الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولًا: دوافع التأصيل الإسلامي للعلوم
1-
المحافظة على تربية أبناء المسلمين تربية إسلامية
إن الدافع الأول والأساسي لتوجيه العلوم توجيهًا إسلاميا هو العمل على أن تكون تربية أبناء الأمة الإسلامية تربية إسلامية. فمن الأمور المعروفة لدى المربين أن تنشئة الأجيال تعتمد اعتمادًا كبيرًا على ما يكتسبونه من خبرات ومهارات وأنماط للسلوك، وما يتعلمونه من قيم وأساليب تفكير. ولذلك نجد الدين الإسلامي قد ركز -ليس على طلب العلم فقط- ولكن أيضًا على تطبيقه في الحياة. وكلما كان ما يتعلمه الفرد مرتبطًا بعقيدته وقيمه وحياته ومشكلات مجتمعه كان أكثر تأثيرًا في بناء شخصيته بناء سليمًا، وفي بناء مجتمع قوي البنيان. ولقد رأينا مثلًا حيا لهذا في مجتمع صدر الإسلام.
فإن ديننا الحنيف قد رسم لنا الطريق منذ أربعة عشر قرنا خلت، حين جعلت التربية الإسلامية السلوك الذي حدده كل من القرآن الكريم والسنة المطهرة شخوصا تضرب في الأرض، وأفرادًا تسعى بين الناس، وكونت مجتمعًا متفردًا في نشره للخير والبر. وبها تربى أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وخالد وأسامة وبلال وغيرهم. وغيرهم.
وأصول هذه التربية ما زالت بين أيدينا، بل إن لدينا اليوم تقنية نستطيع بها تجويد تطبيقاتنا التربوية مع المحافظة على الأصول ذاتها.
فمن يدرس تاريخ مجتمع صدر الإسلام، يجد أن الدين الحنيف قد كون من هؤلاء أنموذجًا فريدا لمجتمع لم تشهده البشرية من قبل ولا من بعد. مجتمع قام على منهج الله، ولم يتلبس به شيء من ركام الجاهلية أو التلوث من ثقافات خارجة عنه، ولكي يصبح أنموذج هذا المجتمع حقيقة بين ظهرانينا. ينبغي أن تكون المهمة الأولى للأمة أن تحافظ على مقوماتها، بأن توجه سلوك جميع أبنائها وفي مؤسساتها إلى الالتزام بالإسلام قولًا وعملًا، وأن يكون الجميع حراسًا على تطبيق شريعة الله. وأن تعمل كل مؤسسة فيه على أن تكون أنموذجا للمجتمع المسلم.
ومن المسلم به في الوقت الحاضر، أن المجتمعات التي تعتلي منصة التقدم في العالم، قد تبوأت مكانها هذا بتربية أبنائها تربية نابعة من جذور ثقافتها. فالمجتمع الياباني حين زلزلت الهزيمة في الحرب العالمية الثانية كيانه لجأ إلى تربية خاصة به. وبهذه التربية كون أجيالًا نقلت المجتمع الياباني إلى منصة التقدم العلمي والتقني بين أمم العالم أجمع. وهذه ألمانيا، بعد هزيمتها الساحقة في الحرب العالمية نفسها لجأت إلى التربية النابعة من المجتمع الألماني. وبها انتقل الشعب الألماني إلى موقع الريادة بين أمم الأرض، وهذه أمريكا حين سبقها الاتحاد السوفيتي في تجارب الفضاء في أواخر الخمسينات لجأت إلى استنفار تربوي أمريكي، لحمًا ودمًا. وبه
أصبحت أقوى دولة في العالم دون منازع. وهذه مجرد أمثلة. يمكن أن نضيف إليها مجتمعات أوربا الغربية وغرب جنوب شرق آسيا وغيرها. مع اختلاف وسائط التربية ووسائلها في هذه المجتمعات، فإنهم يتفقون جميعًا في ضرورة أن ينبع الفكر التربوي وأهداف التربية من مقومات مجتمعاتهم، وأن تعمل هذه التربية على حل مشكلاتهم.
بناء على ما سبق، فإن انطلاق هذه الأمة يتوقف على تربية أبنائها تربية إسلامية، وحمايتهم من التلوث الثقافي الذي يتعرض له من البث المباشر، وغيره من الوسائط.
ب- تنقية ما علق بمناهج العلوم الاجتماعية -بخاصة- من تلوث:
إن التلوث الذي لحق بالعلوم الاجتماعية -بخاصة- والعلوم العامة، لما بين ثناياها من فكر غريب وطرائق حياة وخبرات دخيلة، جعلها تخالف التصور الإسلامي للإنسان والكون والحياة في الكثير من منطلقاتها. ومفاهيمها وحقائقها وتطبيقاتها.
ولنبدأ بمناهج العلوم الاجتماعية التي يدرسها طلاب الجامعات في العالم الإسلامي:
يقول محمد قطب عن مناهج علم الاجتماع:
إننا حين نتحدث في "الاجتماع" لا نجد كتبًا إسلامية تحدثنا عن الاجتماع فننقل أراء مفكري أوربا، وأن الذي ينشر على طالب العلم في معظم بلاد العالم الإسلامي هي نظريات "دور كايم" اليهودي. ويضيف فضيلته أن الأولى أن نقدم نظرية اجتماعية إسلامية متكاملة. "5، 194".
