الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولًا: أهم جوانب طبيعة المتعلم
شكل "2" أهم جوانب طبيعة المتعلم.
كما يتضح من الشكل فإن من أهم جوانب طبيعة المتعلم ما يلي:
أ- أنه مخلوق من تراب:
أول جانب من جوانب طبيعة الإنسان أن الله سبحانه وتعالى قد خلقه من تراب. فقد خلق الله الناس جميعا أميرهم وغنيهم وفقيرهم، وأسودهم وأبيضهم وطويلهم وقصيرهم وقويهم وضعيفهم وذكرهم وأنثاهم، من تراب.
قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ} [غافر: 67] .
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ} [الحج: 5] .
وقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ} [الروم: 20] .
وأطوار خلق هؤلاء جميعا واحدة، لا تبديل فيها ولا اختلاف.
وقال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا} [فاطر: 11] .
وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ} [غافر: 67] .
ب- فطر الله الإنسان على التوحيد:
الجانب الثاني من جوانب طبيعة الإنسان أن الإنسان مفطور على التوحيد، فهو بفطرته يؤمن بالله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي ليس له كفوا أحد.
قال تعالى: {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا} [طه: 72] .
وقال تعالى: {يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي} [هود: 51] .
وقال تعالى: {وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس: 22] .
وقال تعالى: {إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} . [الزخرف: 27] .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء"؟.
ويكمن فهم الفطرة على أنها حالة من السلامة والخير والحنيفية التي إذا ما تركت وشأنها فإنها تصل بصاحبها إلى معرفة الحق تبارك وتعالى، والوقوف على وحدانيته، ومن ثم إفراده بالعبادة، كما تقود صاحبها إلى كل ما جاء به الدين
الحنيف
…
، ويأتي الدين الحنيف ليثبتها ويقويها ويوصلها إلى غاياتها الخيرة التي أودعها الخالق تبارك وتعالى فيها "22، 40".
وعقيدة التوحيد التي أساسها العبودية الخالصة لله وحده، هي الفطرة التي فطر الله الناس عليها، نجد هذا في قول الحق تبارك وتعالى:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30] .
ويوضح محمد شديد أن الفطرة حاجة أساسية من حاجات الإنسان، لا يمكن أن تتوازن شخصية الإنسان إلا بالوفاء بمتطلباتها. وذلك في قوله: العقيدة في الله ليست ترفًا في التفكير، ولا نافلة للنفس، ولا حاشية على هامش الحياة، ولا مظهرًا من مظاهر الخوف أو الضعف، وإنما هي فطرة الله التي فطر الناس عليها، وحاجة ملحة للنفس والروح، فإذا تركت ولدت فراغًا في النفس لا يملأ، وجوعة في الروح لا تسد، وخرابًا في الضمير لا يعمر.
جـ- الإنسان لديه استعداد لكل من الخير والشر:
الجانب الثالث من جوانب طبيعة الإنسان أن لديه استعداد للخير والشر، فقد وردت آيات كثيرة عن صفات الخير فيه وعن قدرته على فعل الخير، قال الحق تبارك وتعالى:{عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} [التحريم: 5] .
وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ} [الحجرات: 11] .
وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} [البينة: 7] .
وقوله تعالى: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِين} [القصص: 26] .
ورغم أن الإنسان مفطور على التوحيد ولديه استعداد للخير، فإن لديه استعدادا لفعل الشر أيضًا، وقد بين الحق تبارك وتعالى هذا في الذكر الحكيم في مواضع كثيرة، في مثل قوله تعالى:
{وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا} [الإسراء: 11] .
وقوله تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: 35] .
وقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 8] .
وقوله تعالى: {فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} [البينة: 6] .
د- الإنسان مكرم عند الله:
الجانب الرابع من جوانب طبيعة الإنسان أن الله سبحانه وتعالى قد كرمه على سائر المخلوقات، وخلقه في أحسن تقويم. قال تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70] .
