الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولًا: مفهوم التخطيط، على وجه العموم
تعني كلمة "التخطيط" لغة "التسطير" أو "التهذيب".
نقول: خططت عليه ذنوبه أي: سطرت عليه ذنوبه.
و"خط القلم" تعني "كتب القلم" و"خط الشيء" تعني "كتبه بقلم أو غيره".
و"الخط" يعني "الطريق" ويقال: الزم ذلك الخط ولا تظلم عنه شيئًا.
مما سبق، يمكن أن نستنتج أن "عملية التخطيط تعني تحرير وتهذيب طريق العمل""11، 1198"*.
هذا المعنى اللغوي يعبر باختصار وعمومية عن المعنى الاصطلاحي للتخطيط إذ يمكن التعبير عن المعنى الاصطلاحي للتخطيط بأنه:
إعداد خبرات وسياسات ونظم وأدوات وإجراءات محددة لتحقيق أهداف معينة بأفضل ما يمكن، أو أنه مجموعة من التدابير المحددة التي تتخذ لإنفاذ هدف معين "3، 18" أو أنه هندسة التنفيذ لبلوغ هدف محدد.
* يعبر العدد الأول من هذا الزوج المرتب عن رقم المصدر في قائمة مصادر هذا الفصل، أما العدد الثاني فيعبر عن رقم الصفحة في المصدر نفسه.
ثانيًا: مفهوم التخطيط للتدريس وأهميته بالنسبة للمعلمين
أ- مفهوم التخطيط للتدريس:
لا يخرج مفهوم التخطيط للتدريس عن مفهوم التخطيط بوجه عام، إلا أنه يتعلق بالنشاط التدريسي سواء من جانب المعلم أو غيره من الأطراف المعنية بعملية التدريس، مثل الموجه ومدير المدرسة وغيرها.
ويمكن النظر إلى التخطيط للتدريس على أنه "مقترحات لبلوغ أهداف تربويه مرغوب فيها"، وأن الخطة هي:"إطار للموقف التدريسي التعليمي" أي: إنها عملية تدريس مقترحة، تشمل الهدف المراد تحقيقه والأشياء المقترح فعلها لتحقيقه، ومتطلبات اتخاذ الخطوات اللازمة لذلك. "12، 197".
ويرى المؤلف أنه يمكن النظر إلى "التخطيط للتدريس" بأنه:
وصف إجرائي لأفضل الفعاليات والوسائل والأدوات والمواد والأنشطة التي سوف تستخدم لتحقيق أهداف تدريسية وكيفية توظيفها وإعدادها.
كما يمكن النظر إلى التخطيط للتدريس على أنه "إعداد مرشد لتنفيذ أمر تعليمي" أو "تحديد مقترحات لتحقيق هدف تعليمي". ومن ثم فإن التخطيط يعطي فرصة للتفكير في أفضل الطرق والأساليب التي يمكن توظيفها لمساعدة التلاميذ في تحقيق أهداف محددة، مستثمرا في ذلك مختلف الإمكانات المتاحة.
وهذا لا يعني أننا نستبعد أي تغيير فوري يرى إجراؤه أثناء التدريس. فمع قناعتنا بالأهمية البالغة للتخطيط للتدريس، فإننا ندرك أن مواقف التدريس ليست من البساطة واليسر بحيث لا يستطيع المعني بها -مهما أوتي من علم وخبرة- أن يستقرئ جميع أحداثها التي سوف تقع أثناء التنفيذ. لذلك فإن القدرة على تكييف التدريس لاستيعاب المتغيرات التي قد تظهر أثناء تطبيق الخطة، من أهم المهارات التخطيطية التي ينبغي أن يكتسبها القائمون على تنفيذ عملية التدريس، ومنهم المعلم.
ولكن المهارة في مواجهة المتغيرات آنفة الذكر تذكيها الدربة على التخطيط للتدريس. فالتخطيط يساعد على اكتساب المرونة اللازمة للتفاعل مع هذه المتغيرات، والإحساس بموقعها النسبي في الموقف التدريسي، والاستثمار الأمثل لوجودها. ومن أجل هذه المتغيرات ينبغي أن تتسم خطط التدريس بالمرونة.
وتتفق معاني "التخطيط للتدريس" -السابق ذكرها- في أنه ينبغي تحديد ما يلي:
1-
أهداف معينة لكل موقف تدريسي.
2-
الإمكانات البشرية والمادية والمعرفية التي سوف يتم توظيفها لتحقيق هذه الأهداف مثل خصائص التلاميذ، ومتطلبات الأنشطة التعليمية، وتقنيات التربية ووسائلها، والمعرفة ومصادرها.
