الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصَّحَابِيّ) قيل هَذِه الْعبارَة غير ظاهرةِ الْمَعْنى، وَالْأَحْسَن أَن يَقُول بدلهَا: أوردت
تَعْرِيف الصَّحَابِيّ
بالاستطراد.
(مَن هُوَ) الظَّاهِر مَا هُوَ، لِأَن كلمة مَا للسؤال عَن الْمَاهِيّة دون مَنْ وَالْأَحْسَن أَن يَقُول: إِنَّه هُوَ على أَن يكون بَدَلا من تَعْرِيف الصَّحَابِيّ، وَالْحَاصِل: أَنِّي عرّفت الصَّحَابِيّ من هُوَ ليحصل معرفَة الصَّحَابَة كمعرفة غَيرهم من الروَاة، وَإِلَّا فالتعريف من المبادئ لَا من الْمسَائِل، وَلذَا قيل: الْمُلَازمَة غير ظَاهِرَة [144 - ب] وَكَانَ الأولى أَن يَقُول: ولَمَّا أنْجَرَّ الْكَلَام إِلَى ذكر الصَّحَابِيّ، فعرفته، وَكَذَا الْحَال فِي التَّابِعِيّ، (فَقلت) :
( [تَعْرِيف الصَّحَابِيّ] )
(وَهُوَ) أَي الصَّحَابِيّ، (مَن لَقِي) بِكَسْر الْقَاف، أَي رأى (النَّبِي عليه الصلاة والسلام أَو رَآهُ النَّبِي عليه الصلاة والسلام حَال كَونه (مؤمِناً بِهِ) أَي بِالنَّبِيِّ صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، وَبِمَا جَاءَ بِهِ من عِنْد الله تَعَالَى
قَالَ السخاوي: دخل فِيهِ من رَآهُ وآمن بِهِ من الْجِنّ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة
السَّلَام بُعِثَ إِلَيْهِم قطعا، وهم مكلَّفون، وَفِيهِمْ العصاة والطائعون، وَلذَا قَالَ ابْن حَزْم فِي الْأَقْضِيَة من المُحَلَّى: قد أعلمنَا الله تَعَالَى أنّ نَفرا من الْجِنّ آمنُوا وَاسْتَمعُوا الْقُرْآن من النَّبِي عَلَيْهِ وَالصَّلَاة وَالسَّلَام، فهم صحابة فضلاء، وَحِينَئِذٍ يتَعَيَّن ذكر من عُرِف مِنْهُم فِي الصَّحَابَة، وَلَا الْتِفَات لإنكار ابْن الْأَثِير على أبي مُوسَى المَديني تَخْرِيجه فِي الصَّحَابَة لبَعض من عَرَفه مِنْهُم، فَإِنَّهُ لم يسْتَند فِيهِ إِلَى حجَّة.
(وَمَات على الْإِسْلَام) أَي إِجْمَاعًا، (وَلَو تخللت) وصلية، (رِدَّة) أَي ارتداد وَكفر (فِي الْأَصَح) أَي على مُقْتَضى مَذْهَب الشَّافِعِي، وَمن تبعه من أَن الارتداد لَا يبطل الْأَعْمَال إِلَّا بِمَوْتِهِ على الْكفْر.
وَأما فِي مَذْهَبنَا الْمُقَرّر من أَن الرِّدَّة تبطل ثَوَاب جَمِيع الْأَعْمَال وَلَو رَجَعَ إِلَى / 101 - ب / الْإِسْلَام، وَأَنه يجب عَلَيْهِ إِعَادَة الْحَج فَإِنَّهُ فرض عمري، فَتبْطل صحبته بِالرّدَّةِ، فَلَا يكون صحابياً إِلَّا أَن حصلت لَهُ رُؤْيَة ثَانِيَة، وَعَلِيهِ الإِمَام مَالك وَسَيَأْتِي زِيَادَة بَيَان لهَذَا، / وَالْعجب من شَارِح حَنَفِيّ مَشْهُور بِأَنَّهُ عَلَاّمة حَيْثُ لم يعرف مذْهبه، وَقَالَ: أَي على [145 - أ] الْأَصَح الَّذِي ذهب إِلَيْهِ الْجُمْهُور من الْمُحدثين والأصوليين وَغَيرهم. قَالَ: وَقد ذكر المُصَنّف قيدا لَا بُد مِنْهُ وَلم يذكرهُ الْجُمْهُور وَهُوَ قَوْله: " مَاتَ على الْإِسْلَام " لِئَلَّا يلْزم أَن يكون من مَاتَ على الرَّدة معدوداً من الصَّحَابَة.