وقال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4] .
ومن دلائل تكريم الله للإنسان أن جعل الملائكة تسجد له: قال تعالى: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [ص: 71، 72] .
ومن دلائل تكريم الله للإنسان أن خصه باللسان والبيان:
قال تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ، وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ، وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد: 8-10] .
وقال تعالى: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن: 3، 4] .
ومن دلائل تكريم الله للإنسان أن استخلفه في الأرض استخلافًا عاما يشمل الأرض كلها، بما فيها من أحياء وجوامد على سطحها وما في بطنها.
{وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 129] .
وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30] .
وقال تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد: 7] .
وقال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ} [يونس: 14] .
وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ} [فاطر: 39] .
ومن دلائل تكريم الله للإنسان أن سخر له جميع ما في الأرض وما في السموات. فلقد سخر الله للإنسان جميع مخلوقاته. فالشمس والقمر والنجوم والنبات والطير والحيوان والجماد جميعًا مسخرة لخدمة الإنسان، بل إن دورة الحياة في الكون وتكامل عناصرها -مع اختلاف هذه العناصر- نظمها الله سبحانه وتعالى في نسق يساعد على تسخيرها للإنسان. فعلى الماء
تتوقف الحياة كلها، وعلى النبات تتوقف حياة الحيوان والطير، وعلى الحيوان والنبات والطير تتوقف حياة الإنسان. قال تعالى:{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: 13] .
وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك: 15] .
وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 14] .
وقال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34] .
هـ- جعل الله حياة الإنسان موقوتة وخلقه من جنسين فقط:
الجانب الخامس لطبيعة الإنسان هو أن حياته موقوتة، فحتى لا يقود الاستخلاف والتسخير إلى حالة من الرغبة في الدنيا والسعي من أجلها والغفلة عن الآخرة، فإن مشيئة الله جعلت هذا كله لأجل مسمى بالنسبة للإنسان. قال تعالى:{وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [البقرة: 36] .
وقال تعالى: {يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [هود: 3] .
وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى} [الأنعام: 2] .
وقال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن: 26] .
والإنسان الذي خلقه الله وكرمه، وميزه على سائر مخلوقاته، الإنسان الذي علمه الأسماء كلها واستخلفه في الأرض، الإنسان الذي أقامه على قدمين ووهبه البيان هو الإنسان من الجنسين: الإنسان الذكر والإنسان الأنثى، خلقهما الله من نفس واحدة، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَاْ} [النساء: 1] .
وجعل المؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، وكلفهما معا بطاعة الله ورسوله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصلاة والزكاة، وخاطبهما معًا
ووعدهما بالرحمة والمغفرة، قال تعالى:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 71] .
وهكذا نرى أن الإسلام قد جعل من الرجل والمرأة عنصرين متكافئين في كثير من الأمور، فكلاهما مكلف، وكلاهما مأجور على عمله الصالح، وكلاهما عضو نشيط في الحياة يسعى طاعة لربه.
والإنسان مخير فيما يمكنه الاختيار فيه، ومسئول عن اختياره:
والجانب السادس من جوانب طبيعة الإنسان أنه مخير فيما يقع في حدود قدرته، ومسئول عن اختياره. فلقد خلق الله تبارك وتعالى الإنسان، وميزه عن جميع خلقه بالعقل. وبناء على نعمة العقل، سخر له جميع المخلوقات الأخرى من الحيوان والنبات والجماد. ولا شك أن العقل هو مناط التكليف، والمقياس الذي يميز به الإنسان بين مختلف الأمور التي تعرض له في حياته. وبهذا العقل أصبح الإنسان مؤهلًا لاستقبال الرسالات، وأصبح مسئولًا عن قراره بالنسبة لهذه الرسالات؛ لذلك قال الحق تبارك وتعالى:{وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد: 10] .
