الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس: التوجيه الإسلامي للعلوم
مقدمة الفصل الخامس
…
مقدمة الفصل الخامس:
التوجيه الإسلامي للعلوم هو الأساس الثالث من الأسس العامة لاختيار خبرات المناهج الدراسية وتنظيمها، إذ إن عدم توجيه هذه الخبرات وفق قيم المجتمع ومعتقداته يؤدي إلى تلوث الفكر السائد فيه نتيجة للغزو الفكري من الخارج.
تواجه الأمة المسلمة مشكلات في شتى بقاع الأرض. فهذه مشكلة أفغانستان تنخر في عظام الأمة عقدًا من الزمان، وهذه مشكلة فلسطين قاربت النصف قرن، وتلك مشكلات المسلمين في كل من أذربيجان ويوغسلافيا وكشمير وألبانيا وفرنسا والفلبين، وغيرها وغيرها. ففي كل ركن من أركان المعمورة نجد للمسلمين مشكلة، ناهيك عن مشكلات التخلف العلمي والتقني، وحاجة الكثير من أقطار الأمة إلى استيراد الغذاء والكساء، ووسائل الاتصال والمواصلات، إلى غير ذلك من القائمة المتنامية من المشكلات التي تعيق نمو الأمة.
ولكن ماذا نتوقع من أمة تركت التربية الربانية التي خصها الله بها، وراحت تلملم من الشرق والغرب أنماطا تربوية خططت لتكوين شباب غير شبابها، ومجتمعات غير مجتمعاتها، بل لأمة غيرها، فكانت النتيجة استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير. ومما يزيد الطين بلة أنه كلما استشعرت الأمة الإسلامية تخلفها عن ركب التقدم المعاصر أسرعت الخطى نحو الأخذ من الغير، ظنا منها أن هذا هو الحل الناجع لتخلفها.
ومما جعل هذا الشتات وذاك الانفصام أكثر حدة وأشد قسوة على المجتمعات المسلمة، أنه في عالمنا الذي نعيشه -حيث الفيض المعرفي ينهال، وحيث التقنية المستحدثة تترى، وحيث استطاعت وسائل الاتصال والمواصلات أن تعبر المسافات وتجتاح الموانع، وأصبح ما يحدث في مكان ما من العالم يصل إلى أطرافه بصورة فورية، اتخذت الدول غير الإسلامية من ذلك كله معبرا لغزو ديار المسلمين غزوا تربويا، الأمر الذي تسبب في شعور شباب المسلمين بالغربة وهم في أوطانهم وبين عشيرتهم ومع أبناء دينهم. وهذا هو أخطر بلاء تتعرض له أمة.
ولعله من المناسب هنا توجيه النظر إلى أن أعداء الإسلام يدركون تماما أن العودة إلى الالتزام بدين الله، هي منصة انطلاق الأمة الإسلامية، هذا ما يؤكده -بجلاء تام- القس زويمر رئيس مؤتمر القدس التبشيري في خطابه لأعضاء المؤسسات التبشيرية بقوله:
إن مهمة التبشير التي ندبتكم دول المسيحية لها في البلاد المحمدية "المسلمة" ليس هي إدخال المسلمين في المسيحية، فإن هذا هداية لهم وتكريم. ولكن مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقًا لا صلة له بالله، وبالتالي لا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في تقدمها. وبذلك تكونون أنتم
-بعملكم هذا- طليعة الفتح الاستعماري في البلدان الإسلامية، وهذا ما قمتم به خلال الأعوام السالفة خير قيام
…
وهذا ما أهنئكم عليه. "7، 400"*.
وأخطر أدوات الغزو الذي تتعرض له الأمة الإسلامية -من وجهة نظر المؤلف- هو ما يوجه إلى التعليم. لذلك فقد خص أعداء الإسلام التعليم بنصيب وافر من هجمتهم الشرسة ضد الإسلام والمسلمين.
ولما استشعر علماء الأمة الإسلامية ما تتعرض له أمتهم من غزو تربوي يستهدف النيل من هويتها الإسلامية، استنفروا قواهم لكي يعودوا بمشارب الأمة التعليمية إلى مناهلها الصافية، ومن بين ما نادوا بالأخذ به ما عرف بـ"التوجيه الإسلامي للعلوم" موضوع اهتمامنا في هذا الفصل:
وسوف يكون تناولنا اهذا الموضوع على النحو التالي:
أولًا: دوافع التأصيل الإسلامي للعلوم.
ثانيًا: مفهوم التأصيل الإسلامي للعلوم والمصطلح المناسب للتعبير عنه.
ثالثًا: أسسه ومنهجه.
* يشير العدد الأول "7" في الثنائي المرتب "7، 400" إلى رقم المرجع في قائمة المراجع الخاصة بهذا الفصل، ويشير العدد الثاني "400" إلى رقم الصفحة في المرجع نفسه.