قلت: وَإِنَّمَا تَركه الْجُمْهُور لكَمَال الظُّهُور، بل فِي الْحَقِيقَة إِنَّمَا ذكره ليترتب عَلَيْهِ: وَلَو تخللت رِدَّة على الْأَصَح، [لكنه موهم أَن يكون على الْأَصَح] قيدا للمسألتين، فَدَفَعته بِقَوْلِي فِي الأول: أَي إِجْمَاعًا.
(وَالْمرَاد باللقاء) أَي الملاقاة، (مَا هُوَ أَعم من المجالسة والمماشاة) وَكَذَا من المكالمة والمبايعة (ووصول أَحدهمَا إِلَى الآخر وَإِن لم يكالمه) أَي أَحدهمَا الآخر.
(وَيدخل فِيهِ) أَي فِي اللُّقِيّ بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ الشَّامِل للوصول، أَو فِي التَّعْرِيف، (رُؤْيَة أَحدهمَا الآخر) وَلَو لَحْظَة لشرف منزلَة مطالعة طلعة النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي هُوَ أفضل من الكبريت الْأَحْمَر فِي التَّأْثِير، فَكَأَنَّهُ كَمَا صرح بِهِ بَعضهم إِذا رَآهُ مُسلم، أَو رأى مُسلما لَحْظَة طُبع قلبه على الاسْتقَامَة فِي الدّين لِأَنَّهُ بِإِسْلَامِهِ متهيئ للقبول، فَإِذا قَابل ذَلِك النُّور الْعَظِيم أشرق عَلَيْهِ فَظهر أَثَره على قلبه وجوارحه، وَالْمرَاد رُؤْيَته فِي حَال حَيَاته وَإِلَّا فَلَو رَآهُ بعد مَوته قبل دَفنه [فَفِيهِ] خلاف.
(سَوَاء كَانَ ذَلِك) أَي الْوُصُول، أَو مَا ذكر من الرُّؤْيَة، (بِنَفسِهِ أَو بِغَيْرِهِ) أَي سَوَاء كَانَ بالاستقلال بِأَن يقْصد رُؤْيَته على حِدة، أَو بالتبعية ووسيلة الْغَيْر وَسَوَاء كَانَ ينظر إِلَيْهِ قصدا، أَو قصد رُؤْيَة غَيره وَرَآهُ تبعا [145 - ب] بِوُقُوع نظره
عَلَيْهِ اتِّفَاقًا من غير قصد، وَإِلَّا فالرؤية بِالْغَيْر مِمَّا لَا معنى لَهُ، أَو يُقَال مَعْنَاهُ: سَوَاء كَانَ رُؤْيَة أَحدهمَا للْآخر بِنَفسِهِ بِأَن يكون هُوَ نَفسه باعثاً على الرُّؤْيَة، أَو كَانَ بِغَيْرِهِ بِأَن يكون الْبَاعِث ذَلِك الْغَيْر.
قَالَ التلميذ: قَوْله: بِغَيْرِهِ أَي بِأَن يكون صَغِيرا فَيحمل إِلَى النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم.