وفي "صفوة التفاسير"، نجد تفسير هذه الآية على النحو التالي:
أي: يناله طريقا الخير والشر، والهدى والضلال؛ ليسلك طريق السعادة ويتجنب طريق الشقاوة.
وهكذا يتضح أن الإنسان مؤهل للاختيار بين طريقي الخير والشر، بدليل أن خالقه، قد أعطاه فرصة هذا الاختيار بما أهله به لذلك، وليس هذا فحسب، فإنه سوف يحاسبه على هذا الاختيار، وعدل الخالق سبحانه وتعالى لا يمكن أن يقضي بمحاسبة الإنسان على فعل هو ليس مسؤلا عنه، بدليل أنه رفع التكليف عن الصغير حتى يبلغ والمجنون حتى يفيق.
مما سبق نستطيع أن نستنتج أن الاختيار بالنسبة للإنسان يقتضي توافر شروط منها:
أن يكون الإنسان ذا عقل ناضج، وأن يكون أمامه بدائل يختار من بينها، وأن يكون الموقف مهيأ لتنفيذ قرار الاختيار بعد اتخاذه. وفي ذلك يقول الشيخ الشعراوي:
"
…
إذن، ففي المنطقة التي يعرض فيها الفعل على العقل، يفعل أو لا يفعل، فتلك هي المنطقة التي يوجد فيها الاختيار، وهي منطقة التكليف من الله".
ويضيف قوله:
"إذن، فربط التكليف بالعقل وجودًا ونضجًا يدل عى أن مهمة التكليف هي في الأمر الاختياري الذي يجد الإنسان فيه بديلان: "يفعل" أو "لا يفعل" "6، 213".
فالإنسان بما وهبه الله من قدرة على التفكير، وقنوات الاتصال بالعالم من حوله وبصيرة ينفذ بها إلى كبد الحقيقة، يستطيع أن يختار بين الخير والشر، وبين أن يفعل أيهما في وقت ما أو مكان ما، أو لا يفعل. فمثلًا، يختار من بين أنواع الطعام والشراب واللباس، ويختار من مساقات التعليم وأنواعه، ويختر من بين الوظائف، ويختار من بين النساء زوجة، ويختار من بين الرجال صديقا، ويختار من بين المساكن سكنًا.
وهناك أمور أخرى لا خيرة للإنسان فيها، فهو بالنسبة لها مسير. فالإنسان لا يستطيع أن يختار تاريخ ولادته أو وفاته، ولا يختار المثول لعذاب القبر أو أن يتجاوزه، ولا أن يدخل الجنة وهو يعمل عمل أهل النار، ولا أن يختار لنفسه لنفسه درجة للحرارة معينة، ولا عددًا معينا لضربات قلبه، ولا يستطيع أن يغير من عدد آذانه أو عيونه أو أنوفه أو ألسنته. كما أنه لا يستطيع أن يختار أمه أو أباه أو أخاه أو أخته، ولا بقية أصلابه أو أرحامه. فهذه الأمور جميعها لا سبيل للإنسان أن يختار فيها، فمنها ما هو فوق قدرة الإنسان مثل عذاب القبر وتاريخ الوفاة. ومنها ما هو من الأنساق الحيوية التي خلقها الله في توازن وتكامل يسهم في استمرار الحياة، ومن ثم أخرجها عن نطاق اختياره، بل إن تدخل الإنسان فيها يكون بهدف تثبيتها على النسق الذي خلقها الله عليه، مثل درجة الحرارة ودقات القلب وعمل كل من الجهاز الهضمي والجهاز العصبي وبقية أجهزة جسم الإنسان، ومنها ما لا تستقر حياة الفرد والمجتمع إلا باستقراره مثل اختيار الأصلاب والأرحام.
ولكن توجد درجة من الحرية لاختيار الإنسان تتعلق بما هو مسير فيه. فمثلًا إن كان الإنسان لا خيار له بالنسبة لفترة حياته فهو مخير في أن يعمل خيرًا أو شرا