الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقدم عمليتي الجمع والطرح في الحساب -على سبيل المثال- فإن المنهج يقدم للمتعلمين مفهوم كل من هاتين العمليتين، وكيفية إجراء كل منهما وتطبيقاتهما عند علماء المسلمين، وإذا كان مجال خبرات المنهج هو الفلك، فعلى المنهج الدراسي أن يقدم إسهامات العلماء المسلمين فيما يدرسه المتعلمون في الفلك. وبذلك يطلع أبناء الأمة على إنجازات أجدادهم في حضارة الإنسان.
ويرى المؤلف إضافة إلى تقديم إسهامات العلماء المسلمين في كل مجال دراسي عن طريق خبرات هذا المجال، أن يخصص مقرر مستقل في منهج المؤسسة التربوية يعطي فكرة شاملة عن هذه الإسهامات.
ويرى المؤلف أن أهمية عناية مخططي المناهج الدراسية بتقديم إسهامات العلماء المسلمين في المناهج الدراسية ترجع إلى ما يلى، على وجه الخصوص:
1-
الإسهام في تكوين شعور الاعتزاز بالأمة الإسلامية لدى المتعلمين، وحفزهم على النهوض بها وإعادتها إلى سابق مجدها.
2-
تثقيف أبناء الأمة بالنسبة لتطور الفكر في مختلف مجالات الدراسة.
3-
إتاحة فرص للترويح عن المتعلمين من خلال تقديم هذه الإسهامات وتذوقها من قبل المتعلمين.
4-
الوقوف على إسهامات الحضارة الإسلامية في حضارة الإنسان.
ثانيًا: الثقافة العلمية والتقنية
في هذا الجزء من الفصل سوف يعالج المؤلف التقدم العلمي والتقني، من حيث كونهما مصدرًا من مصارد المنهج الدراسي. ولعل القارئ يتساءل ما إذا كان المقصود هنا أن هذا المصدر يخص مجالات العلوم الطبيعية فقط أم العلوم الطبيعية والتطبيية أم أنه يخص العلوم الإنسانية أيضًا. وإجابة هذا السؤال -من وجهة نظر المؤلف-ذات ثلاث شعب: الشعبة الأولى أن المستحدث في المجال وما يتصل به من تقانة ينبغي أن يكون له نصيب مفروض في المنهج الدراسي، كما سبق أن بينا، والشعبة الثانية أن تقانة تعليم المجال هي أيضًا جزء لا يتجزأ من المنهج، أما الشعبة الثالثة فهي الثقافة التقنية التي لا غنى لكل فرد عنها، ليتفهم حركة الحياة ولغتها اللتين تتغيران بتغيرالتقدم العلمي والتقني في العالم. هذه الثقافة تجنب المتعلم الدخول في زمرة المنتمين إلى الأمية العلمية التقنية.
ويلاحظ أن كثرة الحديث عن التقدم العلمي والتقني وأثرهما على الحياة، أصبح قولًا مكرورًا، ومن ثم لم يعد يشد الانتباه عند البعض. هذا رغم أن آثاره مشهودة وفعاليته في تقدم الأمم غير منكورة. لذلك، قد يكون مفيدًا أن يقدم المؤلف للقارئ ما اطلع عليه عن تقانة التبريد. وهذا رغم أنه مجرد مثال عن تأثير التقانة فإنه مثال مبين. يقول كاتب المقال بعنوان:"رحلة البحث عن الأبدية في الخلايا": عندما عرض المتطوع الطيار الشاب مكورماك McCormac نفسه للتجربة السرية، في قسم التبريد والمعالجة الطويلة الأمد بأحد المختبرات العسكرية الأمريكية، تحت العزل المطبق عام 1939م عشية نشوب الحرب العالمية الثانية، على أن يدوم الاختبار لمدة سنة واحدة فقط، لم يخطر في بال ذلك الطيار، أنه سينام في التابوت المبرد حتى عام 1992م، في غيبوبة رهيبة لفترة تزيد عن نصف قرن. وعندما استيقظ الشاب المنسي في قاعة مهملة من مستودعات الجيش الأمريكي، من تابوت اختبار التبريد المديد، انتفض جسد الشاب يرتعش من البرد القطبي الذي كان غاطسًا فيه، ليرى العالم قد تغير، فأصبح جديدًا، ونشأة مستأنفة، وعالمًا مستحدثًا "5، 24".
