المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(60) - (139) - باب ما جاء في المستحاضة التي قد عدت أيام أقرائها قبل أن يستمر بها الدم - شرح سنن ابن ماجه للهرري = مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه - جـ ٤

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌تتمة كتاب الطهارة وسننها

- ‌(1) - (80) - بَابُ مَا جَاءَ فِي غَسْلِ الْقَدَمَيْنِ

- ‌(2) - (81) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْوُضُوءِ عَلَى مَا أَمَرَ اللهُ تَعَالَى

- ‌(3) - (82) - بَابُ مَا جَاءَ فِي النَّضْحِ بَعْدَ الْوُضُوءِ

- ‌(4) - (83) - بَابُ الْمِنْدِيلِ بَعْدَ الْوُضُوءِ وَبَعْدَ الْغُسْلِ

- ‌(5) - (84) - بَابُ مَا يُقَالُ بَعْدَ الْوُضُوءِ

- ‌(6) - (85) - بَابُ الْوُضُوءِ بِالصُّفْرِ

- ‌(7) - (86) - بَابُ الْوُضُوءِ مِنَ النَّوْمِ

- ‌(8) - (87) - بَابُ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ

- ‌(9) - (88) - بَابُ الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ

- ‌(10) - (89) - بَابُ الْوُضُوءِ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ

- ‌(11) - (90) - بَابُ الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ

- ‌(12) - (91) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ

- ‌تنبيه

- ‌تنبيه آخر

- ‌(13) - (92) - بَابُ الْمَضْمَضَةِ مِنْ شُرْبِ اللَّبَنِ

- ‌(14) - (93) - بَابُ الْوُضُوءِ مِنَ الْقُبْلَةِ

- ‌(15) - (94) - بَابُ الْوُضُوءِ مِنَ الْمَذْيِ

- ‌فائدة

- ‌(16) - (95) - بَابُ وُضُوءِ النَّوْمِ

- ‌(17) - (96) - بَابُ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَالصَّلَوَاتِ كُلِّهَا بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ

- ‌(18) - (97) - بَابُ الْوُضُوءِ عَلَى الطَّهَارَةِ

- ‌(19) - (98) - بَابُ لَا وُضُوءَ إِلَّا مِنْ حَدَثٍ

- ‌(20) - (99) - بَابُ مِقْدَارِ الْمَاءِ الَّذِي لَا يُنَجَّسُ

- ‌(21) - (100) - بَابُ الْحِيَاضِ

- ‌(22) - (101) - بَابُ مَا جَاءَ فِي بَوْلِ الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يَطْعَمْ

- ‌(23) - (152) - بَاب: الْأَرْضُ يُصِيبُهَا الْبَوْلُ كيْفَ تُغْسَلُ

- ‌(24) - (103) - بَاب: الْأَرْضُ يُطَهِّرُ بَعْضُهَا بَعْضًا

- ‌(25) - (104) - بَابُ مُصَافَحَةِ الْجُنُبِ

- ‌(26) - (105) - بَابُ الْمَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ

- ‌تتمة

- ‌(27) - (106) - بَابٌ: فِي فَرْكِ الْمَنِيِّ مِنَ الثَّوْبِ

- ‌(28) - (107) - بَابُ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الَّذِي يُجَامِعُ فِيهِ

- ‌(29) - (108) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ

- ‌(30) - (109) - بَابٌ: فِي مَسْحِ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلِهِ

- ‌(31) - (110) - بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّوْقِيتِ فِي الْمَسْحِ لِلْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ

- ‌فائدة

- ‌(32) - (111) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمَسْحِ بِغَيْرِ تَوْقِيتٍ

- ‌(33) - (112) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ

- ‌(34) - (113) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ

- ‌تتمة

- ‌أَبْوَابُ التَّيَمُّمِ

- ‌(35) - (114) - بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّيَمُّمِ

- ‌(36) - (115) - بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّيَمُّمِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً

- ‌(37) - (116) - بَابٌ: فِي التَّيَمُّمِ ضَرْبَتَيْنِ

- ‌(38) - (117) - بَابٌ: فِي الْمَجْرُوحِ تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ فَيَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ إِنِ اغْتَسَلَ

- ‌(39) - (118) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ

- ‌(40) - (119) - بَاب: فِي الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ

- ‌(41) - (120) - بَابٌ: فِي الْوُضُوءِ بَعْدَ الْغُسْلِ

- ‌(42) - (121) - بَاب: فِي الْجُنُبِ يَسْتَدْفِع بِامْرَأَتِهِ قَبْلَ أَنْ تَغْتَسِلَ

- ‌(43) - (122) - بَابٌ: فِي الْجُنُبِ يَنَامُ كهَيْئَتِهِ لَا يَمَسُّ مَاءً

- ‌(44) - (123) - بَابُ مَنْ قَالَ: لَا يَنَامُ الْجُنُبُ حَتَّى يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ

- ‌(45) - (124) - بَابٌ: فِي الْجُنُبِ إِذَا أَرَادَ الْعَوْدَ تَوَضَّأَ

- ‌(46) - (125) - بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ يَغْتَسِلُ مِنْ جَمِيعِ نِسَائِهِ غُسْلًا وَاحِدًا

- ‌(47) - (126) - بَابٌ: فِيمَنْ يَغْتَسِلُ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدَةٍ غُسْلًا

- ‌(48) - (127) - بَابٌ: فِي الْجُنُبِ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ

- ‌(49) - (128) - بَابُ مَنْ قَالَ يُجْزِئُهُ غَسْلُ يَدَيْهِ

- ‌(50) - (129) - بَابُ مَا جَاءَ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ

- ‌(51) - (130) - بَابٌ: تَحْتَ كُلِّ شَعَرَةٍ جَنَابَةٌ

- ‌(52) - (131) - بَابٌ: فِي الْمَرْأَةِ تَرَى فِي مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ

- ‌(53) - (132) - بَابُ مَا جَاءَ فِي غُسْلِ النِّسَاءِ مِنَ الْجَنَابَةِ

- ‌(54) - (133) - بَابُ الْجُنُبِ يَنْغَمِسُ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ أَيُجْزِئُهُ

- ‌(55) - (134) - بَابُ الْمَاءِ مِنَ الْمَاءِ

- ‌(56) - (135) - بَابُ مَا جَاءَ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ

- ‌(57) - (136) - بَابُ مَنِ احْتَلَمَ وَلَمْ يَرَ بَلَلًا

- ‌(58) - (137) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الاسْتِتَارِ عِنْدَ الْغُسْلِ

- ‌(59) - (138) - بَابُ مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ لِلْحَاقِنِ أَنْ يُصَلِّيَ

- ‌(60) - (139) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ الَّتِي قَدْ عَدَّتْ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَمِرَّ بِهَا الدَّمُ

- ‌(61) - (140) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ إِذَا اخْتَلَطَ عَلَيْهَا الدَّمُ فَلَمْ تَقِفْ عَلَى أَيَّامِ حَيْضِهَا

- ‌(62) - (141) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْبِكْرِ إِذَا ابْتُدِئَتْ مُسْتَحَاضَةً أَوْ كَانَ لَهَا أَيَّامُ حَيْضٍ فَنَسِيَتْهَا

- ‌(63) - (142) - بَابٌ: فِيمَا جَاءَ فِي دَمِ الْحَيْضِ يُصِيبُ الثَّوْبَ

- ‌(64) - (143) - بَابُ الْحَائِضِ لَا تَقْضِي الصَّلَاةَ

- ‌(65) - (144) - بَابُ الْحَائِضِ تَتَنَاوَلُ الشَّيءَ مِنَ الْمَسْجِدِ

- ‌(66) - (145) - بَابُ مَا لِلرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ إِذَا كَانَتْ حَائِضًا

- ‌(67) - (146) - بَابُ النَّهْيِ عَنْ إِتْيَانِ الْحَائِضِ

- ‌(68) - (147) - بَابٌ: فِي كفَّارَةِ مَنْ أَتَى حَائِضًا

- ‌(69) - (148) - بَابٌ: فِي الْحَائِضِ كَيْفَ تَغْتَسِلُ

- ‌(70) - (149) - بَابٌ: فِيمَا جَاءَ فِي مُؤَاكلَةِ الْحَائِضِ وَسُؤْرِهَا

- ‌(71) - (150) - بَابٌ: فِيمَا جَاءَ فِي اجْتِنَابِ الْحَائِضِ الْمَسْجِدَ

- ‌(72) - (151) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْحَائِضِ تَرَى بَعْدَ الطُّهْرِ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ

- ‌(73) - (152) - بَابُ مَا جَاءَ فِي النُّفَسَاءِ كَمْ تَجْلِسُ

- ‌(74) - (153) - بَابُ مَنْ وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ

- ‌(75) - (154) - بَابٌ: فِي مُؤَاكلَةِ الْحَائِضِ

- ‌(76) - (155) - بَابُ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبِ الْحَائِضِ

- ‌(77) - (156) - بَابٌ: إِذَا حَاضَتِ الْجَارِيَةُ لَمْ تُصلِّ إِلَّا بِخِمَارٍ

- ‌(78) - (157) - بَابُ الْحَائِضِ تَخْتَضِبُ

- ‌(79) - (158) - بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ

- ‌(80) - (159) - بَابُ اللُّعَابِ يُصِيبُ الثَّوْبَ

- ‌(81) - (160) - بَابُ المَجِّ فِي الْإِنَاءِ

- ‌(82) - (161) - بَابُ النَّهْيِ أَنْ يَرَى عَوْرَةَ أَخِيهِ

- ‌(83) - (162) - بَابُ مَنِ اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ فَبَقِيَ مِنْ جَسَدِهِ لُمْعَةٌ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ كَيْفَ يَصْنَعُ

- ‌(84) - (163) - بَابُ مَنْ تَوَضَّأَ فَتَرَكَ مَوْضِعًا لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ

الفصل: ‌(60) - (139) - باب ما جاء في المستحاضة التي قد عدت أيام أقرائها قبل أن يستمر بها الدم

(60) - (139) - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ الَّتِي قَدْ عَدَّتْ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَمِرَّ بِهَا الدَّمُ

(160)

- 611 - (1) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَنْبَأَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ الْمُغِيرَةِ،

===

(60)

- (139) - (باب ما جاء في المستحاضة التي قد عدت أيام أقرائها قبل أن يستمر بها الدم)

أي: قد استكملت عدد أيام حيضها المعتاد، وجاوز دمها أيام حيضها المعتاد، فما حكمها؛ فهل تترك الصلاة في أيام الدم الزائد؛ نظرًا لظاهر الدم، أم تصلي في تلك الأيام الزائدة؛ نظرًا إلى أن أصلها الطهر، والدم دم فساد وعلة، فليس له حكم الحيض في منعه من الصلاة؛ والمستحاضة: من زاد دمها على قدر حيضها المعتاد لمرض.

* * *

(160)

- 611 - (1)(حدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر المصري.

(أنبأنا الليث بن سعد) الفهمي المصري.

