المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌خامسا: تتوافق فيه حقائق الكون مع حقائق الوحي - الاتجاهات الحديثة في تخطيط المناهج الدراسية في ضوء التوجيهات الإسلامية

[محمود أحمد شوق]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌الفهرس العام:

- ‌الباب الأول: مفهوم تخطيط المناهج الدراسية وأهم مجالاته المتعلقة بها

- ‌مقدمة الباب الأول:

- ‌الفصل الأول: مفهوم تخطيط المناهج الدراسية

- ‌مقدمة الفصل الأول

- ‌أولًا: مفهوم التخطيط، على وجه العموم

- ‌ثانيًا: مفهوم التخطيط للتدريس وأهميته بالنسبة للمعلمين

- ‌ثالثًا: مفهوم تخطيط المنهج الدراسي

- ‌خاتمة الفصل الأول:

- ‌أهم مصادر الفصل الأول

- ‌الفصل الثاني: أهم مجالات التخطيط المتعلقة بالمناهج الدراسية

- ‌مقدمة الفصل الثاني

- ‌أولًا: التخطيط للتربية الميدانية

- ‌ثانيًا: التخطيط لبداية ناجحة في التدريس

- ‌ثالثًا: التخطيط للتدريس فصلًا دراسيا أو عاما دراسيا

- ‌رابعًا: التخطيط لتدريس موضوع أو وحدة

- ‌خامسًا: التخطيط للعمل اليومي

- ‌سادسًا: التخطيط لتدريس الدرس

- ‌سابعًا: التخطيط لاستثمار الفروق الفردية بين المتعلمين

- ‌خاتمة الفصل الثاني:

- ‌أهم مصادر الفصل الثاني:

- ‌خاتمة الباب الأول:

- ‌الباب الثاني: الأسس العامة لتخطيط المنهج الدراسي

- ‌مقدمة الباب الثاني:

- ‌الفصل الثالث: أهم خصائص التربية الإسلامية

- ‌مقدمة الفصل الثالث

- ‌أولًا: التربية الإسلامية ربانية المصدر، عالمية الغاية، شاملة الأثر

- ‌ثانيا: ثاتبة أصولها، مرنة تطبيقاتها

- ‌ثالثا: تعد التربية الإسلامية الإنسان للحياتين، الدنيا والآخرة في توازن واعتدال

- ‌رابعًا: حث المسلم على العمل بقدر طاقته

- ‌خاتمة الفصل الثالث:

- ‌أهم مصادر الفصل الثالث:

- ‌الفصل الرابع: أهم خصائص العلم وفق التوجيه الإسلامي

- ‌مقدمة الفصل الرابع:

- ‌أولًا: طلب العلم فريضة على كل مسلم

- ‌ثانيًا: العلم كله من عند الله، ولا ينفد

- ‌ثالثا: غاية العلم هي تطبيق منهج الله في الحياة

- ‌رابعًا: العلم يحيط بجميع متطلبات الحياة وفق منهج الله

- ‌خامسًا: تتوافق فيه حقائق الكون مع حقائق الوحي

- ‌سادسًا: العلم يرفع قدر طلابه عند الله

- ‌خاتمة الفصل الرابع:

- ‌أهم مصادر الفصل الرابع:

- ‌الفصل الخامس: التوجيه الإسلامي للعلوم

- ‌مقدمة الفصل الخامس

- ‌أولًا: دوافع التأصيل الإسلامي للعلوم

- ‌ثانيًا: المفهوم والمصطلح

- ‌ثالثًا: أسس التوجيه الإسلامي للعلوم ومنهجه

- ‌خاتمة الفصل الخامس:

- ‌أهم مصادر الفصل الخامس:

- ‌الفصل السادس: أهم الاتجاهات التربوية المعاصرة

- ‌مقدمة الفصل السادس:

- ‌أولًا: أهم ملامح التطورات العالمية المعاصرة

- ‌ثانيا: أهم الاتجاهات التربوية المعاصرة

- ‌مدخل

- ‌ أهم الاتجاهات المعاصرة في سياسة التعليم:

- ‌ أهم الاتجاهات المعاصرة في تربية المعلم *:

- ‌أهم الاتجاهات المعاصرة في المناهج الدراسية

- ‌خاتمة الفصل السادس:

- ‌أهم مصادر الفصل السادس:

- ‌خاتمة الباب الثاني:

- ‌الباب الثالث: مصادر خبرات المنهج الدراسي

- ‌مقدمة الباب الثالث:

- ‌الفصل السابع: أهم خصائص المتعلم

- ‌مقدمة الفصل السابع

- ‌أولًا: أهم جوانب طبيعة المتعلم

- ‌ثانيًا: أهم جوانب شخصية المتعلم

- ‌ثالثًا: وظيفة المتعلم

- ‌رابعا: أهم خصائص نمو المتعلم

- ‌مدخل

- ‌ مرحلة التكوين:

- ‌ مرحلة الرضاعة

- ‌ مرحلة الطفولة:

- ‌ مرحلة التمييز:

- ‌ مرحلة البلوغ أو الرشد:

- ‌مرحلة الشباب:

- ‌خاتمة الفصل السابع:

- ‌أهم مصادر الفصل السابع:

- ‌الفصل الثامن: أهم خصائص المجتمع المسلم

- ‌مقدمة الفصل الثامن:

- ‌أولًا: ترسيخ عقيدة التوحيد

- ‌ثانيًا: الحكم بما أنزل الله والأخذ بالشورى والالتزام بالعدل

- ‌ثالثًا: الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌رابعا: تكوين الأسرة المسلمة

- ‌مدخل

- ‌ الترغيب في الزواج وبيان أسس اختيار كل من الزوجين:

- ‌ بيان حقوق كل من الزوجين ووقايتهما من الغواية:

- ‌ بيان حقوق الوالدين:

- ‌بيان حقوق الأولاد والحرص على تربيتهم

- ‌ وضع أسس لوقاية الأسرة من التفكك أو الانحراف:

- ‌خامسا: تحقيق كل من التضامن الإسلامي والتكافل الاجتماعي بين المسلمين

- ‌إرساء أسس المحبة وصولا إلى التضامن والتعاون

- ‌ التكافل الاجتماعي:

- ‌سادسًا: متابعة الاجتهاد

- ‌سابعًا: بث روح الجهاد في سبيل الله

- ‌ثامنا: حسن استثمار المصادر البشرية والطبيعية بالمجتمع والعمل على الارتقاء بالحياة فيه

- ‌خاتمة الفصل الثامن:

- ‌أهم مصادر الفصل الثامن:

- ‌الفصل التاسع: أهم خصائص المجال الدراسي والثقافة والعلمية والتقنية

- ‌مقدمة الفصل التاسع

- ‌أولا: المجال الدراسي

- ‌مدخل

- ‌ بالنسبة للأساسيات والتسلسل:

- ‌ بالنسبة للتطورات المعاصرة في المجال

- ‌ بالنسبة للتطبيقات:

- ‌ بالنسبة للتوجيه الإسلامي للمجال الدراسي

- ‌ بالنسبة لإسهامات العلماء المسلمين في المجال الدراسي:

- ‌ثانيًا: الثقافة العلمية والتقنية

- ‌خاتمة الفصل التاسع:

- ‌أهم مصادر الفصل التاسع:

- ‌خاتمة الباب الثالث:

- ‌الباب الرابع: أهم خطوات تخطيط المنهج الدراسى ومعوقاته

- ‌مقدمة الباب الرابع

- ‌الفصل العاشر: أهم خطوات إعداد المنهج الدراسي

- ‌مقدمة الفصل العاشر

- ‌أولا: الإعداد للمهمة

- ‌ثانيًا: أهم أسس إعداد أهداف المنهج الدراسي

- ‌ثالثا: أهم أسس إعداد محتوى المنهج الدراسي

- ‌أهم أسس اختيار خبرات المنهج الدراسي

- ‌أهم أسس تنظيم خبرات المنهج الدراسي

- ‌رابعًا: أهم أسس إعداد طرائق التدريس *

- ‌خامسًا: أهم أسس الإعداد لاستخدام وسائل تقانة التعليم *

- ‌سادسًا: أهم أسس إعداد المناشط المدرسية *

- ‌سابعًا: أهم أسس الإعداد لتقويم مخرجات المنهج الدراسي

- ‌ثامنًا: تقويم المنهج الدراسي الذي تم إعداده

- ‌خاتمة الفصل العاشر:

- ‌أهم مصادر الفصل العاشر:

- ‌الفصل الحادي عشر: أهم خطوات تطبيق المنهج الدراسي الجديد

- ‌مقدمة الفصل الخادي عشر

- ‌أولًا: التخطيط للتطبيق الميداني

- ‌ثانيًا: إعداد متطلبات التطبيق

- ‌ثالثًا: تدريب المشاركين في تطبيق المنهج الجديد

- ‌رابعًا: بث الشعور بالحاجة إلى منهج جديد، والتوعية بمتطلباته ومشكلاته

- ‌خامسا: تجريب المنهج الجديد

- ‌سادسًا: تعميم المنهج الجديد ومتابعته بالتقويم والتطوير

- ‌خاتمة الفصل الحادي عشر:

- ‌أهم مصادر الفصل الحادي عشر:

- ‌الفصل الثاني عشر: أهم معوقات تخطيط المنهج الدراسي

- ‌مقدمة الفصل الثاني عشر

- ‌أولًا: معوقات خاصة بطبيعة التخطيط التربوي

- ‌ثانيًا: معوقات خاصة بالجوانب الفنية لعملية تخطيط المناهج

- ‌ثالثًا: معوقات خاصة بالقائمين بعملية تخطيط المنهج الدراسي

- ‌رابعًا: معوقات إدارية

- ‌خامسًا: معوقات اجتماعية

- ‌سادسًا: معوقات سياسية

- ‌سابعًا: معوقات خاصة بالظروف الطارئة، وعدم اتخاذ القرار في الوقت المناسب

- ‌ثامنًا: القصور في الاعتمادات المالية

- ‌خاتمة الفصل الثاني عشر:

- ‌أهم مصادر الفصل الثاني عشر:

- ‌خاتمة الباب الرابع:

الفصل: ‌خامسا: تتوافق فيه حقائق الكون مع حقائق الوحي

‌خامسًا: تتوافق فيه حقائق الكون مع حقائق الوحي

إن حقائق الوحي لا يمكن أن تتعارض مع حقائق الكون التي ينتهي إليها العقل البشري؛ لأنها ربانية المصدر، وهي بذلك تؤسس على علم الله بخلقه وإحاطته بأسراره علما يقينيا وإحاطة جامعة مانعة.

والعقل البشري حين يصل -بتوفيق الله- إلى حقيقة من حقائق الكون فإنها بالضرورة تنسجم مع حقائق علوم الوحي؛ وذلك لأنه لا تعارض على الإطلاق -في الإسلام- بين الحقيقة العلمية واليقينية والحقائق الموحى بها، وإذا ما حدث تعارض فإنه لا بد من أن يكون هناك خطأ في أحد أمرين:

الأول: هو اعتبارنا لشيء ما حقيقة موحى بها وهي ليست كذلك. بمعنى أننا اعتبرنا أمرا ورد في القرآن -مثلًا- حقيقة قرآنية" وفق تفسيرنا نحن للقرآن وفهمنا لنصوصه فهما مغلوطًا. وهذا خطأ بين، إذ إن تفسير المفسر ليس حقيقة دينية ولا قرآنية.

ويعطي فضيلة الشيخ الشعراوي لهذا مثلًا موضحًا في كتابه القيم "هذا هو الإسلام" بالتعارض الذي ظهر في وقت ما بين القول بأن الأرض مبسوطة باعتبار أن هذه حقيقة قرآنية، في حين أن العلم يقول بكرويتها.