(وَالتَّعْبِير " باللُّقِي " أولى من قَول بَعضهم: " الصَّحَابِيّ من رأى النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم ") وَإِنَّمَا قَالَ: أولى لِأَنَّهُ يُمكن أَن يُرَاد بِالرُّؤْيَةِ فِي قَول بَعضهم بِنَاء على الْغَالِب، أَو يُقَال: المُرَاد بِالرُّؤْيَةِ الملاقاة، بِحَيْثُ لَو كَانَ لَهُ بصر لرآه كَمَا هُوَ الْمُسْتَعْمل فِي الْعرف. وَبَعْضهمْ هُوَ: أَبُو عَمْرو بن الصّلاح على مَا قَالَه التلميذ، وَقَالَ الْعِرَاقِيّ: هَكَذَا أطلقهُ كثير من أهل / 102 - أ / الحَدِيث، ومرادهم بذلك مَعَ زَوَال الْمَانِع من الرُّؤْيَة كالعمى. انْتهى. وعَلى كل تَقْدِير فتعريف المُصَنّف أولى
(لِأَنَّهُ) أَي قَول بَعضهم (يُخرج) أَي بِنَاء على الظَّاهِر، (ابْن أم مَكْتُوم) أَي الْأَعْمَى الَّذِي نزل فِي حَقه {عبس وَتَوَلَّى} ، قيل: يخرج إِمَّا من الْإِخْرَاج، فالابن مَنْصُوب، أَو من الْخُرُوج وَالِابْن مَرْفُوع، وَلَكِن لَفْظَة " بِهِ " أَي بِهَذَا القَوْل مُقَدّر حينئذٍ فالأوّل أولى. (وَنَحْوه وَمن العُميان،) بِضَم الْعين، (وهم) أَي وَالْحَال أَنهم (صحابة بِلَا تردد) أَي بِلَا خلاف وَشك.
قَالَ المُصَنّف: الَّذِي اخترته أخيراً أَن / قَول مَن قَالَ: رأى النَّبِي عليه الصلاة والسلام لَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْأَعْمَى لِأَن المُرَاد بِالرُّؤْيَةِ مَا هُوَ أَعم من الرُّؤْيَة بِالْقُوَّةِ أَو بِالْفِعْلِ، وَالْأَعْمَى فِي قُوَّة مَن يرى بِالْفِعْلِ، وَإِن عرض مَانع من الرُّؤْيَة بِالْفِعْلِ وَهُوَ الْعَمى. قَالَ [146 - أ] تِلْمِيذه: اخْتِيَار مجَاز بِلَا قرينَة لَا عِبْرَة بِهِ. قلت: الْعرف قرينَة مَعْرُوفَة، بل قيل: الْمجَاز الْمُسْتَعْمل أولى من الْحَقِيقَة اللُّغَوِيَّة، وَيُمكن أَن ينزل الْفِعْل الْمُتَعَدِّي منزلَة اللَّازِم، وَيُقَال: المُرَاد بَمن رأى النَّبِي عليه الصلاة والسلام مَن حصل لَهُ رُؤْيَة النَّبِي عليه الصلاة والسلام، وَهُوَ يَشْمَل الطَّرفَيْنِ وَإِنَّمَا اخْتَارُوا لفظ من رأى النَّبِي عليه الصلاة والسلام [دون من رَآهُ النبيُّ عليه الصلاة والسلام لِأَنَّهُ الْأَغْلَب، وَهُوَ الْأَنْسَب بالأدب، وَالْأَقْرَب إِلَى الطّلب، وَلِهَذَا قَالَ صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم] : " طُوْبَى لِمَنْ رَآنِي وآمن بِي، وطُوْبَى لَمَن رأى من رَآنِي " فَاكْتفى صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم بِمُجَرَّد [الرُّؤْيَة من غير] اعْتِبَار التَّمْيِيز والصحبة وَالرِّوَايَة كَمَا قَالَ بَعضهم.
(واللُّقِيّ فِي هَذَا التَّعْرِيف كالجنس) إِنَّمَا قَالَ كالجنس، وكالفصل لِكَوْنِهِمَا من
الْأَعْرَاض الْعَامَّة، فَيشْمَل الْمَحْدُود وَغَيره، (وَقَوْلِي:" مُؤمنا بِهِ " كالفصل) أَي بِاعْتِبَار جزئه الأول.