(عن يزيد بن أبي حبيب) المصري - اسم أبي حبيب: سويد - أبي رجاء، واختُلف في ولائه، ثقة فقيه، من الخامسة، مات سنة ثمان وعشرين ومئة (128 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن بكير بن عبد الله) بن الأشج المخزومي مولاهم أبي عبد الله المدني، نزيل مصر، ثقة، من الخامسة، مات سنة عشرين ومئة، وقيل بعدها. يروي عنه:(ع).

(عن المنذر بن المغيرة) الحجازي. روى عن: عروة بن الزبير، ويروي عنه:(د س ق)، وبكير بن عبد الله بن الأشج.

ص: 447

عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَشَكَتْ إِلَيْهِ الدَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ،

===

قال أبو حاتم: مجهول ليس بمشهور، وذكره ابن حبان في "الثقات"، قال المزي: يحتمل أن يكون جد المنذر بن عبد الله الحزامي، وقال في "التقريب": مقبول، من السادسة.

(عن عروة بن الزبير أن فاطمة بنت أبى حُبيش) - بمهملة وموحدة ومعجمة مع التصغير، واسمه: قيس بن المطلب - الأسدية الصحابية رضي الله تعالى عنها، لها حديث واحد في الاستحاضة. يروي عنها:(د س ق).

وهذا السند من سباعياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات، قال المنذري: وفي إسناده المنذر بن المغيرة، سئل عنه أبو حاتم الرازي، فقال: هو مجهول ليس بمشهور، فيكون حكمه: الحسن، لأن فيه رجلًا مختلفًا فيه.

(حدثته) أي: حدثت لعروة (أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: جاءته، (فشكت إليه) صلى الله عليه وسلم؛ أي: أخبرت له صلى الله عليه وسلم (الدم) أي: كثرة دمها على سبيل الشكوى والفتوى واتصاله بلا فترة في أيام حيضتها المعتادة، (فقال) لها (رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما ذلك) - بكسر الكاف خطابًا للمؤنث - أي: إنما ذلك الدم الذي تشتكي (عرق) أي: دم يجري من عرق يسمى بالعاذل لفساد ذلك العرق وضعفه، فليس دم حيض يجري لطبيعة، فلا يضرك، قوله:"عرق" بكسر العين وسكون الراء هو المسمى بالعاذل، قال الخطابي في "المعالم": يريد أن ذلك علة حدثت بها من تصدع العروق فاتصل الدم، وليس بدم الحيض الذي يقذفه الرحم لميقات معلوم فيجري مجرى سائر الأثقال والفضول التي تستغني عنها الطبيعة فتقذفها عن البدن، فتجد النفس راحة لمفارقتها. انتهى.

ص: 448

فَانْظُرِي إِذَا أَتَى قَرْؤُكِ .. فَلَا تُصَلِّي، فَإِذَا مَرَّ الْقَرْءُ .. فَتَطَهَرِي ثُمَّ صَلِّي مَا بَيْنَ الْقَرْءِ إِلَى الْقَرْءِ".

===

قال الشيخ الدهلوي في "المصفى" بعد نقل قول الخطابي: والأمر المحقق في ذلك أن دم الحيض ودم الاستحاضة هما يخرجان من محل واحد، لكن دم الحيض هو مطابق لعادة النساء التي جُبلن عليها، ودم الاستحاضة يجري على خلاف عادتهن لفساد أوعية الدم والرطوبة الحاصلة فيها، وعُبّر عن هذا بتصدع العروق.

(فانظري) أي: فاصبري وواظبي على صلاتك مع جريان دم الاستحاضة، (حتى إذا أتى قرؤك) بفتح القاف وسكون الراء يُجمع على قروء وأقراء، قال الخطابي: يريد بالقرء هنا الحيض، وحقيقة القرء الوقت الذي يعود فيه الحيض أو الطهر، ولذلك قيل للطهر: قرء كما قيل للحيض قرء. انتهى.

أي: واظبي على عبادتك مع جريان الدم حتى (إذا أتى) وجاء (قرؤك) أي: وقت حيضك المعتاد في أيام الصحة .. (فـ) اتركي الصلاة و (لا تصلي) فيه؛ لأنه وقت حيضك تحكيمًا لعادتك في أيام الصحة، (فإذا مر) ومضى هذا (القرء) والحيض؛ أي: تلك المدة التي جعلته قرءًا وحيضًا بتحكيم عادتك، (فتطهَّري) أي: فاغتسلي واستثفري فرجك لكل صلاة، (ثم صلي ما بين) هذا (القرء) والحيض الذي مر عليك (إلى) مجيء وقت (القرء) والحيض المستقبل، بجعل ما بين القرأين أيام طهرك تحكيمًا لعادتك في أيام الصحة، والمعنى: أي صلي من انقطاع الحيض الذي في الشهر الحاضر إلى الحيض الذي في شهر يليه. انتهى من "العون".

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: أبو داوود في الطهارة (108)، باب المرأة تستحاض ومن قال: تدع الصلاة في عدد الأيام التي كانت تحيض فيه،

ص: 449

(161)

- 612 - (2) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْجَرَّاحِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا:

===

رقم (280)، والنسائي في الطهارة (135)، باب ذكر الإقراء، رقم (211)، والدارقطني وأحمد.

فدرجته: أنه صحيح بما بعده من حديث عائشة، وإن كان سنده حسنًا، فغرضه: الاستدلال به على الترجمة.

