الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(أَو صُحْبَة السماعٍ،) أَي صُحْبَة مصحوبة بِالسَّمَاعِ، فَلَو صَحِبَهُ وَلم يسمع مِنْهُ الحَدِيث لَا يكون تابعياً، وتصحف الصُّحْبَة بِالصِّحَّةِ على شَارِح فَقَالَ: كَابْن حبَان فَإِنَّهُ اشْترط أَن يكون رَآهُ فِي سنّ من يحفظ عَنهُ، فَإِن كَانَ صَغِيرا لم يحفظ عَنهُ، فَلَا عِبْرَة لرُؤْيَته كخلف بن خَليفَة، فَإِنَّهُ عدّه فِي اتِّبَاع التَّابِعين، وَإِن كَانَ رأى عَمْرو بن حُريث لكَونه صَغِيرا. انْتهى. وَمحل هَذَا الْكَلَام كُله بعد قَوْله:
(أَو التَّمْيِيز) أَي سِن التَّمْيِيز [وَهُوَ] : الْأَرْبَعَة أَو الْخَمْسَة مِمَّا قيل فِيهِ: إِنَّه أقل سِنِي صِحَة السماع، وَأما قَول الشَّارِح: أَن يكون من المتميزين الَّذين تصح نِسْبَة الرُّؤْيَة إِلَيْهِم، فَغير ظَاهر. [153 - أ] .
هَذَا، وَالْمَفْهُوم من كَلَام الْعِرَاقِيّ أَن الْمُخَالف لِلْجُمْهُورِ اثْنَان حَيْثُ قَالَ فِي الْمَتْن:
(والتَّابِعُ اللَاّقِي لِمَنْ قَدْ صَحِبا
…
وللخَطِيب حَدِّهُ: أنْ يَصْحَبَا)
وَقَالَ فِي الشَّرْح: التَّابِعِيّ من رأى الصَّحَابِيّ، لَكِن ابْن حِبان يشْتَرط / 106 - ب / أَن يكون رَآهُ فِي سنّ من يحفظ عَنهُ إِلَى آخر مَا ذَكرْنَاهُ سَابِقًا فعلى هَذَا مآل صُحْبَة السماع والتمييز وَاحِد، وَلم يُفْهَم مِنْهُ شَرط صُحْبَة السماع، بل مطلقه وَمُطلق التَّمْيِيز أَيْضا، فَتَأمل.
(
[المُخَضْرمَون] )
(وَبَقِي بَين الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ طبقَة) أَي جمَاعَة متفقة فِي عصر وَاحِد من
الْمُسلمين، (اخْتلف) أَي اخْتلف عُلَمَاء أَسمَاء الرِّجَال (فِي إلحاقهم بِأَيّ الْقسمَيْنِ) أَي قسمي الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، يَعْنِي بذكرهم مَعَ هَؤُلَاءِ /، (وهم) :
(المخضرمون) بِالْخَاءِ وَالضَّاد المعجمتين، وَفتح الرَّاء على أَنه اسْم مفعول من خُضِرم عَمَّا أدْركهُ أَي قطع، وَقيل: بِكَسْر الرَّاء من خضرم آذان الْإِبِل قطعهَا، كَمَا حكى الْحَاكِم عَن بعض مشايخه، وَذَلِكَ أَن أهل الْجَاهِلِيَّة مِمَّن أسلم كَانُوا يُخَضرِمون آذان الْإِبِل ليَكُون عَلامَة لإسلامهم إِن أُغير عَلَيْهِم، أَو حوربوا. قَالَ السخاوي: وَهَذَا مُحْتَمل للكسر من أجل أَنهم خضرموا آذان الْإِبِل، وللفتح من أجل أَنهم خضرموا أَي قطعُوا عَن نظائرهم، أَي من الْمُسلمين حَيْثُ عاصروا الصَّحَابَة، وَلم يحصل لَهُم رُؤْيَة النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم وَاقْتصر ابْن خَلِّكَان على كسر الرَّاء لَكِن مَعَ إهمال الْحَاء، وَأغْرب فِي ذَلِك، وَنَصه: قد سُمِع: مُخضْرِم، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الرَّاء. انْتهى.
(الَّذين أدركوا الْجَاهِلِيَّة) صغَارًا [كَانُوا] أَو كبارًا فِي حَيَاة رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم. والجاهلية مَا قبل الْبعْثَة، سُمُّوا بذلك لِكَثْرَة جهالتهم، وَقيل: مَا قبل فتح مَكَّة لزوَال أَمر الْجَاهِلِيَّة حِين خطب رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْفَتْح وأبطل أُمُور الْجَاهِلِيَّة، إِلَّا مَا كَانَ من [153 - ب] سِقَايَة الْحَاج، وسدانة الْكَعْبَة. (وَالْإِسْلَام) أَي فِي حَيَاته صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، أَو بعده. وخصهم ابْن قتُيبة بِمن أدْرك الْإِسْلَام فِي الكَبر ثمَّ أسلم بعد النَّبِي عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام كجُبير بن نُفَير، فَإِنَّهُ أسلم وَهُوَ بَالغ فِي خلَافَة أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَبَعْضهمْ بِمن اسْلَمْ فِي حَيَاته صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم كزيد بن وهبٍ، فَإِنَّهُ رَحل إِلَى النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم فَقبض النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي الطَّرِيق، وَكَذَا وَقع لقيس بن أبي حَازِم، وَأبي مُسلم الْخَولَانِيّ، وَأبي عبد الله الصنَابحي، مَاتَ النَّبِي عليه الصلاة والسلام قبل قدومهم بِليَال، وَأقرب من هَؤُلَاءِ سُويد بن غَفلة قدم حِين نُفضَت الْأَيْدِي من دَفنه صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم على الْأَصَح فِي الْأَخيرينِ. ذكره السخاوي.