(يُخْرجُ من حصل لَهُ اللِّقَاء الْمَذْكُور لَكِن فِي حَال كَونه كَافِرًا،) أَي لم يُؤمن بِأحد من الْأَنْبِيَاء كالمشركين، وَكَانَ الأولى أَن يتْرك قَوْله:" بِهِ " لقَوْله: (وَقَوْلِي " بِهِ "، فصل ثَان يُخرح من لقِيه مُؤمنا، لَكِن بِغَيْرِهِ مِن الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام) أَي كَأَهل الْكتاب. قَالَ التلميذ: إِن كَانَ المُرَاد بقوله: مُؤمنا بِغَيْرِهِ أَنه مُؤمن بِأَن ذَلِك الْغَيْر نَبِي، وَلم يُؤمن بِمَا جَاءَ بِهِ كَأَهل الْكتاب من الْيَهُود الْيَوْم، فَهَذَا لَا يُقَال لَهُ مُؤمن، فَلم يدْخل فِي الْجِنْس، فَيحْتَاج إِلَى إِخْرَاجه بفصل وَحِينَئِذٍ لَا يَصح أَن [146 - ب] يكون هَذَا فصلا، وَإِنَّمَا هُوَ لبَيَان مُتَعَلق الْإِيمَان، وَإِن كَانَ المُرَاد مُؤمنا بِمَا جَاءَ بِهِ غَيره من الْأَنْبِيَاء، فَذَلِك مُؤمن بِهِ إِن كَانَ لقاؤه بعد الْبعْثَة، وَإِن كَانَ قبلهَا فَهُوَ مُؤمن بِأَنَّهُ سيبعث، فَلَا يَصح أَن يكون فصلا لما ذكره بعد هَذَا.
قلت: نَخْتَار شِقاً آخر وَهُوَ [أَن] المُرَاد بِهِ مَن آمن بِغَيْرِهِ من الْأَنْبِيَاء مُجملا، وَلم يطلع على مَا جَاءَ بِهِ الْأَنْبِيَاء مفصلا كأكثر أهل الْكتاب جهلا، وَأما غَيرهم مِمَّن يكون كفرهم بِهِ صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم عِناداً، فقد خرج بِالْفَصْلِ / 102 - ب / الأول، وَهُوَ قَوْله: مُؤمنا.
(لَكِن هَل يخرج) أَي الْفَصْل الثَّانِي، (مَن لَقِيه مُؤمنا بِأَنَّهُ سيبعث وَلم يدْرك البِعثة؟) بِكَسْر الْمُوَحدَة كَبحِيْرى الراهب؟
(فِيهِ نظر) أَي تردد كَمَا صرح بِهِ النَّوَوِيّ، فَمن أَرَادَ اللِّقَاء حَال نبوته حَتَّى لَا يكون مثله صحابياً عِنْده يخرج عَنهُ، وَمن أَرَادَ أَعم من ذَلِك يدْخل وَلَا وَجه لإخراجه كَمَا ذهب إِلَيْهِ الْبَعْض، وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَن هَذَا الشَّخْص غير دَاخل فِي الْجِنْس فَكيف يُخرجهُ؟ وَأجِيب بِأَن هَذَا إِنَّمَا يَصح إِذا أُرِيد بِالنَّبِيِّ [النَّبِي] من حَيْثُ إِنَّه [نَبِي] ، وَأما إِذا أُرِيد ذَاته، فَلَا يَصح بِالنِّسْبَةِ إِلَى من رأى ذَاته قبل الْبعْثَة [وَلم يره بعد الْبعْثَة] ، نعم يَصح بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُصدق بِهِ وَلم ير ذَاته / أصلا.
قَالَ التلميذ: قَوْله: فِيهِ نظر، أَي مَحل تَأمل. قَالَ المُصَنّف: قلت مرجحا أحد جَانِبي هَذَا التَّرَدُّد: أَن الصُّحْبَة وَعدمهَا من الْأَحْكَام الظَّاهِرَة، فَلَا تحصل إِلَّا عِنْد حُصُول مقتضيها فِي الظَّاهِر، وحصوله فِي [147 - أ] الظَّاهِر يتَوَقَّف على الْبعْثَة. انْتهى. وَهُوَ معنى مَا قيل فِي وَجه النّظر لِأَن الْمُؤمن فِي الْعرف لَا يُطلق على من يصدق بِأَنَّهُ سيبعث وَلم يُؤمن بِهِ حَال الْبعْثَة، لَكِن فِيهِ بحث لِأَن كلامنا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُصدق بِأَنَّهُ سيبعث وَمَات قبل الْبعْثَة.
