المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثانيا: الحكم بما أنزل الله والأخذ بالشورى والالتزام بالعدل - الاتجاهات الحديثة في تخطيط المناهج الدراسية في ضوء التوجيهات الإسلامية

[محمود أحمد شوق]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌الفهرس العام:

- ‌الباب الأول: مفهوم تخطيط المناهج الدراسية وأهم مجالاته المتعلقة بها

- ‌مقدمة الباب الأول:

- ‌الفصل الأول: مفهوم تخطيط المناهج الدراسية

- ‌مقدمة الفصل الأول

- ‌أولًا: مفهوم التخطيط، على وجه العموم

- ‌ثانيًا: مفهوم التخطيط للتدريس وأهميته بالنسبة للمعلمين

- ‌ثالثًا: مفهوم تخطيط المنهج الدراسي

- ‌خاتمة الفصل الأول:

- ‌أهم مصادر الفصل الأول

- ‌الفصل الثاني: أهم مجالات التخطيط المتعلقة بالمناهج الدراسية

- ‌مقدمة الفصل الثاني

- ‌أولًا: التخطيط للتربية الميدانية

- ‌ثانيًا: التخطيط لبداية ناجحة في التدريس

- ‌ثالثًا: التخطيط للتدريس فصلًا دراسيا أو عاما دراسيا

- ‌رابعًا: التخطيط لتدريس موضوع أو وحدة

- ‌خامسًا: التخطيط للعمل اليومي

- ‌سادسًا: التخطيط لتدريس الدرس

- ‌سابعًا: التخطيط لاستثمار الفروق الفردية بين المتعلمين

- ‌خاتمة الفصل الثاني:

- ‌أهم مصادر الفصل الثاني:

- ‌خاتمة الباب الأول:

- ‌الباب الثاني: الأسس العامة لتخطيط المنهج الدراسي

- ‌مقدمة الباب الثاني:

- ‌الفصل الثالث: أهم خصائص التربية الإسلامية

- ‌مقدمة الفصل الثالث

- ‌أولًا: التربية الإسلامية ربانية المصدر، عالمية الغاية، شاملة الأثر

- ‌ثانيا: ثاتبة أصولها، مرنة تطبيقاتها

- ‌ثالثا: تعد التربية الإسلامية الإنسان للحياتين، الدنيا والآخرة في توازن واعتدال

- ‌رابعًا: حث المسلم على العمل بقدر طاقته

- ‌خاتمة الفصل الثالث:

- ‌أهم مصادر الفصل الثالث:

- ‌الفصل الرابع: أهم خصائص العلم وفق التوجيه الإسلامي

- ‌مقدمة الفصل الرابع:

- ‌أولًا: طلب العلم فريضة على كل مسلم

- ‌ثانيًا: العلم كله من عند الله، ولا ينفد

- ‌ثالثا: غاية العلم هي تطبيق منهج الله في الحياة

- ‌رابعًا: العلم يحيط بجميع متطلبات الحياة وفق منهج الله

- ‌خامسًا: تتوافق فيه حقائق الكون مع حقائق الوحي

- ‌سادسًا: العلم يرفع قدر طلابه عند الله

- ‌خاتمة الفصل الرابع:

- ‌أهم مصادر الفصل الرابع:

- ‌الفصل الخامس: التوجيه الإسلامي للعلوم

- ‌مقدمة الفصل الخامس

- ‌أولًا: دوافع التأصيل الإسلامي للعلوم

- ‌ثانيًا: المفهوم والمصطلح

- ‌ثالثًا: أسس التوجيه الإسلامي للعلوم ومنهجه

- ‌خاتمة الفصل الخامس:

- ‌أهم مصادر الفصل الخامس:

- ‌الفصل السادس: أهم الاتجاهات التربوية المعاصرة

- ‌مقدمة الفصل السادس:

- ‌أولًا: أهم ملامح التطورات العالمية المعاصرة

- ‌ثانيا: أهم الاتجاهات التربوية المعاصرة

- ‌مدخل

- ‌ أهم الاتجاهات المعاصرة في سياسة التعليم:

- ‌ أهم الاتجاهات المعاصرة في تربية المعلم *:

- ‌أهم الاتجاهات المعاصرة في المناهج الدراسية

- ‌خاتمة الفصل السادس:

