الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(
[طرق التَّحَمُّل وَالْأَدَاء] )
(فاللفظان الأوّلان) أَشَارَ فِي الشَّرْح إِلَى أَن الْمَتْن وَقع فِيهِ الْوَصْف / لموصوف مَحْذُوف، وَكَانَ الْأَنْسَب أَن يَقُول: الأوليَان أَي الكلمتان الأوليان، أَو الصيغتان (من صِيغ الْأَدَاء، وهما: " سَمِعت وحَدثني " صالحان) الأولَى ثابتان (لمن سمع وَحده من لفظ الشَّيْخ) .
(وَتَخْصِيص التحديث بِمَا سُمِع من لفظ الشَّيْخ) وَكَذَا الْإِخْبَار بِالْقِرَاءَةِ على / 121 - ب / الشَّيْخ، (هُوَ الشَّائِع بَين أهل الحَدِيث اصْطِلَاحا) أَي وَإِن كَانَ لَا تساعده اللُّغَة كَمَا قَالَ:(وَلَا فرق بَين التحديث والإخبار من حَيْثُ اللُّغَة، وَفِي ادِّعَاء الْفرق بَينهمَا) أَي لُغَة، (تكلُّفّ شَدِيد) وَلَعَلَّ التَّكَلُّف هُوَ أَن الْإِخْبَار مَأْخُوذ من الخِبرةَ، وَهُوَ الِاخْتِيَار، وَفِي الْقِرَاءَة على الشَّيْخ بِمَعْنى الامتحان مَوْجُود، وَهُوَ أَنه هَل يُقَرره أم لَا؟
قَالَ ابْن الصّلاح: الْفرق بَينهمَا هُوَ الشَّائِع الْغَالِب على أهل [175 - أ] الحَدِيث، والاحتجاج لذَلِك من حَيْثُ اللُّغَة عناء وتكلُّفّ، وَخير مَا يُقَال فِيهِ: أَي أحسن مَا يُوَجه بِهِ: أَنه اصْطِلَاح مِنْهُم أَرَادوا بِهِ التَّمْيِيز بَين النَّوْعَيْنِ.
(لَكِن لما تقرر الِاصْطِلَاح صَار ذَلِك حَقِيقَة عرفية، فتُقدم على الْحَقِيقَة اللُّغَوِيَّة) . ذكر السخاوي فِي " شرح الألفية ": أَن التَّمْيِيز بَين أخبرنَا، وَحدثنَا اسْتشْهد
لَهُ بعض الْأَئِمَّة بِأَنَّهُ لَو قَالَ: مَن أَخْبرنِي بِكَذَا، فَهُوَ حر، وَلَا نِيَّة لَهُ فَأخْبرهُ بذلك بعض أرقائه بِكِتَاب، أَو رَسُول أَو كَلَام، عَتَق، بِخِلَاف مَا لَو قَالَ: مَنْ حَدثنِي بِكَذَا، [فَإِنَّهُ] لَا يعْتق إِلَّا إِن شافهه، زَاد بَعضهم: والبشارة مثل الْخَبَر: انْتهى.
وَالظَّاهِر أَن مبْنى الْأَيْمَان على عُرف أهل الزَّمَان، ثمَّ إِنَّه يحْتَمل أَن يكون عرفا خَاصّا، وَأَن يكون عَاما، ثمَّ الْمُحَقِّقُونَ فرقوا بَين التبشير والإخبار بِأَن الأول هُوَ الْخَبَر السَّابِق الَّذِي أَثُرهُ يظْهر على بَشرته، فَلَو قَالَ لعبيده: من بشرني بِكَذَا، فَهُوَ حُر، فالمُخبِر الأول يعْتق لَا غير، وَلَو قَالَ: مَن أَخْبرنِي، يعْتق كل من أخبرهُ مِنْهُم. وَقَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد:" حَدثنَا " يَعْنِي فِي الْعرض بعيد من الْوَضع اللّغَوِيّ بِخِلَاف أخبرنَا، فَهُوَ صَالح لما حدّث بِهِ الشَّيْخ، وَلما قرئَ عَلَيْهِ فأقرّ بِهِ، فَلفظ الْإِخْبَار أَعم من التحديث، فَكل تحديث إِخْبَار، وَلَا ينعكس.
