الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومعوق سابع يتعلق بالجوانب الفنية لتخطيط المنهج الدراسي، هو عدم اختيار العناصر التي ينبغي أن تشترك في تخطيطه. ففي كثير من الأحيان، لا تتوافر في الفريق المعني بعملية التخطيط العناصر التي ينبغي أن تشارك فيها، فلا يشترك في هذا الفريق بعض العناصر المهمة، مثل: المدرسين أو قيادات المجتمع، وفي أحايين أخرى تمثل جميع العناصر، ولكن يساء اختيار بعض من يمثلونها لعدم الاختيار وفق المعايير المطلوبة. وفي كلا الحالين يكون هذا الاختيار معوقًا لعملية التخطيط.
ومعوق ثامن يتعلق بالجوانب الفنية هو عدم وجود فئة من الفنين الذين يقومون بأعمال مهمة في عملية تخطيط المناهج الدراسية أو لا تأخذ -أحيانا- حظها من العناية. ومن أمثلة هؤلاء، فنيو تشغيل الأجهزة وإصلاحها، وفنيو طباعة الكتب وتجليدها، والسكرتيرون. عدم وجود هولاء في الوقت المناسب بالعدد المناسب والمستوى المهاري المناسب يشكل عائقًَا في طريق تخطيط المناهج.
وفي كثير من الأحيان، يتسبب إعداد المواد التعليمية في إضافة معوق تاسع لعملية تخطيط المنهج الدراسي حين تخرج المادة التعليمية في صورة ملازم منفصلة أو تطبع على الآلة الكاتبة. فإن لهذا مثالب كثيرة.
وهذه مجرد أمثلة لما يمكن أن يوجد من معوقات في طريق تخطيط المنهج الدراسي بسبب القصور في الأمور الفنية فلا يزال هناك معوقات أخرى كثيرة لم نذكرها هنا، من أمثلتها عدم تحديد خطة واضحة للعمل، أو عدم مراعاة التوازن بين عناصر المنهج عند اختيار خبراته وعدم المحافظة على خاصة التكامل بين هذه العناصر، وعدم العناية باللغة العربية، وقبل هذا وذاك عدم العناية بمتطلبات التربية الإسلامية، وعدم توجيه المنهج توجيهًا إسلاميا، وغير ذلك مما يمكن أن تهمله عملية التخطيط فيما يتعلق بأسس التخطيط أو مصادره أو خطواته.
ثالثًا: معوقات خاصة بالقائمين بعملية تخطيط المنهج الدراسي
من المسلم به أن القائمين على عملية تخطيط المنهج الدراسي هم الأساس الأول لنجاجها. فتحمسهم لها، وفهمهم لجوانبها ومراحلها، وصبرهم عليها ومثابرتهم في حل مشكلاتها، واكتسابهم للخبرات المناسبة لإنجازها، وتعاونهم على تحقيق أهدافها من مقومات نجاحها، والقصور في أي من جوانبها يعيق تقدمها.
ومن المعوقات المهمة لعملية تخطيط المنهج بالنسبة للقائمين عليها عملية عدم إدراكهم أو بعضهم لأهدافها، فالأهداف هي المنارات التي يهتدي بها القائمون على عملية تخطيط المناهج في عملهم. وبذلك فهي توحد توجههم وتؤسس لتعاونهم
وتمدهم بالمعايير التي يقومون بها أعمالهم. وعدم إدراك هذه الأهداف يجعل العاملين في تخطيط المناهج اتجاهاتهم شتى، ويعصب التنسيق والتعاون بينهم، وبهذا تتفرق الاتجاهات وتتعارض الاهتمامات وتتشعب الآراء. وكل هذا يعيق عملية التخطيط عن التقدم.
ومعوق آخر يتعلق بالقائمين بعملية تخطيط المنهج الدراسي، هو عدم فهم القائمين بعملية تخطيط المنهج الدراسي لمفهومها وعدم إدراكهم لأبعادها. فقد ذكرنا في هذا الكتاب أن لعملية تخطيط المناهج الدراسية مفهوما خاصا بها، وأن لها أسسا معينة، وأن لها خطوات متتابعة كل واحدة تبني على سابقتها وتمهد للاحقتها، وبينا أن القائمين عليها تتنوع خبراتهم ومهماتهم، ويمثلون جميع المعنيين بشئون المناهج الدراسية، ليس من رجال التعليم فقط، ولكن أيضًا من قيادات الإنتاج والخدمات والسياسة في البيئة المحلية للمدرسة، وفي المجتمع على وجه العموم. ولكن جميع هؤلاء ينبغي أن يكونوا مدركين لمفهوم تخطيط المنهج وأبعاده.