- ‌أهم مصادر الفصل السادس:

- ‌خاتمة الباب الثاني:

- ‌الباب الثالث: مصادر خبرات المنهج الدراسي

- ‌مقدمة الباب الثالث:

- ‌الفصل السابع: أهم خصائص المتعلم

- ‌مقدمة الفصل السابع

- ‌أولًا: أهم جوانب طبيعة المتعلم

- ‌ثانيًا: أهم جوانب شخصية المتعلم

- ‌ثالثًا: وظيفة المتعلم

- ‌رابعا: أهم خصائص نمو المتعلم

- ‌مدخل

- ‌ مرحلة التكوين:

- ‌ مرحلة الرضاعة

- ‌ مرحلة الطفولة:

- ‌ مرحلة التمييز:

- ‌ مرحلة البلوغ أو الرشد:

- ‌مرحلة الشباب:

- ‌خاتمة الفصل السابع:

- ‌أهم مصادر الفصل السابع:

- ‌الفصل الثامن: أهم خصائص المجتمع المسلم

- ‌مقدمة الفصل الثامن:

- ‌أولًا: ترسيخ عقيدة التوحيد

- ‌ثانيًا: الحكم بما أنزل الله والأخذ بالشورى والالتزام بالعدل

- ‌ثالثًا: الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌رابعا: تكوين الأسرة المسلمة

- ‌مدخل

- ‌ الترغيب في الزواج وبيان أسس اختيار كل من الزوجين:

- ‌ بيان حقوق كل من الزوجين ووقايتهما من الغواية:

- ‌ بيان حقوق الوالدين:

- ‌بيان حقوق الأولاد والحرص على تربيتهم

- ‌ وضع أسس لوقاية الأسرة من التفكك أو الانحراف:

- ‌خامسا: تحقيق كل من التضامن الإسلامي والتكافل الاجتماعي بين المسلمين

- ‌إرساء أسس المحبة وصولا إلى التضامن والتعاون

- ‌ التكافل الاجتماعي:

- ‌سادسًا: متابعة الاجتهاد

- ‌سابعًا: بث روح الجهاد في سبيل الله

- ‌ثامنا: حسن استثمار المصادر البشرية والطبيعية بالمجتمع والعمل على الارتقاء بالحياة فيه

- ‌خاتمة الفصل الثامن:

- ‌أهم مصادر الفصل الثامن:

- ‌الفصل التاسع: أهم خصائص المجال الدراسي والثقافة والعلمية والتقنية

- ‌مقدمة الفصل التاسع

- ‌أولا: المجال الدراسي

- ‌مدخل

- ‌ بالنسبة للأساسيات والتسلسل:

- ‌ بالنسبة للتطورات المعاصرة في المجال

- ‌ بالنسبة للتطبيقات:

- ‌ بالنسبة للتوجيه الإسلامي للمجال الدراسي

- ‌ بالنسبة لإسهامات العلماء المسلمين في المجال الدراسي:

- ‌ثانيًا: الثقافة العلمية والتقنية

- ‌خاتمة الفصل التاسع:

- ‌أهم مصادر الفصل التاسع:

- ‌خاتمة الباب الثالث:

- ‌الباب الرابع: أهم خطوات تخطيط المنهج الدراسى ومعوقاته

- ‌مقدمة الباب الرابع

- ‌الفصل العاشر: أهم خطوات إعداد المنهج الدراسي

- ‌مقدمة الفصل العاشر

- ‌أولا: الإعداد للمهمة

- ‌ثانيًا: أهم أسس إعداد أهداف المنهج الدراسي

- ‌ثالثا: أهم أسس إعداد محتوى المنهج الدراسي

- ‌أهم أسس اختيار خبرات المنهج الدراسي

- ‌أهم أسس تنظيم خبرات المنهج الدراسي

- ‌رابعًا: أهم أسس إعداد طرائق التدريس *

- ‌خامسًا: أهم أسس الإعداد لاستخدام وسائل تقانة التعليم *

- ‌سادسًا: أهم أسس إعداد المناشط المدرسية *

- ‌سابعًا: أهم أسس الإعداد لتقويم مخرجات المنهج الدراسي

- ‌ثامنًا: تقويم المنهج الدراسي الذي تم إعداده

- ‌خاتمة الفصل العاشر:

