الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(
[الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى] )
(وَأما الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى) إِشَارَة إِلَى إِبْدَال اللَّفْظ بمرادفة، (فَالْخِلَاف فِيهَا شهير، وَالْأَكْثَر) أَي من أهل الحَدِيث وَالْفِقْه وَالْأُصُول، وَمِنْهُم الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة، (على الْجَوَاز) أَي بِالشّرطِ الْمَذْكُور (أَيْضا) أَي كَمَا فِي اخْتِصَار الحَدِيث.
(وَمن أقوى حججهم) أَي أدلتهم، (الْإِجْمَاع على جَوَاز شرح الشَّرِيعَة) أَي أَحْكَامهَا من الْكتاب وَالسّنة، (للعجم) وهم مَا عدا / 84 - ب / الْعَرَب (بلسانهم) أَي بلغاتهم الْمُخْتَلفَة من الفارسية، والتركية، والهندية، لقَوْله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم:" بلِّغوا عني " و " ليُبلِّغ الشاهدُ مِنْكُم الغائبَ ". (للعارف بِهِ) أَي بِمَا ذكر من اللِّسَانين.
(فَإِذا جَازَ الْإِبْدَال بلغَة أُخْرَى، فجوازه باللغة الْعَرَبيَّة أولى) أَي وبالقبول أحْرى، فِيهِ أَنه يجوز، بل يجب أَن يكون الْإِبْدَال بلغَة للضَّرُورَة [وَلَا ضَرُورَة]
هُنَا، وَأما مَا قَالَ شَارِح من أَن الْإِبْدَال بلغَة أُخْرَى قد يكون بِدُونِ الضَّرُورَة، كالتفاسير الفارسية، تؤلف لمن يُحسن الْعَرَبيَّة وَغَيرهَا، فَغير مَقْبُول، إِذْ أصل وضع كتب الشَّرِيعَة بِلِسَان العجمية، [إِنَّمَا / هُوَ] لتفهيم من لَا يحسن الْعَرَبيَّة، وَإِلَّا فَلَا وَجه للعدول عَنْهَا وَقد ورد النَّهْي [119 - ب] عَن التَّكَلُّم بِغَيْر الْعَرَبيَّة لمن يُحسِنها، إِلَّا على سَبِيل الضَّرُورَة.
وَأما قَوْله: وَقد رُوي عَن غير وَاحِد من الصَّحَابَة التَّصْرِيح بذلك، أَي بِأَن الْإِبْدَال بلغَة أُخْرَى بِدُونِ الضَّرُورَة جَائِز، فَمَمْنُوع ومحتاج إِلَى بَيَان ذَلِك. وَأما قَوْله: وَيدل عَلَيْهِ أَيْضا رِوَايَة الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ الْقِصَّة الْوَاحِدَة بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة، فمدفوع بِأَنَّهُ إِمَّا مَحْمُول على تعدد الْوَاقِعَة، أَو على نقل الْمَعْنى بِالضَّرُورَةِ.
وَقد ورد فِي الْمَسْأَلَة التَّصْرِيح بِأَن التَّغْيِير لَا يجوز إِلَّا للضَّرُورَة، وَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْن مَنْدَه فِي " معرفَة الصَّحَابَة "، من حَدِيث عبد الله بن سُلَيْمَان اللَّيْثِيّ قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله إِنِّي أسمع مِنْك الحَدِيث لَا أَسْتَطِيع أَن أؤديه كَمَا أسمعُ مِنْك، أُزِيدُ حرفا أَو أُنِقص حرفا، فَقَالَ [صلى الله عليه وسلم] :" إِذا لم تُحِلوا حَرَامًا، وَلم تحرموا حَلَالا، وأصبتم الْمَعْنى، فَلَا بَأْس ". فَذكر ذَلِك لِلْحسنِ فَقَالَ: لَوْلَا هَذَا مَا حَدثنَا.
وَمن الْغَرِيب أَن الشَّارِح جعل هَذَا الحَدِيث مُتَمَسَّكاً لِمُدَّعَاه، وغَفَل عَن الْقُيُود من عدم الِاسْتِطَاعَة، وَوُجُود الْإِصَابَة، وَمَا فِي مَعْنَاهُ، ثمَّ مَعَ هَذَا قَالَ:" فَلَا بَأْس "، فَتَأمل هَذَا مَعَ قَوْله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم " نَضَّر الله امْرأ سمع مَقَالَتي فوعاها، وأداها كَمَا سَمِعها ". وَقد قلَّ رِوَايَة المتورعين من الصَّحَابَة كالصَّديق، وَعَن التَّابِعين كإمامنا الْأَعْظَم، وَمن الأتباع كبعض الْمَشَايِخ، خوفًا من وَعِيد:" من كذب عليّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مقعدَه من النَّار ".
