن يعبروا، وأن ينصرفوا، وأن يجربوا، وأن يخطئوا، وأن يروا، وأن يحصلوا على التغذية العائدة، وأن يكتشفوا من هم. وعلى المنهج الإنساني أن يمدهم بالنمو المعرفي والشخصي في الوقت نفسه.
8-
2 أثر المنهج الإنساني على تربية المعلم:
غني عن القول أن أي تعديل في المناهج الدراسية يستتبعه تغيير في خبرات المعلم، بما يمكنه من استيعاب هذا التعديل بصورة تجعله قادرًا على تقديم المنهج المطور إلى طلابه، بما يحقق أهداف التعديل. وإذا كان المنهج جديدًا -كما هو الحال في المنهج الإنساني- فإن حاجة المعلم إلى هضم متطلبات تطبيق المنهج الجديد وتمثلها تكون أشد.
وللمنهج الإنساني مطالب من تربية المعلم أهمها:
1-
أن يحتفظ المعلم بعلاقة حميمة مع تلاميذه، وأن يطلق خيالهم بتدريسه، وأن يبتكر مواقف تتحدى تفكيرهم.
2-
أن يعتبر كل طالب قادر على التعلم، وعليه أن يجد المدخل المناسب لتعليمه.
3-
أن يعتبر التدريس فنا، ومن ثم ينبغي أن يجلب المسرة لتلاميذه، إلى جانب حثهم على الارتقاء والإبداع.
4-
أن تكون الثقة بينه وبين طلابه من مثيرات دوافعهم نحو التعلم، ومن أهم عوامل إيجاد هذه الثقة أن يكون المعلم مصدرًا للمعلومات الصحيحة، ومجددا في أساليبه.
5-
أن يكون قادرًا على تفريد تعليمه، ويدفع تلاميذه إلى التعليم الذاتي.
6-
أن يكون برنامج تربيته مفتوحًا ومستمرا ومتجددًا ومواكبًا لحاجات تلاميذه ومجتمعهم.
9-
التركيز على البحوث وتطبيقاتها الميدانية:
في عصر العلم لا بد أن تسود لغة العلم، ولغة العلم ليست رموزًا ومعادلات
ونماذج، ومنظومات وجداول فقط. ولكنها -إضافة إلى ما سبق- منهج
وأسلوب وفكر واتجاه.
لذلك، نجد الأمم التي أخذت بالمنهج العلمي، وثبتت على هذا الاتجاه، أسرعت الخطى وطوت مسافات شاسعة على طريق التقدم، ونجد أمما أخرى ظنت، أن المنهج العلمي مضياع للوقت ومقوق للمسيرة فأصابتها الأمية العلمية، ووقعت في غياهب الجهل في عصر المعرفة المتوقدة.
والمنهج العلمي لا يتحقق إلا بالبحث العلمي، فبالبحث العلمي تضبط التوجهات وتصحح الأخطاء وتحصر التعميمات في إطارها الصحيح. وتحدد المشكلات، وتعرف الأسباب ويوصف العلاج، وتفتح آفاق التقدم.
ومع سرعة الخطى أصبحت الموضوعية العلمية أساسا لكل تطوير ممكن، وما كان التفاعل اللفظي داخل حجرة الدراسة والتعليم المصغر وأسلول الكفايات وغيرها وغيرها من المستحدثات التربوية في مجال تربية المعلم أو في غيره من المجالات، إلا نتيجة للبحوث العلمية.
واليوم أصبح البحث -على وجه العموم وفي المجالات التربوية على وجه الخصوص- الأساس الذي يبنى عليه اتخاذ القرار والتحسين والتطوير والبناء والتخطيط والتشخيص والعلاج و....، وبدونه لا شيء من هذا يمكن إنجازه بالصورة المطلوبة.
ويمكن تلخيص أهمية البحث العلمي في تربية المعلم على النحو التالي:
1-
أن المعلم يحتاج إلى ممارسة البحث العلمي لكي يستطيع تطوير أدائه في مهنته؛ لذلك ينبغي أن يدرس المعلم في مرحلة إعداده، مناهج البحث وأدواته، وأن يطبق ما درسه في مواقف واقعية، وأن يكون البحث علميا على البحث جزءا أساسيا في برامج تنميته، وأن يكون البحث من الممارسات المستمرة للمعلم في أثناء عمله.
2-
أن تؤسس القرارات الخاصة بالتجديد والتعديل والتحسين في نظم تربية المعلم على البحث العلمي. ولكي يسهل تطبيق هنذه البحوث، ينبغي أن يكون أصحاب القرار في تطبيقها من المتابعين لتطور مراحلها ومتعاونين في إنجازها.
3-
أن يكون من يقوم بهذه البحوث أو يشرف عليها ممن لهم خبرة بتربية المعلم.
4-
أن تتناول البحوث المشكلات الواقعية التي تواجه المعلمين سواء كانت خاصة بعملية التعليم أو بنظم تربية المعلمين. وأن تكون نتائجها قابلة للتطبيق، وأن يكون تطبيقها سهلا وواضحًا، وأن تكون منسقة فيما بينها، ومنسقة مع بحوث المجالات الأخرى، بقدر الإمكان.
10-
اتساع قاعدة المشاركين في اتخاذ القرارات الخاصة بتربية المعلم:
إن الاهتمام بقضايا التعليم -ومن أهمها تربية المعلم- لم تعد معنية بالمتخصصين في التعليم فقط، ولكن امتد الاهتمام بها إلى عامة الناس وخاصتهم من حيث إنها تعنى بتربية الأبناء في عصر يشعر الناس فيه بتعاظم الحاجة إلى التربية، وأن فهم الحياة -على وجه العموم- يتوقف على مدى ما أدرك الفرد من تعليم، وأن مشكلات العصر مثل المخدرات والتلوث البيئي والإرهاب تتطلب تعليمًا جيدًا للتعامل مع مخاطرها بذكاء، وأن سرعة إيقاع الأحداث والمنافسة الحادة على كل من مقاعد الدراسة وفرص العلم ومكان
المنظمات المهنية، تحتاج -أيضًا- إلى تعليم جيد. ويعود هذا كله إلى تربية المعلم، مما جعل اتخاذ قرار بشأن هذه التربية مهمة جميع قطاعات المجتمع. يضاف إلي هذا:
1-
أن التعليم أصبح عملية اجتماعية تهم المجتمع كله، وليس القائمين على التعليم فقط. ومن ثم فإن قيادات المجتمع -وبخاصة السياسيون منهم- يتطلعون إلى دور في شئونه، ولا سيما بالنسبة للمعلم.