وَحَاصِل كَلَام الشَّيْخ أنّ العُرف مُقَدم على اللُّغَة كَمَا هُوَ مُقَرر، فَإِذا قَالَ الْمُحدث:" حدّثنا " يُحمل على السماع من الشَّيْخ، وَإِذا قَالَ:" أخبرنَا " يُحمل على سَماع الشَّيْخ.
(مَعَ أَن هَذَا الِاصْطِلَاح) وَهُوَ الْفرق، (إِنَّمَا شاع عِنْد المشارقة) أَي جُلَّهم (وَمن تَبِعَهُمْ) وَهُوَ مَذْهَب الأوْزَاعيّ، وَابْن جُرَيج، وَالْإِمَام الشَّافِعِي، وَمُسلم، بل قيل: إِنَّه مَذْهَب أَكثر الْمُحدثين مِنْهُم ابْن وَهْبٍ الْمصْرِيّ، وَالنَّسَائِيّ.
(وَأما غَالب المغاربة) أَي ومَن تَبِعَهُمْ.
(فَلم يستعملوا هَذَا الِاصْطِلَاح [175 - ب] ، بل الْإِخْبَار والتحديثُ عِنْدهم بِمَعْنى وَاحِد) وَهُوَ جَوَاز إطلاقهما فِي الْقِرَاءَة على الشَّيْخ مَعًا. وَقد قيل: إِن هَذَا مَذْهَب الْحِجَازِيِّينَ، والكوفيين، وقولِ الزُّهري، [وَمَالك] ، وسُفيان بن عُيينَة، وَيحيى بن سعيد / 122 - أ / فِي آخَرين من الْمُتَقَدِّمين، وَهُوَ مَذْهَب البُخَارِيّ وَجَمَاعَة إجلاء من الْمُحدثين.
(فَإِن جمع الرَّاوِي) أَي ضمير الْمُتَكَلّم فِي الْأَوَّلين بِقَرِينَة مَا تقدم من قَوْله: فالأولان. (أَي أَتَى بِصِيغَة الْجمع / فِي الصِّيغَة الأولى) أَي بِصِيغَة الْمرتبَة الأولى وَهِي " سَمِعت وحَدثني "، وَلَو كَانَ بالتوصيف لاختص ب سَمِعت. وَفِي بعض النّسخ بِصِيغَة الأول، وكأنَّ المُرَاد جنس الأول، فَيشْمَل الْأَوَّلَانِ جَمِيعًا.
(كأنْ) وَالْأَظْهَر بِأَن (يَقُول: حَدثنَا فلَان، أَو سمعنَا فلَانا يَقُول) أَي كَذَا، (فَهُوَ دَلِيل على أَنه سَمعه مِنْهُ مَعَ غَيره) أَعم من [أَن] يكون [ذَلِك] الْغَيْر وَاحِدًا، أَو
اثْنَيْنِ، مذكراً أَو مؤنثاً.
(وَقد تكون النُّون) أَي فِي الْمُتَكَلّم (للعظمة) أَي للمُعَظم نَفْسَه نَحْو: {إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا} و {إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر} وَهُوَ كثير فِي الْقُرْآن
(لَكِن بقلَّة) أَي يُوجد بِوَصْف قِلة فِي الْإِسْنَاد وَغَيره، إِذْ أَكثر مَا يَقُول الْمُنْفَرد: حدّثني وَأَخْبرنِي.