ولكن المفاجأة في هذه التجربة أنها لم تختصر له الزمن، ففي خلال فترة قصيرة، بعد نهوضه من مرقده، بدأت تهو d خلاياه من جديد وباتجاه متسارع رهيب، لتعوض كل السنوات بسرعة أيام وساعات، فهو الذي ولد عام 1907م ونهض في عام 1992م بعد ثلاث وخمسين سنة، من المفروض أن تتسارع خلاياه بسرعة لتلحق بالشيخوخة، حتى يصبح في فترة قصيرة لا تتجاوز العام الواحد شيخًا عجوزًا في الخامسة والثمانين، يجر أقدامه المتعبة من طول الأيام وكر السنين، وهكذا فالتبريد لم يجدد الخلايا، ولم يحافظ عليها في وضع الشباب إلا لشهور معدودة، وكل ما فعله التبريد أنه أوقف التسارع، فلما استيقظ الرجل من نومة أهل الكهف، هرعت الخلايا عائدة إلى ذاكرتها المخدرة، لتعوض الوقت الطويل الذي مر، والتخلف الذي عاشت فيه، فإذا به في فترة قصيرة وقد تيبست مفاصله، وتراجعت حيويته، واشتعل رأسه شيبًا، وتجعد جلده، وتغضنت قسمات وجهه، وبدأ ظهره في التقوس، حتى خلاياه أظهرت وضعًا حير الأطباء، فشكله كان شبابًا ولكن صبغة الدم كان تشير إلى مرض البرغريا Progeria ففي هذا المرض تصاب الخلايا بالتسارع "5، 25".
ويذكر كاتب هذا المقال، أن القارورة الواحدة "من الخلايا الحية" يمكن أن تبقى محفوظة بنصف حياة في درجة الحرارة هذه مائة قرن بالتمام والكمال، فإذا كشف الغطاء بعد عشرة آلاف سنة كان حوالي نصفها ما زال على قيد الحياة، ويمكن أن يتابع مسيرة الحياة مرة أخرى بكل عنفوان "5، 29".
ويضيف: إن البكتريا التي تصدرها هذه المؤسسات "مؤسسة تكثير الخلايا" بعد تكثيرها يمكنها إبادة الجنس البشري؛ لأن السلاح البيولوجي يعد أخطر من السلاح النووي بما لا يقارن، فكلتة خمسة عشر طنا من السلاح البيولوجي كافية لإبادة الجنس البشري "5، 28".
ويود المؤلف أن يوجه نظر القارئ أن تقنية التبريد التي نتحدث عنها هنا، هي تقنية عام 1939م، وهي التقنية ذاتها التي تطورت اليوم فمكنت الأطباء من إجراء عمليات القلب المفتوح بصورة مأمونة بعد تبريده تبريدًا سريعًا، هذا ما كشف عنه لغير حائزي هذه التقنية. وقد يكون عند حائزيها -بل بالضروة- أن يكون عند حائزيها الكثير مما لم يكشفوا عنه للآخرين.
واليوم نادرًا ما نقرأ صحيفة يومية دون أن نجد فيها أخبارًا عن كشف علمي جديد أو تطبيق تقني حديث، أما المجلات المتخصصة فقد ضاقت صفحاتها على كثرتها عن متابعة الكشوف العلمية التي تتدفق كل يوم من مراكز البحث العلمي، والتطبيقات التقنية التي تنهمر بصورة أذهبت العقول وحيرت الأفئدة. ولا يزال السيل الجارف مستمرا.
