المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أهم الاتجاهات المعاصرة في المناهج الدراسية - الاتجاهات الحديثة في تخطيط المناهج الدراسية في ضوء التوجيهات الإسلامية

[محمود أحمد شوق]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌الفهرس العام:

- ‌الباب الأول: مفهوم تخطيط المناهج الدراسية وأهم مجالاته المتعلقة بها

- ‌مقدمة الباب الأول:

- ‌الفصل الأول: مفهوم تخطيط المناهج الدراسية

- ‌مقدمة الفصل الأول

- ‌أولًا: مفهوم التخطيط، على وجه العموم

- ‌ثانيًا: مفهوم التخطيط للتدريس وأهميته بالنسبة للمعلمين

- ‌ثالثًا: مفهوم تخطيط المنهج الدراسي

- ‌خاتمة الفصل الأول:

- ‌أهم مصادر الفصل الأول

- ‌الفصل الثاني: أهم مجالات التخطيط المتعلقة بالمناهج الدراسية

- ‌مقدمة الفصل الثاني

- ‌أولًا: التخطيط للتربية الميدانية

- ‌ثانيًا: التخطيط لبداية ناجحة في التدريس

- ‌ثالثًا: التخطيط للتدريس فصلًا دراسيا أو عاما دراسيا

- ‌رابعًا: التخطيط لتدريس موضوع أو وحدة

- ‌خامسًا: التخطيط للعمل اليومي

- ‌سادسًا: التخطيط لتدريس الدرس

- ‌سابعًا: التخطيط لاستثمار الفروق الفردية بين المتعلمين

- ‌خاتمة الفصل الثاني:

- ‌أهم مصادر الفصل الثاني:

- ‌خاتمة الباب الأول:

- ‌الباب الثاني: الأسس العامة لتخطيط المنهج الدراسي

- ‌مقدمة الباب الثاني:

- ‌الفصل الثالث: أهم خصائص التربية الإسلامية

- ‌مقدمة الفصل الثالث

- ‌أولًا: التربية الإسلامية ربانية المصدر، عالمية الغاية، شاملة الأثر

- ‌ثانيا: ثاتبة أصولها، مرنة تطبيقاتها

- ‌ثالثا: تعد التربية الإسلامية الإنسان للحياتين، الدنيا والآخرة في توازن واعتدال

- ‌رابعًا: حث المسلم على العمل بقدر طاقته

- ‌خاتمة الفصل الثالث:

- ‌أهم مصادر الفصل الثالث:

- ‌الفصل الرابع: أهم خصائص العلم وفق التوجيه الإسلامي

- ‌مقدمة الفصل الرابع:

- ‌أولًا: طلب العلم فريضة على كل مسلم

- ‌ثانيًا: العلم كله من عند الله، ولا ينفد

- ‌ثالثا: غاية العلم هي تطبيق منهج الله في الحياة

- ‌رابعًا: العلم يحيط بجميع متطلبات الحياة وفق منهج الله

- ‌خامسًا: تتوافق فيه حقائق الكون مع حقائق الوحي

- ‌سادسًا: العلم يرفع قدر طلابه عند الله

- ‌خاتمة الفصل الرابع:

- ‌أهم مصادر الفصل الرابع:

- ‌الفصل الخامس: التوجيه الإسلامي للعلوم

- ‌مقدمة الفصل الخامس

- ‌أولًا: دوافع التأصيل الإسلامي للعلوم

- ‌ثانيًا: المفهوم والمصطلح

- ‌ثالثًا: أسس التوجيه الإسلامي للعلوم ومنهجه

- ‌خاتمة الفصل الخامس:

- ‌أهم مصادر الفصل الخامس:

- ‌الفصل السادس: أهم الاتجاهات التربوية المعاصرة

- ‌مقدمة الفصل السادس:

- ‌أولًا: أهم ملامح التطورات العالمية المعاصرة

- ‌ثانيا: أهم الاتجاهات التربوية المعاصرة

- ‌مدخل

- ‌ أهم الاتجاهات المعاصرة في سياسة التعليم:

- ‌ أهم الاتجاهات المعاصرة في تربية المعلم *:

- ‌أهم الاتجاهات المعاصرة في المناهج الدراسية

- ‌خاتمة الفصل السادس:

- ‌أهم مصادر الفصل السادس:

- ‌خاتمة الباب الثاني:

- ‌الباب الثالث: مصادر خبرات المنهج الدراسي

- ‌مقدمة الباب الثالث:

- ‌الفصل السابع: أهم خصائص المتعلم

- ‌مقدمة الفصل السابع

- ‌أولًا: أهم جوانب طبيعة المتعلم

- ‌ثانيًا: أهم جوانب شخصية المتعلم

- ‌ثالثًا: وظيفة المتعلم

- ‌رابعا: أهم خصائص نمو المتعلم

- ‌مدخل

- ‌ مرحلة التكوين:

- ‌ مرحلة الرضاعة

- ‌ مرحلة الطفولة:

- ‌ مرحلة التمييز:

- ‌ مرحلة البلوغ أو الرشد:

- ‌مرحلة الشباب:

- ‌خاتمة الفصل السابع:

- ‌أهم مصادر الفصل السابع:

- ‌الفصل الثامن: أهم خصائص المجتمع المسلم

- ‌مقدمة الفصل الثامن:

- ‌أولًا: ترسيخ عقيدة التوحيد

- ‌ثانيًا: الحكم بما أنزل الله والأخذ بالشورى والالتزام بالعدل

- ‌ثالثًا: الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌رابعا: تكوين الأسرة المسلمة

- ‌مدخل

- ‌ الترغيب في الزواج وبيان أسس اختيار كل من الزوجين:

