الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خامسًا: معوقات اجتماعية
المعوقات التي يمكن أن يتسبب فيها المجتمع لعملية تخطيط المناهج كثيرة من أهمها: أن كل فرد في المجتمع يتصور أنه يفهم في التعليم وأن الكثيرين من المتعلمين يتصورون أنهم يستطيعون أن يعلموا. لهذا نجدهم جميعا أو معظمهم يحاولون فرض آرائهم على القائمين بعملية تخطيط المناهج وتطويرها، وكثيرًا ما نسمع من يقول:"حين كنا في المدارس كان يحدث كذا وكذا، فلماذا لا نطبقه وقد تخرج من هذا النظام أفذاذ مثل فلان وفلان وفلان؟ " ويذكر أسماء بعض قيادات المجتمع المشاهير.
وفي هذا الحال، من الصعب إقناع أصحاب هذا الرأي بغيره، فهو لا يقول نظريات -كما يقول القائمون على تخطيط المنهج- ولكنه يأتي بأمثلة حية من قيادات المجتمع. وفي غالب الأحيان، لا يمكن الأخذ برأي هؤلاء؛ لأن الزمان قد تجاوز هذه الخبرات بمستحدثات في العلم والتقنية وبالتغيرات في المجتمع والبيئة والمتعلم، وفي التربية نفسها. حينئذ قد يصبح هؤلاء ضد المنهج الجديد ويتحدثون بذلك في محافلهم ويؤثرون سلبيا على أبنائهم من الطلاب. وينتج عن هذا معوقات لتطبيق المناهج الجديدة داخل المدرسة وفي المجتمع. وتكون المشكلة أكثر حدة وأشد أثرًا، إذا كان الداعين إلى توجيه المناهج الجديدة -وفق خبرته الشخصية- من رجال الإعلام.
إضافة إلى ما سبق، فإن الإعلام قد يضع عقبات حادة في طريق تخطيط المناهج الجديدة، ما لم يتفهم رجاله أهدافها وأسسها وأساليب تطبيقها وخطواته. وفي كل الأحوال، يمكن أن يوظف الإعلام إمكاناته الكبيرة في محاربة المناهج الجديدة، ولنا أن نتصور ما يمكن أن يحدث من تأثير على المجتمع لو أن إحدى الصحف اليومية تواصل هجومها على عملية تخطيط المنهج الجديد، وتلتقط ما يحدث فيها من مشكلات وتضخمها، ولنا أن نتصور ماذا يمكن أن يحدث في الرأي العام في البيئة المحلية، لو أن أحد مقدمي برامج الإذاعة أو التلفاز عقد سلسلة من الندوات عن مساوئ المناهج الجديدة، جمع لها مجموعة من معارضيها، ويكون الإعلام معوقًا للمناهج الجديدة إذا خضع لرأي شخصية أو أشخاص أو هيئة مؤثرة في المجتمع. فإذا
كان هوى هؤلاء مع المنهج الجديد هون الإعلام من الأخطاء، وإذا كان العكس هول الإعلام فيها. وفي كلا الحالين لا يخدم الإعلام تخطيط المنهج الجديد، وإنما يخدمه، بأن يكون موقفه موضوعيا وملتزمًا الدقة في التعبير عن الحال. من أجل هذا فإن الكثيرون من القائمين على تخطيط المناهج، لا يحبذون إطلاع الإعلام على نتائج تطبيقها قبل نضجها.
واستعجال الإعلام لنتائج تطبيق المنهج الجديد يضع القائمين عليها تحت ضغط يربكهم. ويكون الموقف أكثر صعوبة إذا قارن الإعلام المنهج الجديد بنظيره في مجتمع أكثر تقدمًا تتوافر له إمكانات مادية وبشرية أفضل دون إشارة إلى هذه الإمكانات، بهذا يبدو المنهج الجديد أقل كفاءة وأقل فائدة، ولهذا أثره السيئ في عملية تخطيط المناهج.
ومن المؤثرات السلبية للإعلام عدم العناية بتخطيط المناهج فلا يهتم بالتوعية بأهدافه وحاجاته وضرورة دعمه. ولا يسلط الأضواء على إنجازاته أولًا بأول، ولا يشيد بالمبرزين من العاملين فيه، إلى غير هذا من عوامل الدعم المعنوي وتثقيف المواطنين عن ضررة تحديث التعليم بعامة والمناهج بخاصة.