أما قضية البث المباشر فقد أصبحت قضية عالمية، كما أصحب من العسير أن ترى بيتا من وسط الأكواخ لا يعلوه ذلك العمود الممتد كأنه يد تترصد الصور من الأجواء. وحين تنتشر الأقمار الصناعية على مدى أوسع، ويتطور الإنتاج في عالم الإلكترونيات بشكل أكبر، سوف يصبح في متناول الناس في كل بقاع الأرض المشاركة في الرؤية والاستماع إلى البرامج عبر العالم كله. وحيئنذ لن تجدي أية رقابة. وهنا يتضح جلاء أن نجاة أمتنا رهن بصحوة ذاتيتها. وانطلاقها الذاتي، وتمسكها بقيمها النبيلة وهويتها الأصلية.
هذه مقتطفات بسيطة عن المشهود لنا من التقدم العلمي والتقني على ساحة الحياة، فما بالنا بما هو آت، وقد أطلت علينا بشائره. فإلى أين تسير بنا البحوث العلمية والتقنية في مجال الهندسة الوراثية، والحزم الضوئية ونقل الأعضاء، والتحكم عن بعد، والتجسس من خلال الأقمار الصناعية، وطفرة المعلوماتية وغيرها.
وإذا فكرنا في التطور التقني في المنظور المستقبلي القريب، نقرأ ما يلي: ستكون أجهزة الحاسوب المستقبلية بحجم مفكرة الجيب، وتتيح لك قراءة البريد الإلكتروني وإرساله. واستقبال الفاكسات وإرسالها، وتخزين النقود، ومراجعة أرصدتك لدى البنوك، والحصول على أية معلومات أو بيانات أو مواد إعلامية أو ثقافية أو تعليمية.
أما عن شبكة هذه الحواسيب فيذكر، وبدلًا من الهرولة نحو المكتبة للحصول على المراجع ومصادر المعلومات المطلوبة لإعداد التقرير، تلجأ إلى جهاز الحاسوب القابع أمامك فترسل الفاكسات والبريد الإلكتروني إلى جميع الأشخاص للاستشارة والإجابة عن أسئلتك واستفساراتك. كما تستطيع من خلال جهاز الحاسوب الشخصي هذا أن تتجول في أرجاء مكتبة الكونجرس وغيرها من المكتبات العالمية، ويمكنك الإفادة من المعلومات والبيانات التي توفرها مراكز البحوث والدراسات. وبذلك تتوافر لديك المواد اللازمة لإعداد التقرير المطلوب. كما يمكنك القيام بدراسة استطلاعية على عينة من مشتركي شبكة "إنترنيت" للحكم على قابلية تنفيذ التصور المطروح في التقرير الذي قمت بإعداده.
من الأمثلة السابقة يتضح أن عالم المستقبل سيكون فيه التفوق الحضاري لهذه المجتمعات التي تستطيع توظيف العلم والتقانة التوظيف الأمثل.
التقدم العلمي والتقني -إذن- أصبح لا يتوقف على استيعاب ما تجمع من معرفة عبر الزمن أو لدى الآخرين، ولكنه يعتمد - في المقام الأول- على امتلاك ناصية أدوات المعرفة. فما يشهده العالم اليوم -على ضخامته- إن هو إلا مقدمات لموجات عارمة من العلوم والمعارف التي يدخل بها العالم آفاقا مجهولة، الأمر الذي يمكن أن يعرض حياة الإنسان وبيئته إلى مخاطر غير مرئية "4، 33-34".
ومهما تكن وجهة النظر التي نأخذ بها بالنسبة للنمط العام للمنهج، ومهما تكن وجهة نظرنا بالنسبة للمحتوى، فالمعترف به هو أن هناك الكثير ليتعلمه الفرد، وهو أكثر بكثير عما يتاح له أن يتعلمه خلال فترة التعليم المدرسي.
