الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أ-
بالنسبة للأساسيات والتسلسل:
نعني بالأساسيات -هنا- الخبرات التي تعتمد عليها بنية المقرر الدراسي المراد
تخطيط منهجه، ولا نعني أساسيات المجال نفسه، فعلى سبيل المثال، حين
نخطط منهجًا لرياضيات الصف الثالث الابتدائي، فإننا نعني بالأساسيات هنا موضوعات الرياضيات التي تشكل بنية منهج الرياضيات لهذا الصف بالذات. فإذا فرضنا أن هذا المنهج يحتوي على جدول الضرب والقسمة بدون باق، فإن الأساسيات هنا تصبح كما يلي:
1-
مفهوم الضرب كعملية جمع متكرر، بمعنى أن:
7+7+7+7+7=7 "مكررة بالجمع 5 مرات".
=7×5
ولتعميق هذا المفهوم، يمكن تناوله بصورة خارجة عن نطاق جدول الضرب، مثل:
413+413+413+413+413+413 =413× ــ كما يمكن تناوله بصورة
أخرى، مثل:
902+902+902+902+902+902+902= ــ× 7
2-
حقائق جدول الضرب:
وهي الحقائق المعروفة في جدول الضرب والتي ينبغي أن يستنتجها التلاميذ بأنفسهم باستخدام مفهوم الضرب، ولا يحفظوها عن ظهر قلب دون فهم. وما ينطبق على حقائق الضرب هنا ينطبق على حقاقق أي موضوع في أي مجال آخر. فهل يمكن أن يتابع متعلم دراسة الهندسة أو تطبيق نظرياتها دون استيعاب منطوق هذه النظريات، وهل يمكن أن يطبق متحدث قواعد النحو دون استعيابها استيعابًا جيدًا، وهل يمكن أن يبدع عالم في علمه دون استيعابه للقواعد الأساسية فيه.
ولا يعني ما سبق إثقال المتعلم بالحفظ والاستظهار. ولكن يمكن أن يحدث الاستيعاب عن طريق التطبيقات وتنوعها واستمرارها. وهذا ما ينبغي أن يتنبه له مخططو المناهج.
وتدل خبرة المربين على أن تطبيق المفهوم لاستخلاص الحقائق يعمق فهم المتعلم للمفهوم كما يعمق فهمه للحقائق. ويساعد المتعلم على استنتاج الحقيقة التي تغيب عن ذهنه، ويصحح فهم المتعلم الخاطئ عن ضرورة استظهار هذه الحقائق.
ومن الملاحظ -بعد أن انتشرت الحاسبات الآلية الصغيرة- أن المتعلم لم يعد يحاول حفظ حقائق جدول الضرب -على سبيل المثال- كما كان في الماضي، ولم يعد كثير من المعلمين يحرصون على متابعة حفظ تلاميذهم لهذه الحقائق اعتقادًا.
منهم بأن الحاسبات قد تحملت عبء إجراء العمليات، ومن ثم لم يعد استيعاب التلاميذ لحقائق الضرب ضروريا من وجهة نظرهم.
المؤلف لا يتفق مع هذا الاتجاه. فالحقيقة التي يتفق عليها المربون أن من أهم أهداف التعلم -اليوم- هو تنمية تفكير المتعلم ومساعدته على الإبداع والابتكار وإنتاج المعلومات، ولم يعد تخزين المعلومات في الذاكرة البشرية يحتل الأهمية التي كان يتبوؤها من قبل. والبعض يرفض حفظ أي قدر من المعلومات. وهنا يثار سؤال: هل يمكن أن يطبق المتعلم في حياته ما تعلمه دون تخزين قدر منها في ذاكرته؟
وهل يمكن أن يحدث ابتكار دون الانطلاق إليه من قاعدة المعلومات -لدى المبتكر- كافية لأن توصله إلى ما يبتكره؟ هذا القاعدة من الخبرات اللازمة لإيصال المبتكر إلى الابتكار هي الحد الأدنى لما ينبغي أن يستوعبه المتعلم، ويفضل أن يحفظه حتى يكون سهل الاستدعاء. سهل التطبيق، ومن ثم ييسر طريق الإبداع والابتكار وإنتاج المعلومات.
3-
القسمة كعملية عكسية لعملية الضرب، بمعنى:
8×9= 72 تؤدي إلى 72÷8=9
كما تؤدي إلى 72÷9= 8
12×11= 132 تؤدي إلى 132÷12= 11
كما تؤدي إلى 132÷11=12
4 القسمة كعملية طرح متكرر من المقسوم، بمعنى:
132÷11 يمكن إجراؤها على النحو التالي:
يلاحظ هنا أننا كررنا طرح العدد 11 من العدد 132، 12 مرة. وبناء عليه، يكون ناتج قسمة "132÷ 11" هو 12.