3-
الطرائق التي سوف تتبع في عملية التدريس.
4-
الأساليب التي سوف تستخدم في تقويم مخرجات الخطة بناء على أهدافها.
5-
الوقت الذي يمكن أن تستغرقه مختلف الأنشطة التدريسية.
ب- أهمية دراسة التخطيط بالنسبة للمعلمين:
ترجع أهمية "دراسة التخطيط للتدريس"، بالنسبة للمعلمين في مرحلة إعدادهم وأثناء ممارستهم للمهنة إلى عوامل كثيرة، أهمها:
1-
يساعد التخطيط المعلمين في مرحلتي الإعداد والممارسة على الوعي بالأهداف التربوية المراد تحقيقها، وعلى اكتساب المهارة في اشتقاق أهداف أخرى وتحليلها تحليلا إجرائيا. ورسم الصورة السلوكية المطلوبة لتحقيق كل هدف. كما يساعدهم على اكتساب المهارة في صياغة الأهداف بلغة دقيقة تجيد تحديد هذه الصورة.
2-
يساعد التخطيط المعلم عل الإلمام بمكونات الموقف التعليمي، والعوامل المؤثرة فيه، ورسم خطة لتوظيف كل منها التوظيف الأمثل، والتنسيق بينها للوصول إلى التناغم المطلوب وإلى ترشيد الجهد المبذول، وتحقيق الكفاءة في الأداء.
3-
يساعد التخطيط المعلم على اكتساب المهارة في وضع النظم والسياسات، وتحديد الإجراءات التي سوف تتبع في تنفيذ الموقف التعليمي، بما يحقق أهدافه الخاصة، إضافة إلى تحقيق الأهداف التربوية العامة. كما يساعد على إحداث التناسق بين جوانب العملية التعليمية والتناغم بين عناصرها.
4-
يمكن التخطيط المعلم من اختيار الخبرات المناسبة وإعدادها، واستحضار الإمكانات المادية اللازمة وتجهيزها للتنفيذ. وذلك بناء على حاجات الموقف التعليمي ومتطلبات تحقيق أهدافه بكفاية. والتدريب على استخدام الأجهزة والأدوات التي سوف تستخدم في عملية التنفيذ.
5-
تساعد عملية التخطيط المعلم على رسم سياسة التقويم والمتابعة، وإعداد المواقف والأدوات اللازمة لها، والتدرب على تطبيقها واستخراج النتائج منها، ومن ثم إعداد أساليب وطرائق التدريس الوقائي، والعلاجي التي تتبين الحاجة إليها.
6-
قد يصعب على كل من طالب التربية الميدانية أو المعلم الجديد تذكر بعض المعلومات التي يرغب تقديمها للتلاميذ، أو الطرق التي هيأ نفسه لاستخدامها أو غير ذلك من عناصر خطة الدرس. في هذا الحال يستطيع الاستعانة بالخطة التي أعدها في استعادة ما نسيه إلى الذاكرة.
كما يلاحظ أن كثيرًا من الطلاب، يرتبكون في الدروس الأولى من التربية الميدانية نتيجة لجدة الموقف والتوتر الذي يعتريهم. وقد يحدث هذا نتيجة لمشكلة سلوكية بسيطة يحدثها أحد تلاميذ الفصل، وقد ينسى الطالب المتدرب أو المعلم الجديد ترتيب بعض المعلومات أو إجابة سؤال أحد
التلاميذ؛ لأنه لم يأت في موضعه المناسب من سير الدرس. في مثل هذه الحالات تكون خطة الدرس هي صمام الأمان.
7-
التوازن المطلوب في عرض مختلف نقاط الدرس وفي تغطية جوانبه، لا يمكن أن يتحقق دون تخطيط مسبق، وخاصة بالنسبة للطالب المتدرب والمعلم الجديد. ففي درس عن الزكاة. قد يحتاج توضيح معنى الزكاة والحكمة منها، وأثرها في التكافل الاجتماعي بين المسلمين وقتا أطول من الوقت المطلوب عن ذكر أحكامها، ومع ذلك فإن الخطأ الشائع بين المعلمين هو المرور العابر على الجزء الأول لحساب الجزء الثاني. هذا التوازن والتكافؤ المطلوب في عرض مختلف نقاط الدرس، أساسه التخطيط الجيد لتدريس الدرس، وبالإضافة إلى ما سبق، لا يمكن أن يؤتي التدريس ثماره ما لم يتهيأ التلاميذ للاشتراك فيه، وما لم يستقطبوا بطريقة العرض، وما لم يندمجوا في أنشطته، وما لم يوزع المعلم الوقت توزيعًا متوازنًا بين مختلف النشاطات التدريسة. مثل المقدمة والعرض والتقويم. وكل هذا لا يتحقق بدون إعداد خطة جيدة لتدريس الدرس.
