الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وُجدَ فِي الْمَاضِي.
(
[المُتَوَاتِر] )
(وَتلك الْكَثْرَة) أَي الْمَذْكُورَة فِي ضمن أَسَانِيد كَثِيرَة (أحد شُرُوط التَّوَاتُر) أَي الْخَمْسَة، أَو الْأَرْبَعَة على مَا سَيَأْتِي. وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لم يعين معنى الْكَثْرَة، فَإِنَّهُ يَصح أَن يكون مَعَ الْحصْر وبدونه، فَكيف يَقُول: وَتلك الْكَثْرَة [أحد شُرُوط التَّوَاتُر] ؟ ودُفع بِأَن مَعْنَاهُ أَن تِلْكَ الْكَثْرَة إِنَّمَا تكون شَرط التَّوَاتُر إِذا كَانَت بِلَا [حصر] عدد معِين، وَكَأن الْمُعْتَرض غَفَل عَن قَوْله:
(إِذا وَردت) أَي الْكَثْرَة، أَو الْأَسَانِيد (بِلَا حَصْر عَدَدٍ مُعَين) بِإِضَافَة الْحصْر الَّذِي هُوَ من جملَة الشَّرْح إِلَى عدد الَّذِي هُوَ من جملَة الْمَتْن، وَهُوَ مزج غَرِيب كَمَا سبق الْإِشَارَة إِلَيْهِ، والاعتراض عَلَيْهِ، وَزَاد السخاوي: وَلَا تَقْيِيد [15 - أ] بعدالة وَلَا إِسْلَام. وَتَركه الشَّيْخ هُنَا لِأَن الْمُتَوَاتر لَا يُسأل عَن أَحْوَال رِجَاله كَمَا سَيَأْتِي، ثمَّ التَّقْدِير بِلَا اعْتِبَار حصرِ عددٍ معِين، إِذْ المُرَاد أَنه لَيْسَ للتعيين فِيهِ مدْخل، وَلَا يكون الملحوظ فِي كثرته عدد.
وَالْحَاصِل: أَنه لَا يُؤْخَذ فِي عدده التَّعْيِين لَا أَن يُؤْخَذ عدم التَّعْيِين فَتَأمل، فَإِنَّهُ مَحل زلل. قَالَ الشَّارِح: فِيهِ احْتِرَاز عَن خبر قوم مَحْصُورين، وَإِشَارَة إِلَى أَنه لَا يشْتَرط فِي التَّوَاتُر عدد معِين كَمَا هُوَ مَذْهَب الْبَعْض. انْتهى. وَلَا يخفى مَا فِيهِ
من المناقضة بَين علامية وعدوله عَن الْمَذْهَب الْمُخْتَار. قيل: وَفِيه أَنه لَيْسَ للحصر فِي عدد معِين مدْخل فِي الْمَشْهُور مثلا، فَإِنَّهُ قد يرد بِلَا حصر كَمَا سَيَجِيءُ، فَمَعْنَى قَوْله الْآتِي: أَو مَعَ حصر بِمَا فَوق الِاثْنَيْنِ أَنه قد يكون كَذَلِك، فَفِي الْعَطف نوع خَدْشه، وَأَيْضًا فِي الْعَطف نظر لِأَن الْمُتَوَاتر وَالْمَشْهُور / كليهمَا مشتركان فِي أَنَّهُمَا مَعَ الْحصْر بِمَا فَوق الِاثْنَيْنِ، وَلَيْسَ للتعيين مدْخل فيهمَا، نعم بَينهمَا فرق، وَهُوَ أَن تحصل الشُّهْرَة فِي أَي مرتبَة من مَرَاتِب مَا فَوق الِاثْنَيْنِ، بِخِلَاف التَّوَاتُر، فَإِنَّهُ يُعتبر فِي جَمِيع مَرَاتِب الْمُتَوَاتر. وَالْحق أَنه لَا يُسْتَفَاد تَعْرِيف الْمُتَوَاتر بِكَمَالِهِ من الْمَتْن، فَيتَعَيَّن أَن يكون قَوْله فِي الشَّرْح:
(بل تكون الْعَادة) تَفْسِيرا لقَوْله: بِلَا حصر عدد، بل تجْعَل بل للانتقال، فَإِنَّهُ لَو أَرَادَ التَّفْسِير لقَالَ: بِأَن تكون الْعَادة (قد أحالت) أَي عُدت وجُعِلت محالاً، (تواطؤَهُم) أَي توافقهم قصدا، سَوَاء تواطؤا فِيمَا بَينهم أم لَا، (على الكَذِب) بِفَتْح الْكَاف، وَكسر الذَّال، هُوَ اللُّغَة الفصحى الْوَارِدَة فِي الْقُرْآن، وَيجوز كسر الْكَاف، وَسُكُون الذَّال، وَقيل: الْأَخير مستحسن إِذا ذكر فِي مُقَابلَة الصدْق / 12 - ب / لحسن الْمُقَابلَة الوزنية. قَالَ السَّيِّد أصيل الدّين: وَفِي الطوالع: يَجْزم الْعقل بامتناع تواطئهم على الْكَذِب، وَكِلَاهُمَا صَحِيح، لِأَن جزم الْعقل بِوَاسِطَة الْعَادة والتكرار، وَالتَّعْبِير بِالْعَادَةِ أولى، للإشعار بِمُوجب جزم الْعقل.
(وَكَذَا وُقُوعه) أَي وَكَذَا أحالت [15 - ب] الْعَادة وُقُوع الْكَذِب (مِنْهُم اتِّفَاقًا) أَي غَلطا، أَو سَهوا قَالَه السخاوي.
فَقَوله (من غير قصد) تَأْكِيد، وَلذَا قَالَ التلميذ: قَوْله اتِّفَاقًا: يُغني عَن قَوْله: من غير قصد.
وخلاصة الْكَلَام: أَن التَّوَاتُر لَا يُحصر عدده، وَيكون ذَلِك الْعدَد الَّذِي لَا يحصر بِحَيْثُ لَا يُمكن عَادَة تواطؤهم على الْكَذِب. وَكَذَا وُقُوع الْكَذِب مِنْهُم اتِّفَاقًا من غير قصد، حَتَّى لَو أخبر جمع غير مَحْصُور بِمَا يجوز توافقهم على الْكَذِب عَلَيْهِ لغَرَض من الْأَغْرَاض، أَو اتِّفَاق الْكَذِب مِنْهُم عَلَيْهِ لَا يكون متواتراً
فيتحصل: أَن الْكَثْرَة هِيَ الشَّرْط الأول، وإحالة الْعَادة هِيَ الشَّرْط الثَّانِي، والشروط خَمْسَة على مُقْتَضى كَلَام المُصَنّف حَيْثُ قَالَ: فِيمَا سَيَأْتِي. فَإِذا جمع هَذِه الشُّرُوط الْأَرْبَعَة، وَلَا يتَصَوَّر كَونهَا أَرْبَعَة بِدُونِ جعل هَذَا ثَانِيًا، والمحققون على أَنه تَفْسِير للكثرة.