(وَلم يرَوا النَّبِي عليه الصلاة والسلام أَو رَأَوْهُ لَكِن الْإِسْلَام، وَقد عد المخضْرمين مُسلم عشْرين نفسا، قَالَ النَّوَوِيّ: وهم أَكثر. هَذَا وَلَا يخفى أَن المخضرمين من التَّابِعين / 107 - أ / وَلَيْسوا من الصَّحَابَة قطعا لأَنهم لم يروه، فَقَوله:" بَينهمَا طبقَة " بِاعْتِبَار الْعَصْر وَالزَّمَان لَا باخْتلَاف الرُّتْبَة والشأن، فَالَّذِي ألحقهم بالصحابة نَظَر إِلَى أَنهم كَانُوا فِي عصرهم، ومدار الطَّبَقَة عَلَيْهِ، وَالَّذِي ألحقهم بالتابعين نظر إِلَى أَنهم فِي رتبتهم، وَإِن كَانُوا متقدمين على طبقتهم.
وَأما قَول محشٍ: كَون المخضرمين بَين الصَّحَابِيّ والتابعي إِنَّمَا هُوَ عِنْد الْقَوْم نظرا [إِلَى اخْتلَافهمْ فِي تَفْسِير الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، وَأما بِالنّظرِ] إِلَى تَعْرِيف الشَّيْخ لَهما، فهم من التَّابِعين، فمردود لما عرفت [أَن] الِاخْتِلَاف فِي اشْتِرَاط رُؤْيَته صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم للصحابي وَإِنَّمَا الِاخْتِلَاف فِي اشْتِرَاط طول الْمُلَازمَة، وَحُضُور الْمُقَاتلَة، وَلذَا قيل: إِن اشتقاق المخضرمين / من قَوْلهم: لَحْمٌ مُخَضْرم [154 - أ] لَا يُدْرَى ذكر أَو أُنْثَى، لترددهم بَين الطبقتين أَي الصَّحَابَة
للمعاصرة، وَبَين التَّابِعين لعدم الرُّؤْيَة.
إِذا عرفت ذَلِك (فَعدهم) أَي ذكرهم (ابْن عبد الْبر فِي الصَّحَابَة) أَي فِي طبقتهم، وَفِي أثْنَاء ترجمتهم مَعَ أَنهم لَيْسُوا مِنْهُم، وَلما كَانَت عبارَة المُصَنّف مُوهِمَة قَالَ تِلْمِيذه: الأولى أنْ يَقُول: فعدّهم مَعَهم لما سَيَأْتِي من أَنه لم يَعُدهم مِنْهُم. انْتهى وَفِيه أَنه لَا فرق فِي الْإِيهَام بَين عدهم فيهم، وَبَين عدهم مَعَهم كَمَا لَا يخفى
(وَادّعى عِياضٌ وَغَيره أنّ ابْن عبد الْبر يَقُول: إِنَّهُم صحابة) لِأَنَّهُ لمّا عدهم [فِيمَا بَين الصَّحَابَة] توهَّموا مِنْهُ أَنه جعلهم صحابة.
(وَفِيه) أَي فِي ادعائه (نَظر) قَالَ تِلْمِيذه: لقَائِل أنْ يَقُول: أَنْت صرحت بِأَنَّهُ عدهم فيهم، فَمَا ورد على عِيَاض فَهُوَ واردٌ على ظَاهر عبارتك، فَكَانَ الأولى مَا قُلْنَا: انْتهى. وَقُلْنَا: إِن مَا قلت مثل عبارَة المُصَنّف، وَإِن [كلا] مِنْهُمَا يُوهم خلاف الْمَقْصُود، وَلَكِن الظَّاهِر [من] عدهم فيهم أَو مَعَهم الْمُغَايرَة بَينهم، فَأَيْنَ هَذَا التَّوَهُّم النَّاشِئ من الْعبارَة من ادِّعَاء عِيَاض صَرَاحَة كَونهم من الصَّحَابَة حَتَّى يَرِدَ [على] عبارَة المُصَنّف [مَا] يرد على ادِّعَاء عِيَاض؟
(لِأَنَّهُ) أَي ابْن عبد الْبر، (أفْصح) أَي صرّح وأوضح، (فِي خطْبَة كِتَابه) أَي معتذراً عَن ذَلِك، (بِأَنَّهُ إِنَّمَا أوردهم) أَي المُخضرمين فِي طبقَة الصَّحَابَة، وَذكرهمْ
مَعَهم، (ليَكُون كِتَابه جَامعا) أَي حاوياً لَهُم ولأشباههم لَا لكَوْنهم صحابة، (مستوعباً لأهل الْقرن الأول) أَي من أهل الْإِسْلَام، أَي سَوَاء تشرفوا بِرُؤْيَتِهِ عليه الصلاة والسلام كالصحابة، أَو حُرِموا من هَذِه السَّعَادَة كالمُخَضْرمين.