(وأولها) أَي الْحَقِيقِيّ وَهُوَ " سَمِعت " بِخُصُوصِهِ دون سَمِعت مَعَ حَدثنِي، وَيدل عَلَيْهِ قَوْله الْآتِي: " لِأَن حَدثنِي
…
" إِلَخ، فَالْأَظْهر تَفْسِير كِلَا الضميرين بصيغ الْأَدَاء، وَتَفْسِير الأول بصيغ الْأَدَاء، وَالثَّانِي بالمراتب الثَّمَانِية على عكس مَا فعله المُصَنّف حَيْثُ قَالَ:
(أَي صِيغ الْمَرَاتِب، أصرحهَا، أَي أصرح صِيغ الْأَدَاء) ؛ لِأَن أول الْمَرَاتِب هُوَ مَجْمُوع " سَمِعت "، و " حَدثنِي " لَا سَمِعت وَحده الَّذِي هُوَ المُرَاد هَهُنَا، ثمَّ [إنّ] أَولهَا وَهُوَ " سَمِعت " أصرحهَا (فِي سَماع قَائِلهَا لِأَنَّهَا لَا تحْتَمل الْوَاسِطَة) أَي بِخِلَاف حَدثنِي، وَمَا بعده. ومثاله: قَول الْحسن [176 - أ] الْبَصْرِيّ: حَدثنَا ابْن عَبَّاس على متن الْبَصْرَة، أَي ظهرهَا، فَإِنَّهُ لم يسمع من ابْن عَبَّاس.
(وَلِأَن حدّثني قد يُطلق فِي الْإِجَازَة تدليساً) أَي وسمعتُ لَا يكَاد يُطلق فِيهَا.
فِي حَاشِيَة التلميذ: قَالَ المُصَنّف فِي تَقْرِيره: فَهَذَا يدل عَلَيْهِ مَا روى مُسلم فِي قِصة الرجل الَّذِي يقْتله الدَّجَّال ثمَّ يُحييه، فَيَقُول عِنْد ذَلِك:" أشهد أَنَّك الرجل الَّذِي حَدثنَا عَنْك رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم ". ومِنَ الْمَعْلُوم أَن هَذَا الرجل لم يسمع من النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، وَإِنَّمَا يُرِيد ب:" حَدثنَا " جماعةَ الْمُسلمين. انْتهى.
قلت: هَذَا يدل على جَوَاز الْإِطْلَاق لَا على الْإِطْلَاق تدليساً المستشْهَدِ [عَلَيْهِ] . تَمَّ كلامُهُ.
وَإِنَّمَا نَشأ هَذَا الِاعْتِرَاض من سوء ظَنّه بشيخه، وَقلة فهمه، وزعمه بِنَفسِهِ حَيْثُ جعل قَوْله:" فَهَذَا " رَاجعا إِلَى الْإِطْلَاق فِي الْإِجَازَة، وَإِنَّمَا هُوَ عَائِد إِلَى مَا قبله، فإنّ مثل هَذَا لَا يخفى على مَنْ لَهُ أدنى مُسْكَة من الْعقل / 122 - ب / والإلمام، فَكيف يخفى على شيخ الْإِسْلَام الَّذِي هُوَ خَاتِمَة الْمُحدثين، ومرجع هَذَا الْفَنّ عِنْد الْأَنَام؟ ! وَإِنَّمَا أَتَى بِهَذَا القَوْل بعد تَمام الْكَلَام، وفوض الْأَمر إِلَى ذَوي الإفهام، إِن صَحَّ أَنه قَرَّرَ مَا حُرِّر فِي هَذَا الْمقَام، وَالله سُبْحَانَهُ أعلم بالمرام.
وَالْحَاصِل: أَن " حَدثنِي وَسمعت " من أول الْمَرَاتِب، وَهُوَ السماع من الشَّيْخ كَمَا سبق، وَهَهُنَا أَشَارَ إِلَى التَّفَاوُت بَينهمَا فَقَالَ: أَولهَا أصرحهَا، وَقد اختلفَ فِي أنّ أيَّهما أصرح، فَاخْتَارَ الخطيبُ وتَبِعه المُصَنّف أنَّ أَولهَا " سَمِعت "، ثمَّ " حدّثني " لِمَا سبق
من الْأَدِلَّة، وَقَالَ بَعضهم:" حَدثنِي " لدلالته [على] أَن الشَّيْخ رَوَاهُ [إِيَّاه] بِخِلَاف سَمِعت، وَالْأول أصح.