وَعدم الْحصْر بِمَعْنى أَن الْمُعْتَبر فِي كَثْرَة المخبرين بلوغُهم حدا يمْتَنع عِنْد الْعقل تواطؤهم على الْكَذِب، لَا أَن لَا يدْخل تَحت الضَّبْط كَمَا سبق تَحْقِيقه، فالشروط عِنْدهم أَرْبَعَة لَا خَمْسَة؛ فعلى هَذَا لَو أخبر بخبرٍ جمعُ غيرُ مَحْصُور يحِيل الْعقل تواطؤهم على الْكَذِب يكون متواتراً. ثمَّ إِذا كَانَ حَدّ التَّوَاتُر مَا ذكر (فَلَا معنى لتعيين الْعدَد) .
قَالَ الْأصيلِيّ: وَإِنَّمَا الضَّابِط حُصُول الْعلم، فَمَتَى أخبر هَذَا الْجمع وَأفَاد خبرهم العلمَ عَلمنا أَنه متواتر، وَإِلَّا فَلَا.
وَقَالَ ابْن الهُمَام: التَّوَاتُر: خبرُ جِماعة يُفِيد الْعلم لَا بالقرائن الْمُنْفَصِلَة بل بِنَفسِهِ.
وَقَالَ ابْن المَلَك فِي " شرح الْمنَار ": عرّفه الْمُحَقِّقُونَ بِأَنَّهُ خبر جمَاعَة يُفِيد بِنَفسِهِ الْعلم بصدقه. فَقَوله: بِنَفسِهِ، يخرج خبر جمَاعَة أَفَادَ الْعلم بالقرائن الزَّائِدَة عَن الْخَبَر، ك: شَقّ الْجُيُوب، والتفجّع فِي الْخَبَر بِمَوْت وَلَده.
(على الصَّحِيح) أَي الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور، وَهُوَ مُقَابل للأقوال الْآتِيَة فِي قَوْله:
(وَمِنْهُم) أَي من الْمُحدثين، أَو من عُلَمَاء أصُول الحَدِيث، أَو [16 - أ] أصُول الْفِقْه /، (مَن عَيّنه) أَي عدد الْمُتَوَاتر.
(فِي الْأَرْبَعَة) اعْتِبَارا بأَرْبعَة شُهَدَاء، ورُدّ بِأَنَّهُم لَو شهدُوا بِالزِّنَا لَا يُفِيد قولُهم العلمَ لاحتياجهم إِلَى التَّزْكِيَة. وَتوقف القَاضِي أَبُو بكر البَاقِلاّني فِي الْخَمْسَة
(وَقيل: فِي الْخَمْسَة) اعْتِبَارا بِعَدَد اللَّعان.
(وَقيل: فِي السَّبْعَة. وَقيل: فِي الْعشْرَة) قَالَ الإصْطَخَرِيّ: أقلّ عدد الْجمع الَّذِي يُفِيد خَبره الْعلم عشرَة، لِأَن مَا دونهَا آحَاد.
(وَقيل: فِي الاثْنَي عشر) كعدد النُّقَبَاء فِي قَوْله تَعَالَى: (وَبَعَثْنَا مِنْهُم اثْنَيْ
عَشَرَ نَقِيباً} / 13 - أ / بُعِثوا - كَمَا قَالَ أهل التَّفْسِير - للكنعانيين بِالشَّام طَلِيعَة لبني إِسْرَائِيل المأمورين بجهادهم ليخبروهم بحالهم، فكونهم على هَذَا الْعدَد لَيْسَ إِلَّا لِأَنَّهُ أقل مَا يُفِيد الْعلم الْمَطْلُوب فِي مثل ذَلِك.
(وَقيل: فِي الْأَرْبَعين) لِأَن الله تَعَالَى قَالَ: {يَا أَيُها النَّبيُّ حَسْبُكَ الله ومَن اتَّبَعَكَ من الْمُؤمنِينَ} وَكَانُوا كَمَا قَالَ أهل التَّفْسِير: أَرْبَعِينَ رجلا كَمّلهم عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بدعوة النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] ، فإخبار الله عَنْهُم بِأَنَّهُم كافؤا نَبِيّهم [صلى الله عليه وسلم] يَسْتَدْعِي إخبارهم عَن أنفسهم بذلك [لَهُ] لِيَطمَئِن قلبه، فكونهم على هَذَا الْعدَد لَيْسَ إِلَّا لِأَنَّهُ أقل مَا يُفِيد الْعلم الْمَطْلُوب فِي مثل ذَلِك.
(وَقيل: فِي السّبْعين) لِأَن الله تَعَالَى قَالَ: {واخْتَارَ مُوسَى قَوْمَه سبعين رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا} أَي للاعتذار إِلَى الله تَعَالَى من عبَادَة الْعجل، ولسماعهم كلامَه تَعَالَى من أَمر وَنهي ليخبروا قَومهمْ بِمَا يسمعونه، فكونهم على هَذَا الْعدَد لَيْسَ إِلَّا لِأَنَّهُ أقل مَا يُفِيد الْعلم الْمَطْلُوب فِي ذَلِك.
(وَقيل: غير ذَلِك) فَقيل: أَقَله عشرُون لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {إنْ يَكُن مِنكُم عشْرُون صَابرون يَغْلبُوا مِائَتَيْنِ} فَيتَوَقَّف بعث عشْرين لمئتين على إخبارهم
بصبرهم، فكونهم على هَذَا الْعدَد لَيْسَ إِلَّا لِأَنَّهُ أقل مَا يُفِيد الْعلم الْمَطْلُوب فِي ذَلِك. وَقيل: أَقَله ثَلَاث مئة وَبضْعَة عشر، عدد أهل غَزْوَة بدر، وَعبارَة إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَغَيره: وَثَلَاثَة عشر وَهِي البطشة الْكُبْرَى [16 - ب] الَّتِي بهَا أعزّ الله تَعَالَى الْإِسْلَام. وَهَذَا لاقْتِضَاء زِيَادَة احترامهم يَسْتَدْعِي التنقيب عَنْهُم ليعرفوا، وَإِنَّمَا يعْرفُونَ بأخبارهم، فكونهم على هَذَا الْعدَد الْمَذْكُور لَيْسَ إِلَّا لِأَنَّهُ أقل مَا يُفِيد الْعلم الْمَطْلُوب فِي مثل ذَلِك. قَالَ المَحَلَّيّ فِي " شرح جمع الْجَوَامِع " وأُجيبَ عَن الْجَمِيع بِمَنْع اللّيْسِية فِي الْجَمِيع، ثمَّ قَالَ: وَالأَصَح أَنه لَا يشْتَرط فِي التَّوَاتُر إِسْلَام فِي رِوَايَة، وَلَا عدم احتواء بلد عَلَيْهِم، فَيجوز أَن يَكُونُوا كفَّارًا وَأَن يحويهم بلد، كَأَن يُخبر أهل قُسْطَنْطِينِيّة بقتل ملِكِهم، لِأَن الْكَثْرَة مَانِعَة من التواطىء على الْكَذِب، وَقيل: لَا يجوز ذَلِك لجَوَاز تواطئ الْكفَّار، وَأهل بلد على الْكَذِب، فَلَا يُفِيد خبرهم الْعلم.
