الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وولي الأمر الذي يحكم بشرع الله مؤسسا عل الشورى والعدل له واجب الطاعة على المسلمين. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59] .
وهكذا يحكم سلطة الحاكم شرع الله، ويعينه المحكومون ما دام منفذًا لهذا الشرع فيهم، وإذا ما اختلفوا فيما بينهم في شي يحتكمون فيه إلى الله.
فهذا أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصديقه يضع قواعد العلاقة بين الحاكم المسلم والمحكومين تحت إمرته في كلمات بالغة الدلالة بقوله:
"إني وليت عليكم ولست بخيركم، فإن رأيتموني على حق فأعينوني، وإن رأيتموني على باطل فقوموني. أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيت فلا طاعة لي عليكم". وقال عن ذلك الإمام مالك: "لا يكون أحد إمامًا إلا على هذا الشرط".
وهكذا كانت مبادرة الرعية إلى إبداء الرأي المخالف حقا مقررا لهم، بل واجبًا عليهم بمقتضى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمبادرة ولي الأمر إلى طلب المشورة من أهلها واجبة عليه للاستدلال على حكم الله ورسوله من النصوص الشرعية المتعددة، وللاجتهاد فيما سكتت عنه النصوص "9، 135".
ويتبين مما سبق، أن الحكم بالشريعة الإسلامية مؤسسا على الشورى والعدل من أهم خصائص المجتمع المسلم، فكما أن المجتمع لا يكون مسلمًا بدون عقيدة التوحيد، فإنه لا يكون مجتمعا مسلمًا ما لم يطبق شرع الله فيما شجر فيه. ومن هنا كان هذا التطبيق من الأهمية، بحيث يكون من بين العناصر المعتبرة في مصادر المنهج الدراسي.
ثالثًا: الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الإسلام دين الله في الأرض، ارتضاه الخالق لعباده بقوله، سبحانه وتعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ} [آل عمران: 19] .
وقوله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85] .
ولأن الإسلام دين محيط بجميع قضايا الحياة في حالها واستقبالها، فقد جعل الله الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم مقومات المجتمع المسلم.
فبهذا يجد الناس من يذكرهم -دائمًا- بمنهج الله سبحانه وتعالى، ويوضح لهم طرائق هذا المنهج في علاج ما يواجهون من مشكلات، وما يتأتى من طروحات جديدة، ويوجه التغير في المجتمع وفق هذا المنهج.
وسواء أكان حال المجتمع سيئًا -كما هو حال المجتمع المسلم اليوم -أم كان مستقرا على منهج الله، فإن الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبة؛ لأنها ضرورة ووقاية للمجتمع من المشكلات، وضرورة علاج لما يصيبه من خلل يبعده عن منهج الله، فالنفس البشرية في حاجة إلى التذكير بطريق الحق تبارك وتعالى، بل إن المؤمنين منهم خاصة ينتفعون بهذا التذكير:
{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 55] .
ولأهمية الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن المسلمين مكلفون بها، بقدر الاستطاعة. قال تعالى:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104] .
وقال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 41] .
عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم"، "رواه الترمذي". وقال صلى الله عليه وسلم:"من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا". "رواه مسلم".
ومع أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل مسلم قادر، وهو فرض كفاية. إلا أنه فرض على القادر الذي لم يقم به غيره، والقدرة هي السلطان والولاية. "4، 34".
ومن شأن المجتمع الإسلامي أن يكون وقافًا عند حدود الله، يحرص أفراده على معرفة أحكام الله حتى لا يتجاوز ما يحل له إلى ما يحرم عليه، وحتى لا تغريه مشتبهات المسائل بالوقوع في المحظور؛ ولأن الفرد ليس عنده من الوقت لتعلم العلم من أصوله حتى يتوصل بذلك لما يعرض له في حياته من فروع، كثيرًا ما يتردد
على شيخ الجماعة أو فقيه المحلة أو خطيب المسجد وإمامه يسأله عن كل ما يصادفه في حياته من أمور "10، 66".
وللدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر آداب ومنهج، لا ينبغي أن يحيد عنه من تولى شرف العمل بها، وقد بين الله تبارك وتعالى هذا المنهج في قوله تعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] .
وقوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159] .
وقوله تعالى: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت: 46] .
ومجالات الدعوة كثيرة، فهي نداء الله تعالى للكافرين كي يؤمنوا وللمشركين كي يوحدوا، ولأهل الكتاب كي يسلموا، وللعصاة كي يتوبوا، وللمختلفين كي يتفقوا، وللمتفرقين كي يتحدوا، وللمتخاذلين كي يتعاونوا، وللقاعدين كي يجاهدوا، وللمتطرفين كي يعتدلوا، وللمتهاونين كي يجدوا "13، 43".