- ‌أهم مصادر الفصل العاشر:

- ‌الفصل الحادي عشر: أهم خطوات تطبيق المنهج الدراسي الجديد

- ‌مقدمة الفصل الخادي عشر

- ‌أولًا: التخطيط للتطبيق الميداني

- ‌ثانيًا: إعداد متطلبات التطبيق

- ‌ثالثًا: تدريب المشاركين في تطبيق المنهج الجديد

- ‌رابعًا: بث الشعور بالحاجة إلى منهج جديد، والتوعية بمتطلباته ومشكلاته

- ‌خامسا: تجريب المنهج الجديد

- ‌سادسًا: تعميم المنهج الجديد ومتابعته بالتقويم والتطوير

- ‌خاتمة الفصل الحادي عشر:

- ‌أهم مصادر الفصل الحادي عشر:

- ‌الفصل الثاني عشر: أهم معوقات تخطيط المنهج الدراسي

- ‌مقدمة الفصل الثاني عشر

- ‌أولًا: معوقات خاصة بطبيعة التخطيط التربوي

- ‌ثانيًا: معوقات خاصة بالجوانب الفنية لعملية تخطيط المناهج

- ‌ثالثًا: معوقات خاصة بالقائمين بعملية تخطيط المنهج الدراسي

- ‌رابعًا: معوقات إدارية

- ‌خامسًا: معوقات اجتماعية

- ‌سادسًا: معوقات سياسية

- ‌سابعًا: معوقات خاصة بالظروف الطارئة، وعدم اتخاذ القرار في الوقت المناسب

- ‌ثامنًا: القصور في الاعتمادات المالية

- ‌خاتمة الفصل الثاني عشر:

- ‌أهم مصادر الفصل الثاني عشر:

- ‌خاتمة الباب الرابع:

الفصل: ‌ثانيا: الحكم بما أنزل الله والأخذ بالشورى والالتزام بالعدل

وهكذا تكون عقيدة التوحيد هي العمود الفقري لجسم الأمة الإسلامية. إذ بها يتجمع المسلمون جميعهم حول الإله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي ليس له شبيه ولا ولد، وبهذه الصفات المتفردة يستقر في قلب المسلم -بعقيدة التوحيد- أن الإنسان ليس وحده في مسيرة الحياة، وأن المجتمع المسلم مجتمع رباني، فللفرد حدود في سعيه في الحياة يحددها منهج الله، وللمجتمع حدود يبينها هذا المنهج، ومن يلتزم بهذه الحدود فهو في رعاية خالق الكون، ومن ثم لا يخشى في الحق لومة لائم. فيعمل على إنفاذ منهج الله في الأرض ويسود -بذلك- الأمن والاستقرار والسلام لجميع البشر.

وقبل هذا وبعده، فإن العقيدة تشبع حاجة أساسية عند الإنسان وهي حاجة الإنسان إلى الاعتقاد في قوة لا يحدها شيء، تكون له ملاذا حيث لا ملاذ، وتكون له ملجأ حين يعز عليه الملجأ. ويستمد منها القوة والأمن والأمان، وفي الوقت نفسه يخشاها حيثما يكون وفي أي وقت يكون، في سره وعلنه.

والعقيدة الإسلامية عقيدة شاملة لحياة الفرد كلها دنياها وآخرتها في تكامل وتوازن واعتدال إنها العقيدة التي تتسع فتشمل كل نشاط الإنسان في كل حقول الحياة، وإنها لا تتولى روح الفرد وتهمل عقله وجسده. أو تتولى شعائره وتهمل شرائعه، أو تتولى ضميره وتهمل سلوكه. وإنها لا تتولاه وتهمله جماعة، ولا تتولاه في حياته الشخصية، وتهمل نظام حكمه وعلاقاته الدولية "16، 8".

لذلك فإن هذه العقيدة من أهم، بل أهم خصائص المجتمع المسلم التي ينبغي أن يضعها مخططو المناهج الدراسية في عين الاعتبار، من حيث كون المجتمع مصدرًا من مصادر هذه المناهج، وذلك عن طريق العمل على ترسيخها في أنفس المتعلمين وأفئدتهم واستثمارها في عملية التعليم والتعلم.