(وَتمسك كل قَاتل بِدَلِيل) أَي بِآيَة أَو حَدِيث. وَقَول الشَّارِح: أَي بِخَبَر، صدر من غير خبر (جَاءَ فِيهِ) أَي ورد فِي خُصُوص [ذَلِك الدَّلِيل] ، ذكر ذَلِك الْعدَد) كَمَا بَّينا بعض أدلتهم، (فَأفَاد) أَي ذَلِك الْعدَد، (الْعلم) أَي بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَلِك
الدَّلِيل، وَالْحَال أَنه (وَلَيْسَ بِلَازِم أَن يطرد) أَي ذَلِك الْعدَد بإفادته الْعلم فِي خُصُوص ذَلِك الدَّلِيل، (فِي غَيره) أَي فِي غير ذَلِك الدَّلِيل. وَالْحَاصِل / 13 - ب /: أَنه لَا يجب أَن يُفِيد ذَلِك الْعدَد فِي كل مَوضِع /، وَكَذَا لَا يجب أَن يُفِيد أقل مِنْهُ فِي غير ذَلِك الْموضع، وَأغْرب الْمحشِي فَقَالَ: وَلَا مرجع لضمير غَيره ظَاهرا!
(لاحْتِمَال الِاخْتِصَاص) أَي اخْتِصَاص إِفَادَة الْعلم فِي الْأَمر الَّذِي ورد فِيهِ عدد معِين لذَلِك الْأَمر دون غَيره. وَأبْعد الشَّارِح حَيْثُ قَالَ فِي حَاشِيَته: أَي لاحْتِمَال اخْتِصَاص هَؤُلَاءِ الْمَعْدُودين دون غَيرهم من حَيْثُ الْفِقْه، والضبط، وَالْحِفْظ، وَالْعَدَالَة، وَسَائِر أَسبَاب الْقبُول وَالتَّرْجِيح. وَقَالَ التلميذ: لم ترد الْأَرْبَعَة، والخمسة والسبعة، وَالْعشرَة، وَالْأَرْبَعُونَ فِي دَلِيل أَفَادَ الْعلم أصلا، فَلَا يَصح أَن يُقَال فِي هَذِه: وَلَيْسَ بِلَازِم أَن يطرد فِي غَيره. انْتهى.
وَأَنت علمت مَا تقدم من اسْتِدْلَال كل بِدَلِيل يُفِيد الْعلم فِي الْجُمْلَة، نعم يُمكن أَن يُقَال: لَا يُفِيد الْعلم [17 - أ] اليقيني، وَعَلِيهِ فَكَلَام المُصَنّف يحمل على التنزل مَعَ أَنه يحْتَمل اخْتِلَاف الإفادة باخْتلَاف الْأَشْخَاص. قَالَ الْجَزرِي: قد يكون التَّوَاتُر نسبياً، فيتواتر عِنْد قوم دون آخَرين كَمَا يَصح الْخَبَر عِنْد جمَاعَة دون آخَرين.
(فَإِذا ورد الْخَبَر كَذَلِك) أَي كَمَا ذكر من الْكَثْرَة الَّتِي هِيَ غير محصورة على وَجه الإحالة الْمَذْكُورَة.
(وانضاف إِلَيْهِ) أَي انْضَمَّ إِلَى وُرُوده كَذَلِك، أَو إِلَى الْخَبَر. [أَي يشْتَرط]
(أَن يَسْتَوِي الْأَمر) أَي أَمر الْخَبَر.
(فِي الْكَثْرَة) وَفِي نُسْخَة: أَن يَسْتَوِي فِيهِ أَي فِي الْخَبَر الْكَثْرَة، وَهُوَ ظَاهر. وَفِي نُسْخَة: أَن يَسْتَوِي الْأَمر فِيهِ فِي الْكَثْرَة.
(الْمَذْكُورَة) أَي مَعَ الإحالة المسطورة.
(من ابْتِدَائه) أَي الْخَبَر.
(إِلَى انتهائه) كخبرنا عَن نَبينَا [صلى الله عليه وسلم] ، فَإِنَّهُ يُشترط أَن يَسْتَوِي الْكَثْرَة والإحالة فِي الِابْتِدَاء، والأثناء إِلَى الِانْتِهَاء، وَهَذَا إِذا كَانَ لَهُ ابْتِدَاء وانتهاء. وَأما إِذا لم يكن لَهُ ذَلِك، فالاستواء لَيْسَ بِشَرْط بل غير مُمكن كَمَا إِذا سُمِع من الصَّحَابَة على وَجه التَّوَاتُر، وَهَذَا ثَالِث الشُّرُوط على مُقْتَضى كَلَام المُصَنّف، وَبِه يخرج الْخَبَر الَّذِي رَوَاهُ أَولا أقل من عدد التَّوَاتُر، ثمَّ زَاد حَتَّى وصل إِلَى عدد التَّوَاتُر بعده ويدوم ذَلِك، فَإِنَّهُ لَا يُطلق عَلَيْهِ التَّوَاتُر.
(وَالْمرَاد بالاستواء أَن لَا تنقص الْكَثْرَة الْمَذْكُورَة فِي بعض الْمَوَاضِع) أَي عَن الْعدَد الَّذِي أحالت الْعَادة
…
إِلَخ، كَمَا صرح بِهِ فِي " الْخُلَاصَة ". وَلَيْسَ الْمَعْنى أَنه لَو كَانَ الْعدَد أَولا ألفا مثلا، ثمَّ نقص وَاحِد مِنْهُم مثلا لم يبْق متواتراً كَمَا يُوهِمهُ ظَاهر الْعبارَة.
(لَا أَن لَا تزيد) أَي الْكَثْرَة.
(إِذْ الزِّيَادَة هَهُنَا) أَي فِي بَاب الْخَبَر، وَلَو تواتراً.
(مَطْلُوبَة) لزِيَادَة الدّلَالَة اليقينية لقَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَن إِبْرَاهِيم عليه السلام: {وَلَكِن لِيَطمَئِن قلبِي} .
(من بَاب / 14 - أ / الأولى) لِأَن الْعلم إِذا حصل بِدُونِ الزِّيَادَة فمعها لَا شكّ أَنه أولى بالحصول، وَأَحْرَى بالوصول، وَأقوى للقبول.
(وَأَن يكون) عطف على أَن يَسْتَوِي.
(مستنَدُ انتهائه) بِفَتْح النُّون، أَي مَحل استناد انْتِهَاء الْخَبَر، وَمَوْضِع اعْتِمَاد الْأَثر
(الْأَمر المشاهَد) أَي المرئيّ المحقَّق.
(أَو [17 - ب] المسموع) أَي يكون آخر مَا يؤول إِلَيْهِ الطَّرِيق، وَيتم عِنْده الْإِسْنَاد، مثل: رَأَيْت، أَو: سَمِعت من فلَان. قيل: خصُهما بِالذكر اعْتِبَارا للْغَالِب، وَإِلَّا فَالشَّرْط انتهاؤه إِلَى مُطلق الْحس الشَّامِل للحواس الْخمس / الظَّاهِرَة من: الذَّوْق، واللمس، والشم، والسمع، وَالْبَصَر، كَمَا يشْعر بِهِ الْكَلَام المُصَنّف فِيمَا بعد. وَقيل: خصهما لِأَن الْبَحْث فِي الْمُتَوَاتر من قَوْله [صلى الله عليه وسلم] ، وَفعله، وَتَقْرِيره، لَا فِي مُطلق الْمُتَوَاتر، وَالْأول من المسموعات، وَالثَّانِي وَالثَّالِث من المبصَرات، أَو ترك غَيرهمَا للمقايسة عَلَيْهِمَا. وَقيل: المُرَاد بِالْمُشَاهَدَةِ مَا يُقَابل الغَيبة، فَيتَنَاوَل مُطلق الإحساس.