- ‌ بيان حقوق كل من الزوجين ووقايتهما من الغواية:

- ‌ بيان حقوق الوالدين:

- ‌بيان حقوق الأولاد والحرص على تربيتهم

- ‌ وضع أسس لوقاية الأسرة من التفكك أو الانحراف:

- ‌خامسا: تحقيق كل من التضامن الإسلامي والتكافل الاجتماعي بين المسلمين

- ‌إرساء أسس المحبة وصولا إلى التضامن والتعاون

- ‌ التكافل الاجتماعي:

- ‌سادسًا: متابعة الاجتهاد

- ‌سابعًا: بث روح الجهاد في سبيل الله

- ‌ثامنا: حسن استثمار المصادر البشرية والطبيعية بالمجتمع والعمل على الارتقاء بالحياة فيه

- ‌خاتمة الفصل الثامن:

- ‌أهم مصادر الفصل الثامن:

- ‌الفصل التاسع: أهم خصائص المجال الدراسي والثقافة والعلمية والتقنية

- ‌مقدمة الفصل التاسع

- ‌أولا: المجال الدراسي

- ‌مدخل

- ‌ بالنسبة للأساسيات والتسلسل:

- ‌ بالنسبة للتطورات المعاصرة في المجال

- ‌ بالنسبة للتطبيقات:

- ‌ بالنسبة للتوجيه الإسلامي للمجال الدراسي

- ‌ بالنسبة لإسهامات العلماء المسلمين في المجال الدراسي:

- ‌ثانيًا: الثقافة العلمية والتقنية

- ‌خاتمة الفصل التاسع:

- ‌أهم مصادر الفصل التاسع:

- ‌خاتمة الباب الثالث:

- ‌الباب الرابع: أهم خطوات تخطيط المنهج الدراسى ومعوقاته

- ‌مقدمة الباب الرابع

- ‌الفصل العاشر: أهم خطوات إعداد المنهج الدراسي

- ‌مقدمة الفصل العاشر

- ‌أولا: الإعداد للمهمة

- ‌ثانيًا: أهم أسس إعداد أهداف المنهج الدراسي

- ‌ثالثا: أهم أسس إعداد محتوى المنهج الدراسي

- ‌أهم أسس اختيار خبرات المنهج الدراسي

- ‌أهم أسس تنظيم خبرات المنهج الدراسي

- ‌رابعًا: أهم أسس إعداد طرائق التدريس *

- ‌خامسًا: أهم أسس الإعداد لاستخدام وسائل تقانة التعليم *

- ‌سادسًا: أهم أسس إعداد المناشط المدرسية *

- ‌سابعًا: أهم أسس الإعداد لتقويم مخرجات المنهج الدراسي

- ‌ثامنًا: تقويم المنهج الدراسي الذي تم إعداده

- ‌خاتمة الفصل العاشر:

- ‌أهم مصادر الفصل العاشر:

- ‌الفصل الحادي عشر: أهم خطوات تطبيق المنهج الدراسي الجديد

- ‌مقدمة الفصل الخادي عشر

- ‌أولًا: التخطيط للتطبيق الميداني

- ‌ثانيًا: إعداد متطلبات التطبيق

- ‌ثالثًا: تدريب المشاركين في تطبيق المنهج الجديد

- ‌رابعًا: بث الشعور بالحاجة إلى منهج جديد، والتوعية بمتطلباته ومشكلاته

- ‌خامسا: تجريب المنهج الجديد

- ‌سادسًا: تعميم المنهج الجديد ومتابعته بالتقويم والتطوير

- ‌خاتمة الفصل الحادي عشر:

- ‌أهم مصادر الفصل الحادي عشر:

- ‌الفصل الثاني عشر: أهم معوقات تخطيط المنهج الدراسي

- ‌مقدمة الفصل الثاني عشر

- ‌أولًا: معوقات خاصة بطبيعة التخطيط التربوي

- ‌ثانيًا: معوقات خاصة بالجوانب الفنية لعملية تخطيط المناهج

- ‌ثالثًا: معوقات خاصة بالقائمين بعملية تخطيط المنهج الدراسي

- ‌رابعًا: معوقات إدارية

- ‌خامسًا: معوقات اجتماعية

- ‌سادسًا: معوقات سياسية

- ‌سابعًا: معوقات خاصة بالظروف الطارئة، وعدم اتخاذ القرار في الوقت المناسب

- ‌ثامنًا: القصور في الاعتمادات المالية

- ‌خاتمة الفصل الثاني عشر:

- ‌أهم مصادر الفصل الثاني عشر:

- ‌خاتمة الباب الرابع:

الفصل: ‌أهم الاتجاهات المعاصرة في المناهج الدراسية

2-

أن الهيئات المهنية أصبح لها متطلبات محددة في منسوبيها، وبناء عليه، فإن

هذه الهيئات ترى ضرورة اشتراكها في تسيير دفة التعليم وتربية المعلم، ضمانا لتحقيق هذه المتطلبات.

3-

أن المؤسسات الإنتاجية تتطلع إلى عناصر مؤهلة أو -على الأقل- مهيأة للتأهل للعمل فيها، وأصبح هذا مبررًا لإسهام هذه المؤسسات في توجيه التعليم وتربية المعلم.

4-

أن العناية باقتصاديات التعليم أدت إلى التدقيق في مخرجاته، ومن ثم فإن دافعي الضرائب ورجال الحكم يودون الاطمئنان على الاستثمار الأمثل لما ينفق على التعليم، وبخاصة بالنسبة لتربية المعلم.