(وَقَوْلِي: " وَمَات على الْإِسْلَام " فصل ثَالِث يخرج من ارْتَدَّ بعد أَن لقِيه مُؤمنا، وَمَات على الرِّدَّة كعبيد الله) بِالتَّصْغِيرِ (ابْن جحش) بِفَتْح جِيم، وَسُكُون مُهْملَة، (وَابْن خطل) بِفَتْح مُعْجمَة، فمهملة، قتل وَهُوَ مُتَعَلق بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة. قَالَ
السخاوي: وَمقيس بن صبَابَة، بِفَتْح الْمُهْملَة، وَفِي حَاشِيَة التلميذ: قَالَ المُصَنّف: وَكَذَا من رُوِيَ عَنهُ ثمَّ مَاتَ مُرْتَدا بعد وَفَاته كربيعة بن أُميَّة بن خلف، فَإِنَّهُ لقِيه مُؤمنا وروى عَنهُ وَاسْتمرّ إِلَى خلَافَة عمر وارتد وَمَات على الرِّدَّة. انْتهى.
قَالَ السخاوي: وَمَا وَقع لِأَحْمَد فِي مُسْنده من ذكره حَدِيث ربيعَة بن أُميَّة بن خلف الجُمَحِي، وَهُوَ مِمَّن أسلم فِي الْفَتْح وَشهد مَعَ النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم حجَّة الْوَدَاع، وَحدث عَنهُ بعد مَوته ثمَّ لحقه الخذلان، فلحق فِي خلَافَة عمر بالروم وَتَنصر بِسَبَب شَيْء أغضبهُ، يُمكن تَوْجِيهه بِعَدَمِ الْوُقُوف على قصَّة ارتداده. وَقد قَالَ شَيخنَا مَا نَصه: وَإِخْرَاج حَدِيث مثل هَذَا يَعْنِي مُطلقًا فِي المسانيد وَغَيرهَا مُشكل، وَلَعَلَّ من أخرجه لم يقف على قصَّة ارتداده.
(وَقَوْلِي: " وَلَو تخللت ردة ") مُبْتَدأ وَخَبره قَوْله: (أَي بَين لقِيه) أَي قَوْله: لَو تخللت ردة مُفَسّر بقولنَا: لَو تخللت [ردة] بَين لقِيه [147 - ب](وَله مُؤمنا بِهِ، وَبَين مَوته على الْإِسْلَام) وتصحف قَوْله: على الْإِسْلَام على / 103 - أ / شَارِح بقوله: عليه السلام، فَقَالَ: بل بعده أَيْضا كَمَا يشْعر بِهِ قَوْله: أم بعده.
(فَإِن اسْم الصُّحْبَة بَاقٍ لَهُ) أَي غير بَاطِل عِنْد الشَّافِعِيَّة خلافًا للحنفية، (سَوَاء رَجَعَ إِلَى الْإِسْلَام فِي حَيَاته) أَي النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، (أم بعد مَوته، سَوَاء لَقيه ثَانِيًا) حَيْثُ يعود لَهُ اسْم الصُّحْبَة بالتجدد اتِّفَاقًا (أم لَا) خلافًا
لنا، وَأغْرب محشٍ مَعَ كَونه حنفياً فاصلاً حَيْثُ قَالَ: قَوْله: لقِيه ثَانِيًا أم لَا مِمَّا لَا حَاجَة إِلَيْهِ لفهمه من قَوْله: أم بعد [مَوته. انْتهى] وَوجه الغرابة مَعَ قطع النّظر عَن معرفَة الْمَذْهَب فِي الرِّدَّة أَنه لَا يفهم من قَوْله: أم بعد مماته [أَنه] لقِيه ثَانِيًا أم [لَا] فِي حَال حَيَاته. (وَقَوْلِي: " فِي الْأَصَح " إِشَارَة إِلَى الْخلاف فِي الْمَسْأَلَة،) قَالَ تِلْمِيذه: أَي فِي مَسْأَلَة الارتداد. انْتهى. وَسَيَجِيءُ بَيَانه. وَأغْرب شَارِح وَجعل المُرَاد بِالْمَسْأَلَة مَسْأَلَة تَعْرِيف الصَّحَابَة، وَيدل على بطلَان قَوْله قولُه:
(وَيدل على رُجْحَان الأول) أَي الْمَفْهُوم من الْأَصَح الْمُقَابل للصحيح، أَو الضَّعِيف الَّذِي هُوَ الثَّانِي، وَهُوَ الْأَصَح عِنْده، (قصَّة الأشْعَث بن قيس، فَإِنَّهُ كَانَ مِمَّن ارْتَدَّ وأُتِي) أَي جِيءَ (بِهِ إِلَى أبي بكر الصّديق رضي الله عنه أَسِيرًا) أَي / مأسوراً مُقَيّدا، (فَعَاد إِلَى الْإِسْلَام فَقَبِل) أَي أَبُو بكر (مِنْهُ ذَلِك) أَي الْإِسْلَام
(وَزَوَّجَهُ) أَي أَبُو بكر.