* * *

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث فاطمة بنت أبي حُبيش بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(161)

- 612 - (2)(حدثنا عبد الله بن الجراح) بن سعيد التميمي أبو محمد القهستاني: - بضم القاف والهاء وسكون المهملة وفوقانية - نسبة إلى قهستان؛ ناحية بخراسان بين هراة ونيسابور، وهي قوهستان. انتهى "لب اللباب"، سكن نيسابور. روى عن: حماد بن زيد، ومالك، وحفص بن غياث، ويروي عنه:(د ق)، وأبو حاتم، وأبو زرعة، ومحمد بن إسحاق السرّاج.

قال أبو زرعة: صدوق، وقال أبو حاتم: كان كثير الخطأ، ومحله الصدق، وقال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال الحاكم: محدّث كبير، سكن نيسابور، وبها انتشر علمه، وقال في "التقريب": صدوق يخطئ، من العاشرة، مات سنة اثنتين، ويقال: سبع وثلاثين ومئتين (237 هـ).

(حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي أبو إسماعيل البصري، ثقة ثبت فقيه، من كبار الثامنة، مات سنة تسع وسبعين ومئة (179 هـ). يروي عنه:(ع).

(ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد) الطنافسي الكوفي (قالا) أي: قال كل من أبي بكر وعلي بن محمد:

ص: 450

حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: "لَا، إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ

===

(حدثنا وكيع) كلاهما، أي: كل من حماد بن زيد ووكيع بن الجراح رويا (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها.

وهذان السندان من خماسياته، وحكمهما: الصحة؛ لأن رجالهما ثقات.

(قالت) عائشة: (جاءت فاطمة بنت أبي حُبيش) - اسمه قيس بن المطلب - القرشية الأسدية الصحابية رضي الله تعالى عنها (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إني امرأة) ذات دم مستمر، لأني (أُستحاض) -بضم الهمزة على صيغة المضارع المبني للمجهول- أي: أُصبت بالاستحاضة وابتليت بها، والاستحاضة جريان الدم من فرج المرأة في غير أوانه وأوقاته لمرض (فلا أطهر) من باب نصر؛ أي: فلا أجد الطهارة والنقاء من الدم في جميع أوقاتي ليلًا ونهارًا، (أ) يرخص لي في ترك الصلاة (فأدع الصلاة) وأتركها لعدم طهارتي ونقائي من الدم؛ فالهمزة للاستفهام الاستفتائي داخلة على محذوف معطوف عليه ما بعد الفاء، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، كما هو مذهب الزمخشري، وهو الراجح كما بسطنا الكلام عليه في "الحدائق".

فـ (قال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا) تدعي الصلاة ولا تتركيها مرة، (إنما ذلك) - بكسر الكاف لخطاب المؤنث - أي: إنما ذلك الدم الجاري منك على الدوام (عرق) أي: دم عرق يسمى بالعاذل - بالذال

ص: 451

وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ .. فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ .. فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي" هَذَا حَدِيثُ وَكيعٍ.

===

المعجمة - أي: دم عرق انقطع فسال؛ أي: هو دم علة لا دم جبلة، فلا يمنع من العبادات والاستمتاع، والعاذل بالذال المعجمة وباللام، وحكى ابن سيده فيه العادل - بالدال المهملة مع اللام - وفي الصحاح: بذال معجمة وراء: العاذر؛ وهو عرق في أدنى رحم المرأة في أسفله وأقربه، وأما الحيض .. فهو دم يخرج من عرق في أقصى رحمها وأبعده وأعلاه على سبيل الصحة في أوانه.

(وليس) ذلك الدم الجاري منك على الاستمرار (بالحيضة) أي: بدم الحيضة الذي يخرج من أقصى رحم المرأة في أوانه على سبيل الصحة، قال النووي: يجوز في حاء الحيضة كسرها على معنى الهيئة والحالة، وفتحها، وهو الأظهر على معنى الحيض، (فإذا أقبلت) وجاءت (الحيضة) المعتادة لك قبل استمرار الدم بك؛ أي: جاء وقتها سواء كان من أول الشهر أو آخره أو وسطه .. (فدعي الصلاة) أي: اتركيها؛ أي: اتركي الصلاة وجميع ما يحرم بالحيض من الطواف والاستمتاع وغير ذلك، (وإذا أدبرت) أي: مضت وانقطعت حيضتك المعتادة قبل استمرار الدم؛ أي: مضى وقتها مطلقًا؛ أي: طهرًا وحيضًا .. (فاغسلي عنك الدم) أي: اغتسلي غُسل انقطاع الحيض (وصلي) في أيام استحاضتك حتى يقبل وقت حيضك المعتاد؛ أي: لا تتركي الصلاة في كل الأوقات، ولكن اتركيها في مقدار الحيض المعتاد، ويوكل ذلك إلى أمانتها وردها إلى عادتها، ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص، وفي الحديث دلالة على أن فاطمة كانت معتادة (هذا حديث وكيع).

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الحيض (8)، باب الاستحاضة، رقم (306)، ومسلم في الحيض (14)، باب الاستحاضة،

ص: 452

(162)

- 613 - (3) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ إِمْلَاءً عَلَيَّ مِنْ كِتَابِهِ وَكَانَ السَّائِلُ غَيْرِي، أَنْبَأَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ،

===

رقم (62)، وأبو داوود في الطهارة (109)، باب من روى أن الحيضة إذا أدبرت لا تدع الصلاة، رقم (282)، والترمذي في الطهارة (93)، باب ما جاء في المستحاضة، رقم (125)، قال أبو عيسى: حديث عائشة حسن صحيح، والنسائي في الطهارة (138)، باب الفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة، رقم (218)، ومالك، وابن أبي شيبة.

