الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خامسا: تحقيق كل من التضامن الإسلامي والتكافل الاجتماعي بين المسلمين
إرساء أسس المحبة وصولا إلى التضامن والتعاون
…
خامسًا: تحقيق كل من التضامن الإسلامي والتكافل الاجتماعي بين المسلمين
المجتمع المسلم مجتمع تسوده المودة والإخاء والمحبة والتعاون والأخلاق الحميدة، وتربطه عقيدة التوحيد ويؤلف بين أفراده تقوى الله سبحانه وتعالى. مجتمع متضامن متكافل متعاون على البر والتقوى.
ومن أسس تقوى الله والإيمان به أن يعبده المسلم كأنه يراه، وأن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وأن يدافع عن دينه وعرضه وماله، وأن يرعى حقوق أهله وجيرانه ووطنه، وأن يطيع ولي الأمر إلا في معصية الله، وأن يعينه على تحقيق الحياة -وفق منهج الله- في المجتمع، مجتمع ليس فيه ذات مصونة أو مقدسة، وليس فيه إنسان أفضل بمولده أو بجنسه أو بلونه من إنسان آخر، فالكل لآدم وآدم من تراب.
ومن أهم أساليب تحقيق التضامن والتكافل والتعاون في هذا المجتمع:
أ- إرساء أسس المحبة وصولًا إلى التضامن والتعاون.
ب- إرساء أسس التكافل الاجتماعي.
أ- إرساء أسس المحبة وصولًا إلى التضامن والتعاون:
فالناس في المجتمع المسلم نشأتهم واحدة ورحلتهم في الحياة أيضًا واحدة، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مَنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} [الحج: 5] .
والمجتمع المسلم، مجتمع يشمل الناس جميعًا ذكورًا وإناثًا من جميع الشعوب وجميع القبائل. وأساس التفضيل فيه هو تقوى الله سبحانه وتعالى، ومن وظائف الناس فيه التعارف والتفاهم لصالح الجميع، وأمة الإسلام أمة واحدة لا ينبغي أن تتفرق شيعًا أو أحزابًا:
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13] .
وقال تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [الأنبياء: 92] .
أناس توحدت نشأتهم، ومن وظائفهم أن يتعارفوا ويستبقوا إلى تقوى الله، فهل تنمو بينهم سوى المحبة؟ وهل يكون بينهم سوى وحدة الهدف، وشرف المقصد؟ ومع ذلك، فإن الإسلام يحدد السلوك الإجرائي للأخوة الإسلامية في الكتاب والسنة لتكون نبراسًا يهتدي به الناس في دنياهم فيحققون فيها أمنهم وأمن مجتمعهم وتضامنهم، ويفتحون آفاق التعاون المثمر بينهم. ومن ين ما وجه به الإسلام لتحقيق ذلك:
1-
إيجاد فرص للتعارف والتآلف وحل المشكلات من خلال العبادات:
إضافة إلى الفرص الكثيرة التي أوجدها الإسلام للتعاون والتحاب بين أفراد المجتمع المسلم، فقد شرع الله في العبادات ما يهيئ للمسلمين الالتقاء وتبادل الرأي ووحدة التوجه والانتماء وإصلاح ذات البين. فمثلًا: جميع العبادات من صلاة وصوم وغيرهما من أهم وسائل التي تنمي شعور المسلم بالعبودية لله وبالانتماء إلى الأمة الإسلامية، بكل ما يشمل هذا من معان تحيط بمختلف جوانب سلوك المسلم.
فنجد في الصلاة مناسبات مقررة للقاء المسلمين: في الصلاة مع الجماعة خمس مرات في اليوم حين يتجمع أبناء الحي في رحاب بيت الله، وهنا فرصة لزوال ما قد يكون بينهم من جفوة ونمو أواصر الإخاء والمحبة، وفي صلاة الجمعة -التي لا تقبل إلا في جماعة أيضًا- يجتمع فيها جماعة أكبر نطاقًا، ومن ثم تتسع فرص الألفة والإخاء بين المسلمين وتتاح فرص لحل ما بينهم من المشكلات، وفي صلاة العيدين -التي لا تقبل إلا في جماعة إيضًا- حيث يكون التأثير الخير لتجمع المسلمين أكبر؛ نظرًا لاتساع نطاق الجماعة. إضافة إلى ما سبق، نجد في الحج فرصة سنوية لجمع شمل المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها، حيث يتدارس أبناء المجتمعات المسلمة في مختلف أرجاء المعمورة شئونهم، ويتساعدون على حل مشكلاتهم وتضامن أمتهم.
2-
تأدية الأمانة:
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 85] .
3-
احترام الملكية الخاصة وبخاصة البيوت:
4-
الإحسان إلى أهل والجار واليتيم والمسكين:
5-
عدم التفاخر:
قال تعالى: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان: 19] .
6-
اتباع آداب السلوك وقت الراحة:
7-
العدل:
8-
عيادة المريض وإطعام الجائع وسقيا العطشان:
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله. قال: "إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يابن آدم مرضت فلم تعدني، قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟ يابن آدم استطعمتك فلم تطعمني! قال: يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟ يابن آدم استسقيتك فلم تسقني! قال: يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟! قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه! أما علمت أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي"؟. "رواه مسلم".
9-
حسن الخلق:
عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: سألت رسول الله. عن البر والإثم فقال: "البر حسن الخلق، والإثم: ما حاك في نفسك، وكرهت أن يطلع عليه الناس". "رواه مسلم".
وقال: "اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن". "رواه الترمذي".
10-
إعطاء الطريق حقه:
قال صلى الله عليه وسلم: "إياكم والجلوس في الطرقات". فقالوا: يارسول الله ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها! فقال صلى الله عليه وسلم: "فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه". قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: "غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". "متفق عليه".
11-
إعانة المسلم عند الحاجة وستر عيوبه:
قال صلى الله عليه وسلم: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه. من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة". "متفق عليه".
12-
التراحم والتواد:
قال صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضوا تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". "رواه مسلم".
13-
الإحسان إلى الجار:
قال الله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 36] .
ون أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله. "يا أبا ذر إذا طبخت مرقة، فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك". "رواه مسلم".
وعن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه". "متفق عليه".
14-
التحقق من صدق الأخبار:
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6] .
15-
اجتناب الظن والتجسس والغيبة والسخرية من الغير:
16-
الوفاء بالعقود:
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] .
17-
الحث على الصبر والعفو وعدم الغلو في العقاب:
قال تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: 126] .
وقال تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134] .
وقال تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [الشورى: 40] .
وقال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] .
مما سبق، نلاحظ أن الإسلام يجمع بين طرفي النصيحة ببيان المرغوب فيه من الأعمال والترغيب فيها، وبيان المنهي عنه من الأعمال والترغيب عنها، وإيضاح فضل الأولى ووبال الأخرى على الفرد والمجتمع. وذلك وصولا إلى الأخذ بأسباب الوقاية والعلاج معًا، بهدف بناء مجتمع على تقوى الله ومنهجه يسوده الود والتعاون والتآخي والتضامن.