الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جـ-
بالنسبة للتطبيقات:
من السمات الأساسية التي ينبغي أن يحرص على توافرها مخططو المناهج الدراسية، بالنسبة للخبرات التي تتضمنها هذه المناهج، أن تتوافر الوظيفية في هذه الخبرات بمعنى أن يكون لها تطبيقات في حياة المتعلم، سواء في حياته الخاصة أم في الحياة العامة في مجتمعه، فإن هذا إضافة إلى أنه يسهم في فتح آفاق الحياة أمام المتعلم، فإنه يجعل هذه الخبرات ذات معنى لديه، ومن ثم ييسر له استيعابها، ويوضح له التواصل والتكامل بين ما يتعلمه في المؤسسة التربوية، وما يدور من مناشط في مؤسسات المجتمع الأخرى.
وبهذه المناسبة، فإنني أوصي إخواني -مخططي المناهج في عالمنا الإسلامي- بالعناية بتطبيقات خبرات المناهج الدراسية؛ لأنني أشعر بأنها لا تأخذ حقها من الاهتمام في مناهجنا، وبخاصة في بعض المناهج مثل الرياضيات ومناهج العلوم الشرعية، فمناهج الرياضيات في المرحلتين المتوسطة والثانوية بعامة ومناهج الجبر بخاصة تكاد تكون منقطعة الصلة بالمجتمع، وكثيرا ما يتساءل التلاميذ عن الهدف من دراستهم هذا وذاك. هذا التساؤل يمكن أن يختفي إذا ما حرص مخططو المناهج على تضمين خبرات المنهج تطبيقات في الحياة أو في العلوم الأخرى.
وبالنسبة للجبر الذي يحظى بأكبر قدر من الأسئلة فإنني أرى -على سبيل المثال- في الجبر الخطي والاحتمالات، مجالًا لمثل هذه التطبيقات كلما كان هذا ممكنًا.
أما مناهج العلوم الشرعية، فإنني أتمنى أن يحصر إخواني القائمون على تخطيطها على اختيار الخبرات المناسبة لعمر التلميذ، والمفيدة له في حياته الحاضرة. وأن ينفكوا من اختيار أبواب كاملة من كتب الفقه أو التوحيد أو الحديث، وفق ورودها في أمهات الكتب. نعم هذه الكتب نفائس ينبغي أن نتتلمذ عليها، ولكن حين نخطط المنهج ينبغي أن نختار منها يناسب عمر التلميذ، وما يفيده في حياته، وما يكون يسير الدراسة بقدر الإمكان، وأن نبسط لغة التعبير عن مضامينها بقدر المستطاع، وأن نوضح مفاهيمها بضرب الأمثال من الحياة اليومية للتلاميذ. إما أن يدرس تلميذ المرحلة الابتدائية "سلسل البول" -وبهذا التعبير نفسه- كما رأيت في مناهج المرحلة الابتدائية في إحدى البلدان الإسلامية، فإن الأمر يكون في حاجة إلى استدراك؛ لأن حالة "سلس البول" ليست من بين خبرات أطفال المرحلة الابتدائية بعامة؛ ولأن هذا التعبير فوق إدراك هؤلاء الأطفال.
إن تدريس الدين الآن بحاجة إلى إعادة نظر. فهناك معلومات تقدم للكبار فقط، تشحن بها عقول الصغار، وهناك أراء للرجال تقدم على أنها وحي معصوم أو نص ثابت. وهناك أركان للأخلاق والسلوك تراجعت لتحل محلها صور فقهية ثانوية. ص87
وليتنا نبصر طلابنا الذين يدرسون علوم الدين بحقائق الدين الرئيسية، ونتجاوز القضايا والخلافات التي خلفها الفراغ والترف في بعض الأزمنة، وبيان ما هو قطعي وما هو ظني، وما هو أصلي وما هو فرعي، وتناول المذاهب المختلفة على أنها وجهات نظر ليست معصومة من الخطأ. ص87.
أمر آخر فيما يتعلق بتطبيقات خبرات المناهج أن يعمل مخططو المناهج على أن تسهم المناهج في تربية المتعلمين تربية إسلامية. فعلى سبيل المثال، فإن توجيه المناهج إلى إلقاء الضوء على كل من المقبول والمرفوض -وفق التربية الإسلامية- توظيف للمنهج لرعاية هذه التربية، كما لا ينبغي أن تتناقض خبرات المناهج الدراسية في هذا الأمر.
وحين ننادي بتوظيف المنهج الدراسي لتحقيق التربية الإسلامية لا ننادي كما ينادي الآخرون بتربية تحقق صالح مجتمعاتهم فقط. فالتربية الإسلامية كما بينا في الفصل الثالث ربانية المصدر عالمية الغاية، ومن ثم فهي لا تعمل لصالح مجتمع معين ولكن لصالح الإنسانية كلها، وتهدف إلى إيصال الإنسان إلى الكمال الإنساني، وتحض على البر والخير في كل زمان وفي كل مكان، وليس لقرابة أو جوار أو إلف أو مصلحة شخصية؛ بل لأنه عمل طيب يرضي الله ورسوله. لذلك فإن على مخططي المناهج الدراسية أن يوجهوا مناهجهم نحو تحقيق هذه التربية على النحو الذي أجملناه في الفصل الثالث.