فَقَوله: أَو المسموع، تَخْصِيص بعد تَعْمِيم لتَعلق أَكثر الْأَخْبَار بِهِ، وَهَذَا هُوَ الشَّرْط الرَّابِع. وَالْمرَاد أنّ مَا سُوِّغ نَقله عَنهُ [صلى الله عليه وسلم] يشْتَرط أَن يَنْتَهِي إِلَى الحِس
(لَا مَا ثَبت بقضية الْعقل الصّرف) كوجود الصَّانِع وقِدَمِه، وقِدمِ صِفَاته، وحدوث الْعَالم، ومفرداته ومركباته، وكزيادة عدد الِاثْنَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْوَاحِد.
(فَإِذا جَمَع) أَي الخيرُ.
(هَذِه الشُّرُوط الْأَرْبَعَة) قيل: هَذَا إِلَى قَوْله: انتهائهم الْحس، مفسِّر لقَوْله السَّابِق: فَإِذا ورد الْخَبَر، فَكَانَا متحدين. وَقَوله الْآتِي: فَهَذَا هُوَ الْمُتَوَاتر، جَزَاء لأَحَدهمَا حَال كَونه مُقَيّدا بقوله: وانضاف
…
إِلَخ وَنَظِيره قَوْله تَعَالَى {وَلما جَاءَهُم كتاب من عِنْد الله مُصدق لما مَعَهم وَكَانُوا من قبل يستفتحون على الَّذين كفرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَا عرفُوا كفرُوا بِهِ} حَيْثُ قيل: إِن جَوَاب لمَّا الأولى دلّ عَلَيْهِ جَوَاب الثَّانِيَة، فَظهر ضعف مَا قيل: من أَن قَوْله: فَهَذَا، جَزَاء لقَوْله: فَإِذا جمع، وَهُوَ مَعَ جَزَائِهِ جزاءُ قَوْله: فَإِذا ورد، لما فِيهِ من عدم رابطة لفظية وَوُجُود زَكَاكَةٍ معنوية.
(وَهِي) أَي الْأَرْبَعَة أَحدهَا، أَو مِنْهَا:
(عدد كثير) وَثَانِيها الْمُسْتَفَاد من قَوْله: بِلَا عدد.
(أحالت الْعَادة) قيل لَو قَالَ: أحَال الْعقل [18 - أ] لم يحْتَج إِلَى الشَّرْط الْخَامِس، وَهُوَ أَن يصحب خبرهم إِفَادَة الْعلم لسامعه، وَأما حينئذٍ فَلَا بُد مِنْهُ لِأَن إِحَالَة الْعَادة شَيْء لَا يسْتَلْزم إِحَالَة الْعقل إِيَّاه، فَلَا يكون مستلزماً لحُصُول الْعلم اليقيني.
(تواطؤهم) أَي (وتوافقهم) نقل عَن المُصَنّف أَنه قَالَ فِي الْفرق بَينهمَا: إِن التواطؤ: هُوَ أَن يتَّفق قوم على اختراع / 14 - ب / معِين بعد الْمُشَاورَة والتقرير بِأَن لَا يَقُول أحد خلافَ صَاحبه. والتوافق: حُصُول هَذَا الاختراع من غير مُشَاورَة بَينهم وَلَا اتِّفَاق، يَعْنِي سَوَاء يكون عَن سَهْو، وَغلط، أَو عَن قصد.
(على الْكَذِب) قيل: تَرَك قَوْله: وُقُوعه مِنْهُم اتِّفَاقًا اعْتِمَادًا على مَا ذُكر فَتَأمل وَثَالِثهَا:
(رَوَوْا ذَلِك عَن مثلهم من الِابْتِدَاء إِلَى الِانْتِهَاء) قَالَ المُصَنّف فِي تَقْرِير هَذَا الْمحل: المُرَاد مثلهم فِي كَون الْعَادة تحيل تواطؤهم على الْكَذِب، وَإِن لم يبلغُوا عَددهمْ، فالسبعة الْعُدُول ظَاهرا وَبَاطنا مثل الْعشْرَة الْعُدُول فِي الظَّاهِر فَقَط مثلا، فَإِن الصِّفَات تقُوم مَقام الذوات، بل قد يُفِيد قَول سَبْعَة صلحاء العلمَ، وَلَا يفِيدهُ قَول عشرَة دونهم فِي الصّلاح، فَالْمُرَاد حِينَئِذٍ الْمُمَاثلَة فِي إِفَادَة الْعلم لَا فِي الْعدَد
قَالَ التلميذ: الْكَلَام الأول هُوَ الصَّحِيح، وَقَوله: فالسبعة
…
إِلَخ لَيْسَ
بِشَيْء إِذْ لَا دخل لصفات المخبرين فِي بَاب التَّوَاتُر، وَالْمقَام مستغن عَن هَذَا كُله انْتهى. وَهُوَ ظَاهر قَوْلهم من أَن الْمُتَوَاتر لَا يبْحَث فِيهِ عَن رِجَاله، لَكِن التَّحْقِيق أَن الإحالة العادية قد تكون من حيثية الْكَثْرَة / من غير مُلَاحظَة الوصفية، وَقد تكون بانضمامها كَمَا إِذا رَوَى عَن الْعشْرَة المبشرة مثلا عشرُون من التَّابِعين، فَإِنَّهُ لَا شكّ أَن الْعَادة تُحيل اتِّفَاق الْأَوَّلين على الْكَذِب، وَلَا تحيل اتِّفَاق الْعشْرَة من التَّابِعين عَلَيْهِ، وَلَو كَانُوا عُدُولًا، وَكَذَا إِذا نقل عشرُون من الْمُفْتِينَ والمدرسين مَسْأَلَة يحصل الْعلم بهم مَا لَا يحصل بِمَا ينْقل عشرُون من الطّلبَة [18 - ب] أَو خَمْسُونَ من غَيرهم.
فالمدار الْأَصْلِيّ فِي بَاب التَّوَاتُر على الإحالة والإفادة دون اعْتِبَار الْعدَد وَالْعَدَالَة. نعم، قد ينضاف إِلَى الْعدَد وصف يقوم بِهِ الإحالة، فَتحصل بِهِ الإفادة، فَالْحَاصِل: عدم اشْتِرَاط معرفَة الرِّجَال عِنْد حُصُول الْإِكْثَار، لَا اشْتِرَاط عدم اعتبارهم فِي الْأَخْبَار {فاعتبروا يَا أولي الْأَبْصَار}
وَرَابِعهَا: (وَكَانَ) أَتَى بِالْوَاو هُنَا مَعَ أَنه ذَكَر مَا سبق بطرِيق التعداد إِشَارَة إِلَى أَن مَا ذكر هُوَ فِي قُوَّة الْعَطف.