ومعوق ثالث يخص بلاد المسلمين هو عدم إدراك القائمين على تخطيط المناهج لمفهوم المنهج الدراسي وفق التوجيه الإسلامي، فمفهوم المنهج وفق هذا التوجيه -رغم أهميته لتوجيه المناهج الوجهة الصحيحة- فإن القليل من المتخصصين في المناهج والمعنيين بها يعرفونه ونادرًا ما يطبقونه. لهذا فإن عملية تخطيط المنهج الدراسي تتم -في غالب الأحيان- وفق مفهوم آخر للمنهج الدراسي، قد يكون المفهوم القديم الذي يحدد المنهج في المعلومات التي تقدمها المدرسة لطلابها تحقيقًا لأهدافها، وهذا يؤدي إلى قصور المنهج عن التنمية الشاملة للمتعلم، فالمعلومات تتعلق بالنمو المعرفي بالدرجة الأولى، ولا تؤدي دورها المرتقب بالنسبة للنمو الروحي والنمو الاجتماعي والنمو الوجداني والنمو الجسمي، كما أن هذا المفهوم لا يساعد المنهج على القيام بوظائفه نحو المجتمع، بل ونحو المجال الدراسي، إلى غير هذا من جوانب القصور في الوظائف التي ينبغي أن يؤديها المنهج، يضاف إلى هذا، أنه لا يفي بمتطلبات التربية الإسلامية للمتعلم، كما يخالف نظرة الإسلام للإنسان والكون والحياة، على وجه العموم.
ومعوق ثالث لعملية تخطيط المناهج يتعلق بالقائمين بعملية تخطيط المنهج الدراسي هو نظرتهم إلى هذه العملية، فإذا ما نظروا إليها على أنها تحقق أهدافًا ينبغي العمل على تحقيقها، فإن هذا سوف يكون دافعا لهم على استفراغ طاقاتهم في الأخذ بأسباب نجاحها، أما إذا نظروا إليها على أساس مدى تأثيرها على مصالحهم الخاصة، فإن هذا قد يدفعهم إلى بذل كل جهد ممكن لإعاقتها وإفشالها.
وعلى سبيل المثال. فإن من أهم أسباب مقاومة المعلمين والموجهين لتخطيط مناهج جديدة أنها سوف تبعدهم عن المألوف عندهم من خبرات. نظرًا لأن المنهج الجديد سوف
يقدم محتوى جديدًا، ومن ثم فإنهم سوف يتتلمذون من جديد لدراسة المحتوى الجديد وطرائق تعليمه.. وفي هذا الحال، قد يهتز تفوق بعض المعلمين والموجهين لاختلاف المهارات التي يتطلبها تعليم كل من المنهجين -القديم والجديد- ومن أجل هذا فقد لا يتحمس الموجهون والمعلمون لتخطيط منهج جديد.
مثال آخر لأمور قد تجعل كلا من الموجهين والمعلمين لا يتحمسون لتخطيط مناهج جديدة، أن يكون المنهج الجديد سببًا في استبدال كتب دراسية بأخرى هم مؤلفوها. فمثل هذه الأمور التي تمس كيان المعلم أو التي تتعارض مع مصالحه قد تجعله يقاوم تخطيط منهج جديد، وكذلك الأمر بالنسبة للموجه.
مثال ثالث قد يدفع المعلمين إلى مقاومة تخطيط منهج جديد. هو الدروس الخصوصية. فبغض النظر عن رأي المؤلف فيها، فإنها تفعل فعلها في العملية التعليمية في الكثير من بلاد المسلمين وتجثم على صدر أولياء الأمور، وتخل بتكافؤ الفرص بين الطلاب، إلى غير هذا من جوانب الخلل التي تتسبب فيه الدروس الخصوصية. ورغم هذه المساوئ فإنها أصبحت مصدر رزق لكثير من المعلمين، بل إنها قد أصبحت من ثوابت مصادر دخل المعلم في بعض البلدان. ومما يزعج كل حريص على مستقبل التعليم، فإنه لا يبدو أنه يوجد علاج قريب لهذه المشكلة. وأنها ستظل تؤثر على موقف المعلم من تخطيط المنهج الدراسي إذا ما كان له أثر سلبي على هذه الدروس. وما ينطبق على كل من المعلمين والموجهين ينطبق أيضًا على العاملين الآخرين في تخطيط المناهج الدراسية. فجميعهم سوف يقاومون تخطيط مناهج جديدة إذا كان له أثر سيئ على دخلهم.
وقد تأتي المعوقات من جانب العاملين في عملية تخطيط المنهج الدراسي أنفسهم نتيجة لعدم التعاون الواجب بينهم، وقد يرجع عدم التعاون بين هؤلاء إلى كونهم يختلفون في الفكر التربوي، وقد يرجع عدم التعاون إلى اختلاف المستوى في المؤهلات العلمية. ليس معنى هذا أن المؤلف يرى ضرورة أن يكون العاملون في تخطيط المناهج في المستوى نفسه من العلم والخبرة، ولكن الذي يؤكده هنا هو ضرورة تقارب المستويات، وإلا فإن الاختلاف الكبير فيها يؤدي -أحيانا- إلى ضعف التعاون بين العاملين في هذا المجال.
وهناك عوامل أخرى قد تؤدي إلى هذا الضعف، مثل عدم وجود الاتصال الدائم بين هؤلاء العاملين، وعدم التنسيق والتكامل بين مهماتهم، وعدم وقوف بعضهم على أبعاد المشكلات الميدانية التي تواجهها عملية التخطيط. واختصارا للقول، فإن التعاون بين العاملين في عملية تخطيط المناهج مطلب أساسي، وغيابه أو ضعفه من العوائق المهمة لعملية التخطيط.