هَذَا، وَمِمَّا يدل على / بطلَان كَلَام التلميذ أَن ابْن الْقطَّان قَالَ: وَأَنا أعلم أَن حَدثنَا لَيْسَ بِنَصّ فِي أَن قَائِلهَا [سمع] ، فَفِي مُسلم [176 - ب] حَدِيث الَّذِي يقْتله الدجّال
…
الخ، قَالَ: وَمَعْلُوم أَن ذَلِك الرجل مُتَأَخّر الْمِيقَات، فَيكون مُرَاده حَدِيث أمته. هَذَا، إِن لم يكن ذَلِك الرجل الخَضِر عليه السلام.
(وأرفعها)[مُبْتَدأ، وَقَوله:](مِقْدَارًا) تَمْيِيز أَي [أَعلَى] صِيغ الْأَدَاء فِي كل مرتبَة، (مَا يَقع فِي الْإِمْلَاء لما فِيهِ) أَي فِي الْإِمْلَاء، (من التثبت والتحفظ) يَعْنِي أَن السماع من لفظ الشَّيْخ إِمَّا إملاءً على الطَّالِب وَهُوَ يكْتب، وَإِمَّا سرداً، [وَالْأول] هُوَ الأرفع، وَأَعْلَى أقسامه لما فِيهِ من تثبت الشَّيْخ فِي الْإِمْلَاء، والطالب فِي الْكتاب فَهُما لذَلِك أبعدُ من الْغَفْلَة، وَأقرب إِلَى التَّحْقِيق، وتمييز الْأَلْفَاظ.
مثلا فِي الْمرتبَة الأولى إِذا قَالَ: حَدثنِي الشَّيْخ إملاء، فَهَذِهِ أرفع مرتبَة من أَن يَقُول: سَمِعت الشَّيْخ. وَبِهَذَا يتَبَيَّن لَك أَن الأولى تَقْدِيم قَوْله: وأرفعها على قَوْله: أَوَّلُها، أَو تَأْخِيره عَن قَوْله: كالخامس؛ لِأَنَّهُ يتَعَلَّق بِمُطلق الصِّيَغ أَولا كَانَ أَو غَيره، ولَمّا عُلِم حكم الأول وَالثَّانِي قَالَ:
(وَالثَّالِث) أَي من صِيغ الْأَدَاء، (وَهُوَ " أَخْبرنِي ") .
(وَالرَّابِع وَهُوَ " قَرَأت عَلَيْهِ " لمن قَرَأَ بِنَفسِهِ على الشَّيْخ، فَإِن جمع) أَي الرَّاوِي اللَّفْظَيْنِ، (كَأَن يَقُول: أخبرنَا [أَو قَرَأنَا] عَلَيْهِ) وَفِي نُسْخَة صَحِيحَة: بِالْوَاو وَلكنهَا بِمَعْنى أَو، (فَهُوَ كالخامس، وَهُوَ " قرئَ عَلَيْهِ وَأَنا أسمع ") أَي مِنْهُ يَعْنِي أَن أخبرنَا وَنَحْوه يُقَال فِيمَا قرئَ على الشَّيْخ، وَهُوَ يسمع.