8-
التخطيط للتدريس يساعد المعلم على اكتساب المهارات التدريسية المختلفة، فمواقف التدريس داخل حجرة الدراسة تحتاج من المعلم إلى قدرات خاصة ومهارات متعددة. فضبط النظام داخل الفصل، والاحتفاظ بانتباه كل تلميذ، ومنحه فرصة لتحقيق ذاته بغض النظر عن مستوى تحصيله، وتنمية قدرات التلاميذ وميولهم، وجعلهم يقدرون المعلم ويحبون المادة التي يقوم بتدريسها، والمهارة في عرض الوسيلة التعليمية، واختيار الوقت المناسب لاستخدامها أثناء سير الدرس، جميع هذه المهارات التدريسية وغيرها كثير مما ينبغي أن يكتسبه المعلم، يساعد "التخطيط للتدريس" المعلم على اكتسابها.
9-
الثقة في النفس من أهم معطيات "التخطيط للتدريس"، هي -أيضًا- من أهم عوامل نجاح المعلم، وخاصة المعلم الجديد، فضلًا عن الطالب المتدرب. فكل من الطالب المتدرب والمعلم الجديد قد يقدم رجلًا ويؤخر أخرى وهو يتجه إلى تدريس الدروس الأولى في برامج التربية الميدانية بالنسبة للطالب، وفي بداية حياته المهنية بالنسبة للمعلم. وكذلك الأمر بالنسبة للمعلم ذي الخبرة الطويلة بالتدريس حين يدرس مقررًا جديدا لم
يسبق له تدريسه، ولكن بدرجة أقل نسبيا. لذلك، فإن كلا من هؤلاء قد يواجه الفشل في درسه مع أول مشكلة تواجهه أثناء الدرس. وكثير منا يذكر من بين معلميه من فقد صوابه لمشكلة تافهة أحدثها أحد التلاميذ، أو من أصبح غير قادر على متابعة تدريس الدرس، أو من استقطبه تلميذ في مناقشة طويلة ربما بعيدة عن موضوع الدرس. كل هذا وغيره كثير يمكن أن يحدث ما لم يكن المعلم قد خطط للتدريس تخطيطًا جيدًا.
فالتخطيط للتدريس يبعث في المعلم الثقة في معلوماته وفي قدرته على تقديمها، ويساعده على اكتساب المهارات اللازمة لتوجيه النشاط في الدرس نحو تحقيق أهدافه، ويكون لديه الوعي الكافي بالأهداف السلوكية التي ينبغي أن يحققها تلاميذه، ومن ثم يلتزم بها في تدريسه.
باختصار، فإن "التخطيط للتدريس" يجعل المعلم مدركًا -قبل دخوله للتدريس- لما يهدف إليه من تغير يود إحداثه في تلاميذه، ولما يمكن عمله في الفصل لإحداثه. وبعد التدريس يمكن "التخطيط للتدريس" المعلم من التقويم الذاتي فيما استطاع تحقيقه وما لم يستطع، وهذا هو سنام عملية التدريس ومصدر ثقة المعلم في نفسه.
10-
يدفع التخطيط كلا من المعلم وغيره ممن يعدون أنفسهم للإسهام في عملية التدريس إلى إثراء حصيلتهم في مادة تخصصهم. فعند التخطيط للتدريس لا بد من أن يطلع من يقوم بالتخطيط على مصادر متعددة مستوياتها، متنوعة طرائق العرض فيها، مختلفة اهتمامات مؤلفيها، كأن يكون بينها ما يعنى بالتطبيقات في الحياة اليومية، وما يعنى بالمفاهيم، وما هو في مستوى الطالب، وما هو في مستوى المعلم، وما يركز على حاجات الطالب، وما يركز على المادة الدراسية وما فيها من تطورات معاصرة، وما يعنى بالتطبيقات في المواد الدراسية الأخرى، وما يركز على تقنية التعليم، وما يركز على النشاطات التربوية، وما يركز على تقويم التحصيل، وغير ذلك مما يدعم حصيلة المعلم ويثريها.
ولا تزال هناك أسباب كثيرة -لا يتسع المجال لذكرها هنا- تدعو المعلم للاهتمام بالتخطيط للتدريس. فالتخطيط الجيد منصة انطلاق لأداء جيد.