(مستندُ انتهائهم الحسّ) أَي من مُشَاهدَة أَو سَماع، لِأَن مَا لَا يكون كَذَلِك يحْتَمل دُخُول الْغَلَط فِيهِ. كَمَا اتّفق أَن سَائِلًا سَأَلَ مولى أبي عَوَانة بمِنَىً، فَلم يُعْطه شَيْئا فَلَمَّا وَلى لحقه أَبُو عَوَانة، فَأعْطَاهُ دِينَارا، فَقَالَ لَهُ السَّائِل: واللهِ
لأنفعنَّك بهَا يَا أَبَا عَوَانة، فَلَمَّا أَصْبحُوا وَأَرَادُوا الدّفع من المُزْدَلِفَة وقف ذَلِك السَّائِل على طَرِيق النَّاس، وَجعل يُنَادي، إِذا رأى رِفقةً من أهل العِراق: يَا أَيهَا / 15 - أ / النَّاس اشكروا يزيدَ بِنَ عَطَاء اللَّيْثِيّ، يَعْنِي مولى أبي عَوَانَة، فَإِنَّهُ تقرب إِلَى الله تَعَالَى الْيَوْم بِأبي عَوَانة، فَأعْتقهُ، فَجعل النَّاس يَمرونَ فوجاً فوجاً إِلَى يزِيد يشكرون لَهُ ذَلِك، وَهُوَ يُنكره، فَلَمَّا كثر هَذَا الصَّنِيع مِنْهُم قَالَ / ومَن يقدر على ردِّ هَؤُلَاءِ كلهم، أذهب أَنْت حر، كَذَا ذكره السخاوي فِي " شرح ألفية الْعِرَاقِيّ ".
(وانضاف) أَي انْضَمَّ (إِلَى ذَلِك) أَي إِلَى مَا ذكر من الشُّرُوط الْأَرْبَعَة، (أَن يصحب خبرهم) بِالنّصب على المفعولية، وَالْفَاعِل قَوْله:(إفادةُ الْعلم لسامعه) وَهَذَا معنى قَول بَعضهم: إِن هَذَا هُوَ الشَّرْط الْخَامِس. وَالْمرَاد بِالْعلمِ هُنَا الضَّرُورِيّ، وَهُوَ الَّذِي يضْطَر إِلَيْهِ كَمَا سَيَجِيءُ سَوَاء كَانَ نظرياً أَولا، يَعْنِي عقلياً، أَو نقلياً قَالَ شَارِح: وَلَا يشْتَرط تقدم الْعلم بالشرائط عندنَا خلافًا لمن زعم أَن الْعلم الْحَاصِل عقيب التَّوَاتُر نَظَرِي، بل الضَّابِط حُصُول [19 - أ] الْعلم بصدقه.
(فَهَذَا) أَي الْخَبَر الْجَامِع للشروط الْمُتَقَدّمَة مَعَ الانضياف الْمَذْكُور.
(هُوَ الْمُتَوَاتر، وَمَا) مَوْصُوفَة، أَو مَوْصُولَة، أَي وَالْخَبَر الَّذِي (تخلفت إِفَادَة الْعلم عَنهُ) أَي مَعَ وجود الشَّرَائِط الْمُتَقَدّمَة.
(كَانَ مَشْهُورا فَقَط) قَالَ التلميذ: لَا بُد أَن يزِيد: مِمَّا رُوِيَ بِلَا حصر عدد، وَإِلَّا لصدق الْمَشْهُور على جَمِيع الْمُتَوَاتر. انْتهى. وَالظَّاهِر أَن يَقُول: لَصَدَق الْمُتَوَاتر على جَمِيع الْمَشْهُور. قَالَ: وَهَذَا يُنَافِيهِ قَوْله بعد هَذَا: إنّ الْمَشْهُور مَا رُوِيَ
مَعَ حصر عدد بِمَا فَوق الِاثْنَيْنِ. انْتهى ويُدفع كَلَامه بِأَن هَذِه الزِّيَادَة ملحوظة فِي كَلَام الشَّيْخ كَمَا قَرَّرْنَاهُ بقولنَا: هَذَا الْخَبَر الْجَامِع للشروط السَّابِقَة، لِأَن من جُمْلَتهَا أَن يُروى بِلَا حصر عدد. قيل: وَلَعَلَّه أَرَادَ بالمشهور الْمَعْنى اللغويَّ لَا الاصطلاحي. وَلِهَذَا قَالَ محشٍ فِي قَوْله:
(فَكل متواتر مَشْهُور) أَي لَا بِالْمَعْنَى الْمُقَابل للمتواتر. قلت: / الظَّاهِر الْمُتَبَادر أَنه أَرَادَ الْمَعْنى المصطَلَح عَلَيْهِ، فإنّ مرجع الْبَحْث إِلَيْهِ، لَكِن لَا بُد من زِيَادَة قيد دلّ عَلَيْهِ الْمقَام بأنْ يُقَال: فَكل متواتر تخلّف عَنهُ الْعلم مَشْهُور، وَحِينَئِذٍ يظْهر صِحَة قَوْله:
(من غير عكس) وَهُوَ أَن لَا يكون كل مَشْهُور متواتراً بِالْمَعْنَى المصطَلَح الْجَامِع للشروط المنضم إِلَيْهِ انضياف إِفَادَة الْعلم، وَبِه ينْدَفع مَا قَالَ التلميذ: هَذَا إِذا أَخذ الْجِنْس من غير فصل، وَهُوَ تخلف إِفَادَة الْعلم، وَخطأ هَذَا مبّين فِي بحث الْمُبَاح فِي الْأُصُول.
(وَقد يُقَال: إنّ الشُّرُوط الْأَرْبَعَة إِذا حصلت استلزمت حُصُول الْعلم) قيل: الرَّابِع من الشُّرُوط: هُوَ حُصُول الْعلم، فَكيف تكون أَرْبَعَة بِدُونِهِ حَتَّى تستلزمه؟ / 15 - ب / فَالْأولى أَن يُقَال: الثَّلَاثَة. وَقد أجَاب بَعضهم بِمَا يُنبئ أَن الْعدَد الْكثير شَرط، وإحالة الْعَادة تواطؤَهم شرطٌ آخر كَمَا حررناه سَابِقًا وعَلى هَذَا فبانضياف الاسْتوَاء والاستناد إِلَيْهِمَا تصير أَرْبَعَة بِدُونِ حُصُول الْعلم. وَهَذَا الْجَواب معتمدٌ على مَا ذكره بعض المنطقيين فِي بحث الدلالات [19 - ب] من أَن الْوَصْف فِي التَّعْرِيف بِمَنْزِلَة الْمَعْطُوف.
(وَهُوَ) أَي الاستلزام الْمَذْكُور على الْوَجْه المسطور.
(كَذَلِك فِي الْغَالِب) أَي فِي غَالب الْأَخْبَار، وَأكْثر الْآثَار، قيل: فَالْمُرَاد من الاستلزام الاستتباع كَمَا هُوَ مصطلح أهل الْعَرَبيَّة، لَا امْتنَاع الانفكاك كَمَا هُوَ اصْطِلَاح الْمَعْقُول، لِأَن لَا يقبل التجزي وَالْغَلَبَة. ثمَّ صرح بِمَا علم ضِمنا بقوله:(لَكِن قد يتَخَلَّف) أَي حُصُول الْعلم، (عَن الْبَعْض) أَي بعض الْأَخْبَار.