5-

أن التكامل المنشود بين مؤسسات التعليم -بما فيها مؤسسات تربية المعلم- والمؤسسات المجتمعية الأخرى، وبخاصة المؤسسات الإعلامية أوجد لقادة الجانبين اهتماما بما يجري لدى الطرف الآخر، وصولا إلى التنسيق والتكامل.

6-

أن تغير متطلبات العمالة فتح قنوات الاتصال بين رجال الأعمال ومؤسساتهم من ناحية، ومؤسسات التعليم من ناحية أخرى، مما جعل لرجال الأعمال نصيبًا مفروضًا في شئون التعليم وتربية المعلم.

ص: 200

‌أهم الاتجاهات المعاصرة في المناهج الدراسية

جـ- الاتجاهات المعاصرة في المناهج الدراسية:

إن أهم العوامل المعاصرة التي تؤثر في المناهج هي التقدم العلمي والتقني والتطور في الفكر التربوي عمومًا، وفي البحث العلمي والتجريب التربوي، والاتجاه إلى الدراسات المستقبلة، على وجه الخصوص؛ لذلك فإننا سوف نتناول فيما يلي الاتجاهات المعاصرة في المناهج فيما يتعلق بهذه المجالات:

1-

الاتجاهات المعاصرة في المناهج فيما يتعلق بالتطور في الفكر التربوي.

2-

الاتجاهات المعاصرة في المناهج فيما يتعلق بالبحث العلمي والتجريب التربوي.

3-

الاتجاهات المعاصرة في المناهج فيما يتعلق بالدراسات المستقبلة.

1-

الاتجاهات المعاصرة في المناهج فيما يتعلق بالتطور في الفكر التربوي، على وجه العموم:

إن الأبحاث التربوية في مجال المناهج الدراسية كانت -بالأمس- تبحث عن إجابات مبدئية مثل: ماذا نعلم؟ وكيف نعلم؟ ومن نعلم؟ ودارت العملية

ص: 200

التعليمية حول ماذا؟ وكيف؟ ومن؟ ردحا من الزمان، إلى أن أصبحت ميول المتعلم في منتصف النصف الأول من القرن العشرين الميلادي هي الركيزة الأولى للمناهج.

وظهرت بناء على هذا المفهوم مناهج النشاط التي بنيت -أساسًا- على ميول المتعلم. واستخدمت أسلوب المشكلات في التعليم. إلا أنه سرعان ما اتضحت لهذه المناهج، عيوب عدة منها: أن الميول ليست مستقرة بحيث تبنى عليها مناهج مستقرة، وأن تحديدها أمر صعب، وأن الميول التي يعبر عنها المتعلم لا تتوافق -بالضرورة- مع حقيقة قدراته. كما لوحظ أن هذه المناهج لا تقدم منظومة خبرية متصلة تتتابع وتتواصل فيها الخبرات.

وتغير التركيز في أسس المناهج من الميول إلى الحاجات في أواخر الخمسينات وبداية الستينات، كما تحررت طرائق التدريس هي الأخرى من البحث عن المداخل والمواقف التدريسية التي تتفق -بالضرورة- مع ميول التلاميذ ورغباتهم، وانتقلت إلى مبدأ آخر في التعليم مؤداه: أنه يكمن تعليم أية خبرة لأي فرد إذا أمكن اختيار المدخل والأسلوب المناسب لتعليمه.

ويلاحظ هنا تغير كبير في تربويات التعليم، فبعد أن كانت نقطة البداية ومركز الاهتمام تتعلق بالمتعلم ورغباته، أصبحت نقطة البداية ومركز الاهتمام هي حاجة المتعلم من الخبرات، وسواء نبعت هذه الحاجة من شخصه أو من المجتمع، فإن عليه أن يكتسبها، بشرط ألا يكون في عملية التعلم قسر أو قهر له، ويوظف فيها من طرائق التعليم وأساليبه، ووسائله وتقنيته ما يجعلها مقبولة وميسورة الاكتساب، بقدر المستطاع بالنسبة للمتعلم.

لذلك، أخذ البحث والتجديد التربوي يتناولان الأهداف والطرائق والأساليب المختلفة لصياغة خبرات المنهج وتنظيمها بحيث يمكن تطويعها -بقدر الإمكان- للمتعلم. فظهر التنظيم الحلزوني لخبرات المناهج الذي يمكن من معالجة خبرات الموضوع نفسه بمستويات مختلفة بحيث يعمق ويتسع في كل مستوى عن المستوى السابق له، وهذا يساعد على اتصال المتعلمبالموقف في أوقات مختلفة ومرات متعددة، فيحدث تعلم مجزأ للخبرات المراد تعلمها. بل ظهرت مناهج جديدة مثل المنهج التقني والمنهج الإنساني.

وظهر أيضًا مفهوم البنية المعرفية، وهي تركيب أو نسق لبناته هي المفاهيم الأساسية، يكون إطارًا مرجعيا للتفاصيل التي يمكن أن يستنتجها المتعلم من هذا النسق، وقد أنقذ هذا المفهوم المتعلم من الغرق في تفاصيل تفكك أوصال النسق وتخفي المبادئ التي توحده.

ص: 201

"والتنظيم المبرمج للخبرات" تنظيم آخر ظهر فيما يسمى "التعليم المبرمج" ويمكن أن يوصف هذا النوع من التنظيم بأنه إعداد للمادة التعليمية في خطوات قصيرة ومتتابعة في تسلسل بحيث تقود فيه كل خطوة إلى التي تليها،

وتساعد المتعلم على التعلم الذاتي، وتوفر تعزيزًا فوريا لنجاحه.