ويقول محمد قطب عن مناهج علم النفس:
إننا ما زلنا نقدم لطلابنا علم النفس الغربي، في حين ينبغي أن ننظر في النفس البشرية من وجهة نظر الإسلام. وما يقال هنا عن مناهج كل من علم الاجتماع وعلم النفس يقال مثله -وربما أكثر- عن مناهج كل من التربية والاقتصاد. فكل هذه المناهج ينبغي أن تؤصل من وجهة نظر الإسلام. "5، 195".
وماذا عن مناهج علوم مثل التاريخ والأدب؟
لكي أجسد خطورة تأثير الغزو التربوي الناتج عن دراسة التاريخ الأجنبي، أسوق هنا ما قاله أحد مهندسي التربية الاستعمارية الأوربيين، حين ذكر ما أسماه التثقيف التاريخي. يقول الرجل الخبير في فنون الاستعمار: أما التأثير الوحيد الذي يمكن أن يتركه مثل هذا التثقيف التاريخي في عقول الأحداث -من غير الشعوب الأوربية- فإنما هو الشعور بالنقص، فيما يتعلق بثقافتهم الخاصة وبماضيهم التاريخي الخاص
…
وهكذا يتربون تربية منظمة على احتقار ماضيهم ومستقبلهم اللهم إلا إذا كان مستقبلًا مستسلمًا للمثل العليا الغربية "6، 27".
هذا على وجه العموم، أما أبناء المسلمين على وجه الخصوص فقد خصهم العالم الأوربية نفسه فيما يتعلق بتعليمهم الأدب الأوربي بقوله: إن تعليم الأدب الأوربي على هذا الشكل الذي يسود اليوم الكثير من المؤسسات الإسلامية يقود إلى جعل الإسلام غريبًا في عيون الناشئة المسلمة. "6، 26".
وما إخالني بحاجة إلى إضافة جديدة عن أثر تدريس مناهج العلوم الاجتماعية التي تقدمها معظم الجامعات في العالم الإسلامي إلى شباب المسلمين، بما فيها من تلوث تربوي.
وماذا عن مناهج العلوم التطبيقية والبحتة؟
تحمل مناهج العلوم التطبيقية والبحتة -مثل العلوم الاجتماعية- بذور التبعية وعوامل الغزو التربوي. وقد عبر راشد المبارك عن ذلك في تساؤله الذي طرحه في "الندوة العالمية للشباب الإسلامي" وفي إجاباته عليه، إذ قال:
إلى أي مدى ترتبط مناهجنا في التعليم وطريقة تدريس هذه المناهج بتصورنا عن فلسفة الكون وطبيعة الحياة؟ ذلك التصور المستمد من إيماننا بالله. وبعبارة أخرى، هل هذه المناهج وطريقة تدريسها ترتبط بهذا التصور والإيمان؟
ويجيب راشد المبارك على تساؤله قائلًا:
لعلي لا أكون مخطئا إذا قلت: إن المرء سيضنيه البحث دون أن يعثر على مثل هذه الصلة. إن العلوم في أكثر الجامعات الإسلامية تدرس وهي مقطوعة الصلة بهذا التصور. وتلك صورة من صور التقليد أو التبعية لما يحدث في الغرب. "5، 130".
خلاصة القول: أن من يتخصص من شباب المسلمين في هذه العلوم لا يرى إلا علومًا استحدثت في الغرب أو الشرق، فيقر في أذهانهم -وحال المسلمين اليوم كما نعلم- أن التقدم وقف على غير المسلمين. وخاصة أنه يسمع الإذاعة في أجهزتهم، ويرى التلفاز الذي صنعوه، ويسمع عن الأقمار الصناعية التي ابتكروها.
فهلا علمنا هؤلاء الشباب عن علماء أمتهم السابقين، وما استحدثوه في الماضي.
وعلماء أمتهم المحدثين الذين يشتركون فيما يرونه من حضارة غلابة في هذه البلدان؟!!
من أجل درء هذا الغزو الذي يتعرض له أبناء المسلمين، وصولًا إلى خلخلة عقيدتهم وتشويه شريعتهم وصرفهم عن العبادات وفك التزامهم بالأخلاق الإسلامية، تنادى علماء الأمة الإسلامية والغيورون على دين الله أن اغدوا على المناهج التي يدرسها أبناء أمتكم مصبحين، لتعودا بهم إلى رياض الدين الحنيف، من خلال توجيه ما يتعلمون في المدارس والجامعات، وغيرها من معاهد التعليم، وما يشاهدونه ويسمعونه ويقرءونه في وسائل الإعلام وما يؤثر في حياتهم الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، من منظور الدين الحنيف.
وأن ادرسوا وحللوا وقوموا بهدف العودة إلى هذه الرياض، واستدلوا بمناهج الأولين والمحدثين، واستفيدوا من كل فكر مناسب، واشربوا من كل منهل أصيل، لتعودوا بأبناء الأمة إلى دين الله الخالص، وليكون ما يتعلمونه وفق منظور الإسلام للإنسان والكون والحياة والمعرفة.
من أجل تحقيق هذا الهدف بدأ العلماء والمهتمون في البحث وتبادل الرأي وعقد المؤتمرات والندوات، ونشر الاجتهادات وتكوين اللجان، لكي يعيدوا للمناهج التعليمية في ديار الإسلام نقاءها، وإلى ثقافة الأمة صفاءها.