الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولًا: ترسيخ عقيدة التوحيد
أخص ما يتميز به المجتمع المسلم أنه مجتمع العقيدة، عليها يقوم بناؤه ومنها تنبثق روابطه وقيمه وضوابط سلوكه، وبقدر ما تكون قوة العقيدة في المجتمع يكون المجتمع قويا، وبقدر ما تضعف هذه العقيدة يكون ضعفه "7، 700".
وهكذا تكون العقيدة الإسلامية هي الرواسي التي تحفظ المجتمع الإسلامي من أن يهتز. وهي التي تجعل منه بنية قوية دعائمها، راسخة أركانها، ثابتة قواعدها.
والعقيدة "بمفهومها اللغوي ومفهومها الاصطلاحي" تعني الحكم المستقر الذي لا يقبل الشك عند معتقده "7، 701" وهي بذلك، القوة الدافعة التي تحفظ توجه الإنسان إلى الله وحده لا شريك له، وهي الطاقة الإيمانية المتجددة لدى الأفراد، وهي حبل الله المتين الذي يحفظ وحدة المجتمع وتماسكه على طريق الهدى والرشاد.
وللعقيدة مقتضيات: "7، 700-701"
الأول: أن العقيدة لا تكون إلا عقيدة دينية، أي: العقيدة الإلهية التي تكون من الله سبحانه وتعالى؛ ذلك لأن أي مبدأ أو رأي أو فكرة أو مذهب مما لدى البشر لا يستقر في القلب استقرار العقيدة التي لا تقبل الشك، فالبشر يخطئون ويصيبون نتيجة لما يعرض لهم من قصور في الفكر أو الرأي أو النظر أو نسيان أو غفلة، أو يعرض لهم من مؤثرات الهوى والشهوة والنزعات الوجدانية الأخرى.
والثاني: أن العقيدة خاصة بالإنسان، خصه الله بها دون غيره، حيث ميزه بالهدى والبر والخير والصلاح.
والثالث: أن العقيدة الإلهية لا تقبل الشرك، فلا يستقر في قلب صاحبها سواها من المذاهب أو الأفكار، فهي عقيدة التوحيد الخالص لله، توحيده في ربوبيته وفي ألوهيته، وفي ذاته وصفاته وأفعاله.
ولقد جاء جميع الرسل بالعقيدة ذاتها، عقيدة التوحيد.
قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] .
وقال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأعراف: 59] .
وقال تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 65] .
وقال تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [هود: 61] .
وقال تعالى: {إِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُْ} [هود: 84] .
وهذا رسول الله، يبين أن عقيدة التوحيد، هي حق من حقوق الله على العباد وأنها تنجيهم من العذاب.
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنت ردف النبي. على حمار. فقال لي: "يا معاذ أتدري ما حق الله على عباده؟ وما حق العباد على الله"؟. قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "حق الله على العباد: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحق العباد على الله: أن لا يعذب من لا يشرك به شيئًا"، قلت: يا رسول الله، أفلا أبشر الناس؟ قال:"لا تبشرهم فيتكلوا". "الصحيحان". ويبين الحاق تبارك وتعالى أن من تتلبث عقيدته بالشرك فقد أثم، ولا ينال مغفرة الله أبدًا، قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء: 48] .
ورابطة العقيدة هي أوثق الروابط في المجتمع، فهي تتخطى حواجز الحدود الجغرافية والعرقية، وحواجز اللون والجنس. بل تتخطى كافة الحواجز، وتجعل الانتماء الوحيد للمسلم هو الدين الإسلامي. فبهذه العقيدة نجد بلالا الحبشي، وصهيبًا الرومي وسلمان الفارسي، وأبا بكر القرشي، وغيرهم يتركون وراء ظهورهم كل عوامل التمايز بينهم ويرتبطون بالعقيدة وحدها، فينصهرون في مجتمع مثالي متفرد -على مر التاريخ- في خصائصه الطيبة.