أنها تؤسس على العقيدة الإسلامية، وأنها من أسس الدين الحنيف التي تجعل المسلم يحيا وفق ما

ص: 276

‌ثانيًا: الحكم بما أنزل الله والأخذ بالشورى والالتزام بالعدل

إن الله سبحانه وتعالى قد أنزل الشريعة التي يحتكم إليها المسلمون في جميع شئونهم الخاصة والعامة، ولم تترك الشريعة أمرًا من الأمور إلا أحاطت به سواء ما يخص علاقة الفرد بذاته، أو علاقة الفرد بغيره من الأفراد، أو علاقة الفرد بأسرته أو بمجتمعه بما فيه من مؤسسات، أو علاقته بالمجتمعات الأخرى مسلمة أو غير مسلمة. وبينت للناس شئونهم في السلم والحرب. وفي الرخاء والشدة، ووضعت الحدود لكل فعل. كما أوضحت الأخلاق التي ينبغي أن يتحلى بها المسلم. وما ينبغي أن يسود المجتمع المسلم من علاقات، إلى غير ذلك مما لا يمكن حصره.

وإن أهم ما ينبغي إدراكه بالنسبة لتحكيم الشريعة الإسلامية

ص: 276

أحله الله وما حرمه، ويجد في دخيلته رقابة ذاتية تمنعه في سره وعلنه من ارتكاب الخطأ، حبا في الله وتسليمًا بأوامره ونواهيه.

وهذا الانسجام بين سر الفرد وعلنه، وهذا الشعور برقابة الله سبحانه وتعالى، والحب فيه والبغض فيه والحرص على إنفاذ أمره وتجنب نواهيه، يجعل المسلم رقيبا على نفسه مقوما لها، آخذا بناصيتها إلى الصراط الله العزيز.

والشريعة الإسلامية هي: ما شرعه الله لعباده من العقائد والعبادات والأخلاق ونظم حياة في شعبها المختلفة لتحقيق سعادتهم في الدنيا والآخرة. "8، 9" ومصادر الشريعة هي الكتاب والسنة، ثم أدلة أخرى تستند إلى هذين المصدرين وهي: القياس والاستحسان والمصلحة المرسلة. "8، 73-80".

ومن أهم الفروق بين الشريعة والقوانين الوضعية أن الشريعة ربانية المصدر، وفي تحكيمها طاعة لله، ودليل على الإيمان به وباليوم الآخر. وقد وجه الله توجيهًا صريحًا إلى تحكيمها. فقال تعالى:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65] .

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59] .

ولقد نهى الله سبحانه وتعالى عن اتباع الهوى، وأمر بتطبيق الشريعة في المجتمع المسلم أمرًا ملزمًا كلا وتفصيلًا فقال تعالى:{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الجاثية: 18] .

وقال سبحانه: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [المائدة: 49] .

أما الذين لا يطبقون الشريعة من المسلمين فهم -لا شك- لا يؤسسون مجتمعا مسلمًا. فالشريعة -كما أشرنا سابقًا- ليست مجموعة من القوانين التي ينفذها الناس ما دامت هناك متابعة من القائمين عليها لتنفيذها، ويتحررون من قيدها في غيبة هذه المتابعة -كما هو الحال في القوانين الوضعية- ولكنها نظام

ص: 277

متكامل في ذاته يجعل سر الفرد يتكامل مع علنه في خشية الله، ومن ثم لا انفصام بين سلوك الفرد في الحالتين. والإسلام نظام تتكامل عناصره مع بعضها البعض، وهذا التكامل يجعل أي خلل في تطبيق الشريعة أو تراجع عن تطبيق جزئية فيها ينعكس على بقية العناصر. لذلك فإن الله سبحانه وتعالى قد وصف من لم يحكم بشرعه بالظلم مرة وبالكفر مرة وبالفسق مرة؛ لأن من يفعل ذلك يقوض أركان المجتمع المسلم من أساسها، ولا شك أن التراجع عن تطبيق الشريعة هو من أهم أسبباب انهيار المجتمعات المسلمة في أيامنا هذه. ومن الملاحظ أن الآيات التي تناولت المعرضين عن تحكيم شرع الله جاءت متتالية أو متقاربة، حتى يكون وقعها قويا ووعيدها شديدًا.

قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] .

وقال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45] .

وقال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة: 47] .

ويقوم الحكم في الإسلام على الشورى والعدل في تطبيق شرع الله. والشورى في الإسلام تقي الحاكم من أن ينفرد بالرأي. فقد يقضي في أمور المسلمين بما لا يتفق مع منهج الله. وقد يجتهد عن غير علم بما يقضي فيه فيضل السبيل الأقوم، وقد ينحاز أو يجور. كل هذا قد يحدث عن قصد أو عن غير قصد. لذلك، كانت الشورى وجاء للحاكم من الزلل في كل الأحوال.

والشورى وسيلة للوصول إلى الرأي الأصوب؛ لأنه رأي الجماعة. والجماعة هنا لا يقصد بهم الأغلبية المطلقة كما هو الحال في النظام "الديموقراطي" الذي يعتمد عل الأغلبية العددية وحدها، ولكن المقصود بالجماعة هنا جماعة الأفراد المؤهلين للاستشارة من أهل الحل والعقد، ومن أهم ما ينبغي أن يتوافر في هؤلاء شرطان أساسيان، الأول: أن يكونوا منم يتقون الله في القول والعمل ولا يخشون أحدًا إلا هو، ويعملون على تحقيق منهجه في الأرض. والثاني: أن يكونوا ممن لديهم العلم الواثق والخبرة الكافية فيما يستشارون فيه.

وبناء عليه فإن المستشار في الإسلام لا ينافق الحاكم ولا يخشاه، بل يصدقه القول، أما عن مدى صواب ما يشير به فعمله وخبرته يؤهلانه -بعد تو فيق الله- للوصول إلى الصواب. ومع ذلك، فهو بشر يخطئ ويصيب، ولكنه يتحرى الصدق والصواب في كل حال.

ص: 278

ويؤكد القرآن لكريم الشورى في أكثر من موضع. قال تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38] .

وقال تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159] .

ويحدثنا التاريخ الإسلام عن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم للشورى في اتخاذ قرارته. فما حفر الخندق في غزوة الخندق إلا نتيجة المشورة، وما خرج المسلمون في غزوة بدر لمقابلة الكفار إلا بعد المشورة، وما تقررت معاملة أسرى بدر إلا بناء على مشورة.

ويعتمد العدل في الإسلام على المنهج وعلى الناس وعلى القوة. أما المنهج فهو شريعة الله

وقد أكدت الشريعة أمر العدل مع النفس، وداخل الأسرة وفي ساحة القضاء، وعلى مستوى الرعية، وحتى مع المخالفين في العقيدة، ومع من نحبهم ومن نكرههم "18، 284".

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] .

وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ} [النحل: 90] .

وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58] .

وتطبيق الحدود من الدعائم المهمة للعدل في الإسلام، ومن أهم أسس استقرار الحياة في المجتمع المسلم. قال تعالى:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} [البقرة: 179] .

ووضع الله سبحانه وتعالى موازين هذه الحدود، قال تعالى:{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: 45] .

ص: 279

وقال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] .

وقال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93] .

وقال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة: 38] .

وقال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33] .

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} [البقرة: 178] .

ويبين سلوك محمد صلى الله عليه وسلم قواعد للعدل والمساواة ستظل نبراسا يستضيء به طلاب العدل ومريدوه على مر الأزمان. وذلك حين جاءه من يشفع في حد من حدود الله، فأقسم بالله بأن لو سرقت ابنته فاطمة لقطع يدها.

وقال عليه الصلاة والسلام: "لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى". رواه أحمد".

كما ضرب الحكام المسلمون الأوائل أمثلة للعدل مع النفس ومع الغير من أبناء الرعية المسلمين وغير المسلمين. فهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يحكم لنصراني من مصر بضرب ابن عمرو بن العاص واليه على مصر قصاصا منه. وهذا على بن أبي طالب رضي الله عنه. يقاضي نصرانيا أخذ درعه -وهو أمير المؤمنين- فيحكم القاضي للنصراني بالدرع؛ لأن أمير المؤمنين ليس عنده بينة. "11، 59".

ص: 280