ويمكن إجراء هذه العملية بصورة أبسط إذا طرحنا مضاعفات العدد 11، مثل:
5-
القسمة كعملية جمع متكرر المقسوم عليه، مثل:
132 ÷ 12 يمكن إجراؤها على نحو:
وبذلك، فإن 132 ÷ 12= 11
ويمكن تبسيط هذه العملية إذا جمعنا مضاعفات العدد 12، مثل:
وبذلك فإن 132÷12=11
وتختلف الأساسيات في المجال الواحد من مستوى لآخر، كما تختلف باختلاف مستوى التعليم وأنواعه؛ لأن أهداف المنهج الدراسي تختلف باختلاف أنواع التعليم ومستوياته. فأهداف مناهج اللغة العربية في الصف السادس الابتدائي تختلف عن أهداف مناهج اللغة العربية في الصف الثالث الإعدادي. وأهداف مناهج اللغة العربية في الصف الثالث الثانوي تختلف عن أهداف مناهج اللغة الغربية في الصف الثالث من المرحلة الثانوية التجارية أو الزراعية أو الصناعية.
ومن الأساسيات التي ينبغي أن يراعيها مخططو المناهج الدراسية أن البنية المعرفية لكل مجال من المجالات تشتمل على مفاهيم وحقائق، وأن الدراسة للوصول إلى مستوى الإتقان تتطلب مساعدة المتعلم إلى الوصول إلى مستوى المهارة. فلكل علم مفاهيمه وحقائقه، ففي العلوم الاجتماعية نجد الحق والأمانة والاتحاد والحب مفاهيم مجردة، وفي الرياضيات نجد المثلث والمستطيل والدائرة والفراغ مفاهيم مجردة، وفي العلوم القانونية نجد الجريمة والاعتداء والجناية والعدل مفاهيم مجردة.
وللطبيعة المجردة للمفاهيم، فإن إخضاعها للمستوى الحسي يصبح مدخلًا للتعامل معها في الحياة، وفي المناهج الدراسية. لذلك قد يرمز للاتحاد بمجموعة من الأيدي الممسكة ببعضها البعض أو مجموعة عصي في حزمة، وقد يرمز للعدل بميزان متعادل الكفتين، وقد يرمز للمثلث بثلاثة قطع مستقيمة تتقاطع مثنى مثنى، أو غير ذلك من صور التمثيل الحسي لهذه المفاهيم.
ولا شك أن وعي مخططي المنهج الدراسي بمفاهيم كل مجال من مجالات الدراسة وحسن تمثيلها حسيا في خبرات المناهج، والعمل على تعميق فهم المتعلمين لها يسهم إسهامًا إيجابيا في استيعاب المتعلم لها، أما إذا غفل مخططو المنهج
الدراسي عن المفاهيم التي يحتويها المنهج، فإن استيعاب المتعلمين لخبرات المنهج يصبح أمرًا بعيد المنال؛ لأن المفاهيم تشكل البنية الأساسية للمجال المراد تخطيط منهج دراسي له.
الحقائق هي المكون الثاني للبنية الأساسية لأي علم أو مجال. فإذا كان المجال هو الفيزياء أو الكيمياء، فإن الحقائق تشمل القواعد والخواص والمعادلات وإذا كان المجال هو الرياضيات فمن الحقائق ما يعرف بحقائق العمليات الأساسية. ففي الحساب -على سبيل المثال- وهي حقائق الضرب وحقائق الجمع وحقائق الطرح وحقائق القسمة، وتكون حقائق الهندسة هي النظريات، ومن حقائق الجبر القواعد والنظريات والمبادئ، أم التاريخ فتكون حقائقه هي الأحداث والتواريخ، وفي العلوم القانونية تكون الحقائق هي مواد القانون. وهكذا نجد لكل علم أو مجال حقائق ينبغي أن يضمن مخططو المناهج الدراسية وجود المناسب منها بين خبرات المناهج الدراسية.
وما يود المؤلف تأكيده هنا إضافة إلى توجيه انتباه مخططي المناهج الدراسية إلى العناية بالمفاهيم والحقائق هو التوازن المطلوب بين هذه المفاهيم وتلكم الحقائق.