ومن يحمل نداء الله هذا لا بد أن يحمله بالحسنى ولين الجانب وسعة الصدر، وأن يعتمد على الإقناع بالدليل تلو الدليل والحجة تلو الحجة، وأن يكون متواضعًا باشًّا، يعتمد على الحكمة ويقر في عقله وقلبه أنه مكلف بالبلاغ المبين بقدر طاقته، وأنه مرشد وموضح لمنهج الله، وأنه لم يكلف بتبديل السنن الكونية من أجل هداية الناس. فالله، وحده يهدي من يشاء. قال تعالى:{وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [الأنعام: 35] .
وقال تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية: 21، 22] .
ومن أدب الدعوة ومنهجها أن يصبر الداعية على المكاره وعلى مقاومة الناس للدعوة ومحاربتهم لها، ولا ييأس ولا يقنط من رحمة الله ولا يحزن، بل يتحلى بالصبر وبالتقوى وبالإيمان.
قال تعالى: {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [النحل: 127] .
وقال تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256] .
وقصة محمد صلى الله عليه وسلم مع بني ثقيف تعطينا مثلًا رائعًا في منهج الدعوة. فقد ذهب الهادي البشير إليهم يدعوهم إلى طريق الحق والصواب، فأغروا به سفهاءهم فظلوا به حتى أدموا قدميه من قذفهم بالحجارة، ولكن الهادي البشير لم ييأس، ودعا لهم بالهداية.
والله سبحانه وتعالى يكرر وصيته للداعية الأولى -خاتم الأنبياء- بأن يصبر في مواضع كثيرة من الذكر. ومن أمثلتها:
قال تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 35] .
وقال تعالى: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [النحل: 127] .
وقال تعالى: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه: 130] .
وللقيام بالدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شروط واجب توافرها:
أولها العلم والتفقه فيما يدعو الناس إليه، وما يأمرهم به وما ينهاهم عنه.
فهذا هو زاد الرحلة وزواد السفر فيها، وإذا لم يتزود الداعية به ضل طريقه، وأضل الناس. ولكن بعض من نقص علمهم يحاولون تعويضه بتهييج عواطف الناس وبالهجوم على العلماء، وفي هذا بلاء للأمة عظيم.
وفي هذا يتساءل عبد الله التركي قائلًا:
فإذا كان المرء لا يعلم ما يدعو إليه، فلأي شيء يدعو إذن؟ ويشير إلى هؤلاء بقوله: الذين يدخلون ميدان الدعوة بغير عدة علمية، على أن يعوضوا القحط
العلمي بالتهييج. فنقص العلم في العبارة يعوض بالنفخ في مضمونها، وبالحدة في إخراجها والتهويل في المعلومات والواقع، وبالأحكام المتسرعة، وبالحط من قيمة العلماء. "2، 14".
والتركي -بهذا القول- يصف البلاء الذي وقع في بلاد المسلمين هذه الإيام، حيث تجرأ على الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غير المؤهلين لها، ونظرًا لضعف إعدادهم ونقص تأهيلهم لجئوا إلى الاستخفاف بالعلماء وتسفيه آرائهم، وإلى إثارة عواطف الناس ضد المجتمع وعلمائه وولاة الأمر فيه، وأخذوا يكفرون من يكفرون ونصبوا أنفسهم ولاة للأمور.
والشرط الثاني في الأهمية بالنسبة لمن يتصدى لواجب الدعوة إلى الله والأمر باتباع منهجه والنهي عن مخالفته، أن يكون الداعية قدوة عملية لما يقول: فلا يرجى لإنسان أن يقنع أحدًا بعمل أمر ما، وهو شخصيا يخالفه، وقد نهى الله عن ذلك بقوله:
والإسلام منهج عمل وأسلوب حياة، ومن أهم أساليبه التربوية، القدوة. قال تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21] .
وقال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ} [الممتحنة: 4] .
وقال الهادي البشير صلى الله عليه وسلم: "يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه فيدور بها في النار كما يدور الحمار برحاه، فيطيف به أهل النار فيقولون: يا فلان ما أصابك؟ ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر، فيقول: بلى، قد كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه". "رواه البخاري ومسلم".
وهناك شروط كثيرة أخرى في من يتصدى لواجب الدعوة لا مجال لذكرها هنا. وتتعلق هذه الشروط بالصفات الشخصية والأخلاقية، والإعداد العلمي والثقافي والمهني، واكتساب مهارات الاتصال وتقانتها، والإلمام بمشكلات المجتمعات مجال الدعوة ولغتها وواقعها الثقافي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي، إلى غير ذلك من الشروط التي لا يتسع المجال هنا لتناولها.
مما سبق يتبين أن الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصائص المجتمع المسلم التي تعمل على وقاية أبنائه من الانحراف عن الجادة، كما تسهم في علاج المشكلات التي قد تظهر فيه سواء أكانت هذه المشكلة تتعلق بالأفراد أم بالجماعات والمؤسسات أم بغير ذلك. ومن هنا فإن مخططي المناهج الدراسية ينبغي أن يعنوا عناية كبيرة بهذه الخاصة عند اختيارهم لخبرات هذه المناهج وعند تنظيمها.