يقول فضيلته "2، 28": يوجد من يقول: إن القرآن يقول إن الأرض مبسوطة. ولذلك لما جاءت الحقيقة العلمية الكونية تقول إن الأرض كرة، بدأت تحدث فجوة بين ما تقوله الحقائق الكونية وما يقوله القرآن وفق فهم هؤلاء. فالتصادم -هنا- جاء من اعتبار حقيقة ما دينية وهي ليست كذلك. ويستشهد صاحب رأي بسطة الأرض بقول الحق تبارك وتعالى:{وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ} [الحجر: 19] .

لكن هل {مَدَدْنَاهَا} هنا تعني بسطناها؟ الخطأ -هنا- عام لناس. فهل هي أرضي أنا أم أرضك أنت؟ أي أرض؟ ويوضح فضيلته: إذن ما دامت على إطلاقها، كان يجب أنك حين تصل إلى أي مكان في الأرض يجب أن تتحقق كلمة {مَدَدْنَاهَا} . وما دامت كلمة مددناها ما زالت تتحقق في أي بقعة من الأرض. فإن هذا لا يتحقق إذا كانت الأرض مربعة أو مثلثة، أو مستطيلة أو أي شكل مسطح؛ لأنك سوف تنتهي إلى حافتها، مهما كان شكلها المسطح، ومهما كان اتساع هذا السطح المستوي، فلابد أنك -إذن- واصل إلى حافته، وهناك تجدها

ص: 146

منتهية ولا تجد الأرض ممدوة، بل محدودة، وهذا يتعارض مع قوله تعالى:{مَدَدْنَاهَا} .

ويستنتج فضيلته من هذا الإيضاح: ولكن إذا كانت الأرض كرة، فإنك حيث كنت ستجدها ممدوة حولك في جميع الاتجاهات: أمامك وخلفك وعن يمين وشمال، ومهما انتقلت من مكان إلى مكان فإنك واجدها ممدودة ولن تجد لها نهاية محدودة أبدًا "2، 29".

وكما شرح فضيلة الشيخ الشعراوي فإن الخطأ هنا جاء من اعتبار بسطة الأرض حقيقة من حقائق الوحي وهي ليست كذلك، بل إنها التفسير البشري لحقيقة الوحي، وأما حقيقة الوحي فهي أن الله سبحانه وتعالى قال:{وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا} [الحجر: 19] .

أما تفسير {مَدَدْنَاهَا} بمعنى بسطناها فهذا أمر بشري يحتمل فيه الصواب كما يحتمل فيه الخطأ، وقد كان التفسير هنا خطأ، الأمر الذي تسبب في ظهور تصادم بين الحقيقة الكونية وهي "كروية الأرض" مع ما اعتبر خطأ "حقيقة قرآنية" وهو انبساطها أو تسطحها أو استواؤها.

وهذا ينبهنا إلى أمر مهم بالنسبة لتفسيرنا لآيات القرآن الكريم. وهو أنه لا ينبغي أن ننسى أن تفسيرنا لحقائق الوحي المتعلقة بالكون، تكون -بالضرورة- محدودة بعلم المفسر بمراد التعبير الإلهي القرآني عن الحقيقة الكونية، وهذا مرتبط بمدى علمه بالحقائق الكونية من خلال الدراسات العلمية، والقدرة على التمييز بين اليقينية منها وغير اليقينية. فإذا كان علمه قاصرًا عن الوصول إلى الحقيقة الكونية فإن ثمة تصادمًا سوف يحدث بين هذه الحقيقة وتفسيره للحقيقة الدينية أو القرآنية المتعلقة به، وليس بالحقيقة الدينية أو القرآنية ذاتها.

ويؤيد فضيلة الشيخ الشعراوي هذا بقوله "2، 29":

ولذلك لم يفسر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن؛ لأنه لو فسره لكان يجب أن يفسره بما تطيقه عقول معاصريه، ولو فسره بالأشياء التي توجد في القرن العشرين أو الثلاثين أو الأربعين لعجب معاصروه ولاستعظموه أيما استعظام.