فهذا الحديث: في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به.

* * *

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث فاطمة بنت أبي حبيش بحديث أم حبيبة بنت جحش رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(162)

-613 - (3)(حدثنا محمد بن يحيى) بن عبد الله الذهلي النيسابوري.

(حدثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني، قال محمد بن يحيى: حدثنا عبد الرزاق (إملاء) أي: قراءة لحديثه (عليّ من كتابه) لا من حفظه، قال محمد بن يحيى:(وكان السائل) له عن الحديث (غيري)، فقال عبد الرزاق في إملائه عليّ:

(أنبأنا ابن جريج عن عبد الله بن محمد بن عقيل) بن أبي طالب القرشي الهاشمي المدني، قال في "التقريب": صدوق في حديثه لين، من الرابعة. يروي عنه:(د ت ق).

ص: 453

عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ جَحْشٍ قَالَتْ: كُنْتُ أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً طَوِيلَةً قَالَتْ: فَجِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَسْتَفْتِيهِ وَأُخْبِرُهُ، قَالَتْ: فَوَجَدْتُهُ

===

(عن إبراهيم بن محمد بن طلحة) التيمي أبي إسحاق المدني، ثقة، من الثالثة. يروي عنه:(م عم)، مات سنة عشرة ومئة (110 هـ).

(عن عمران بن طلحة) بن عبيد الله التيمي المدني، له رؤية، ذكره العجلي في ثقات التابعين. يروي عنه:(د ت ق).

(عن أم حبيبة) حمنة -بفتح المهملة وسكون الميم وبالنون- انتهى "تحفة"(بنت جحش) الأسدية، أخت زينب أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهما، كانت تحت مصعب بن عمير ثم طلحة، وكانت تستحاض، ولها صحبة، وهي أم ولدي طلحة؛ عمران ومحمد. يروي عنها:(د ت ق).

وهذا السند من سباعياته، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه عبد الله بن محمد بن عقيل، وهو مختلف فيه.

(قالت) أم حبيبة: (كنت أستحاض) وهو من الأفعال الملازمة للبناء للمجهول، أي: أصب وأسيل وأفرغ (حيضة كثيرة) الصب (طويلة) المدة مستمرة لا انقطاع لها، (قالت) أم حبيبة:(فجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم حالة كوني (أستفتيه) صلى الله عليه وسلم وأسأله عن حكم حيضتي هل تمنع الصلاة أم لا؟ (و) حالة كوني (أخبره) صلى الله عليه وسلم بكثرتها واستمرارها، والواو فيه لمطلق الجمع، وإلا كان حقها أن تقول: أخبره وأستفتيه. انتهى "تحفة".

(قالت) أم حبيبة: (فوجدته) صلى الله عليه وسلم، أي: وافقته

ص: 454

عِنْدَ أُخْتِي زَيْنَبَ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً قَالَ: "وَمَا هِيَ أَيْ هَنْتَاهْ؟ "، قُلْتُ: إِنِّي أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً طَوِيلَةً كَبِيرَةً وَقَدْ مَنَعَتْنِي الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ فَمَا تَأْمُرُنِي فِيهَا؟

===

وهو (عند أختي زينب) بنت جحش في نوبتها، (قالت) أم حبيبة: فـ (قلت) له صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله؛ إن لي إليك حاجة) ضرورية أستفتيك فيها، فـ (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:(وما هي) أي: وما تلك الحاجة (أي هنتاه؛ ) أي: يا هذه -بفتح النون وسكونها وضم الهاء الأخيرة وسكونها، قال الجوهري: هذه اللفظة تختص بنداء القريب، وإعرابه: أي: حرف نداء مختص بالنداء القريب مبني على السكون، هنتاه: اسم إشارة يُشار به للمفردة المؤنثة القريبة في محل النصب، منادىً مفرد علم مبني على الضم؛ لشبهه بالحرف شبهًا معنويًا لتضمنه معنى حرف الخطاب، أو على ضم مقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بسكون الوقف، وجملة النداء جواب الاستفهام لا محل لها من الإعراب.

فـ (قلت) له صلى الله عليه وسلم: (إني أُستحاض) من الأفعال الملازمة لصيغة المجهول مع أنه في المعنى مبني للمعلوم؛ أي: إني أُفرغ وأصب وأُجري (حيضة طويلة) من حيث المدة (كبيرة) من حيث ذات الدم، (وقد منعتني) تلك الحيضة (الصلاة والصوم) أي: على زعمها، (فما تأمرني) أي: فبأي شيء تأمرني يا رسول الله (فيها) أي: في حيضتي؛ أي: في حال وجودها، هل أترك الصلاة فيها أم أصليها؛ قال المباركفوري: قوله: (كنت أستحاض حيضة) بفتح الحاء وهو مصدر أستحاض، على حد قولهم: أنبته الله نباتًا، ولا يضره الفرق في اصطلاح الفقهاء بين الحيض والاستحاضة؛ إذ الكلام وارد على أصل اللغة، قوله:(كبيرة) وفي بعض النسخ: (كثيرة)، وكذا في رواية

ص: 455

قَالَ: "أَنْعَتُ لَكِ الْكُرْسُفَ؛ فَإِنَّهُ يُذْهِبُ الدَّمَ"، قُلْتُ: هُوَ أَكْثَرُ، فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ شَرِيكٍ.

===

أبي داوود: (شديدة)، قال القاري: كثيرة في الكمية شديدة في الكيفية. انتهى من "التحفة".