ولا شك أن هناك شكلًا جديدًا لإنتاج المعرفة آخذا في النشأة والصعود جنبًا إلى جنب مع الإنتاج التقليدي للمعرفة. وهذا الشكل أو الصيغة الجديدة لإنتاج المعرفة لا يؤثر فقط على ماهية ونوع المعرفة المنتجة، ولكن -
أيضًا- على الكيفية التي يتم بها إنتاجها، والمحيط البيئي التي تتم فيه مواصلة هذا الإنتاج والطريقة التي ينتظم بها، ونظم المكافآت التي يطبقها وآليات ضبط جودة الإنتاج "4، 6".
وننبه هنا لما يمكن أن تصير إليه المناهج الدراسية إذا ما تجاهل مخططوها أو مطوروها التقدم العلمي والتقني المعاصر. فالذي ينبغي أن يدركه هؤلاء وهؤلاء هو أن إيقاع تطوير المناهج المعهود لم يعد مناسبًا لما نشهده من تغير من حولنا: في المجتمع، وفي العلوم، وفي التقنية
…
لذلك عليهم أن يبحثوا عن أساليب جديدة ليتعلم الفرد قدرًا أكبر من ذي قبل، ويفهم بأسلوب أعمق من ذي قبل، ويبدع أكثر من ذي قبل ويستشرف بطريقة أكثر نفاذًا من ذي قبل.
وليكن في حسبان من يقومون على بناء المناهج وتطويرها أنه من الضروري بالنسبة للنظم التعليمية مهما كان مستواها أن تدخل التقنية في برامجها كجزء أساسي وتنظيمي على نطاق واسع. فإن عصرنا هو عصر التقنية العقلية المعقدة التي تتجاوز مجرد استخدام الآلات والأجهزة إلى المبادئ العلمية القائمة عليها. وأن الاستخدام الفعال والصحيح للتقنية التربوية الحديثة يمكن أن يعطي مردودًا أكبر للاستثمارات القائمة، والإمكانات المخصصة لبرامج التعليم والتدريب، كما يمكن أن يوثق العلاقة بين مراكز الدراسة ومراكز العمل والإنتاج وبذلك تضيق الهوة بين المدرسة والمجتمع، وتقل الشكوى من أن المدرسة لا تعد الدارسين لعالم العمل ذي الطبيعة المتغيرة باستمرار.
ويمكن الاستخدام الصحيح لتقنية التعليم من المساهمة بصورة فعالة في برامج مكافحة الأمية والتعليم المستمر، وتيسير الدراسة لأعداد أكبر من الراغبين في التعليم، وزيادة الاستفادة من البرامج الدراسية، وإتاحة الفرص لكافة فئات المجتمع لكي تزيد من تحصيلها العلمي والثقافي، وبذلك يتحقق - تدريجيا- المجتمع المستمر في التعلم.
كما ينبغي أن تعكس المواد التعليمية أحدث التطبيقات التقنية المتصلة بالمناهج المعنية، وأن تتضمن نتائج أرفع الأعمال العلمية المناسبة في كل تخصص، وأن تأخذ بأحدث الاتجاهات في التعليم والتدريس.
وإذا نظرنا إلى التقدم التقني وأثره على المناهج، فإننا نجد له تأثيرًا بالغا.
فإضافة إلى أن التقنية فرضت نفسها على خبرات المنهج الدراسي وأصبحت وسيلة مؤثرة في توصيل المعلومات إلى المتعلم، فإنه بناء على تقنية التعليم الحديثة استحدثت نظم جديدة وأساليب متطورة، وتغيرت مهام المشاركين في العملية التعليمية نتيجة لكفاءة أدوات التقنية الحديثة، مثل نظام التعليم المفتوح الذي أخذ ينتشر، وصولًا إلى هؤلاء الذين لا يتسع وقتهم للانخراط في التعليم التقليدي، وسدا للنقص في المعلمين، وتوسيعا لنطاق التعليم سواء من حيث مستويات المتعلمين وعددهم أم من حيث المساحة الجغرافية التي يغطيها.
