الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهكذا تكون عقيدة التوحيد هي العمود الفقري لجسم الأمة الإسلامية. إذ بها يتجمع المسلمون جميعهم حول الإله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي ليس له شبيه ولا ولد، وبهذه الصفات المتفردة يستقر في قلب المسلم -بعقيدة التوحيد- أن الإنسان ليس وحده في مسيرة الحياة، وأن المجتمع المسلم مجتمع رباني، فللفرد حدود في سعيه في الحياة يحددها منهج الله، وللمجتمع حدود يبينها هذا المنهج، ومن يلتزم بهذه الحدود فهو في رعاية خالق الكون، ومن ثم لا يخشى في الحق لومة لائم. فيعمل على إنفاذ منهج الله في الأرض ويسود -بذلك- الأمن والاستقرار والسلام لجميع البشر.
وقبل هذا وبعده، فإن العقيدة تشبع حاجة أساسية عند الإنسان وهي حاجة الإنسان إلى الاعتقاد في قوة لا يحدها شيء، تكون له ملاذا حيث لا ملاذ، وتكون له ملجأ حين يعز عليه الملجأ. ويستمد منها القوة والأمن والأمان، وفي الوقت نفسه يخشاها حيثما يكون وفي أي وقت يكون، في سره وعلنه.
والعقيدة الإسلامية عقيدة شاملة لحياة الفرد كلها دنياها وآخرتها في تكامل وتوازن واعتدال إنها العقيدة التي تتسع فتشمل كل نشاط الإنسان في كل حقول الحياة، وإنها لا تتولى روح الفرد وتهمل عقله وجسده. أو تتولى شعائره وتهمل شرائعه، أو تتولى ضميره وتهمل سلوكه. وإنها لا تتولاه وتهمله جماعة، ولا تتولاه في حياته الشخصية، وتهمل نظام حكمه وعلاقاته الدولية "16، 8".
لذلك فإن هذه العقيدة من أهم، بل أهم خصائص المجتمع المسلم التي ينبغي أن يضعها مخططو المناهج الدراسية في عين الاعتبار، من حيث كون المجتمع مصدرًا من مصادر هذه المناهج، وذلك عن طريق العمل على ترسيخها في أنفس المتعلمين وأفئدتهم واستثمارها في عملية التعليم والتعلم.
أنها تؤسس على العقيدة الإسلامية، وأنها من أسس الدين الحنيف التي تجعل المسلم يحيا وفق ما
ثانيًا: الحكم بما أنزل الله والأخذ بالشورى والالتزام بالعدل
إن الله سبحانه وتعالى قد أنزل الشريعة التي يحتكم إليها المسلمون في جميع شئونهم الخاصة والعامة، ولم تترك الشريعة أمرًا من الأمور إلا أحاطت به سواء ما يخص علاقة الفرد بذاته، أو علاقة الفرد بغيره من الأفراد، أو علاقة الفرد بأسرته أو بمجتمعه بما فيه من مؤسسات، أو علاقته بالمجتمعات الأخرى مسلمة أو غير مسلمة. وبينت للناس شئونهم في السلم والحرب. وفي الرخاء والشدة، ووضعت الحدود لكل فعل. كما أوضحت الأخلاق التي ينبغي أن يتحلى بها المسلم. وما ينبغي أن يسود المجتمع المسلم من علاقات، إلى غير ذلك مما لا يمكن حصره.
وإن أهم ما ينبغي إدراكه بالنسبة لتحكيم الشريعة الإسلامية
أحله الله وما حرمه، ويجد في دخيلته رقابة ذاتية تمنعه في سره وعلنه من ارتكاب الخطأ، حبا في الله وتسليمًا بأوامره ونواهيه.
وهذا الانسجام بين سر الفرد وعلنه، وهذا الشعور برقابة الله سبحانه وتعالى، والحب فيه والبغض فيه والحرص على إنفاذ أمره وتجنب نواهيه، يجعل المسلم رقيبا على نفسه مقوما لها، آخذا بناصيتها إلى الصراط الله العزيز.
والشريعة الإسلامية هي: ما شرعه الله لعباده من العقائد والعبادات والأخلاق ونظم حياة في شعبها المختلفة لتحقيق سعادتهم في الدنيا والآخرة. "8، 9" ومصادر الشريعة هي الكتاب والسنة، ثم أدلة أخرى تستند إلى هذين المصدرين وهي: القياس والاستحسان والمصلحة المرسلة. "8، 73-80".
ومن أهم الفروق بين الشريعة والقوانين الوضعية أن الشريعة ربانية المصدر، وفي تحكيمها طاعة لله، ودليل على الإيمان به وباليوم الآخر. وقد وجه الله توجيهًا صريحًا إلى تحكيمها. فقال تعالى:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65] .
ولقد نهى الله سبحانه وتعالى عن اتباع الهوى، وأمر بتطبيق الشريعة في المجتمع المسلم أمرًا ملزمًا كلا وتفصيلًا فقال تعالى:{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الجاثية: 18] .
وقال سبحانه: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [المائدة: 49] .
