الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن المعوقات أيضًا عدم شعور العاملين في عملية التخطيط بالأمان، وعدم توافر الحوافز المناسبة لهم، وعدم قدرتهم على إقناع الآخرين بأهميتها. فكثيرا ما يحدث أن يعمل بعض العاملين في تخطيط المناهج الدراسية بعقود مؤقتة، أو أنهم يخشون عدم رضاء السلطات العليا عن عملهم. هذان العاملان وغيرهما من عوامل عدم الشعور بالأمن، يجعل بعض العاملين في تخطيط المنهج لا يشعرون بالاستقرار الذي يساعدهم على العطاء الكامل وفق قدراتهم. وعدم توافر الحوافز أو عدم التكافؤ في تخصيصها، ويكون أيضًا من الأسباب التي تضعف الحماس لبذل الجهد في تخطيط المناهج الجديدة. وإقناع الآخرين بضرورة المناهج الجديدة يحتاج إلى توافر خصائص في الشخصية منها المهارة في الإقناع، وقوة الشخصية، والثقة في النفس والتمتع بمهارات القيادة، وإذا لم تتوافر مثل هذه الخصائص لدى من يقودون عملية تخطيط المنهج، فإن كثيرًا من المعوقات سوف توجد في طريقها، سواء في سير العملية نفسها أم في إدرات التعليم أم في المجتمع ومؤسساته.
ومن المعوقات أيضًا تمسك بعض العاملين في تخطيط المناهج بسابق خبراتهم، ومحاولة تطبيقها، فبعض المشاركين في عملية تخطيط المناهج الدراسية ممن لهم خبرات سابقة فيها، يحاولون تطبيق النماذج نفسها التي شاركوا فيها من قبل، وهذا لا يمكن أن يعطي الثمرة ذاتها التي أثمرتها من قبل، نظرًا لاختلاف معطيات العملية الحالية عن سابقتها. فالعلم والتقنية يتطوران تطورًا سريعًا، والمجتمع تتغير مطالبه، والمتعلم تختلف حاجاته، والتطبيق التربوي تتسع آفاقه وتتنوع أساليبه وطرائقه؛ لهذا فإنه إذا ما حدث وطبقت خبرات سابقة دون مراعاة هذه المتغيرات الجديدة، فإنها تكون سببًا في إعاقة التخطيط عن تحقيق أهدافه.
رابعًا: معوقات إدارية
أهمية الإدارة بالنسبة لإنجاز الأعمال وحسن توجيهها نحو تحقيق أهدافها أمر معروف، إذ بكفاءتها يتم التعاون والتنسيق بين العاملين، وتحل المشكلات وتذلل العقبات، ويرتفع مستوى الإنتاج. وأما إذا كانت تنقصها الكفاءة المطلوبة فإنها تزرع العقبات، وتوجد المشكلات في طريق التقدم، وقد يزيد الموقف تعقيدًا حيث تقصد الإصلاح؛ لأنها -بعدم كفاءتها- تتخذ قرارات غير مدروسة وربما على أسس خاطئة. ومهما كانت أسباب العجز الإداري فإنها -في نهاية المطاف- معوقة للإنجاز.. ونعطي فيما يلي بعض الأمثلة لمعوقات تخطيط المناهج الدراسية، سببها إدارة التعليم أو إدارة المدرسة. أو إدارة عملية التخطيط.
من أخطر معوقات تخطيط المناهج التمسك الحاد بالروتين، إذ في كثير من الأحيان يحتاج إلى الأمر إلى حلول غير تقليدية، فعلى سبيل المثال، إذا أمكن تدبير تكاليف كتب المتعلمين وتم طبعها وبقي أن تنقل إلى المدرسة لتكون بين أيدي الطلاب، وقد أزف الوقت وبدأت الدراسة وأوشكت على البداية. هنا محك لكفاءة الإدارة المدرسية والإدارة التعليمية معًا. فهل ترسل الإدارة المعنية رسالة إلى إدارة النقل أو إدارة الحركة لكي تقوم هي الأخرى بإرسال رسالة أخرى إلى قسم التنفيذ حسبما يقضي الروتين، وبهذا يتأخر وصول الكتب إلى المدرسة أسبوعين أو ثلاثة، ويكون تصرف الإدارة هذا معوقًا. أم تتخطى الإدارة الروتين وتتخذ إجراءت النقل الفوري للكتب، وتكون الإدارة بهذا مساعدًا على النجاح.