أما من حيث الأهداف، فقد ظهرت فيها اهتمامات جديدة، مثل:

- أن يتجه التعليم إلى تنمية مواهب الجميع إلى أقصى قدراتهم. وتحقيق ذلك الهدف يتطلب أن نعين كل الطلاب على بذل الجهد إلى آخر حدود قدراتهم. "10، 23".

- التعليم للعيش مع الآخرين، ويتطلب هذا فهمهم وفهم تاريخهم وتقاليدهم وقيمهم الروحية.

- التعلم للعمل. وقد أصبح هذا يتطلب إلى جانب الإعداد لممارسة عمل معين، اكتساب المهارة في مواجهة تشكيلة من المواقف غير المتوقعة، والعمل مع فرق من الآخرين. "15، 7".

- التعلم لتحقيق الذات، ويتطلب هذا حتمية أن يفهم الإنسان شخصيته بصورة أفضل، وألا تترك أية موهبة مخبأة عنده دون أن تستثمر إلى أقصى حد. "15، 8".

- إذكاء القدرة على التخيل؛ وذلك لأن مجتمع الغد يحتاج إلى أن يسبق التخيل التقنية لكي نتجنب مزيدًا من البطالة وعدم المساواة في التنمية والعدل الاجتماعي.

- العناية بكل من: "التعليم للمستقبل" و"التنمية الاقتصادية " و"المشاركة السياسية" فتحقيق هذا الثالوث هو شرط الضرورة، والتنمية الاقتصادية والمشاركة السياسية هما شرط الكفاية. "1، 10".

ولا تزال هناك تطورات أخرى تتعلق بمفهوم طرائق التعليم ووظيفتها. فقد ظهر التأكيد على التعليم الذاتي، وعلى الوصول بالتعلم إلى الحد الأقصى، بمعنى أن فترة التعليم لم تعد محدودة بأية حدود زمنية أو مكانية، وأصبحت تشمل حياة الإنسان كلها، فما دام كان الإنسان حيا فلا ينبغي أن يتوقف عن التعلم، كما أن المدى الذي يذهب إليه التعلم ينبغي أن يصل بالمتعلم إلى الحد الأقصى من إمكاناته، أي: يستنفد جميع قدراته ومهاراته التي يمكن أن يوظفها في عملية التعلم.

ص: 202

وفي عالم سريع التغير، مليء بالأحداث، مفعم بالتطورات والمشكلات، لا بد من أن تمد التربية المتعلم بباقة متنوعة من الخيارات في التخصصات والمقررات الدراسية، لكي يتسع مدى الخبرات وتتنوع بما يقابل الفروق الفردية بين المتعلمين.

بل، وأن تيسر التعلم للجميع، ليس فقط داخل المدرسة ولكن خارجها أيضًا. فهذا هو أهم ما يمكن أن تقدمه في هذا العصر السريع الخطى نحو التغيير. فإن الثورة العلمية التقنية وسيل المعلومات الهائل المتيسر الآن للإنسان. ووجود شبكات هائلة للإعلام، مع عديد من العوامل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، قد عدلت كثيرا من صيغ وأشكال ونظم التعليم التقليدية، مظهرة ضعف بعضها وقوة البعض الآخر.

كما وسعت من نطاق التعلم الذاتي، ويسر فكرة الاكتساب الواعي النشيط للمعرفة، بحيث أصبح التعليم الخاص بالصغار والشباب والكبار يستدعي وجود عدد كبير متنوع من أشكال وأنماط التعليم الخارجة عن نطاق المدرسة.

وأخذت طرائق التدريس -أيضًا- طريقها للتقدم. فمن أمثلة المستحدثات فيها "التدريس بالفريق" بغية تكثيف الخبرات للمتعلم، وتوسيع نطاق التفاعل الإنساني في الموقف التعليمي، وقد ثبت من نتائج الدراسات التي أجريت في مجال تطبيق التعليم الفريقي، أن الجو الجماعي في المؤسسات التعليمية يساعد أفراد المجموعة في ترقية عواطفهم وميولهم، وتقليل التوترات والمشكلات النفسية، ويقود إلى تحسين علاقتهم بالمدرسين، وتوسع دائرة خبراتهم، وازدياد شعورهم بالمسئولية الاجتماعية. كما أن التعليم الفريقي يساعد الأفراد في التغلب على أزماتهم والصعوبات التي تواجههم. والقيام بوظائف وعمليات تعليمية لا تتاح لهم عادة في النظام التقليدي "مدرس وصف" كالاشتراك في الملاحظة العلمية والتحليل والتشخيص والتقويم.

وتهدف التربية الحديثة إلى تكوين المجتمع الشامل، فإضافة إلى تكوين مجتمع يأخذ أفراده بأسباب التعلم الذاتي المستمر، فإنه يستثمر جميع فئاته استثمارًا كاملًا. فتعمل التربية على اكتشاف الموهوبين والمتفوقين وتربية العلماء والمخترعين من بيهم، كما تعمل في الوقت نفسه على توجيه المتوسطين والمعوقين والأقليات والمحرومين اقتصاديا إلى أنسب ما يمكنهم عمله. فهؤلاء من موارد المجتمع التي يقع استثمار قدراتها إلى أقصى ما تمكنها استعداداتها على عاتق المناهج. وما لم تنهض المناهج بهولاء -بصفة خاصة- يصبحون عبئًا ثقيلًا على المجتمع.

ص: 203

ولكي يتكون المجتمع المنشود، وتتاح الفرصة للأفراد بأن يعطوا جميع ما عندهم، ويستنفذوا كل ما لديهم من قدرات واستعدادات ومواهب، فإن الاتجاهات الحديثة في التعليم تقضي بأن يصل التعليم في المدرسة إلى أقصى كفاءته ويظل كذلك. كما ينبغي أن يصل التعليم خارج المدرسة قمته ويستمر عندها. ومن بين ما يحقق ذلك، أن يمتد اليوم الدراسي إلى أن يكون يومًا دراسيا كاملًا، كما يمتد العام الدراسي إلى أقصى مدى، على أن يخصص بعد ذلك أوقات للفئات الخاصة.