ومن الوظائف المهمة التي ينبغي أن يراعيها مخططو المناهج الدراسية على اختلاف مجالاتها مراعاة خصائص المتعلم التي أجملناها في الفصل السابع، فكما يتضح من هذا الفصل، فإن للمتعلم طبيعة خاصة وتكوينا خاصا. ووظيفة في الحياة وسمات نمو وقدرات واستعدادات، وغير ذلك مما ذكرنا في هذا الفصل. وبدون مراعاة هذه الخصائص في جميع خطوات تخطيط المنهج الدراسي وتطبيقه لن يفي المنهج الدراسي بوظيفته نحو المتعلم.
ومراعاة خصائص المجتمع من الوظائف المهمة -إيضًا- للمنهج الدراسي بغض النظر عن مجال خبراته. فكما بينا في الفصل الثامن، فإن للمجتمع المسلم خصائص مثل عقيدة التوحيد والشريعة والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاجتهاد والتكافل الاجتماعي، لا يمكن أن يحافظ على هويته إلا بتحقيقها، وهناك خصائص أخرى لا يمكن أن يحافظ على موقعه في ركب التقدم إلا بتحقيقها مثل: الاجتهاد والجهاد وتربية العلماء والعمل على استثمار الإمكانات المتوافرة فيه، والتضامن مع المجتمعات المسلمة الأخرى.
إختصارًا للقول فإن المجتمع المسلم لا يمكن أن يقوم على أسس سليمة دون تحقيق السمات التي ذكرنا أهمها في الفصل الثامن. لذلك فإن على مخططي المناهج الدراسية، بغض النظر عن مجالات تخصصاتها، أن يوجهوا المناهج لتحقيق هذه الخصائص وتطبيقها في المجتمع.
ومن الوظائف التي ينبغي أن يحرص مخططو المناهج على الوفاء بها، الوفاء بحاجة المناهج الدراسية الأخرى. فعلى سبيل المثال، يحتاج تلميذ الصف الثالث الثانوي عند دراسته للفيزياء والكيمياء إلى خبرات معينة في الرياضيات. وما لم يأخذ مخططو منهج الرياضيات لهذا الصف تطبيقات الرياضيات في المناهج الدراسية الأخرى في الاعتبار، فإن هذا المنهج سوف يكون منقوصًا، ويسبب هذا النقص مشكلات كثيرة للمتعلم في دراسته للفيزياء والكيمياء، على سبيل المثال.
ونسوق مثالًا آخر لوظيفة المنهج -بغض النظر عن مجال تخصصه- يتعلق باللغة العربية. فتحقيقًا لمبدأ تكامل المناهج الدراسية لمختلف مجالات الدراسة مع منهج اللغة العربية، ينبغي أن تراعي مناهج المجالات الأخرى تطبيق اللغة العربية من حيث الضبط النحوي وسلامة التراكيب وغيرها. لذلك، فإنه تصبح المحافظة على الضبط النحوي، وسلامة التراكيب وغيرها عند صياغة خبرات جميع المناهج في هذا الصف مسئولية مخططي مناهجها وفاء لحاجة المتعلم إلى اللغة العربية.
وهناك وظيفة أخرى تتخطى حدود البيئة المحلية والمجتمع المحلي، ولكن في ظل العولمة التي تزحف على حياتنا اليومية، وفي ظل أهمية الاقتصاد في حياة الأمم يصبح لوظيفة المناهج الدراسية امتداد أبعد من البيئة والمجتمع المحليين.
فالبيئة المحلية والمجتمع المحلي لهما مطالب من المناهج الدراسية، لا شك واجبة الوفاء. ففي بلد مثل مصر يتوقع أن تسد المناهج الدراسية حاجتها، من المختصين في استصلاح الأراضي الصحراوية واستزراعها سدا لحاجة المجتمع إلى التوسع في زراعة القمح والخروج من الشريط الزراعي الضيق حول النيل، كما أنها في حاجة إلى شباب مؤهل للاستثمار في المشروعات الصغيرة خروجًا من مصيدة البطالة. ونضرب مثلًا آخر، للوفاء بحاجة المجتمع المحلي من البلدان الخليج، فقد أنشأت هذه البلدان في وقت الطفرة الاقتصادية بنية أساسية رائعة. وتتوقع هذه البلدان من المناهج الدراسية أن تعد الخبرات القادرة على صياغة هذه البنية وتطويرها حلا لمشكلة الاعتماد على القوى العاملة الأجنبية، وبخاصة غير المسلمة.
أما بالنسبة للعولمة وأهمية التنمية الاقتصادية، فإن العولمة تفرض أن يعنى المنهج الدراسي بهذا الاتجاه وما يتمخض عنه من آثار كلما كان هذا ممكنًا. وإضافة إلى ما سبق ذكره فإن التنمية الاقتصادية أصبحت تمتد إلى خارج حدود المجتمع المحلي، في كثير من الأحيان فمثلًا، مصر عندها عمالة فائضة عن حاجتها، الأمر الذي يضع على كاهل المناهج الدراسية إعدادها لسد حادة البلدان التي تحتاج إلى عمالة مثل أوربا وأفريقيا وبلدان الخليج وغيرها من البلدان. ولا يمكن الوفاء بهذا إلا عن طريق تخطيط مناهج دراسية تحققه.