(وعُرِف من هَذَا) أَي مِمَّا ذكر [من] أَن " أَخْبرنِي وقرأت عَلَيْهِ " لمن [قَرَأَ] بِنَفسِهِ، (أَن التَّعْبِير ب: قَرَأتُ لمن قَرَأَ خير من التَّعْبِير بالإخبار) حَيْثُ يفهم من تَعْبِيره بعنوان الْقِرَاءَة أَن الْمَقْصُود من هَاتين الصيغتين بَيَان قِرَاءَته، وَلَا شكّ أَن " قَرَأت " / 123 - أ / فِي إِفَادَة ذَلِك الْمَقْصُود أصرح، وَأظْهر من " أَخْبرنِي " كَمَا صرح بِهِ بقوله:
(لِأَنَّهُ أفْصح بِصُورَة الْحَال) فالتعبير بقوله: قَرَأت على فلَان خير، وَقَوله:[177 - أ] لِأَنَّهُ أفْصح عِلّة الْعلَّة.
(تَنْبِيه:) أَي هَذَا تَنْبِيه مُحْتَاج إِلَى تَأمل فِيمَا اخْتُلِفَ فِيهِ.
(الْقِرَاءَة على الشَّيْخ أحد وُجُوه التَّحَمُّل) أَي أحد أَنْوَاع أَخذ الْعلم (عِنْد الْجُمْهُور) أَي من الْمُحدثين.
(وأُبْعَدَ مَنْ أَبَى ذَلِك) أَي جَوَاز التَّحَمُّل بِالْقِرَاءَةِ على الشَّيْخ (من أهل الْعرَاق) وهم شِر ذمَّة قَليلَة.
(وَقد اشْتَدَّ إِنْكَار الإِمَام مَالك وَغَيره من الْمَدَنِيين) أَي الَّذين هم معْدن الْعلم، (عَلَيْهِم) أَي على الْعِرَاقِيّين (بذلك) أَي بِسَبَب ذَلِك القَوْل، أَو الإباء وَفِي نُسْخَة: فِي ذَلِك (حَتَّى بَالغ بَعضهم) أَي بعض الْمَدَنِيين، أَو بعض الْعلمَاء، وَهُوَ الْأَظْهر، (فرجحها) أَي الْقِرَاءَة على الشَّيْخ، (على السماع من لفظ الشَّيْخ) وَهُوَ مَذْهَب الإِمَام أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى على مَا ذكره الْعِرَاقِيّ.
(وَذهب جمع جمّ) أَي كثير، (مِنْهُم البُخَارِيّ - وَحَكَاهُ) أَي البُخَارِيّ أَي ذَلِك الْمَذْهَب (فِي أَوَائِل صَحِيحَة عَن جمَاعَة من الْأَئِمَّة -) فَإِنَّهُ قَالَ فِي كتاب الْعلم فِي الْبَاب السَّادِس: / سَمِعت أَبَا عَاصِم [يَقُول] : عَن مَالك، وسُفْيَان: أَن الْقِرَاءَة على الْعَالم وقراءته سَوَاء، فَذهب جمع وَهُوَ مَعَهم. (إِلَى أَن السماع من لفظ الشَّيْخ وَالْقِرَاءَة) بِالنّصب، (عَلَيْهِ) أَي على الشَّيْخ، (يَعْنِي فِي الصِّحَّة، وَالْقُوَّة سَوَاء،)
تَفْسِير لما بعده وَهُوَ قَوْله: سَوَاء، وَكَانَ الأولى أَن يَقُول أَولا: سَوَاء، ثمَّ يَقُول: أَي فِي الصِّحَّة وَالْقُوَّة. (وَالله سُبْحَانَهُ أعلم) .
وَالْحَاصِل: أَن الْقِرَاءَة من الطَّالِب على الشَّيْخ، وَهُوَ سَاكِت يسمع - ويسميها أَكثر الْمُحدثين من [أهل] الْمشرق وخُرَاسان عرضا لكَون الْقَارئ يعرض على الْمُحدث مَرويه، سَوَاء [قَرَأَ هُوَ] ، أَو قَرَأَ غَيره وَهُوَ يسمع، وَسَوَاء قَرَأَ مِن كتاب أَو حِفظٍ، وَسَوَاء حفظ الشَّيْخ أم لَا إِذا أمسك أَصله هُوَ أَو ثقةُ من السامعين - أحدُ وُجُوه التَّحَمُّل، وَرِوَايَته صَحِيحَة عِنْد الْجُمْهُور بل عِنْد الْكل على مَا ذكره الْعِرَاقِيّ قَالَ: والمخالف لَا يُعْتد بِهِ فِي نقض الْإِجْمَاع من السّلف كَأبي عاصمٍ النَّبِيل، فِيمَا حَكَاهُ الرَّامَهُرْمُزِي عَنهُ. ووكيعٌ قَالَ: مَا [177 - ب] أُحَدثُ حَدِيثا قطّ عَرْضَاً.
