الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الأول: مفهوم تخطيط المناهج الدراسية وأهم مجالاته المتعلقة بها
مقدمة الباب الأول:
التخطيط على اختلاف أنواعه ومجالاته سمة عصرية بحيث صار يغشي حياتنا كلها، بل أصبح مفتاح التقدم والرفاه، ولم يعد ممكنا تحقيق أي هدف دون تخطيط مسبق لذلك.
كما أصبح الوفاء بحاجات المجتمعات والارتقاء بالحياة فيها، واستشراف مسيرتها المستقبلية يعقد -بالدرجة الأولى- على الاستقصاء والتخطيط. فالزيادة في أعداد السكان وما يتطلبه هذا من مواكبة في خدمات التعليم والصحة، وزيادة فرص العمل في مجالات الزراعة والصناعة والخدمات، والوفاء بمتطلبات العصر من حيث سرعة الاتصال والانتقال والعمل على الاقتصاد في الجهد والترشيد في الإنفاق، والتنافس بين مختلف الدول للفوز في حلبة السباق العلمي والتقني، وفي الإنتاج الكمي والتحكم في نوعيته، وفي غزو الفضاء واستثماره. كل هذا وغيره لا يمكن أن يتم بالكفاية المطلوبة، دون تخطيط مسبق على أسس علمية.
وكذلك الحال بالنسبة للأفراد. فعلى سبيل المثال، لا يمكن أن يوجه رب الأسرة ميزانيته توجيها سليما دون أن يعتمد على التخطيط، ولا يمكن أن يدخل طبيب إلى حجرة العمليات دون إعداد صورة كاملة عن المريض، من حيث حالة قلبه وفصيلة دمه، والأمراض التي أصيب بها وغير ذلك ما يمكن أن يؤثر على مجريات العملية بصورة أو بأخرى، ودون استحضار خطوات العملية في ذهنه وفق أسس الجراحة السليمة، ودون تحضير الأجهزة والأدوات والآلات التي سوف يستخدمها. ولا يمكن أن يبني مهندس جسرًا دون دراسة الأحمال التي سوف تمر من فوقه، وتحمل التربة التي سوف ترتكز قواعده عليها، وأنسب المواد التي سوف تستخدم في بنائه، إضافة إلى تخطيط كامل لتنفيذ عملية البناء وفق الأسس المرعية.
هكذا الأمر بالنسبة لزملائنا الموجهين التربويين والمختصين في المناهج والمدرسين، وأبنائنا الطلاب وغيرهم من العاملين في ميدان التدريس. فلا يمكن أن ينجح أحدهما في عمله دون التزود بمعلومات كافية عن أساليب التخطيط التي تساعده على تنفيذ عمله بصورة سليمة، وعلى تجويده بصورة كفية.
وعلى وجه العموم، لم يعش الإنسان على هذه الأرض قط بدون هدف. فعندما كانت تنحصر أهدافه يومًا في الوفاء بحاجاته الأساسية، من مأكل ومشرب وملبس فإنه كان يتخذ من التدابير ما يساعده على الوفاء بهذه الحاجات، وعندما كان يفكر في اختيار التدابير، ويفاضل بينها كان يقوم بعملية تخطيط، وحين كان ينفذ التدابير فإنه ينفذ الخطة التي أعدها.
ولنا في قصة يوسف عليه السلام مثل آخر في التخطيط: فحين أشار بأن يزرعوا سبع سنين دأبًا، وأن يدعوا القمح في سنبله، فإنه كان -بذلك- يخطط لدرء أخطار المجاعة القادمة بعد سنين عدة. وقد استخدم علمه وخبرته اللذين وهبهما الله له حين فسر السبع بقرات السمان؛ بأنها ترمز إلى السبع سنوات الراغدات، وحين فسر السبع بقرات العجاف بأنها ترمز إلى السبع سنوات الجادبات. كما استخدم علمه وخبرته بأساليب تخزين القمح حين أشار بأن يدعوا القمح في سنبله؛ لأن ذلك أدعى إلى سلامة حبوب القمح في المخازن.
ولنا في الإعداد لغزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهجرته أمثله أخرى. فإذا نظرنا إلى هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام، نجد الآتي:
أن الهدف هو خروج الرسول عليه الصلاة والسلام من مكة ووصوله إلى المدينة بسلام بإذن الله. وكانت السرية، وقلة عدد المصاحبين للرسول، والتمويه بعدم خروجه من بيته، وعدم حمل ما يثقل الكاهل ويوحي بالسفر، وتنظيم وصول الطعام، وشغل منام الرسول بشخص آخر، جزءا من السياسة التي اتبعت لتحقيق الهدف.
وكان اختيار شخص آخر لينام في مكان الرسول صلى الله عليه وسلم وتنظيم وصول الطعام إلى الرسول وصاحبه بواسطة شخص موثوق فيه، واختيار دليل بذاته وسبقه بالراحلتين، من الإجراءات التي اتخذت لبلوغ الهدف.
وكان اختيار علي لينام مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وابنة الصديق لتحمل الطعام إلى الرسول وصاحبه، واختيار دليل ماهر، واللجوء إلى غار ثور في الوقت المناسب، استثمارًا جيدا للإمكانات البشرية والمادية المتاحة.
وبتقويم هذا الموقف نجد أن السياسية الحكيمة التي رسمت، والإجراءات السليمة التي نفذت، والاختيار الموفق للعناصر البشري والمادية، قد أدت إلى الوصول إلى الهدف، وهو هجرة الرسول وصاحبه بسلام من مكة إلى المدينة في أمان.
أما الغزوات فكانت تعتمد على سياسات: السرية والشورى واختيار المكان المناسب، وإعداد المجاهدين معنويا وماديا، واستطلاع قوة المشركين، وغير ذلك مما يحقق هذا الانتصار لدين الله.
وكان من بين الإجراءات اختيار القادة، وتوزيع المجاهدين على المواقع، وتنظيم طرق إخلاء الجرحى، وغير ذلك مما يساعد على تحقق الهدف.
وكان من بين أساليب توفير الإمكانات إعداد الخيول، وتجهيز الأسلحة من سيوف ودروع وحراب وخلافه، وتوفير التغذية، وتحضير الأدوية لعلاج الجرحى وإخلاء الموتى من أرض المعركة، وغير ذلك مما يسهم في تحقيق الانتصار على المشركين.
ومجالات التخطيط كثيرة، منها: التخطيط للتنمية الاقتصادية، والتخطيط للتنمية الاجتماعية، والتخطيط للتنمية الثقافية، والتخطيط للتنمية السياحية، والتخطيط التربوي، وغير ذلمك من المجالات.
ولكن سوف تقتصر معالجتنا للتخطيط في هذا الباب على تخطيط المناهج ومجالاته المتعلقة بها، وذلك على النحو التالي:
الفصل الأول: مفهوم تخطيط المناهج الدراسية.
الفصل الثاني: أهم مجالات التخطيط المتعلقة بالمناهج الدراسية.