وقد ظهر في عالم التربية والعلوم الأخرى، عدد كبير من المكتشفات والابتكارات والاختراعات تستطيع تطوير النظم التربوية، فالأبحاث الجارية في مجال دراسة الدماغ البشري وكيفية اكتساب المعرفة وتنظيمها والتقدم في نظرية المعلومات، ونتائج التجريب في علم النفس الفردي والجماعي والنماذج البنائية في العلوم بعامة وعلوم الإدارة والاقتصاد بخاصة، كلها تقدم للتربية دفعًا جديدًا نحو التطوير.

ويكون في موطن القلب من هذا التغيير الالتزام بمجموعة من القيم ونظم التعلم تمكن أعضاء المجتمع أن يمدوا تفكيرهم إلى أقصى قدراتهم منذ بواكر الطفولة، وطوال فترة النضج -كبالغين- ليتعلموا أكثر كلما تغير العالم من حولهم بشكل أكبر.

وتتوقف الاستفادة من هذه التطورات كلها على المناهج الدراسية؛ ذلك لأن تخطيط المناهج وتطويرها في المجتمع ينبغي أن يلاحق هذه التطورات لكي تسهم في تربية الأجيال القادرة على صياغة الحياة وفق معطيات العصر دون تجاوز لحدود المنهج الرباني.

2-

الاتجاهات المعاصرة في المناهج الدراسية فيما تتلعق بالبحث العلمي والتجريب التربوي:

لم تعد شئون الأمم بعامة، وشئونها التعليمية بخاصة تخضع لاجتهادات شخصية، أو تصورات فردية أو جماعية. كما أنها لم تعد تعتمد على الحدس.

وبالقطع فإنها لا تترك هكذا للصدفة أو كيفما تسيرها ردود لأفعال الآخرين من البشر أو الأمم.

وإنه لمن نافلة القول أن نذكر أن منبع الأساليب والتطبيقات الحديثة، ومنصة الانطلاق نحو الآفاق الرحيبة جديد مبتكر، هو البحث العلمي والدراسات الكاشفة عن مكونات الكون التي غيبها الله سبحانه وتعالى عن عباده إلى حين. فالبحث العلمي أسلوب موثوق فيه لحل المشكلات التي تواجهها مختلف

ص: 204

المجتمعات، على أسس موضوعية، ومن خلاله يمكن تقديم البدائل المختلفة لحلولها، واقتراح الصيغ المتعددة لتوظيف المستجدات في هذه الحلول، وفي غيرها من ساحات التجديد والابتكار والتحديث. إضافة إلى أنه الوسيلة الموضوعية لإنتاج المعلومات والتقنية.

وفي المجالات التربوية يكون البحث العلمي ضرورة لا غنى عنها؛ لأن فيه الأساس المكين لكل بنية تربوية جديدة -سواء تعلقت هذه البنية بالنظم والخطط أم بالمناهج وأساليب العمل وخطواته -ولكل تطوير في هذه البنى. بل من خلال تطبيق نتائج البحوث التربوية يتحقق لكل تطوير تربوي مقوماته الأساسية.

وتتعدد أنواع البحوث التربوية بتعدد مجالاتها. فهناك بحوث الواقع التي تتناول مكونات الواقع وتحلله إلى عناصره، وتكشف عن إيجابياته وسلبياته.

ولنضرب لذلك مثالًا يتعلق بتخطيط المناهج، فإذا كان هدفنا تخطيط منهج، فإنه لا بديل لنا عن بحوث كشفية تكشف واقع المجتمع والبيئة المحلية والعوامل المؤثرة فيهما.

وإلى جانب أهمية البحوث العلمية في تخطيط المناهج وبنائها فإن التجريب يحتل أهمية خاصة؛ إذ بدون البحوث التجريبية لا يمكن استقصاء مختلف العوامل التي تؤثر على التطبيق العملي، وما يكتنفه من صعوبات. وعلى وجه العموم، فإن التصدي للتوجيه الشامل للنظم التربوية والخطط والمناهج نحو استيعاب المتغيرات في كل من المتعلم والمجتمع والمادة الدراسية والاتجاهات التربوية المعاصرة، لا يمكن تحقيقه بدون العمل العلمي المتجدد المستمر القائم على رؤية الواقع وحاجاته، وعلى البحث العلمي والدراسة الموضوعية، والتخطيط والتجريب قبل الانتقال إلى التطبيق والتعميم. بهذا فقط يمكن توقع فعالية المنهج، وتحسن مخرجاته، ومواكبته لمتطلبات المجتمع الشاملة، ليس فقط بالنسبة للتنمية البشرية للمحتمع، ولكن أيضًا بالنسبة لجميع جوانب العملية التعليمية.

خلاصة القول، إن البحث والتجريب هما الضمان الأكيد للتحقق من بلوغ الأهداف المحددة، وهو -في الوقت نفسه- منصة لتطوير المنهج -فيما بعد- بناء على نتائج تقويم التجريب.

3-

الاتجاهات المعاصرة في المناهج فيما يتعلق بالدراسات المستقبلة:

في العصر الحاضر لا يمكن إغفال التطورات المتلاحقة في مختلف المجالات، فقد أصبحت المستحدثات الجديدة -المتوقع منها وغير المتوقع- مادة أساسية في وسائل الإعلام، ولقد انتقلت حلبة السباق العلمي والتقني من الكرة الأرضية إلى

ص: 205

الكواكب الأخرى، واستحدثت علوم جديدة مثل علوم الاتصالات وعلوم البيئة، وهذه كلها تخطو الخطوات الأولى من نشأتها وتتطور -هي وغيرها- بصورة سريعة وتفعل فعلها في حياة البشر. والبقية آتية بحول الله.