وهناك مؤسسات اجتماعية أخرى قد تكون مصدرًا لمعوقات تخطيط المناهج أول هذه المؤسسات نقابات المعلمين وجمعياتهم. فإذا ما شعر المعلمون أن المنهج القادم سوف يمس بتفوقهم المهني أو مركزهم الأدبي أو نموهم الاقتصادي فإنهم قد يلجئون إلى تحريك نقابة المهندسين، ونقابة العلميين، ونقابة الأطباء وغيرها من النقابات المهنية، فكل هذه المؤسسات يمكن أن تقف في وجه المناهج الجديدة إذا تصورت أنها لا تتمشى مع مصالح منسوبيها. وإذا أدرك مديرو المطابع ودور النشر التي تطبع كتب الدراسة وتنشرها أن المنهج القادم سوف يحرمهم من هذه المكاسب فقد يعملون على إعاقته أو إلغائه، كلية. وكذلك الأمر بالنسبة للمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الأخرى يمكن أن تقف كل منها في وجه تخطيط المنهج الجديد، إذا ما تصورت أنه يمس مصالح أفرادها وحقوقهم المكتسبة.
وقد يكون أولياء الأمور من معوقات تحطيط المنهج الدراسي الجديد. فإضافة إلى ما سبق ذكره من احتمال الرغبة في توجيه عملية التخطيط وفق منظورهم الخاص، فإن الخوف من المجهول والرغبة في توقي ما قد يحدث من مشكلات في المستقبل لأبنائهم، قد يدفع بعضهم إلى معارضة تخطيط منهج جديد، فعلى سبيل المثال، التلميذ المتفوق يود ولي أمره أن يحافظ على تفوقه، وهو لا يدري إذا كان هذا التفوق سوف يتحقق في المنهج الجديد أم لا، وولي أمر التليميذ المتخلف دراسيا يخشى أن يكون ابنه أكثر تخلفًا في المنهج الجديد. وقد ينظر ولي الأمر إلى تخطيط
منهج جديد من خلال احتمال زيادة التكلفة المادية التي قد يتكلفها ابنه، وقد ينظر ولي الأمر إلى تخطيط منهج جديد من خلال قدرته على مساعدة ابنه في دراسته، فإذا تصور أن المنهج الجديد سوف يعجزه عن مساعدة ابنه، فإنه قد يعارضه. حدث هذا في عالمنا العربي بالنسبة لمناهج الرياضيات الحديثة والفيزياء الحديثة، فحين وجد الآباء أنفسهم عاجزين عن مساعدة أبنائهم في دراستهم للمناهج الجديدة هاجموها.
ومن بين معوقات تخطيط مناهج جديدة في المجتمع المشكلات الاجتماعية، ومن أهمها المشكلات الاقتصادية والأمية. فالمشكلات الاقتصادية تجعل الناس ينكبون على حل مشكلات حياتهم الأساسية مثل المأكل والمشرب والملبس والمركب، ويصرفون اهتمامهم عن مشكلات يعتبرونها آجلة، من أمثلتها ما يتعلق بالمناهج الدراسية. والأمية تجعل أفراد المجتمع غير قادرين على الإحساس بأهمية تخطيط مناهج جديدة أو تطويرها وفهم وظيفة هذا وأثره في حياتهم، ويكونون أرضًا خصبة للشائعات المغرضة ضدها. وإن أحسوا بأهمية المناهج فإنهم يعجزون عن الإسهام في تحسينها.
ومن معقوات التطوير أيضًا اتساع مساحة الدولة وصعوبة المواصلات والاتصالات في داخلها، ووجود اتجاهات اجتماعية فيها ضد التجديد التربوي. فإذا طالت خطوط المواصلات نتيجة لاتساع المساحة في مجتمع ما، وكانت التضاريس الجغرافية غير متجانسة -كأن تكون جبلية- فإن المواصلات -في هذا الحال- تكون صعبة وبطيئة، وفي هذا تعويق لمسيرة تخطيط المناهج وتطويرها.
أما الاتجاهات الاجتماعية، فإنها قد تكون من أشد العوامل إعاقة لتخطيط المناهج وتطويرها؛ هذا نظرًا لأن تغيير الاتجاهات عملية بطيئة تحتاج إلى جهد كبير، ووقت طويل. مثال للاتجاهات السلبية ضد تخطيط المناهج وجود اتجاهات سالبة ضد التعليم الفني وضد الأعمال المهنية والحرفية في بعض البلدان مثل بلدان الخليج. لهذا، فإنه رغم المحاولات الدائبة والحوافز السخية التي يوفرها المسئولون في هذه البلاد لتشجيع الطلاب على الالتحاق بالتعليم الفني، فإن الطلاب لا يقبلون -حتى كتابة هذه السطور- على ممارسة الأعمال الفنية والحرفية. ومن يلتحق منهم بالتعليم الفني لا يمارسه بعد تخرجه، ولكنه قد يعمل على إنشاء ورشة، ليحصل على دعم الدولة المخصص لكل من ينشئ ورشة للأعمال الفنية، ولكن يأتي بغيره ليعمل ونادرًا ما يعمل بيده. وما هذا إلا نتيجة للاتجاهات السائدة في المجتمع ضد الأعمال الحرفية ومن عدم تشجيع تطوير المناهج في هذا الاتجاه.