(أُخْته) أَي لِمَا رأى مِن حُسن إِسْلَامه.
(وَلم يتَخَلَّف أحد عَن ذكره) أَي الْأَشْعَث (فِي الصَّحَابَة، وَلَا عَن تَخْرِيج
أَحَادِيثه فِي المسانيد [148 - أ] وَغَيرهَا) . فِيهِ أَنه كَانَ يَنْبَغِي أَن لَا يكون فِي الْمَسْأَلَة خلاف مَعَ أَنه خلاف ذَلِك، فَلَعَلَّ من ذكره فِي الصَّحَابَة غَفَل عَن ارتداده، أَو لكَونه فِي طبقَة الصَّحَابَة.
وَمن خرّج حَدِيثه فَيحْتَمل أَن يكون عَن جهل بِحَالهِ، أَو روى حَدِيثه الَّذِي نُقل عَن غَيره من الصَّحَابَة، أَو على قَول مَن يجوز التَّحَمُّل فِي الْكفْر وَالْأَدَاء فِي الْإِسْلَام، وَإِلَّا فقد صرح فِي شَهَادَات " الوَلْوَالِجيَّة " من كتب الْحَنَفِيَّة: أَنه يبطل مَا رَوَاهُ الْمُرْتَد لغيره من الحَدِيث، فَلَا يجوز للسامع مِنْهُ أَن يرويَه عَنهُ بعد رِدته.
وَقَالَ الْحلَبِي فِي " حَاشِيَة شِفَاء القَاضِي ": أخرج للأشْعَث هَذَا الْأَئِمَّة [السِّتَّة] وَأحمد فِي الْمسند، وَقد صرح بِأَنَّهُ صَحَابِيّ، وَهَذَا إِنَّمَا يتمشى عِنْد من يَقُول: إِن الرِّدة إِنَّمَا تُحبط بِشَرْط أَن تتصل بِالْمَوْتِ، أما مَن يَقُول: إِن الرِّدة تُبطل وَإِن لم تتصل [بِالْمَوْتِ] فَلَا يعدو هَذَا القَوْل قَول أبي حنيفَة، وَفِي عبارَة الشَّافِعِي مَا يدل على هَذَا، كَذَا قَالَه بعض مشايخي، لَكِن الَّذِي حَكَاهُ الرَّافِعِيّ عَن الشَّافِعِي: إِنَّهَا إِنَّمَا تُحبط بِشَرْط اتصالها للْمَوْت وَالله سُبْحَانَهُ أعلم.
هَذَا، وَقد بَقِي قيود أخر لَا بُد من بَيَانهَا، وتصدى السخاوي للتعرض بشأنها حَيْثُ قَالَ - وَلَو أَطَالَ -: وَهل يدْخل / 103 - ب / من رَآهُ مَيتا قبل أَن يدْفن كَمَا وَقع لأبي ذُؤَيب الهُذَلي الشَّاعِر إِن صَحَّ؟ قَالَ الْعِزّ بن جَمَاعَة: لَا على الْمَشْهُور.