فـ (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنعت) مضارع مسند للمتكلم من باب فتح يفتح من النعت؛ وهو ذكر الشيء ووصفه بما فيه الك) بكسر الكاف خطابًا للمؤنث (الكرسف) -بضم الكاف وسكون الراء وضم السين-: القطن؛ أي: فإني أذكر لك الكرسف في علاج دمك؛ (فإنه) أي: فإن الكرسف (يُذهب الدم) ويقطعه، فاستعمليه من الإذهاب؛ أي: يمنع خروجه إلى ظاهر الفرج، أو المعنى: فاستعمليه في علاج دمك، لعل دمك ينقطع بذلك.

قالت أم حبيبة: (قلت) له صلى الله عليه وسلم في جواب أمره إياي باستعمال الكرسف: (هو) أي: دمي (أكثر) من ذلك، كما في رواية الترمذي؛ أي: أكثر وأشد من أن ينقطع بالكرسف؛ لاشتداده وفوره، قال عبد الرزاق:(فذكر) لنا ابن جريج عن عبد الله بن محمد بن عقيل (نحو حديث شريك) بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، ولم يذكر المؤلف هنا رواية شريك بن عبد الله عن عبد الله بن محمد بن عقيل.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: أبو داوود في الطهارة (110)، باب من قال: إذا أقبلت الحيضة .. تضع الصلاة، رقم (287)، والترمذي في الطهارة (95)، باب ما جاء في المستحاضة، رقم (128)، وقال: حديث حسن صحيح، والحاكم في "المستدرك" في الطهارة مطولًا، قال: وقد اتفق الشيخان على إخراج حديث الاستحاضة من حديث الزهري وهشام بن عروة عن عائشة، وأخرجه البيهقي (1/ 138) في كتاب الحيض، وأحمد والدارقطني.

ص: 456

(163)

-614 - (4) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ،

===

قال المنذري في "تلخيصه": قال الخطابي: قد ترك بعض العلماء القول بهذا الحديث؛ لأن ابن عقيل راويه ليس بذلك، وقال البيهقي: تفرد به عبد الله بن محمد بن عقيل، وهو مختلف في الاحتجاج به، هذا آخر كلامه، وقد أخرجه الترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وقال أيضًا: وسألت محمدًا - يعني: البخاري - عن هذا الحديث، فقال: هو حديث حسن، وقال أحمد: هو حديث حسن صحيح. انتهى.

قال صاحب "سبل السلام" بعد نقل كلام المنذري هذا: فعرفت أن القول بأنه حديث غير صحيح .. غير صحيح، بل قد صححه الأئمة. انتهى.

قلت: إن هذا الحديث حسن سنده، لكون ابن عقيل من رجاله، وهو مختلف فيه، صحيح بما قبله من حديث عائشة، لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث فاطمة بنت أبي حبيش، والله سبحانه وتعالى أعلم.

* * *

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث فاطمة بنت أبي حُبيش بحديث أم سلمة رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(163)

-614 - (4)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد) الطنافسي الكوفي.

(قالا: حدثنا أبو أسامة) حماد بن زيد الهاشمي الكوفي.

(عن عبيد الله بن عمر) بن حفص بن عاصم العمري المدني.

(عن نافع) مولى ابن عمر.

ص: 457

عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: سَأَلَتِ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: إِنِّي أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؛ قَالَ: "لَا، وَلكِنْ دَعِي قَدْرَ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي ألَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ"، قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي حَدِيثِهِ: "وَقَدْرَهُنَّ مِنَ الشَّهْرِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي

===

(عن سليمان بن يسار) الهلالي مولاهم؛ مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم.

(عن أم سلمة) زوج النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.

(قالت) أم سلمة: (سألت امرأة) ولعلها فاطمة بنت أبي حُبيش كما في "العون"(النبي صلى الله عليه وسلم عن استحاضتها، فـ (قالت) المرأة في سؤالها: (إني) يا رسول الله (أُستحاض) -بضم الهمزة وفتح التاء- وهذه الكلمة ترد على صيغة المبني للمفعول مع أن المعنى للفاعل، يقال: استُحيضت المرأة فهي مستحاضة؛ إذا استمر بها الدم بعد أيام حيضها ونفاسها، (فلا أطهر) أي: مدة مديدة (أفأدع) بهمزة الاستفهام؛ أي: أفأترك (الصلاة) ما دامت الاستحاضة معي ولو طالت المدة؟

فـ (قال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا) تتركي الصلاة ولا تدعيها، (ولكن دعي) الصلاة في المدة التي كانت (قدر الأيام والليالي التي كنت تحيضين) فيها أيام صحتك من كل شهر، سواء كان من غالب الحيض من ستة، أو سبع، أو أكثر من خمسة عشر، أو أقله من يوم وليلة.

(قال أبو بكر) ابن أبي شيبة (في حديثه: و) لكن دعي الصلاة (قدرهن) أي: قدر الأيام والليالي التي كنت تحيضين فيهن في أيام صحتك (من الشهر) أي: من كل شهر، (ثم) بعدما مضت تلك الأيام والليالي (اغتسلي) اغتسالًا

ص: 458

وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ وَصَلِّي".

(164)

- 615 - (5) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ،

===

مثل اغتسالك من الحيض، (واستثفري) أي: واربطي فرجك (بثوب) أي: بخرقة، (وصلي) كل صلاة من الصلوات الخمس كذلك، والاستثفار: هو أن تشد فرجها بخرقة عريضة بعد أن تحتشي قطنًا وتوثق طرفيها في شيء تشده على وسطها كالتكة؛ ليمنع سيلان الدم، مأخوذ من ثفر الدابة الذي يجعل تحت ذنبها، والحاصل: أن المعتادة إذا استمر بها الدم ترد الحيض إلى العادة المعلومة لها في حال الصحة.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: أبو داوود في الطهارة، باب المرأة تُستحاض، رقم (274)، والنسائي في الطهارة، باب ذكر الاغتسال من الحيض، رقم (208).