ولو أنه صلى الله عليه وسلم فسره على قدر عقول معاصريه ومعلوماتهم الكونية لحجر علينا، ولجمد القرآن؛ لأن من يتصدر لتفسير القرآن بعد ذلك سيواجه بأن الرسول قد فسره كذا، وعليه ألا يزيد عن ذلك أو ينقص. لذلك فرسول الله صلى الله عليه وسلم ترك تفسير القرآن حتى تأخذ كل مرحلة فكرية من لمحات القرآن بقدر ما تستطيع ذلك في أمور الكونيات، أما المطلوب من الأحكام فقد بينها صلوات الله عليه وأوضحها للناس.

ص: 147

ويمس الشيخ الشعراوي كبد الحقيقة حين يوجه إلى سر صلاح القرآن في كل زمان ومكان حين قال: إذا كنا نريد أن نفهم القرآن مرة واحدة، نكون قد حددنا كمالات الله في كلامه، والقرآن للزمن كله وللدنيا كلها

ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أول منفعل به "بالقرآن": "لا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، ولا يشبع منه العلماء".

والواقع يؤيد هذا، فكلما بالغ الناس في الإلحاد، أظهر الله سرا من أسرار كتابه الكريم، يلفتنا به إلى أن هذا الكتاب ليس من عند البشر، وأن هذا الكتاب من عند الله الذي يعلم نهاية العالم كيف ستكون، القائل:

{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: 53] .

أما الأمر الثاني الذي يظهر تصادمًا بين الحقيقة الموحى بها والحقيقة الكونية، فيأتي من تسمية رأي علمي حقيقة كونية، فهذا يجعل الحقيقة الكونية وكأنها في تصادم مع الحقيقة الموحى بها، ولا شك أن من يقع في شراك هذا التصادم غير الواقعي، يكون غافلًا عن طبيعة البحث العلمي بل عن طبيعة العلم ذاته. فكم من كشف علمي نسخ كشفًا سابقًا عليه، وكم من نظرية علمية أثبتت خطأ غيرها، وبخاصة فيما يتعلق بالعلوم الإنسانية، ومن البداهة هنا أن من يقع في هذا الشرك لا يكون مؤمنا بأن القرآن منزل من عند الله؛ لأنه لو كان مؤمنا بأن القرآن كتاب الله، ما داخله أدنى شك بأن ما سمي بالحقيقة العلمية ليست "حقيقة كونية" لمجرد تعارضها مع حقيقة قرآنية؛ لقوله تعالى:{ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] .

وقوله تعالى: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: 42] .

وقوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38] .

ويعطي فضيلة الشيخ الشعراوي مثالًا لاعتبار شيء ما حقيقة كونية على اعتبار أنها حقيقة علمية بالنظرية التي قال بها دارون من أن الإنسان أصله قرد، مع أن القرآن يقضي بأن كل شي خلق خلقًا مستقلا، بدليل قوله تعالى:{وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الذاريات: 49] .

ص: 148

وقوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا} [يس: 36] .

وفي هذا بين بأنه لا ارتقاء لعنصر من الأحياء الذين خلقهم من عنصر آخر، فلا ارتقاء للنبات من الجماد، ولا الحيوان من النبات، ولا الإنسان من الحيوان، بل كل عنصر من الأحياء خلق مستقلا عن الآخر.

ويبين الحق تبارك وتعالى أن الإنسان خلق من تراب في قوله سبحانه: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا} [فاطر: 11] .

{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ} [غافر: 67] .

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} [المؤمنون: 12] .

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ} [الحجر: 26] .

من الآيات السابقة نقف على حقيقة خلق الإنسان، ومن ناحية أخرى نجد من يعتبر أن ارتقاء الإنسان من سلالة القرد حقيقة كونية، نعيد هنا ما سبق أن بيناه بأن الإيمان يحسم الأمر هنا بيقين من أن الإنسان خلق وفق ما جاء في كتاب الله عز وجل. وهذا أمر قطعي غير قابل للمناقشة أو الأخذ والرد في أنه حقيقة، ولكن المناقشة هنا هدفها هو بيان الأسباب التي يمكن أن تجعل الحقائق الكونية تبدو في تعارض مع حقيقة من حقائق الوحي.