(لمَانع) قيل كغبَاوة السَّامع، وَفِيه أَنه لَا عِبْرَة بِهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الْحَيَوَان، أَو الْأَصَم. وَوجد بِخَط السِّخاوي: كَكَوْنِهِ عَالما لم يقف على بعض الشُّرُوط، وَفِيه أَنه تقدم أَنه لَا يشْتَرط تقدم الْعلم بل الْمُعْتَبر حُصُول الْعلم. لَكِن قد يُقَال: إِن حُصُول الْعلم قد يتَوَقَّف على معرفَة الشُّرُوط. وَقيل: كَأَن يرْوى خبران متناقضان قد جمعا الشُّرُوط، فَفِي هَذَا يتَخَلَّف حُصُول الْعلم، وَفِيه أَن تَوَاتر النقيضين محالٌ عَادَة
(وَقد وضح) أَي ظهر (بِهَذَا) أَي بِمَا قدمْنَاهُ من التَّقْرِير، (تَعْرِيف الْمُتَوَاتر) وَلما تُوُهّم من الْمَتْن أَن كل مَا يرد بِلَا حصر فَهُوَ متواتر، دَفعه بقوله:(وخلافه) أَي غير الْمُتَوَاتر، وَهُوَ الْمَشْهُور، (قد يرد بِلَا حصر أَيْضا) قَالَ التلميذ: يُقَال عَلَيْهِ: فَمَاذَا يُسمى؟ انْتهى. قيل: وَكَأَنَّهُ سمى هَذَا باسم الْمَشْهُور الَّذِي يُطلق على مَا اشْتهر على الْأَلْسِنَة. قلت: بل الصَّوَاب أَنه يُسمى الْمَشْهُور على مَا سبق تَقْرِيره، وَتقدم تحريره، وَيدل عَلَيْهِ قَوْله:
(لَكِن مَعَ فقْد بعض الشُّرُوط) وَهُوَ أنْ لَا يَسْتَوِي طرفاه، أَو لَا يكون منتهياً إِلَى الْحس، أَو تتخلف عَنهُ إِفَادَة الْعلم. وَأغْرب التلميذ حَيْثُ قَالَ: هَذِه زِيَادَة زَادهَا الشَّارِح تبعا لرأي مَنْ لَا رَأْي لَهُ فِي الْفَنّ إِذْ يُغني عَنْهَا قَوْله: مَا لم تَجْتَمِع شُرُوط التَّوَاتُر. انْتهى. وَفِيه أَن هَذِه الزِّيَادَة مَعَ عدم الْحصْر، وقيدِ مَا لم تَجْتَمِع شُرُوط التَّوَاتُر مَعَ الْحصْر فَتدبر وتأدب، فَإِن صَاحب هَذِه الْمقَالة إمامٌ فِي هَذَا الْفَنّ لَا محَالة /.
ثمَّ قيل: هَذَا يدل على أَن عدم اجْتِمَاع شُرُوط التَّوَاتُر شَرط فِي الْمَشْهُور، فيكونان [20 - أ] متباينين، وَمَا ذكره أَولا من قَوْله: فَكل متواتر مَشْهُور يدل على أَن بَينهمَا عُمُوما وخصوصاً مُطلقًا وَقد يُجَاب بِأَن الْمَقْصُود من التَّقْسِيم بَيَان / 16 - أ / مَا هُوَ غير الْمُتَوَاتر من الْمَشْهُور، لَا مَا هُوَ أَعم من التَّوَاتُر وَغَيره، فَإِن الْمُتَوَاتر دَاخل فِي عُمُوم الْمَشْهُور.
(أَو مَعَ حصر) قيل: عطف على قَوْله: إِمَّا أَن يكون
…
الخ، وَالظَّاهِر أَنه عطف على بِلَا حصر.
(بِمَا فَوق الِاثْنَيْنِ) أَي حصر وَاقع بِعَدَد كَائِن أكثرَ من اثْنَيْنِ كَمَا قَالَ:
(أَي بِثَلَاثَة فَصَاعِدا)، وَقَوله:
(مَا لم تَجْتَمِع شُرُوط التَّوَاتُر) مُسْتَغْنى عَنهُ، لِأَنَّهُ إِذا كَانَ مَعَ الْحصْر، فَلم يجْتَمع فِيهِ شُرُوط التَّوَاتُر، لَكِن قد يُقَال: إِنَّه قيدٌ لقَوْله: فَصَاعِدا، إِذْ قد يصل إِلَى كَثْرَة تفِيد التَّوَاتُر.
(أَو بهما أَي بِاثْنَيْنِ فَقَط أَو بِوَاحِد فَقَط) قيل: الْعَطف بِحَسب الْمَعْنى. وَالْحَاصِل: أَن الْخَبَر إِمَّا أَن يرد بطرق بِلَا حصر، أَو مَعَ حصر بِمَا فَوق الِاثْنَيْنِ، أَو بالاثنين، أَو بِوَاحِد أَو عطف على قَوْله: أَن يكون، لَكِن بِاعْتِبَار حذف الْعَامِل أَي الْخَبَر. إِمَّا أَن يكون لَهُ طرق بِلَا حصر، أَو يكون لَهُ طرق مَعَ حصر، أَو يرد بِاثْنَيْنِ، أَو بِوَاحِد كَمَا يدل عَلَيْهِ قَوْله:
(وَالْمرَاد بقولنَا: أَن يرد بِاثْنَيْنِ أَن لَا يرد بِأَقَلّ مِنْهُمَا) فَانْدفع مَا قيل: إِن التَّقْسِيم فَاسد لفظا وَمعنى، أما لفظا، فَلِأَن كلمة إِمَّا بقيت بِلَا أُخْت، حَيْثُ لم يعْطف على يكون شَيْء لَا بِأَو، وَلَا بأمّا، وَأما معنى، فَلِأَن تَقْرِير الْكَلَام هَكَذَا: أَو يكون لَهُ طرق مَعَ الْحصْر بِوَاحِد، وَلَا يخفى فَسَاده. وَقد أُجِيب أَيْضا بِأَنَّهُ لَعَلَّه أَرَادَ بالطرق الْجِنْس مجَازًا، وَالْجِنْس يُطلق على الْوَاحِد والاثنين. وَأما تَفْسِيره
بأسانيد كَثِيرَة، فباعتبار أَكثر الْأَقْسَام، ثمَّ قيل: الأولى أَن يَقُول: أَن يرد بهما فَقَط فِي بعض الْمَوَاضِع، لَا فِي الْجَمِيع، وَلَا يرد بِأَقَلّ مِنْهُمَا فِي مَوضِع.
(فَإِن ورد) أَي الْخَبَر.
(بِأَكْثَرَ) أَي بِرِوَايَة أَكثر من اثْنَيْنِ. وَفِيه أنّ هَذَا القَوْل لَا يجْرِي فِي قَوْله: بِوَاحِد، مَعَ أَنه [20 - ب] مَطْلُوب فِيهِ أَيْضا، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُتَكَلّف ويُقال: المُرَاد بِأَكْثَرَ من اثْنَيْنِ أَو وَاحِد.
(فِي بعض الْمَوَاضِع من السَّنَد) بَيَان للْبَعْض.
(الْوَاحِد) احْتِرَاز من السَّنَد المتعدد. وَقيل: الْأَحْسَن أَن يَقُول: من السندين؛ لِأَن الْكَلَام فِيهِ يعم حكم السَّنَد الْوَاحِد، وَكَذَا قَوْله: يقْضِي على الْأَكْثَر.
(لَا يضرّ) أَي وُرُود الْكَثْرَة، أَو الأكثرية.
(إِذْ الْأَقَل فِي هَذَا) أَي فِي هَذَا الْبَاب، أَو الْفَنّ، وَفِي بعض النّسخ: فِي هَذَا الْعلم.
(يقْضِي) أَي يحكم ويغلب.