فدرجة هذا الحديث: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستشهاد به.

* * *

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث فاطمة بنت أبي حبيش بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(164)

- 615 - (5)(حدثنا علي بن محمد) الطنافسي.

(وأبو بكر بن أبي شيبة، قالا: حدثنا وكيع عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت) قيس، ويقال: هند بن دينار الأسدي مولاهم أبي يحيى الكوفي، ثقة، فقيه فاضل، وكان كثير الإرسال والتدليس، من الثالثة، مات سنة تسع عشرة ومئة (119 هـ). يروي عنه:(ع).

ص: 459

عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: "لَا، إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ، اجْتَنِبِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ مَحِيضِكِ،

===

(عن عروة بن الزبير، عن عائشة) رضي الله تعالى عنها.

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.

(قالت) عائشة: (جاءت فاطمة بنت أبي حُبيش) قيس بن المطلب (إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله؛ إني امرأة أُستحاض) أي: أصبت وابتليت بدم الفساد، (فلا أطهر) أي: فلا أجد الطهر والنقاء من الدم، (أفأدع الصلاة؟ ) أي: فهل أترك الصلاة لأجل دمي أم أصليها مع الدم؛ فالهمزة داخلة على محذوف، والفاء عاطفة ما بعدها على ذلك المحذوف؛ والتقدير:(أ) يرخص لي في ترك الصلاة (فأدع) وأترك (الصلاة) مرة لعدم طهارتي؟

فـ (قال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا) أي: لا تدعي الصلاة ولا تتركيها مرة، (إنما ذلك) الدم الجاري منك على الدوام (عرق) أي: دم عرق يُسمى بالعاذل، انشق لمرض وانفجر منه الدم؛ أي: دم عرق انقطع فسال منه الدم؛ أي: هو دم علة ومرض لا دم جبلة وطبيعة فلا يمنع من العبادات والاستمتاع، (وليست) تلك الاستحاضة التي تجري منك لعلة (بالحيضة) التي تخرج لطبيعة وصحة، فلا تمنع تلك الاستحاضة من الصلاة ونحوها، وفي رواية مسلم:(وليس) ذلك الدم الجاري منك على الدوام بحذف تاء التأنيث، وهو أوضح (بالحيضة) التي تخرج من أقصى رحم المرأة في أوانه على سبيل الصحة.

(اجتنبي الصلاة) أي: ابتعدي عن فعل الصلاة واتركيها (أيام محيضك)

ص: 460

ثُمَّ اغْتَسِلِي وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصيرِ".

===

أي: في أيام حيضك المعتاد لك قبل استمرار هذا الدم الجاري منك. وعبارة السندي: (إنما ذلك) - بكسر الكاف على خطاب المرأة - أي: إنما ذلك الدم الزائد على العادة السابقة (عرق) أي: دم عرق انقطع في أدنى رحم المرأة؛ أي: في أسفله وأقربه إلى فم الفرج، لا دم حيض يخرج من أعلى رحم المرأة وأبعده من فم الفرج، بل من عرق تحت الترائب وأقربه إليه وليس بالحيضة.

(ثم) بعدما مر عليك أيام حيضك المعتاد قبل هذا الدم المستمر بك (اغتسلي) غسل جنابة الحيض مرة؛ أي: اغتسلي غسل انقطاع الحيض مرة، (وتوضئي) بعده في أيام استحاضتك (لكل صلاة) إذا دخل وقتها كالمعذور، سواء بسواء كسلس البول وسلس المذي حتى يقبل وقت حيضك المعتاد، ولا عليك غسل انقطاع الحيض بعد تلك المرة، (وإن قطر) وانصب (الدم على الحصير) الذي تنام فيه؛ أي: توضئي وصلي في أيام استحاضتك كلها في جميع الأوقات حتى يقبل وقت حيضك المعتاد؛ أي: لا تتركي الصلاة في كل الأوقات، ولكن اتركيها في مقدار أيام حيضك المعتاد، وفيه دلالة على أن فاطمة كانت معتادة لا مبتدأة. انتهى "كوكب".

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في الحيض (8)، باب الاستحاضة، باب إقبال المحيض، ومسلم في الحيض (14)، باب المستحاضة وغسلها وصلاتها، رقم (62) دون ذكر قوله:"وإن قطر الدم على الحصير"، وأبو داوود في الطهارة (112)، باب من قال: تجمع بين الصلاتين وتغتسل لهما غسلًا واحدًا، رقم (296)، وباب من قال: تغتسل من طهر إلى طهر، رقم (298) مختصرًا، والنسائي في الطهارة (138)، باب الفرق بين دم الحيض والاستحاضة، وابن أبي شيبة في "مصنفه"، والحميدي، ومالك.

ص: 461

(165)

- 616 - (6) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى قَالَا: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي الْيَقْظَانِ،

===

فهذا الحديث: في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه بسوقه: الاستشهاد به.

* * *

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى خامسًا لحديث فاطمة بنت أبي حبيش بحديث عبد الله بن يزيد الخطمي رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(165)

- 616 - (6)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسماعيل بن موسى) الفزاري أبو محمد الكوفي. روى عن: شريك بن عبد الله، ومالك، وإبراهيم بن سعد، وابن عيينة، وآخرين، ويروي عنه:(د ت ق)، وابن خزيمة، والساجي، ومطين، وطائفة.