مثال آخر لتعويق الإدارة المدرسية لتطبيق المنهج، نسوقه من مواقف تتعلق بوسائل تقنية التعليم. فهذه الوسائل تكون عادة عهدة أمين مخزن المدرسة الذي يهمه -بالدرجة الأولى- بقاؤها في المخزن محافظا عليها أكثر من اهتمامه بفائدة الطلاب منها؛ لذلك قد يقضي الروتين بأنه إذا أراد معلم استعارتها فلا بد له من كتابة إيصال بتسلمها يقر فيه بحالتها الجيدة وصلاحها للاستعمال، إلى غير هذا مما يبرئ ذمة أمين المخزن من أي عيب قد يلحق بالوسيلة. وفي هذا ضياع لوقت المعلم وإهدار لطاقته قد يتسبب في عزوف المعلم عن استخدام الوسيلة، وبخاصة إذا كان عليه أن يعيدها بنفسه بعد استعمالها، وإلا فإنه سوف يخالف تعليمات الروتين المسطور.
وتتافقم الأمور. إذا جعل ناظر المدرسة أو مديرها تداول العهدة المحفوظة في مخزن المدرسة لا يتم إلا بأمر كتابي منه -وكثير منهم يفعلون- تمكينا أكيدًا للمحافظة على عهدة المدرسة التي يكون الناظر عنها مسؤلا أمام الإدارة التعليمية؛ ولهذا، فإن تحريك أية وسيلة من وسائل التقنية أو غيرها مما هو عهدة مصونة بالمخزن يحتاج إلى أمر مباشر منه، فإذا خرج الناظر أو المدير لاجتماع خارج المدرسة، أو إذا كان في اجتماع مغلق داخل المدرسة فإن ما هو مصون بالمخزن يكون بعيد المنال، ومن ثم يتوقف عطاؤه عن العملية التعليمية.
أما سوء إدارة عملية التخطيط نفسها فإن تعويقها يكون أشد بحكم صلتها المباشرة به. من أمثلة هذا التعويق، عدم تنفيذ جهازها الإداري لقرارات جهازها الفني، إذ إن حسن سير العمل وتنظيمه يتوقف على كفاءة الاتصالات الإدارية بالأشخاص والمؤسسات والإدارات التعليمية التي ينفذها الجهاز الإداري. ومن أمثلة هذه الاتصالات. الاتصال بكل من الخبراء المشاركين في عملية التخطيط وأولياء الأمور وقيادات المجتمع ومديري المؤسسات الاقتصادية، وبالمدارس التي سوف يتم فيها التجريب وبدور النشر لتأمين الكتب الدراسية، وبمؤلفي هذه الكتب وبالجهات.
التي تمد المدارس التجريبية بحاجتها، مثل وسائل تقنية التعلم ومواد النشاط المدرسي وأدواته وغيرها مما يتطلب حسن سير عملية تخطيط المنهج توافرها في الوقت المناسب.
وأهم من تنفيذ الاتصالات وغيرها من الأعمال الإدارية تخطيط الأعمال الإدارية تخطيطًا جيدًا، وإيجاد إجراءات إدارية عالية الكفاءة في تنفيذها، بحيث تتم في سهولة ويسر وفي الوقت المناسب، وتنسيق كامل بين كل من مجالاتها ومراحلها والقائمين عليها.
ومن مهام الجانب الإداري في عملية تخطيط المنهج إعداد الميزانية الخاصة بها والإشراف على إنفاقها، وهنا قد يحدث تغليب بند في الميزانية على آخر نتيجة للتحيز المهني أو الشخصي أو لنقص في الخبرة أو المعرفة، كأن يعنى بجانب الأجور والمكافآت على حساب إعداد الكتب الدراسية والمطبوعات والتجهيزات، أو يسقط بند من بنود الإنفاق مثل تعديل المباني التي قد تتطلبه عملية تخطيط المنهج، وقد يحدث أن يتم صرف الميزانية كلها في المرحل الأولى نتيجة لعدم الالتزام الدقيق بتوزيع الميزانية على فترات أو مراحل عملية التخطيط.
ومن المعوقات الشائعة لعملية التطوير تفضيل العاملين في جوانبها الإدارية على العاملين في جوانبها الفنية في منح الحوافر، أو غير ذلك، ففي كثير من الأحيان يضع الإداريون عقبات أمام المعنيين بالجوانب الفنية، إما لعدم تحديد مهماتهم الإدارية بدقة أو رغبة في السيطرة والتحكم أو إيثارا للراحة أو لنقص في الكفاءة والخبرة، ومهما كانت الأسباب فإن عدم التوازن بين تأثير الفنيين والإداريين في عملية تخطيط المناهج يؤدي إلى خلل في سيرها.