وفي العصر الحاضر قفزت التقنية بالعالم إلى آفاق لم تكن في الحسبان.

ونضرب لهذا مثلا بالتحكم عن بعد، ومراكب الفضاء، والأقمار الصناعية والإنسان الآلي. والبقية تأتي لتسهم مع التقدم في تغيير نمط الحياة.

وفي العصر الحاضر تواجه الإنسان تحديات أخلاقية، ليس فقط في التعامل اليومي فيما نشهده اليوم من غبش في العقيدة ونكوص في العبادات، وجور في المعاملات، وتفلت في الأخلاق، ولكن أيضًا فيما يتعلق بتوجيه البحث العلمي، كما في الهندسة الحيوية -على سبيل المثال- وجهة غير أخلاقية. والبقية آتية.

وفي العصر الحاضر نلحظ تلوثًا للبيئة كبيرًا. ونتيجة لهذا يتسع ثقب طبقة الأوزون. ولاتساعه عواقب وخيمة من حيث التغير في مناخ الكرة الأرضية، ومن حيث ما يترتب على اتساعه من كوارث طبيعية لا قبل للإنسان بها. وقد يحدث غدًا تغيرات جديدة تضيف مخاطر جديدة لا يعلم مداها إلا الله، سبحانه وتعالى.

وفي العصر الحاضر. نعلم أن الشتاء النووي الذي يعقب التفجير النووي، يبيد الحياة على وجه الأرض، فمن لم يمت من الأحياء بفعل التفجير، سوف يقضى عليه -إن شاء الله له هذا- بفعل الشتاء النووي. ومن ثم فإن مصير البشرية أصبح يتعلق بمن بيدهم قرار الحرب النووية من البشر بعد مشيئة الله.

وفي العصر الحاضر، يتحول العالم إلى كيانات كبرى. والملاحظ في هذا الأمر أن الذي يتكتل ويتوحد في الكيانات الكبيرة التي تملك ناصية التقدم العلمي والتقني والاقتصادي، أما الكيانات الصغيرة غير القادرة فلم تجد سبيلًا إلى التوحد بعد. وجود هذه الكيانات الجديدة يزيد المسيطر سيطرة والتابع تبعية.

وفي العصر الحاضر. ينقسم العالم قسمين: الأول متقدم في مختلف المجالات. والثاني مختلف في مختلف المجالات، وللتسارع في التقدم تزداد الفجوة بين القسمين.

وحيث إننا ننتمي في الوقت الحاضر إلى المتخلفين. فماذا نحن فاعلون؟

إجابة مثل هذا السؤال تنتمي للمستقبل. الأمر الذي يجعل من أهداف التعليم أن يعد المتعلم للأخذ بأسباب السلوك الإيجابي هذا مع المستقبل بمعنى أن نعده لتشوف المستقبل على أساس من الماضي والحاضر. وأن يتخيل صوره المحتملة

ص: 206

انطلاقًا من معطيات الواقع المعاصر والماضي المعاش، وأن يستخدم في سبيل ذلك مختلف الأساليب العلمية للاستطلاع والتحكم والتوجيه الكمي والنوعي، وصولًا إلى تحديد ملامح المستقبل وإعداد المتعلمين للحياة فيه، وفيما يلي نحاول إلقاء بعض الضوء على أهم جوانب هذا الإعداد:

3-

1 الملامح العامة للتغيرات المستقبلة ذات الأهمية الخاصة بالنسبة لمجال التعليم، على وجه العموم:

الدراسات المستقبلة امتداد للدراسات التاريخية، وهي ليست تنبؤا يقوم على الرجم بالغيب، ولكنها توقعات علمية يحتمل حدوثها من حيث كونها نتيجة منطقية لدراسة الماضي والحاضر، والتعرف على سنن الكون، إلى استشراف المستقبل وتشوفه، وصولًا إلى بلورة رؤية عنه. وهي توقعات يحتمل وقوعها استمرارًا لحركة التاريخ التي تحكم الواقع، كما أنها تتضمن بدائل وخيارات وأحلامًا نتطلع إلى تحقيقها بالفعل، ولا تغيب هنا إرادة العقل وترجيح بديل على آخر، كما لا يغيب دور الحكم عند الإنسان، والمثل العليا عند المجتمع الإنساني، ويمكن تحديد أهم ملامح التغيير المتوقعة في مجال التعليم -على وجه العموم- على النحو التالي:

1-

يتوقع أن تكون المعرفة من العوامل الفارقة بشدة بين المجتمعات، فالتغيرات الهائلة التي تميز عصرنا الحالي تعرض مستقبل الإنسان للخطر: وليس ما يخشى هو مجرد انقسام العالم إلى من يملكون ومن لا يملكون، بل الاتجاه الحالي الذي تسير فيه الإنسانية نحو الانقسام إلى من يعرفون ومن لا يعرفون، ومن يتفوقون بالعلم والمعرفة ومن يتخلفون بالجهل وأمية العصر. والضرر في ذلك عميم يصيب الإنسانية جمعاء. ومن ثم فلا مناص من تربية صحيحة وحقيقية؛ لأن التربية -في هذا الحال- تصبح قدر الإنسان.