قال أبو حاتم ومطين: كان صدوقًا، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال ابن حبان في "الثقات": يخطئ، وقال في "التقريب": صدوق يخطئ، رُمي بالرفض، من العاشرة، مات سنة خمس وأربعين ومئتين (245 هـ).

(قالا: حدثنا شريك) بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي، صدوق يخطئ كثيرًا، من الثامنة، مات سنة سبع أو ثمان وسبعين ومئة (178 هـ). يروي عنه:(م عم).

(عن أبي اليقظان) عثمان بن عمير بالتصغير.

قلت: ونسبه أحمد بن حنبل، فقال: هو عثمان بن عمير بن عمرو بن قيس البجلي الكوفي الأعمى. روى عن: عدي بن ثابت، وأبي وائل، وأبي الطفيل، وجماعة، ويروي عنه:(د ت ق)، وشريك، وشعبة، والأعمش، والثوري، وآخرون.

ص: 462

عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ،

===

قال أحمد: ضعيف الحديث منكر الحديث، وهو على المذهب منكر الحديث زائغ لم يحتج به، وبالجملة: اتفقوا على ضعفه، وقال في "التقريب": ضعيف، واختلط وكان يدلس ويغلو في التشيع، من السادسة، مات في حدود الخمسين ومئة (150 هـ).

(عن عدي بن ثابت) الأنصاري الكوفي، روى عن أبيه وجده لأمه عبد الله بن يزيد الخطمي والبراء بن عازب، ويروي عنه:(ع)، وأبو اليقظان، والأعمش، وشعبة، ومسعر، وخلق.

وثقه أحمد والعجلي والنسائي، وفي "التهذيب": روى أبو اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده حديث المستحاضة وحديث: "العطاس والنعاس والتثاؤب في الصلاة من الشيطان"، ولعدي عن أبيه غير ذلك، وقال في "التقريب": ثقة رُمي بالتشيع، من الرابعة، مات سنة ست عشرة ومئة (116 هـ).

(عن أبيه) ثابت بن قيس بن الخطيم، قال في "التقريب": مجهول الحال، من الثالثة. يروي عنه:(د ت ق).

(عن جده) أي: عن جد عدي لأمه عبد الله بن يزيد بن زيد بن حصين بن الحارث بن خطمة بن جُشم بن مالك الأنصاري الأوسي أبي موسى الخطمي، شهد الحديبية وهو صغير وهو ابن سبع عشرة سنة، وشهد الجمل وصفين مع على، وكان أميرًا على الكوفة أيام ابن الزبير، وكان الشعبي كاتبه رضي الله عنه. روى عن: النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبي أيوب، وعن أبي مسعود، وغيرهم، ويروي عنه:(ع)، وابن ابنته عدي بن ثابت.

ص: 463

عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْمُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَتَصُومُ وَتُصَلِّي".

===

(عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الضعف؛ لأن من رجاله أبا اليقظان وهو ضعيف، وأيضًا ثابت بن قيس مجهول الحال.

(قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (المستحاضة) أي: المرأة التي أصابها دم الاستحاضة (تدع الصلاة) وتتركها (أيام أقرائها) أي: أيام حيضها المعتاد لها أولًا قبل الاستحاضة؛ أي: تتركها قدر مدة عادتها من أيام الاستحاضة، (ثم) بعد مضي أقرائها المعتادة؛ أي: ثم بعد فراغ زمن حيضها المعتاد (تغتسل) غسل رفع حدث الحيض مرة (وتتوضأ) بعد ذلك الغسل، وقوله:(لكل صلاة) أي: عند كل صلاة مفروضة متعلق بتتوضأ لا بتغتسل، وفيه دليل على أن المستحاضة تتوضأ عند كل صلاة، (وتصوم وتصلي) ما شاءت.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: أبو داوود في الطهارة (113)، باب من قال: تغتسل من طهر إلى طهر، رقم (297)، والترمذي في الطهارة (94)، باب ما جاء في المستحاضة تتوضأ لكل صلاة، رقم (126)، والنسائي في الطهارة، باب ذكر الاغتسال من الحيض، باب ذكر الأقراء، باب الفرق بين الحيض والاستحاضة، والدارمي، وأحمد.

وهذا الحديث: ضعيف؛ لأنه تفرد به شريك عن أبي اليقظان، وشريك تَكلم فيه غيرُ واحد، وأبو اليقظان لا يُحتج بحديثه، قاله المنذري، ولكن له شواهد ذكرها الحافظ الزيلعي والحافظ ابن حجر في تخريجهما؛ فمنها حديث عائشة المذكور في الباب. انتهى "تحفة الأحوذي".

ص: 464

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

قلت: فالحديث صحيح بما قبله من حديث عائشة المتفق عليه، فهو: ضعيف السند، صحيح المتن.

* * *

فجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: ستة أحاديث:

الأول: حديث فاطمة بنت أبي حُبيش، ذكره للاستدلال.

والثاني: حديث عائشة الأول، ذكره للاستشهاد.

والثالث: حديث أم حبيبة بنت جحش، ذكره للاستشهاد.

والرابع: حديث أم سلمة، ذكره للاستشهاد.

والخامس: حديث عائشة الثاني، ذكره للاستشهاد.

والسادس: حديث عبد الله بن يزيد الخطمي، ذكره للاستشهاد.

والله سبحانه وتعالى أعلم

ص: 465