وَقَالَ شَيخنَا: إِنَّه مَحل نظر وَالرَّاجِح عدم الدُّخُول، وَإِلَّا يُعَدّ من اتّفق أَن
يرى جسده المكرم وَهُوَ فِي قَبره الْمُعظم، وَلَو فِي هَذِه الْأَعْصَار، كَذَلِك من كُشِف لَهُ عَنهُ من الْأَوْلِيَاء فَرَآهُ كَذَلِك على طَرِيق الْكَرَامَة، إِذْ حجَّة من أثبت الصُّحْبَة لمَن رَآهُ قبل دَفنه أَنه مُسْتَمر [148 - ب] الْحَيَاة، وَهَذِه الْحَيَاة لَيست دنيوية وَإِنَّمَا هِيَ أخروية لَا تتَعَلَّق بهَا أَحْكَام الدُّنْيَا، فَإِن الشُّهَدَاء أَحيَاء، وَمَعَ ذَلِك الْأَحْكَام الْمُتَعَلّقَة [بهم] بعد الْقَتْل جَارِيَة لَهُم على سَنَن غَيرهم من الْمَوْتَى. انْتهى.
قَالَ العلائي: إِنَّه لَا يبعد أَن يُعطى حكم الصُّحْبَة لشرف مَا حصل لَهُ من رُؤْيَته صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم قبل دَفنه وَصلَاته عَلَيْهِ، قَالَ: وَهُوَ أقرب من عدّ المعاصر الَّذِي لم يره أصلا فيهم، أَو الصَّغِير الَّذِي وُلد فِي حَيَاته. وَقَالَ الْبَدْر الزَّرْكَشِيّ: ظَاهر كَلَام ابْن عبد الْبر يعمّ، لِأَنَّهُ أثبت الصُّحْبَة لمن أسلم فِي حَيَاته وَإِن لم يره، يَعْنِي فَيكون مَن رَآهُ قبل الدّفن أولى. وَجزم البُلْقِيني بِأَنَّهُ يعد صحابياً لحُصُول شرف الرُّؤْيَة [لَهُ] وَإِن فَاتَهُ السماع، قَالَ: وَقد ذكره فِي الصَّحَابَة الذَّهَبِيّ فِي " التَّجْرِيد "، وَمَا جنح إِلَيْهِ شَيخنَا من تَرْجِيح عدم دُخُوله قد سبقه إِلَيْهِ الزَّرْكَشِيّ، فَقَالَ: الظَّاهِر أَنه غير صَحَابِيّ. انْتهى.
وعَلى هَذَا فيزاد فِي التَّعْرِيف: " قبل انْتِقَاله من الدُّنْيَا "، وَكَذَلِكَ لَا يدْخل من رَآهُ فِي / الْمَنَام كَمَا جزم بِهِ البُلْقِيني، ثمَّ شَيخنَا، وَإِن كَانَ قد رَآهُ حَقًا، فَذَلِك فِيمَا يرجع إِلَى الْأُمُور المعنوية لَا الْأَحْكَام الدُّنْيَوِيَّة حَتَّى لَا يجب أَن يعْمل بِمَا أمره [بِهِ] فِي تِلْكَ الْحَالة.
بل جزم البُلْقِيني بِعَدَمِ دُخُول مَن رَآهُ لَيْلَة الْإِسْرَاء، يَعْنِي من الْأَنْبِيَاء وَالْمَلَائِكَة.
عَلَيْهِم السَّلَام مِمَّن لم يبرز إِلَى عَالم الدُّنْيَا، وَبِهَذَا الْقَيْد دخل فيهم عِيسَى بن مَرْيَم عليه السلام وَلذَا ذكر الذَّهَبِيّ فِي تجريده، وَتَبعهُ شَيخنَا وَوَجَّهَهُ باختصاصه عَن غَيره من الْأَنْبِيَاء بِكَوْنِهِ رُفع على أحد الْقَوْلَيْنِ [149 - أ] حَيا، وبكونه ينزل إِلَى الأَرْض فَيقْتل الدَّجَّال وَيحكم بشريعة مُحَمَّد صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، فبهذه الثَّلَاثَة يدْخل فِي تَعْرِيف الصَّحَابَة.