2-

اهتزاز الأخلاق والقيم: فالمجتمع الحديث يقدم أنواعًا من الأخطار والتهديدات. مثل: انعدام المسئولية الاجتماعية في المجتمعات الاستهلاكية، اهتزاز القيم بسبب مظاهر الظلم وانعدام العدالة، ثورة الشباب على النظم والمؤسسات القائمة لبعدها عن تحقيق حاجاتهم، والاستجابة لمشاعرهم، واحتجاجًا على الفقر والمرض والحروب، وفوق كل ذلك، ضد تسلط نظم الحكم.

3-

الدعوة إلى معاهدة تعليم بلا جدران بصورة قوية. فالبعض يدعو إلى إلغاء المدارس والنظم التعليمية بدل إصلاحها بدعوى أنها أصبحت

ص: 207

قديمة ومتآكلة ولم تعد تناسب طبيعة العصر، كما ينادون بنزع الصفة المؤسسية عنها، أو فتحها وإزالة جدرانها ليصبح التعليم حرا ومفتوحًا وليس حكرًا على المدارس والمعاهد والجامعات.

وعلى الرغم من أن هذه الدعوة تبدو دعوة جديدة، فلا غنى للإنسان عن الدراسة المنظمة في مؤسسات تربوية متخصصة في نشر العلوم والمعارف بين الأجيال بطريقة منظمة. لذلك، فإنه يتوقع أن تظل هي العامل الحاسم في إعداد الأفراد مساهمة في تنمية مجتمعاتهم، ولتولي الأعمال والمهن المنتجة. وفي المجتمعات الحديثة تدعو الحاجة إلى التعامل مع قدر هائل من المعلومات الواردة من خلال عدد كبير من المصادر بطريقة منظمة، وبواسطة وسائل واستعدادات ومهارات دقيقة ومتخصصة، وهذا الأمر يستدعي وجود نظم للمعرفة تقوم ضمن مؤسسات تربوية وتعليمية وتدريبية، أي: وجود مدارس ومعاهد وجامعات ومراكز وبحوث.

4-

تغيرات متوقعة في بنية التعليم:

- يصبح تعليم ما قبل المدرسة الابتدائة جزءًا لا يتجزأ من النظام التعليمي.

- تتوسع قاعدة التعليم الابتدائي ويبدأ في سن مبكرة عن ذي قبل.

- يبقى التلاميذ في المدارس لفترة أطول.

- يزيد بصورة مطردة عدد المسجلين في مراحل التعليم المختلفة.

- يزيد عدد المنقطعين عن الدراسة، وكذلك الراسبون.

ولا يتوقع أن يبقى أحد دون أن يتعلم مهارة معينة تجعله عضوًا فاعلًا في البيئة المتغيرة، وهذا ينطبق على المنقطعين والراسبين، إلا أن هؤلاء سوف يجدون ضالتهم في أنواع أخرى من التعليم المستمر، وإن لم يفعلوا فإنهم لن يجدوا مكانًا لهم مع الأسوياء.

5-

تركيز التعليم على الإنسان نفسه، وعلى التعليم المستمر. لذلك يتوقع أن تستبعد من أي برنامج تربوي أو تعليمي أو تدريبي تلك الاتجاهات التي تدعو إلى أن يكون نشر التعليم مرتبطًا -فقط- بالقدر اللازم لتوفير اليد العاملة المطلوبة، ومن ثم يعمل على تقليص النمو في التربية لأسباب اقتصادية أو ثقافية أو سياسية، فإن هدف التربية هو تمكين الإنسان من أن "يكون نفسه" ولا يجوز أن يكون هدف التربية إعداد الشباب للعمل في مهن معينة طوال حياتهم، بقدر ما يجب أن يكون تشجيع الحراك المهني والحث على السعي الدائم للتدريب والتعلم

ص: 208

المستمر. ولذلك يجب إعادة النظر في أهداف وطرائق ومضمون التربية دون التخلي عن فكرة نشر التعليم والمعرفة.

6-

التركيز على تقدم التربية وتطوير مفاهيمها. فإذا علمنا أن هذه القفزة الهائلة في دنيا العلم والمخترعات لا تزال في بدء عهدها، وإذا أدركنا أن لهذه التقنيات استعمالات سليمة نافعة، وأخرى حربية مدمرة للإنسان ومستقبله، فإن هذا المستقبل سوف يصبح من دون شك رهنا بتقدم التربية وتطوير مفاهيمها.

7-

الحاجة إلى مزيد من الترابط بين المناهج الثقافية والعلمية والإنسانية والتطبيقية. هناك اتجاه إلى تأخير عملية اختيار الطالب للتخصص في الفروع المختلفة للدراسة. كما يتوقع أن تتوسع -باستمرار- مناهج الدراسة الفنية والمهنية لمواجهة مطالب سوق العمل. ويلاحظ أن الترابط يزداد بين أنواع المناهج الثقافية والعلمية والإنسانية والتطبيقية.

8-

يتوقع اختفاء فكرة النجاح والرسوب المسيطرة على التعليم. فإن فكرة النجاح والرسوب المسيطرة على النظم التربوية في معظم بلدان العالم لم تعد تلائم عصر التغير والإنسانية العلمية والديمقراطية في التربية؛ لأن كل فرد يستطيع أن ينجح في شيء ما إذا ما أتيحت له الفرصة لذلك. وأن فكرة قياس أداء جميع الطلاب بالقياس العام نفسه لا تفيد ولا تحقق شيئًا. ولهذا فإن مفهوم النجاح والرسوب سوف يتغير بمجرد أن تصبح التربية مستمرة، وأن من يفشل في سن معينة ومستوى دراسي معين خلال فترة من فترات تعليمه، سوف يجد حتمًا فرصا أخرى ولن يقضي حياته أسيرًا لفشله.