والواقع أن التعليم المفتوح كان أحد الحلول التي طبقتها بعض المجتمعات المتقدمة لمشكلات عدم تفرغ الدارسين لفترات طويلة من التعليم النظامي، وعدم ملاءمة النظم التعليمية ومناهجها وطرقها لحاجاتهم التي تتغير بسرعة، والطلب الملح على أنواع التعليم الذي تعجز هذه النظم عن تلبيته.
ومن أهم ما أدخله التقدم التقني إلى مجال التعليم جهاز الحاسب الآلي "الكمبيوتر" فقد أحدث هذا الجهاز طفرة في تطوير العملية التعليمية، إذا استخدم
في إرسال برامج تعليمية معدة إعدادًا جيدًا بواسطة خبراء على مستوى عال من العلم والخبرة، كما أصبح وسيلة عالية الكفاءة في تخزين المعلومات وسرعة استدعائها. هذا إضافة إلى ما يقدمه للبحث العلمي من خدمات أدت به إلى تقدم مذهل في اتساع المجالات، ودقة النتائج وسرعة الإنجاز.
وسوف يكون للحاسب الآلي دور حاسم ومهم في عملية التربية المستمرة. فقد ثبت من نتائج الدراسات التي جرت في هذا المجال. أن الوظائف التي يؤديها هذا الحاسب لا تتوقف على مجرد تقديم المعلومات وتخزينها، وإنما يساعد كذلك في تكوين المفاهيم وتطبيق الأساليب المختلفة، والحكم عليها وإثارة القوى الفكرية، والفضول العلمي لدى المتعلمين، فهو يساعد الفرد على أن يكتشف الحلول المحتملة لمشكلة ما، وأن يدرس الآثار والنتائج المختلفة إذا ما غير في معطياتها. وأن يصل إلى أحكام علمية ومنطقية حول المعلومات التي تقدم له أو يتعلمها. ويمكن القول بأن عملية استخدام الحاسب في التربية قد قدمت حوارًا بين الفرد المتعلم وبين نظام كامل للمعلومات والحقائق والمهارات والأحكام.
وغدا، تجعل الأقمار الصناعية من العالم كله مدرسة واحدة، تتعدد مناهجها بقدر ما تبثه هذه الأقمار من برامج، ويصل عدد طلابها بقدر المتلقين للبرامج المبثوثة في مختلف أرجاء العالم. وهذا تحد خطير لمطوري المناهج ينبغي أن يلاحقوه بتطوير يواكب ما تبثه هذه الأقمار.
وللأقمار الصناعية جانب آخر أكثر خطورة هو التجسس، فهذه الأقمار تكشف المستور في الكون، وتكشف المحجوب عن أعين البشر، فما موقف مخططي المناهج من هذه التعرية لحياة الأمم؟ هل يقفون مكتوفي الأيدي أم يواجهون هذا بالتوعية، وإعداد شباب الأمة لأن يواجهوا هذا الغزو بغزو مثله، وفوق ذلك أن يكونوا قادرين على الدخول في حلبة سباق تطوير هذه الأقمار، وهي حلبة لا يدخلها إلا أولو الابتكار والعزم من العالمين.
وللأقمار الصناعية مهام أخرى أشد فتكا بالمجتمعات التي لا تملك المقدرات التقنية اللازمة لحماية نفسها، منها التلويث الفكري. فلكل مجتمع قيمه التي هي عماد تماسكه وأساس استقراره، فإذا ما اهتزت هذه القيم دخل المجتمع في تيه يضل به فيبعد عن أصوله، وتكون هذه هي الخطوة الأولى لانهياره. وإذ تستبدل قيم دخيلة بقيمه، ومن ثم يجتاح التلوث الفكري عقول أبنائه، والبقية معروفة بعد ذلك.
ومقاومة هذا الغزو مهمة معاصرة أخرى أمام مخططي المناهج الدراسية.