ولنوضح ما سبق، نعطي مثالا لمواقف قد يحدث فيها تفضيل الإداريين على الفنيين. ومن الأمثلة الواضحة لهذا، سرعة توافر حوافز الجهاز الإداري وتأخر حوافر أعضاء الجهاز الفني. مثال آخر، عدم توافر الأجهزة والأدوات في الوقت المناسب نظرًا لفشل الجهاز الإداري في اتخاذ الإجراءات المناسبة، أو تأخره في اتخاذها نتيجة لعدم فهمه لمراحل التخطيط وخطواته.
ومعوق خطير آخر لعملية تخطيط المنهج من النواحي الإدارية، هو أن التخطيط التربوي -ومنه تخطيط المناهج- لا يتأثر فقط بالقائمين على تنفيذه ولكنه يتأثر أيضًا -وربما أكثر- بأسلوب إدارته. ففي البلدان التي تسود فيها مركزية الإدارة تكون وزارات التربية والتعليم هي مصدر جميع السلطات الإدارية
والفنية، وهي صاحبة الأمر والنهي فيما يطبق في إدارات التعليم والمدارس، أما المواطنون فليس لهم فرصة -ذات بال- للاشتراك في التخطيط للتعليم فضلًا عن تنفيذه في المدارس. وينتج عن هذا النمط الإداري مساوئ كثيرة تؤدي -ليس فقط إلى إيجاد معوقات شتى في طريق التخطيط التربوي بعامة، وتخطيط المناهج بخاصة -ولكنها تؤدي إلى إيجاد مصادر لهذه المعوقات تنمو وتتضخم وتسري كالسرطان في مؤسسات التعليم الإدارية والفنية، وكلما تقادمت تمكنت إلى أن تصيب نظام التعليم بالعقم والوهن.
ويمكن تلخيص بعض المعوقات الناتجة عن مركزية الإدارة فيما يلي:
1-
تكبيل التعليم بالبيروقراطية التي تمكن لروتين معوق.
2-
عزل المجتمع -مؤسسات وأفرادًا- عن العملية التعليمية بعامة وعن تخطيط المناهج بخاصة، ولنا أن نتصور ما يخسره من عدم تمكينه من الارتواء من هذه المصادر الثرة.
3-
عزل المدرسة -وهي صاحبة التعليم والتنوير- عن الإسهام الفعال في التخطيط للعملية التعليمية وعن الابتكار في تنفيذها.
4-
بالتقادم، تتعود قيادات المجتمع عدم الاهتمام بالتعليم ومشكلاته، وهذا يكرس عزلة المدرسة عن المجتمع ويفقدها فرصة ثمينة للاستفادة من التواصل مع قيادات المجتمع ومؤسساته.
5-
عزل المدرسين والمديرين وغيرهم من أعضاء المجتمع المدرسي عن اتخاذ القرارات الخاصة بالمناهج؛ نظرًا لتركيزها في الإدارة التعليمية العليا وحدها.
وما نحن -في بلادنا- عن هذا ببعيدين. فما علينا إلا أن نسأل ناظر المدرسة أو مديرها، أو نسأل مدرسيها عن المناهج الجديدة حين تطبق فتأتينا الإجابة بأن الوزارة هي التي خططت، وهي التي أعدت، وهي التي.. وهي التي
…
إلخ، وإذا سألته عن دوره فيها، فإن غاية ما يفعله أن يكون قد سمع مثل غيره عن مناهج جديدة قادمة لم يستشره أحد بشأنها، ولا هو سأل عنها أحدًا؛ لأنه لم يتعود أن يسأل أو يسأل حين يتعلق الأمر بتخطيط المناهج أو تطويرها.
وكما يعرف المتابعون لحركة تخطيط المناهج، فإن تخطيط المناهج لا يأتي بجهد فرد مهما كان قدره، ولا هو آت بجهد أي مجموعة من الأفراد إلا إذا كانوا من المعنيين فعلًا بالمناهج، والمدرس أول من ينبغي أن يستشار ويسمع بآذان صاغية في أمر المناهج، وأول من ينبغي أن يشترك في اتخاذ القرارات الخاصة بها، فهو الذي يعرف دخائلها وهو الذي يتابع آثارها أولًا بأول، ثم يأتي الموجهون والمديرون على التوالي، وغيرهم ممن ذكرنا في فريق تخطيط المناهج.
على وجه العموم، فإن المؤلف يرى أن التخطيط التربوي لا يستقيم أمره ويؤتي ثماره بالإدارة المركزية؛ لأن التخطيط التربوي بعامة وتخطيط المناهج بخاصة، يهم الجميع: المدرسين، والموجهين وأولياء الأمور ومديري المؤسسات الإنتاجية والخدمية والقيادات السياسية والإعلامية والمهنية وغيرهم، فلكل هؤلاء الحق في الاشتراك فيه، فإذا حجبتهم عنه الإدارة المركزية فإنها قد عملت -بذلك- على تعويق مسيرة تخطيط مناهج جيدة.