أما الذين لا يطبقون الشريعة من المسلمين فهم -لا شك- لا يؤسسون مجتمعا مسلمًا. فالشريعة -كما أشرنا سابقًا- ليست مجموعة من القوانين التي ينفذها الناس ما دامت هناك متابعة من القائمين عليها لتنفيذها، ويتحررون من قيدها في غيبة هذه المتابعة -كما هو الحال في القوانين الوضعية- ولكنها نظام
متكامل في ذاته يجعل سر الفرد يتكامل مع علنه في خشية الله، ومن ثم لا انفصام بين سلوك الفرد في الحالتين. والإسلام نظام تتكامل عناصره مع بعضها البعض، وهذا التكامل يجعل أي خلل في تطبيق الشريعة أو تراجع عن تطبيق جزئية فيها ينعكس على بقية العناصر. لذلك فإن الله سبحانه وتعالى قد وصف من لم يحكم بشرعه بالظلم مرة وبالكفر مرة وبالفسق مرة؛ لأن من يفعل ذلك يقوض أركان المجتمع المسلم من أساسها، ولا شك أن التراجع عن تطبيق الشريعة هو من أهم أسبباب انهيار المجتمعات المسلمة في أيامنا هذه. ومن الملاحظ أن الآيات التي تناولت المعرضين عن تحكيم شرع الله جاءت متتالية أو متقاربة، حتى يكون وقعها قويا ووعيدها شديدًا.
قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] .
وقال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45] .
وقال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة: 47] .
ويقوم الحكم في الإسلام على الشورى والعدل في تطبيق شرع الله. والشورى في الإسلام تقي الحاكم من أن ينفرد بالرأي. فقد يقضي في أمور المسلمين بما لا يتفق مع منهج الله. وقد يجتهد عن غير علم بما يقضي فيه فيضل السبيل الأقوم، وقد ينحاز أو يجور. كل هذا قد يحدث عن قصد أو عن غير قصد. لذلك، كانت الشورى وجاء للحاكم من الزلل في كل الأحوال.
والشورى وسيلة للوصول إلى الرأي الأصوب؛ لأنه رأي الجماعة. والجماعة هنا لا يقصد بهم الأغلبية المطلقة كما هو الحال في النظام "الديموقراطي" الذي يعتمد عل الأغلبية العددية وحدها، ولكن المقصود بالجماعة هنا جماعة الأفراد المؤهلين للاستشارة من أهل الحل والعقد، ومن أهم ما ينبغي أن يتوافر في هؤلاء شرطان أساسيان، الأول: أن يكونوا منم يتقون الله في القول والعمل ولا يخشون أحدًا إلا هو، ويعملون على تحقيق منهجه في الأرض. والثاني: أن يكونوا ممن لديهم العلم الواثق والخبرة الكافية فيما يستشارون فيه.
وبناء عليه فإن المستشار في الإسلام لا ينافق الحاكم ولا يخشاه، بل يصدقه القول، أما عن مدى صواب ما يشير به فعمله وخبرته يؤهلانه -بعد تو فيق الله- للوصول إلى الصواب. ومع ذلك، فهو بشر يخطئ ويصيب، ولكنه يتحرى الصدق والصواب في كل حال.
ويؤكد القرآن لكريم الشورى في أكثر من موضع. قال تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38] .
وقال تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159] .
ويحدثنا التاريخ الإسلام عن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم للشورى في اتخاذ قرارته. فما حفر الخندق في غزوة الخندق إلا نتيجة المشورة، وما خرج المسلمون في غزوة بدر لمقابلة الكفار إلا بعد المشورة، وما تقررت معاملة أسرى بدر إلا بناء على مشورة.
ويعتمد العدل في الإسلام على المنهج وعلى الناس وعلى القوة. أما المنهج فهو شريعة الله
…
وقد أكدت الشريعة أمر العدل مع النفس، وداخل الأسرة وفي ساحة القضاء، وعلى مستوى الرعية، وحتى مع المخالفين في العقيدة، ومع من نحبهم ومن نكرههم "18، 284".
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] .
وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ} [النحل: 90] .
وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58] .
وتطبيق الحدود من الدعائم المهمة للعدل في الإسلام، ومن أهم أسس استقرار الحياة في المجتمع المسلم. قال تعالى:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} [البقرة: 179] .
ووضع الله سبحانه وتعالى موازين هذه الحدود، قال تعالى:{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: 45] .
وقال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93] .
وقال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة: 38] .
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} [البقرة: 178] .
ويبين سلوك محمد صلى الله عليه وسلم قواعد للعدل والمساواة ستظل نبراسا يستضيء به طلاب العدل ومريدوه على مر الأزمان. وذلك حين جاءه من يشفع في حد من حدود الله، فأقسم بالله بأن لو سرقت ابنته فاطمة لقطع يدها.
وقال عليه الصلاة والسلام: "لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى". رواه أحمد".
كما ضرب الحكام المسلمون الأوائل أمثلة للعدل مع النفس ومع الغير من أبناء الرعية المسلمين وغير المسلمين. فهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يحكم لنصراني من مصر بضرب ابن عمرو بن العاص واليه على مصر قصاصا منه. وهذا على بن أبي طالب رضي الله عنه. يقاضي نصرانيا أخذ درعه -وهو أمير المؤمنين- فيحكم القاضي للنصراني بالدرع؛ لأن أمير المؤمنين ليس عنده بينة. "11، 59".