ونستطيع أن نلخص ما ينبغي أن يراعيه مخططو المناهج الدراسية ومنظموها بالنسبة للتثقيف العلمي والتقني فيما يلي:
1-
أن التقدم على وجه العموم وفي التنمية على وجه الخصوص، يعتمد على القوى البشرية المثقفة علميا وتقنيا تثقيفا عاما، إضافة إلى حيازتها للمستوى العلمي والتقني المناسب للتنمية ووجود نظام العمل الحافز.
2-
أنه مع تقدم التقنية أصبتح الآلات هي التي تتعامل مع المواد، وتركت للإنسان مجال التفكير والإبداع وإنتاج المعرفة واكتشاف الجديد، وعلى المناهج الدراسية تكوين هذا الإنسان.
3-
أن سرعة التقدم العلمي والتقني قد أفرزت مشكلتين مهمتين هما: كيف يمكن المحافظة على القيم والمبادئ الأساسية التي -عادة- ما تهتز مع سرعة التغير؟ وكيف لا تكون القيم حجر عثرة في طريق التغيير المطلوب؟
4-
أن الإبداع المنشود في مختلف المجالات -عمومًا- وفي مجال العلوم والتقنية على وجه الخصوص، لا يمكن أن يتحقق إلا في مناخ سياسي اجتماعي يمنح الفرد الثقة والأمن وحرية التفكير والتعبير.
5-
أن إشاعة التفكير العلمي والتخلص من التفكير الخرافي من بين العوامل الدافعة لعجلة البحث العلمي، والتطبيق التقني في المجتمع، والحافزة على مواكبته.
6-
أن الكفاءة الإدارية وسرعة اتخاذ القرار شرط لازم لاستثمار التطبيق التقني في الإنتاج بالمجتمع.
7-
أنه كلما اتسعت دائرة التقدم العلمي والتدريب التقني وارتفعت المهارات التقنية بين المتعلمين في المجتمع، كان توطين التقنية وإنتاجها في المجتمع أيسر.
8-
أنه يسهم في تطوير مناهج الدراسة ومواكبتها للتقدم العلمي والتقني توثيق الصلة وتبادل الخبرات بين المؤسسات التعليمية ومؤسسات الإنتاج، ومواكبة الأولى للمتطلبات العلمية والتقنية الثانية.
9-
أن التقنيات التي يبدو أنها سوف تأخذ في المستقبل القريب، هي:
- تقنية المعلومات.
- تقنية الاتصالات والموصلات.
- تقنية الهندسة الحيوية.
- تقنية الطاقة المتجددة.
- تقنية البيئة.
- تقنية الفضاء.
10-
أن نقل العلوم والتقنية من مجتمع إلى آخر لا يحقق تقدمًا للمجتمع المنقول إليه، وأنه لا بديل من أن ينتج كل مجتمع العلوم والتقنية التي يحتاج إليه، فبها وحدها ومهما كان مستواها يدخل عالم السباق التقني.
11-
أن التطور في الحواسب الآلية وفي الإلكترونيات أحد المداخل المهمة للتقدم العلمي والتقني.
12-
أن التفوق في الإنتاج يستند إلى التفوق في العلوم والتقنية. والتفوق في العلوم والتقنية يستند إلى إشاعة الثقافة العلمية والتقنية، وهذه تستند -بالدرجة الأولى- إلى مناهج دراسية متفوقة، وبرامج تعليم مستمر متميزة تعنى بهذه الثقافة.
13-
أن التفوق العلمي والتقني يحتاج إلى تربية ابتكارية تقوم على إطلاق الطاقات الإبداعية للمتعلمين، ومما يساعد على إطلاق هذه الطاقات في مجال العلوم والتقنية -بخاصة- جعل الثقافة العلمية والتقنية مصدرًا من مصادر المنهج الدراسي وحسن اختيار عناصرها.
14-
أن التثقيف العلمي والتقني يتطلب تعاون المؤسسات التربوية مع مؤسسات المجتمع الأخرى، وبخاصة مؤسسات الإعلام والثقافة.