قلت: وَلذَا قيل: فِي الصَّحَابَة رجل شَاب أفضل من الشَّيْخَيْنِ وَغَيرهمَا. قَالَ: وَجعل بَعضهم دُخُول الْمَلَائِكَة فيهم، وَهُوَ مَبْنِيّ على أَنه [هَل] كَانَ مَبْعُوثًا إِلَيْهِم أم لَا؟ وعَلى الثَّانِي مَشى الحَلِيمي، وأقرّه الْبَيْهَقِيّ فِي الشُّعب، بل نقل الْفَخر الرَّازِيّ فِي " أسرار التَّنْزِيل " الْإِجْمَاع عَلَيْهِ قَالَ شَيخنَا: وَفِي صِحَة بِنَاء دُخُولهمْ فِي الصَّحَابَة على هَذَا الأَصْل نظر لَا يخفى. وَمَا قَالَه ظَاهر، لَكِن خَالفه فِي الْفَتْح حَيْثُ مَشى على الْبناء الْمشَار إِلَيْهِ / 104 - أ /.
وَهل يدْخل من رَآهُ من مؤمني أهل الْكتاب قبل الْبعْثَة الشَّرِيفَة كزيد بن عَمْرو بن نُفيل الَّذِي قَالَ فِيهِ النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم: " إِنَّه يُبعَث أمة وَحده " الظَّاهِر: لَا، وَبِه جزم شَيخنَا فِي مُقَدّمَة الْإِصَابَة، وَزَاد فِي التَّعْرِيف الْمَاضِي " بِهِ " ليخرجه، فَإِنَّهُ مِمَّن لقِيه مُؤمنا بِغَيْرِهِ، على أَن لقائلٍ ادِّعَاء الِاسْتِغْنَاء عَن التَّقْيِيد " بِهِ " بِإِطْلَاق وصف النُّبُوَّة، إِذْ المُطْلَق يحمل على الْكَامِل.
هَذَا، مَعَ أنّ شَيخنَا قد ترْجم لَهُ فِي إِصَابَته تبعا للبَغَويّ وَابْن مَنَده وَغَيرهمَا. وَترْجم ابْن الْأَثِير للقاسم ابْن النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم؛ بل وللطاهر وَعبد الله أَخَوَيْهِ فِي الْقسم الثَّانِي من الْإِصَابَة، وَمُقْتَضَاهُ أَن يكون لَهُم رُؤْيَة، لكنه ذكر أَخَاهُم الطِّيب فِي الثَّالِث مِنْهَا، وَفِيه نظر خُصُوصا وَقد جزم هِشَام بن الْكَلْبِيّ بِأَن عبد الله والطاهر وَالطّيب وَاحِد اسْمه عبد الله، والطاهر وَالطّيب لقبان، ثمَّ هَل [149 - ب] يشْتَرط فِي كَونه مُؤمنا بِهِ أَن تقع رُؤْيَة لَهُ بعد الْبعْثَة، فَيُؤمن بِهِ حِين يرَاهُ؟ أَو يَكْفِي كَونه مُؤمنا بِهِ أَنه سيبعث كَمَا فِي بَحِيرَى الراهب وَغَيره مِمَّن مَاتَ قبل أَن يَدْعُو النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم [إِلَى الْإِسْلَام] .
قَالَ شَيخنَا: إِنَّه مَحل احْتِمَال، وذَكَرِ بَحِيرى فِي الْقسم الرَّابِع من الْإِصَابَة لكَونه كَانَ قبل الْبعْثَة، وَأما وَرَقة فَذكره فِي الْقسم الأول لكَونه كَانَ بعْدهَا قبل الدعْوَة، مَعَ أَنه لم يجْزم بِصُحْبَتِهِ بل قَالَ: وَفِي إِثْبَاتهَا نظر، على أَن " شرح النخبة " ظَاهرهَا اخْتِصَاص التَّوَقُّف بمَن لم يُدرك الْبعْثَة، فَإِنَّهُ قَالَ: وَقَوْلِي: " بِهِ " هَل يخرج مَن لَقِيَه مُؤمنا بِأَنَّهُ سيبعث وَلم يُدرك الْبعْثَة؟ فِيهِ نظر.
(تَنْبِيهَانِ) أَي هَذَانِ قَولَانِ مُنبهان لمن غَفَل عَنْهُمَا (أَحدهمَا: لاخفاء) أَي