الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أ-
الترغيب في الزواج وبيان أسس اختيار كل من الزوجين:
إن الدين الحنيف لا يغالب الدوافع الجنسية في الفرد فيكبتها ويوقع الفرد في صراع بين دوافعه الفطرية وبين قيم المجتمع، ولا يحاول تربية الفرد المسلم بحيث يستعلي على هذه الدوافع، ويدخل في عالم يحاول فيه نسيان جسده ووجدانه ودوافعه وما لها من مطالب. إن التربية الإسلامية تنظر إلى كل هذا نظرة متوازنة وتوجد لكل جانب من جوانبه العوامل المناسبة لنموه، بما يحقق أهدافها مراعية في ذلك طبيعته.
لذلك نجد الإسلام، في الحال الدافع الجنسي يربي المسلم تربية تتفق تمامًا مع طبيعة هذا الدافع، ليس فقط ليجد هذا الدافع التعبير المناسب، ولكن أيضًا لأسباب أخرى مثل حفظ النوع واستمرار البقاء وحفظ الأنساب، والمحافظة على بقاء المسلم وطهره.
وتحقيقًا لهذا يشجع المصطفى صلى الله عليه وسلم على الزواج بقوله:
"من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحسن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء". "صحيح البخاري".
ويتضح من هذا الحديث أن التربية الإسلامية تشجع على تكوين الأسرة وعلى التمسك بالعفة. وذلك بتشجيع الشباب على الزواج وترغيبهم في العفاف. كما نجد أنها تقدم حلا تعبديا لهؤلاء الذين لا يتوافر لديهم القدرة على الزواج وهو الصوم، كي يستطيع الفرد السيطرة على دوافعه دون الشعور بالكبت، فالصوم رياضة روحية، إضافة إلى أنه رياضة بدنية وتدريب للسيطرة على الدوافع والرغبات والميول.
أما بالنسبة لاختيار الزوجين، فإننا نجد التربية الإسلامية قد حرصت على حسن اختيار قطبيها -الزوج والزوجة- لما لذلك من أثر على استقرار الأسرة بعد تكوينها. فبالنسبة لاختيار الزوجة بين الله تبارك وتعالى أن الصالحات من النساء حتى لو كن فقراء هن الاختيار الأفضل في الزوجات. وذلك في قوله تعالى:{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [النور: 32] .
كما بين الرسول صلى الله عليه وسلم أسس اختيار الزوجة، وأمر باختيار ذوات الصلاح منهن.
وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: "تنكح المرأ ة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك". "متفق عليه".
كما وجه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اختيار الصالحين من الرجال أزواجًا لبناتهم، بل إنه أوضح أن المسلمين إذا لم يفعلوا هذا فإنهم سوف يحدثون بذلك فتنة في الأرض، وفسادًا كبيرًا. ذلك في قوله:"إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، وإن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض". "رواه الترمذي".
وهكذا تؤكد التربية الإسلامية أن الحياة الأسرية لا يمكن أن تقوم على المال أو الجمال أو الحسب فقط. ولكن ركنها الركين عند التخطيط لتكوين الأسرة واختيار الزوج أو الزوجة أن يكونا من ذوي الدين، فإن هذا خليق بأن يجعلهما يرعيان الله، كلا منهما في الآخر، وفي نفسه وأهله وأصحابه وماله وجميع شئونه. ومن الملاحظ أن جميع المقومات الأخرى لاختيار كل من الزوج والزوجة مثل المال والجمال والحسب قد تضعف بالتقادم أو بتغير الأحوال. أما الدين فإنه يقوى ويكون أشد أثرًا في سلوك الفرد مع دوام التمسك بالعمل به. ومن هنا، كان أثره أقوى وأدوم. كما أن كلا من الغنى
اوالفقر ليس معيارًا أساسيا في اختيار الزوج أو الزوجة؛ لأن الله وحده هو المغني.
ونلاحظ أن الله سبحانه وتعالى قد حرم زواج الأقارب تجنبا لاختلاط الأنساب وضعف النسل، ومحافظة على وئام الأهل ولأسباب يعلمها هو. قال الحق تبارك وتعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 23] .
وقد حرص الإسلام على ألا تكون تكاليف الزواج مرهقة للزوج أو الزوجة. فقد زوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة رضي الله عنها من علي بن أبي طالب، وكان الصداق درع علي الحطمية. فماذا تصنع فاطمة بالدرع؟ وأي قيمة مادية لها؟ هذا دليل على أن الزواج في الإسلام ليس سلعة يشتريها القادرون. بل هو حق مشروع يعان عليه.
ومثال آخر يوضح أن الزواج في الإسلام هدف نبيل لغاية شريفة هي تكوين الأسرة أن يزوج النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا امرأة، وكان مهرها هو تعليمه لها ما يحفظ من القرآن.