(وَعَن مُحَمَّد بن سَلَام: أَنه أدْرك الإِمَام [مَالك] بن أنس وَالنَّاس يقرؤون عَلَيْهِ، فَلم يسمع [مِنْهُ] لذَلِك، وَكَذَلِكَ عبد الرَّحْمَن بن سَلَام الجُمَحِي لم يكتف بذلك فَقَالَ مَالك: أَخْرجُوهُ عني، وَكَانَ مَالك يَأْبَى هَذِه الْمقَالة أَشد الإباء، وَيَقُول: كَيفَ لَا يجْرِي الْعرض فِي الحَدِيث، وَيجْرِي فِي الْقُرْآن وَهُوَ أعظم، وَاسْتدلَّ جمَاعَة مِنْهُم أَبُو سعيد الحَدَّاد فِيمَا / 123 - ب / حَكَاهُ البُخَارِيّ وَأقرهُ للمُعْتَمِد بِقصَّة ضَمام، وَأَن قَوْله للنَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم: آللهُ أَمَرَك بِهَذَا؟ وَقَالَ
لَهُ: نعم، قِرَاءَة على النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ أخبر قومه فأجازوه أَي قبلوه.
هَذَا، وَوجه التَّسْوِيَة أَن لكل مِنْهُمَا جِهَة أرجحية ومرجوحية، فتعادلا، أما العَرْض، فلتمكن الْمُحدث بإنصاته وإقباله من الرَّد، وَعدم تمكن الطَّالِب مِنْهُ إِمَّا لهيبته، أَو طنه خطأ مَا عِنْده، أَو صحتهما مَعًا، وَلِهَذَا قَالَ ابْن فَارس: السَّامع أربط جأشاً، وأوعى قلباً، وَتَوزُّعُ الْفِكر إِلَى الْقَارئ أسْرع، وَأما اللَّفْظ فلعدم تَقْلِيد غَيره، ومزيد إقباله الَّذِي لَا يتهيأ لَهُ التشاغل عَنهُ إِلَّا بِقطع مَا هُوَ فِيهِ، ثمَّ الْآن الْعَمَل على الأول، وَعَلِيهِ المعوّل، فَإِنَّهُ بالتحقيق أكمل.
(والإنباء من حَيْثُ اللُّغَة) أَي مُطلقًا، (واصطلاح الْمُتَقَدِّمين) ، أَي من الْمُحدثين، (بِمَعْنى الْإِخْبَار إِلَّا فِي عرف الْمُتَأَخِّرين فَهُوَ) أَي الإنباء (للإجازة ك: عَن؛ لِأَنَّهَا) ، أَي عَن (فِي عرف الْمُتَأَخِّرين للإجازة) .
قَالَ تِلْمِيذه: الْمقَام مقَام الْإِضْمَار لتقدم ذكرهم، وَهُوَ أخصر. قلت: عَدَل عَن الْإِضْمَار إِلَى الْإِظْهَار دفعا لوهم الْعود إِلَى الْمُتَقَدِّمين. قَالَ المُصَنّف والطبقة المتوسطة بَين [178 - أ] الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين لَا يذكرُونَ الإنباء إِلَّا مُقَيّدا بِالْإِجَازَةِ، فَلَمَّا كثر واشتهر اسْتغنى الْمُتَأَخّرُونَ عَن ذِكره التلميذ.