وكما يقول فضيلة الشيخ الشعراوي: "2، 30-31":

نحن لا نستطيع أن نحكم الحكم اليقيني العلمي إلا على أمر تجريبي، أما ما وراء ذلك فينبغي أن نأخذه عمن يعلمه، فإذا نظرنا إلى قوله الله تبارك وتعالى أنه خلق الإنسان من تراب مرة، ومن طين مرة، ومن حمأ مسنون مرة، ومن صلصال كالفخار مرة، وبعد ذلك نفخ فيه الروح، نجد أننا لم نشاهد هذا كله، ومن ثم لا نستطيع أن نحكم كيف خلقنا، بل نؤمن بكيفية خلقنا بناء على ما بينه لنا الخالق، ولكننا نستطيع أن نستقرئ حقائق الكون والوجود فنجد صدق الله في غيب أخبرنا به بدليل يقيني مشاهد لنا. فانظر -مثلًا- إلى الحياة، تجد نقيضها الموت، وانظر إلى الخلق تجد نقيضه العدم. فالقضية الأساسية التي نقيس عليها هنا كل شيء على عكس بنائه. فالموت أمر مشهدي محس لنا، والموت يعني مفارقة الروح الجسد وهي آخر ما دخل فيه في أثناء خلقه. وبعد ذلك يتيبس جسمه وهذه مرحلة الصلصالية، أي: الطين المتعفن المتغير الرائحة. بعد ذلك يصير ترابًا، أي: يعود إلى سيرته الأولى. وهذا يبين أن مرحلة الفناء تسير في خط عكسي لمرحلة الخلق، فتبينها

ص: 149

مع أنها من أمور الغيب التي نسلم بها إيمانًا بما أنزله الله علينا في القرآن الكريم.

وأما ما بدا على أنه تناقض بين حقائق الكون، على اعتبار أن الإنسان أصله قرد وما جاء في القرآن من أن الإنسان خلق من تراب "فيرجع إلى تسمية استنتاجات بشرية قائمة على غير أساس علمي سليم بأنها" حقيقة كونية". وعلى ذلك يجب أن نفهم القضية الأساسية، وهي أن الحقائق الكونية التي يصل إليها العلماء بيقين علمي، لا تتعارض بحال مع الحقائق الدينية أو القرآنية "حقائق الوحي".

ونستطيع أن نضع القضية بصورة أخرى. وذلك بأن العلم في الإسلام مصدره كتابان لا ثالث لهما: الأول هو كتاب الله المسطور. وهو كلام الله الذي أوحى به سبحانه وتعالى إلى نبية محمد صلى الله عليه وسلم سطر في القرآن والسنة الموحى بها، وقد اقتضت الحكمة الإلهية أن يتضمن هذا الكتاب أمورًا غيبها الله عن عبادة غيبا مطلقًا مثل: حساب القبر: والأجل، ويوم القيامة:

أما المصدر الآخر: فهو كتاب الله المنظور، وهو الكون المشهود الذي خلقه الله سبحانه وتعالى وأودع ما أودع من أسرار غيبها عن عباده إلى أن تقتضي حكمته أن يكتشفوها.

وكما سبق أن ذكرنا؛ الله وحده مصدر العلم كله: المسطور منه والمنظور.

ومن ثم لا يمكن أن يودع في أي من الكتابين ما يتعارض مع ما أودعه في الكتاب الآخر. وهذه قضية إيمانية تعود إلى إيماننا بأن الله سبحانه وتعالى وحده خالق كل شيء، وأنه وحده عالم الغيب والشهادة، وأنه وحده يعلم السر وأخفى. وإذا ما بدا لنا تعارض بين حقيقة كونية مع حقيقة من حقائق "الوحي" فإن هذا يرجع كما سبق أن ذكرنا إلى أحد أمرين: إما أننا اعتبرنا حقيقة ما حقيقة كونية وهي ليست كذلك، وإما أننا فسرنا حقيقة من حقائق الوحي تفسيرًا خاطئا؛ نظرا لأن معلوماتنا عن الكون لم تصل إلى مراد الله من هذه الحقيقة.

ص: 150