9-

اتساع نطاق التعليم إلى خارج المدرسة، فالمتوقع أن التعليم خارج نطاق المدرسة سوف يتسع وينتشر، سواء على شكل حملات لمكافحة الأمية، أو برامج لتعليم الكبار، أو خدمات ثقافية تقدمها الجامعة، والمعاهد العليا أو خلال برامج الإعلام، أو برامج المنظمات المهنية.

10-

يتوقع أن يصبح التخطيط التربوي أساس النظم التربوية، ومن الاتجاهات الملاحظة اليوم في عالم التربية، الارتباط بين برامج التعليم والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. هذا الارتباط يتوقع له أن يكون أكثر وثوقا وأكثر تأثيرًا على النظم التربوية.

ص: 209

3-

2 ضرورات مستقبلة في مجال التعليم في العالم العربي بخاصة:

وتتلاقى مع الآراء السابقة آراء أخرى تحدد إجراءت معينة لإعداد مسرح التعليم بالعالم العربي للمستقبل، نذكر منها:

1-

ضرورة وجود سياسة وطنية في تطوير التعليم؛ لأن الواقع الاجتماعي الاقتصادي التربوي له متطلبات تنبع من طبيعته. ولا يمكن أن يستمد هذا التطور جذوره من مجتمعات مختلفة عن المجتمعات العربية، ولا يمكن أن يستند إرشاد هذه السياسة بتشديد قبضته المركزية.

2-

هناك حاجة للبعد عن الإصلاحات الجزئية؛ نظرًا لضعف مردودها على العملية التعليمية، ولا تغير المواقف الرئيسية أو السلوك الأساسي في غرف التدريس.

3-

لا يمكن للمدرسة في العالم العربي أن تعمل كمدرسة مجددة إلا بإعادة تجديد البيئة التربوية، وتجسيد الأفكار الجديدة والمستحدثات في عملية التعليم والتعلم.

4-

تتعثر المدرسة في مسيرتها نحو تطوير المناهج، والتطوير التربوي بعامة إذا اصطدمت بقوانين وأنظمة ومتطلبات عفا عليها الدهر. لذلك قد يستدعي تطوير المناهج تغييرات في القوانين والأنظمة والامتحانات والسياسات المتعلقة بشئون الموظفين وإنشاء وظائف للدعم على المستوى المحلي والعربي.

5-

ينبغي إسهام أصحاب المصالح المختلفة في عملية تطوير المناهج وفتح باب الاتصال معهم، وبخاصة أولياء الأمور والمعلمين والطلاب وإدارة المدرسة والجماعات بالمحيط المحلي، بدءا بتحديد الحاجات إلى عملية التنفيذ والتقويم والمتابعة.

6-

مما يساعد في تطوير المناهج، إنشاء ما يلي على المستوى المحلي والعربي.

- مراكز لإعداد المعلمين والمديرين ومراكز لتدريبهم أثناء الخدمة.

- مراكز لإجراء التجارب والممارسات التجديدية وعرضها.

- مراكز للبحث تسهم في إجراء البحوث وفي التقويم، واستحداث المواد التربوية الجديدة وإنتاجها في مراكز يمكن أن تخدم على مستوى العالم العربي.

- شبكة منهجية متكاملة للتخطيط والتطوير والتقويم.

ص: 210

مما سبق نتبين أن الدراسات المستقبلة أصبحت هدفًا رئيسا في الحياة المعاصرة بالنسبة لجميع المجتمعات. ولكنها بالنسبة للمجتمعات المتخلفة أشد حاجة، وأكثر إلحاحًا لكي تتبين موضعها في مسيرة الأمم، وتتشوف مصيرها في خضم السباق المحموم المعاصر، وتستشرف خططها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتربوية في ضوء الاحتمالات العلمية للمستقبل. وعالمنا الإسلامي بعامة والعربي بخاصة في حاجة -اليوم- إلى هذه الدراسات أكثر من أي وقت مضى، إذ يبدو أن الكيانات الكبرى التي بدأت تتكون من حوله، أصبحت تتمتع بالقوة الشاملة تربويا واقتصاديا وعلميا وعسكريا، وما لم تحقق بلادنا هذه القوة فإنها ستظل سوقًا لغيرها ومطمعًا لهم.

وفي المجال التربوي على وجه الخصوص، تكون الدراسات المستقبلة المستندة على واقع الأمة، وهي أساس التخطيط التربوي عمومًا، وتخطيط المناهج خصوصًا.

فلم يعد المعنيون بالتربية يتساءلون عن حاجات الفرد اليوم، ولكنهم يتساءلون عن حاجات الفرد والمجتمع في القريب العاجل والبعيد الآجل، ومن هنا ينطلقون إلى اختيار الخبرات التربوية.

ومن بين ما يمكن أن تتصدى له المناهج في هذا الصدد تنمية طرق التفكير العلمي، وأسلوب حل المشكلات، ودراسة الاحتمالات، والسلاسل الزمنية، ولكن الأهم من الجميع هو وجود الدراسات المستقبلة في المناهج الدراسية. فقد ظهر نوع من المناهج حديثًا يمكن تسميته "منهج المستقبل" ينبع من خيارات حرة في عالم المستقبل تعتمد على دراسة الاتجاهات الحالية، وتقدير الآثار الاجتماعية المترتبة عليها، ومحاولة تحقيق مستقبل جيد بناء عليها، ويرى بعض المؤيدين لهذا المنهج أنه ينبغي "تخطيط المستقبل" وليس" التخطيط للمستقبل" هذا، يسهم في تمكين العالم الإسلامي من أن يدرك ركب التقدم المعاصر، بحول الله.

ص: 211