(على الْأَكْثَر) ، يَعْنِي الْأَقَل هُوَ الحكم وَالْمُعْتَبر فِي السَّنَد، حَتَّى إِذا وجد فِي بعض الطَّبَقَات مَا ينقص عَن الشُّرُوط، خرج عَن الْمَشْرُوط.
(فَالْأول الْمُتَوَاتر) قيل: فِيهِ نظر، لِأَن الأول، وَهُوَ مَاله طرق بِلَا حصر،
لَيْسَ / 16 - ب / بمتواتر، فَإِنَّهُ إِذا لم تحصل الشُّرُوط الْمَذْكُورَة لَا يُسمى متواتراً، كَمَا صرح بِهِ المُصَنّف فِي الشَّرْح، (وَهُوَ) إِشَارَة إِلَى أنّ مَا بعده خبر لَا صفة (الْمُفِيد للْعلم اليقيني) أَي الضَّرُورِيّ، والحصر إضافي، يَعْنِي أَن الْمُتَوَاتر هُوَ الْمُفِيد للْعلم / اليقيني، أَي الَّذِي يضْطَر الْإِنْسَان إِلَيْهِ، بِحَيْثُ لَا يُمكن دَفعه كَمَا يحققه بُعيد ذَلِك.
(فَأخْرج) أَي التَّقْيِيد باليقيني.
(النظريِّ) أَي الْخَبَر الْمُفِيد للْعلم النظري عَن مفَاد الْمُتَوَاتر.
(على مَا يَأْتِي تَقْرِيره بِشُرُوطِهِ الَّتِي تقدّمت) قيل: قَوْله: بِشُرُوطِهِ لَغْو، لِأَنَّهُ دَاخل فِي مَفْهُوم الْمُتَوَاتر. وَأجِيب بِأَنَّهُ مُتَعَلق بِالْأولِ، لَا بالمفيد كَمَا ذكره شَارِح، أَي الأول مَعَ شُرُوطه هُوَ الْمُتَوَاتر، وَبِهَذَا ينْدَفع النّظر السَّابِق.
(وَالْيَقِين) أَي علمه.
(هُوَ الِاعْتِقَاد) وَهُوَ شَامِل لجَمِيع التصديقات، وَبِه خرج الشَّك، وَأخرج بقوله:
(الْجَازِم) المُرَاد بِهِ الْقَاطِع الْجَازِم صَاحبه بِهِ، الظنِّ: وَهُوَ تَرْجِيح أحد طرفِي
الحكم، مَعَ تَجْوِيز الْجَانِب الآخر، ويقابله الْوَهم، وَأخرج بقوله:
(المطابق) أَي للْوَاقِع، الْجَهْل الْمركب. وَقيل: لَو قَالَ: وَالثَّابِت، لخرج اعْتِقَاد الْمُقَلّد - لِأَنَّهُ يَزُول بتشكيك المشكك - لَكَانَ أولى. ودُفع بِأَن الْمُتَبَادر من إِطْلَاق الْجَازِم أَنه [21 - أ] لموجب، أَي الْجَزْم ناشيء عَن سَبَب، فَيخرج التَّقْلِيد. وَحَاصِله: أَن مُرَاد المُصَنّف بالجازم هُوَ الْجَازِم الَّذِي لَا يقبل التشكيك.
(وَهَذَا) أَي كَون الْمُتَوَاتر مُفِيدا للْعلم اليقيني، (هُوَ الْمُعْتَمد، أَن الْخَبَر الْمُتَوَاتر) أَي فِي أَنه (يُفِيد) وَقيل: أنَّ، بيانٌ لقَوْله: هَذَا، أَي من أَن الْخَبَر يُفِيد (الْعلم الضَّرُورِيّ، وَهُوَ) أَي الْعلم الضَّرُورِيّ (الَّذِي يضْطَر الْإِنْسَان إِلَيْهِ) أَي إِلَى الْعلم بِهِ، والتيقن عَلَيْهِ، (بِحَيْثُ لَا يُمكن دَفعه) أَي دفع علمه عَن نَفسه. قيل: الضَّرُورِيّ كَمَا يُطلق مُقَابلا للنظري، يُطلق لهَذَا الْمَعْنى أَيْضا، وَلَيْسَ المُرَاد هَهُنَا هُوَ الْمُقَابل للنظري، ليرد مَا قيل: من أَنه لَيْسَ كل ضَرُورِيّ كَذَلِك، وَأَنه قد يكون النظري الْحَاصِل بالبرهان كَذَلِك أَيْضا، فَلَا يَصح تعريفاً لَهُ، فَالْوَجْه أَن يُقَال: إِنَّه بَيَان أَن المُرَاد بالضروري هُوَ هَذَا الْقسم. قَالَ الإِمَام الْغَزالِيّ رحمه الله:
الْحَاصِل بالمتواتر لَيْسَ بنظري، وَلَا ضَرُورِيّ، بل هُوَ وَاسِطَة بَينهمَا. وَتوقف الآمِدِي فِيهِ.
(وَقيل لَا يُفِيد) أَي الْمُتَوَاتر.
(الْعلم إِلَّا نظرياً) أَي لَا ضَرُورِيًّا، وَلَا مَا بَينهمَا على مَا تقدم. وَالْقَائِل بِهِ إِمَام الْحَرَمَيْنِ من الأشاعرة، وَأَبُو الْحُسَيْن الْبَصْرِيّ، والكعبي من الْمُعْتَزلَة.
(وَلَيْسَ هَذَا) أَي هَذَا القَوْل (بِشَيْء) أَي معتدٍ بِهِ، (لِأَن الْعلم) / 17 - أ / أَي الَّذِي هُوَ حَاصِل (بالتواتر) الأولى بالمتواتر أَي بِسَبَب (حَاصِل لمن لَيْسَ لَهُ أهليه النّظر - كالعامي -) مَنْسُوب إِلَى الْعَام ضد الْخَاص.
(إِذْ النّظر: تَرْتِيب أُمُور مَعْلُومَة) كَقَوْلِنَا: الْعَالم متغير، وكل متغير حَادث، فالعالم حَادث.
(أَو مظنونة) كَقَوْلِنَا: الْجِدَار مائل، وكل مائل طائح.
(يتَوَصَّل بهَا) أَي بالأمور الْمَعْلُومَة، أَو المظنونة.
(إِلَى مَعْلُوم، أَو مظنون) نشر مُرَتّب. قيل: إِن كَانَ المُرَاد من الْعلم الْيَقِين كَمَا تَقْتَضِيه الْمُقَابلَة، يُخرِج الأفكار الْوَاقِعَة فِي التصورات، والتصديقات الجِبِلِّية، فَإِنَّهَا لَيست عَن تَرْتِيب أُمُور مَعْلُومَة. وَمَعَ هَذَا يضْطَر الْإِنْسَان إِلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يُمكنهُ دَفعه، وَإِن كَانَ المُرَاد مِنْهُ التَّصَوُّر [21 - ب] والتصديق النَّفْسِيّ مَعًا. وَصرح بِهَذَا الِاصْطِلَاح الْمُوَافق برد الِاعْتِرَاض الثَّانِي دون الأول / على مَا قيل سَابِقًا، وَإِن كَانَ المُرَاد بِهِ الْمَعْنى الْعَام يلْزم اسْتِدْرَاك قَوْله: مظنونة.