فَالصَّوَاب أنّهم من التَّابِعين، وَإِنَّمَا الْخلاف فِي أَنهم [154 - ب] معدودون من كبار التَّابِعين / 107 - ب / أَو من صغارهم بِنَاء على الِاكْتِفَاء بِرُؤْيَة الصَّحَابِيّ، أَو على طول الْمُلَازمَة.
(وَالصَّحِيح أَنهم معدودون فِي كبار التَّابِعين،) أَي مُطلقًا لإدراك شرف زَمَانه صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم ولِكبر سنهم الْمُقْتَضِي أَن يَكُونُوا من الكبراء بِخِلَاف صغَار التَّابِعين، فَإِنَّهُم لَيْسُوا على مِنْوال ذَلِك وَالظَّاهِر أَنهم كلهم أدركوا الصَّحَابَة، وَلذَا جزم المُصَنّف بِمَا ذكره، فَانْدفع مَا قَالَ محشٍ فِيهِ: إِنَّه يحْتَمل أَن يكون بعض المخضرمين لم يلق صحابياً أصلا، فَلَا يصدق عَلَيْهِ تَعْرِيف التَّابِعِيّ كَمَا لَا يصدق عَلَيْهِ تَعْرِيف الصَّحَابِيّ. انْتهى. وَقد علمتَ أَن هَذَا مُجَرّد احْتِمَال عَقْلِي.
(سَوَاء عُرِفَ) أَي اشْتهر، (أَن الْوَاحِد) أَي، (مِنْهُم كَانَ مُسلما فِي زمن النَّبِي عليه الصلاة والسلام كالنجاشي) بِفَتْح النُّون، وَتَخْفِيف الْيَاء على الْأَصَح، وكأويس
القَرني، فَإِنَّهُ سيد التَّابِعين على مَا ورد فِي حَقه.
(أَو لَا) أَي أَو لم يعرف أَنه كَانَ مُسلما فِي زَمَنه عليه الصلاة والسلام، بِمَعْنى لم يشْتَهر لكنه كَانَ مُسلما فِي نفس الْأَمر، وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا ليَصِح كَونه من المخضرمين لَا من الصَّحَابَة، وَلَا التَّابِعين، فَإِنَّهُ بِالْإِسْلَامِ السَّابِق يتَمَيَّز عَن التَّابِعِيّ، وبعدم الرُّؤْيَة ينحط عَن مرتبَة الصَّحَابِيّ فَتَأمل، فَإِنَّهُ مَحل زلل.
(لَكِن) اسْتِدْرَاك من قَوْله: وَالصَّحِيح
…
الخ، (إِن ثَبت أَن / النَّبِي عليه الصلاة والسلام لَيْلَة الْإِسْرَاء كشف لَهُ عَن جَمِيع من فِي الأَرْض فَرَآهُمْ) أَي تَفْصِيلًا لَا مُجملا. قَالَ التلميذ: قيل: [إِن] الَّذِي ذكره المُصَنّف فِيمَا تقدم من أَن الصُّحْبَة من الْأَحْكَام الظَّاهِرَة يدل على أَنه لَو ثَبت لَا بدل على الصُّحْبَة، لِأَن مَا فِي عَالم الْغَيْب لَا يكون حكمه حكم مَا فِي عَالم الشَّهَادَة.
قلت: [155 - أ] الْحق أَن الْأُمُور الْحَاصِلَة لَهُ صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم بالكشف حكمهَا حكم الْأُمُور الْحَاصِلَة لَهُ بالعيان، وَلَا علاقَة لما ذكره فِي الصُّحْبَة بِهَذَا لِأَن ذَلِك فِي الظَّاهِر الَّذِي يُقَابل الِاعْتِقَاد وَالله سُبْحَانَهُ أعلم.
(فَيَنْبَغِي أَن يُعَدَّ مَن كَانَ مُؤمنا بِهِ) أَي مِنْهُم، (فِي حَيَاته صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم إِذْ ذَاك) أَي وَقت الْإِسْرَاء وَهُوَ ظرف لقَوْله: مُؤمنا بِهِ، وغَفَل عَن هَذَا الْقَيْد محشٍ حَيْثُ قَالَ: الْوَاجِب أَن يعد فِي الصَّحَابَة من كَانَ مُؤمنا بِهِ فِي هَذِه اللَّيْلَة لَا فِي حَيَاته مُطلقًا، لجَوَاز أَن يكون إيمَانه بعد هَذِه اللَّيْلَة وَلم يلاق النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، فَلَا تكون الرُّؤْيَة حَال كَونه مُؤمنا بِهِ فَلَا يكون صحابياً،