فالشائع في تخطيط المناهج الدراسية توجيه العناية إلى الحقائق على حساب المفاهيم، ومن ثم يلجأ المتعلم إلى استظهار الحقائق دون فهم في معظم الحالات؛ لأن فهم الحقائق يرتكز على جذورها وهي المفاهيم، وأشير إلى جدول الضرب لتوضيح المقصود. التلميذ الذي لا يستوعب مفهوم جدول الضرب بحيث يستطيع أن يستنتج حقائقه بنفسه، يضطر إلى حفظ هذه الحقائق عن ظهر قلب. ولعل منا من يذكر أنه حين سأل ابنه عن ناتج ضرب 5×4 بدأ الابن من 5×5. وفي غالب الأحوال إذا صعب على الابن أن يبدأ هذه البداية لا يستطيع الإجابة، في حين أنه في حال تمكنه من مفهوم جدول الضرب سيحاول الحصول على الإجابة بجمع 5+5+.. إلى 4 مرات. مثل هذه المشكلة لم تحدث -بالضرورة- نتيجة لإهمال المتعلم. ولكن قد يكون السبب فيها عدم إعطاء مفهوم الضرب العناية المناسبة عند اختيار خبرات المنهج الدراسي من قبل مخططي المناهج، أو عند تطبيق المنهج في عملية التدريس.
ويعتبر المؤلف الوصول بالمتعلم إلى اكتساب المهارة في تناول كل من المفاهيم والحقائق من الأساسيات المهمة. فحيث إن عصرنا هذا يتطلب إيصال المتعلم إلى الحد الأقصى من التمكن، فإن المدخل الحاسم إلى تحقيق ذلك هو مساعدته للوصول إلى المستوى المهاري في الأداء، بمعنى أن يكتسب المهارة في تحصيل كل من المفاهيم والحقائق وتطبيقاتهما.
ولا نعني بالمهارة هنا سرعة الأداء ودقته، كأن يسأل تلميذ الصف الثاني الابتدائي عن ناتج "5×6" فيجيبك الإجابة الصحيحة بسرعة. فإذا كان هذا
التلميذ ماهرًا لمجرد أنه أجاب هذه الأجابة الصحيحة. فإن الآلة الحاسبة تكون أكثر مهارة منه؛ لأنه قد يجيب إجابات صحيحة وأخرى خطأ، ولكنها تجيب دائمًا بسرعة وبدقة ولا تخطئ إلا إذا أصابها عطب أو خلل.
المهارة -من وجهة نظر المؤلف- تتكون من ثلاثة عناصر، هي: السرعة والدقة والفهم. بمعنى أن تكون سرعة الإجابة ودقتها مبنية على فهم المتعلم لمكونات العملية، وما يتصل بها من مفاهيم. هذا الفهم الشامل إضافة إلى السرعة والدقة حين تتوافر ثلاثتها عند المتعلم في أداء أي عمل، يكون المتعلم قد وصل إلى المستوى المهاري الذي يوصله إلى التمكن.
وهذا المستوى المهاري لا يمكن تحقيقه إلا إذا أخذه في الاعتبار مخططو المنهج الدراسي من بداية اختيارهم المنهج الدراسي. ولا ينبغي أن يترك إلى وقت تطبيق المنهج كما يتصور البعض، فالأوزان النسبية للخبرات داخل نظام المنهج الدراسي تبدأ من مرحلة اختيار الخبرات لكي يتحقق التكافؤ بينها، كل حسب الهدف منه، وحسب وظيفته بالتحديد.
أما التسلسل، فينبغي على مخططي المناهج أن يراعوه حيث يلزم. فهناك مجالات يتحتم فيها مراعاة التسلسل والتتابع في الخبرات مثل الرياضيات، حيث لا يمكن تدريس القسمة قبل تدريس الجمع والطرح والضرب، ولا يمكن تدريس الضرب قبل الجمع، ولا يمكن تدريس التفاضل قبل الجبر. وهكذا. ولذلك فإن مراعاة خاصتي التسلسل والتتابع في مناهج الرياضيات في مختلف المستويات وبين خبرات الرياضيات في المنهج الواحد أمر ضروري، سواء عند اختيار خبرات المنهج أم عند تنظيمها.
وهناك مجالات لا يكون التسلسل فيها أساسيا مثل التاريخ، إذ يمكن أن يعالج وفق التسلسل الزمني للأحداث، كما يمكن معالجته وفق الوحدة الموضوعية للأحداث، والاجتماع والجغرافيا والاقتصاد لا يكون التسلسل فيه أساسيا مثلما هو في الرياضيات والفيزياء، ولكن -على وجه العموم- حيثما يكون التسلسل مطلوبًا، فعلى مخططي المناهج أن يحققوه بالقدر اللازم.