(وَلَيْسَ فِي الْعَاميّ أَهْلِيَّة ذَلِك) قيل: وَلِهَذَا لم يستفسر النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] والصحابةُ، وَسَائِر الْعلمَاء العوامَ عَن الدَّلَائِل الدَّالَّة على الصَّانِع، وَصِفَاته، حِين قرروهم على إِيمَانهم إِذْ علمُوا أَنهم لَا يعلمونها قطعا.
وَأجِيب عَنهُ: بِأَنَّهُم كَانُوا يعلمُونَ أَنهم يعلمُونَ الْأَدِلَّة إِجْمَالا، كَمَا قَالَ الْأَعرَابِي: الْعبْرَة تدل على الْبَعِير، وَأثر الْقدَم على الْمسير، أفسماء ذَات أبراج، وَأَرْض ذَات فِجاج، لَا تدل على الصَّانِع اللَّطِيف الْخَبِير؟ وَقد قَالَ تَعَالَى:{وَلَئِن سَأَلتهمْ من خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض ليَقُولن الله} . غَايَة مَا فِي الْبَاب أَنهم قصروا
عَن تَفْصِيل الدَّلَائِل الدَّالَّة عَلَيْهِ، وَلذَا قَالَ بَعضهم: وَالْأَظْهَر أَن يَقُول الشَّيْخ: كَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا اهتداء لَهُ إِلَى النّظر، إِذْ الْعَاميّ كثيرا مَا يكون فَطِناً، بل كل عَامي يحصل لَهُ الْعلم بالاستدلال، فَإِنَّهُ يسْتَدلّ بِطُلُوع الشَّمْس على وجود النَّهَار، وبوصول الشَّمْس إِلَى مَوضِع كَذَا على وَقت الظّهْر، وَغير ذَلِك.
(فَلَو كَانَ) أَي إِفَادَة الْمُتَوَاتر.
(نظرياً لما حصل لَهُم) أَي للعوام الْمَدْلُول عَلَيْهِ بالعامِيّ
(ولاح) أَي تبين (بِهَذَا التَّقْرِير) أَي الْمُتَقَدّم، (الْفرق بَين الْعلم الضَّرُورِيّ، وَالْعلم النظري، إِذا الضَّرُورِيّ يُفِيد الْعلم بِلَا اسْتِدْلَال) قَالَ التلميذ: الضَّرُورِيّ هُنَا صفة الْعلم، فَيصير معنى التَّرْكِيب: إِذْ الْعلم الضَّرُورِيّ يُفِيد الْعلم بِلَا اسْتِدْلَال وَلَا يخفى مَا فِيهِ. انْتهى. وَيُمكن دَفعه بِأَن التَّقْدِير: الطَّرِيق الضَّرُورِيّ، فَكَانَ الْأَظْهر، والأخصر أَن يَقُول: إِذْ الضَّرُورِيّ يحصل بِلَا اسْتِدْلَال.
(والنظري يفِيدهُ) أَي الْعلم.
(لَكِن مَعَ الِاسْتِدْلَال / 17 - ب / على الإفادة) أَي على طريقها، أَو على مَا يُسْتَفَاد بِهِ الْمَطْلُوب من [22 - أ] الْأَدِلَّة. هَذَا، وَقيل فِيهِ: إِنَّه يسْتَلْزم اخْتِصَاص النظري بالتصديق. و [إِنَّه] قد يكون الضَّرُورِيّ مُفِيدا للْعلم بالاستدلال، وَقد
يكون النظري مُفِيدا للْعلم لَا مَعَ الِاسْتِدْلَال، فَالْوَجْه أَن يُقَال: مَعْنَاهُ أَن كل ضَرُورِيّ خَاص، يُفِيد علما عَاما فِي ضمنه بِدُونِ الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ، وَأَن كل نَظَرِي خَاص، يُفِيد علما عَاما فِي ضمنه مَعَ الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ.
وَالْحَاصِل: أَن الضَّرُورِيّ هُوَ الْحَاصِل بِدُونِ الِاسْتِدْلَال، والنظري هُوَ الْحَاصِل بالاستدلال. وَالْمرَاد من الِاسْتِدْلَال هُوَ الْكسْب، لِئَلَّا يخْتَص بالتصديق. وَلَو ترك قَوْله: يُفِيد، وأتى بدل الِاسْتِدْلَال [الْكسْب] أولى. وَقيل: أَقَامَ الإفادة مُقَام الاستفادة تسامحاً، لِأَن الإفادة سَبَب الاستفادة، ومفضية إِلَيْهَا. وَهَذَا كَمَا قيل فِي قَوْله تَعَالَى {مَا مَنعك أَلا تسْجد} أَن الْمَعْنى: مَا دعَاك إِلَى ترك السُّجُود؟ لِأَن الْمَنْع عَن السُّجُود دَاع إِلَى نقيضه.
فَإِن قلت: يرد عَلَيْهِ أَن مَا ذكر هُوَ الضَّرُورِيّ بِالْمَعْنَى الْمُقَابل للنظري، لَا بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور، قلت: قَوْله: يُفِيد الْعلم، لَيْسَ تعريفاً بل هُوَ حكم.
(وَأَن الضَّرُورِيّ) عطف على إِذْ الضَّرُورِيّ، فَإِن فِي معنى لِأَن الضَّرُورِيّ.
(يحصل لكل سامع، والنظري لَا يحصل إِلَّا لمن فِيهِ) وَفِي نُسْخَة: إِلَّا لمن لَهُ (أَهْلِيَّة النّظر)
(وَإِنَّمَا أبهَمْتُ) أَي أَنا.
(شُرُوط الْمُتَوَاتر) وَفِي نُسْخَة: التَّوَاتُر، وَهِي الشُّرُوط الْأَرْبَعَة المنضافة إِلَى الْخَامِس
(فِي الأَصْل) أَي فِي الْمَتْن، وبينتها فِي الشَّرْح. وَأغْرب شَارِح حَيْثُ قَالَ: بِأَن لم يبين أَحْوَال تِلْكَ الْكَثْرَة من الْعَدَالَة وَغَيرهَا.
(لِأَنَّهُ) أَي الْمُتَوَاتر.
(على هَذِه الْكَيْفِيَّة) أَي الْمَذْكُورَة فِي الشَّرْح. وَقَول شَارِح: أَي أَحْوَال الْكَثْرَة، غير مُسْتَقِيم.
(لَيْسَ من مبَاحث علم الْإِسْنَاد)، فِي الْجَوَاهِر: أصُول الحَدِيث علم بأصولٍ تعرف بهَا أَحْوَال حَدِيث الرَّسُول [صلى الله عليه وسلم] من حَيْثُ صحةُ النقلِ عَنهُ، وَضَعفه، [22 - ب] والتحمل، وَالْأَدَاء.
(إِذْ علم الْإِسْنَاد يُبْحَثُ فِيهِ عَن صِحَة الحَدِيث) المرادُ من الصِّحَّة هُنَا: مَعْنَاهَا اللّغَوِيّ ليشْمل الْحسن أَيْضا، فَإِن الْحسن بالاصطلاح منافٍ للصِّحَّة
(أَو ضَعْفه ليُعْمَل بِهِ) أَي فِي غير الضَّعِيف.
(أَو يتْرك) أَي الْعَمَل بِهِ فِي الضَّعِيف إِلَّا فِي الْفَضَائِل
(من حَيْثُ) مُتَعَلق ب: يبْحَث.