(وَقيل: إِنَّمَا يجوز فِي الْمُفْردَات) أَي لظُهُور ترادفها، فتغييره يسير، (دون المركَّبات) أَي لاحتياجها إِلَى زِيَادَة تَغْيِير.
(وَقيل: إِنَّمَا يجوز لِمَن يستحضُر اللَّفْظ، ليتَمَكَّن من التَّصَرُّف فِيهِ) وضَعْفه ظَاهر.
(وَقيل: إِنَّمَا يجوزُ لمن كَانَ يحفظ الحَدِيث فنسِي لفظَه، وبقيَ معناهُ مرتسِماً) أَي منتقِشاً (فِي ذِهنه، فَلهُ أَن يرويهِ بِالْمَعْنَى، لمصْلحَة تَحْصِيل الحُكم
مِنْهُ) [120 - أ] لَو قيل: فَعَلَيهِ أَن يرويهِ، لَا يبعد، خُصُوصا إِذا كَانَت الرِّوَايَة / 85 - أ / منحصرة [فِيهِ] .
(بِخِلَاف مَن كَانَ مستحضِراً للفظهِ) أَي للفظ الحَدِيث الصَّادِر من مِشكاة صدر النُّبُوَّة، المنعوت بِأَنَّهُ لَا ينْطق عَن الْهوى، وَهَذَا القَوْل عِنْدِي هُوَ الأوْلَى، [حَتَّى من الأوْلى] ، لِأَن الْمَرْء وَلَو كَانَ فِي غَايَة من الفصاحة والبلاغة، لَا ينْهض إِلَى التَّعْبِير عَن أَلْفَاظ من أُوتِيَ جَوَامِع الكَلِم بِمَا يُؤَدِّي مَعَانِيهَا أجمع، بِحَيْثُ لَا يزِيد وَلَا ينقص، بل لَا يتَصَوَّر أَن يكون مُسَاوِيا لَهَا فِي الْجلاء والخفاء، لَا سِيمَا وَهُوَ مفوتٌ للتبرُّك بِأَلْفَاظ صَاحب الشَّرِيعَة، ومُفتحٌ لأبواب الشَّك والشُّبهة فِي موارد السُّنة.
وَلذَا ذهب قوم من أهل الحَدِيث وَالْأُصُول إِلَى أَنه [لَا] تجوز الرِّوَايَة إِلَّا بِلَفْظِهِ، فَهُوَ الْمَرْوِيّ عَن ابْن سِيرِين وَغَيره من المحتاطين فِي دين الله، مِمَّن يَشْتَرِطه، بل رَوَاهُ ابْن السَّمعاني عَن ابْن عمر. وَقيل: لَا يجوز فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا يجوز فِي حَدِيث غَيره، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن مَالك، وَلَعَلَّه رأى التهوين فِي ذَلِك / قيدهُ بَعضهم بِمَا إِذا لم يكن مِمَّا تُعُبِّد بِلَفْظِهِ، وَلَا هُوَ من جَوَامِع الكَلِم.
(وَجَمِيع مَا تقدم يتَعَلَّق بِالْجَوَازِ وعدمهِ) وَهَذَا تَوْطِئَة لقَوْله: (وَلَا شكَّ أنّ
الأولى إِيرَاد الحَدِيث) أَي مُطلقًا (بألفاظهِ دونَ التصرُّف فِيهِ) أَي فِي الحَدِيث، كَمَا قَالَه الْحسن وَغَيره؛ وَلذَا كَانَ ابْن مَهْدي كَمَا حَكَاهُ عَنهُ أَحْمد، أَنه يتوقى كثيرا ويحبُّ أَن يحدث بالألفاظ فَقَط. وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: الَّذِي اسْتمرّ عَلَيْهِ أَكثر الْمَشَايِخ أَن ينقلوا الرِّوَايَة كَمَا وصلت، وَلَا يغيروها فِي كتبهمْ.
(قَالَ القَاضِي عِيَاض: يَنْبَغِي) يكون بِمَعْنى يجب، (سدّ بَاب الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى) أَي مُطلقًا، أَو بِلَا ضَرُورَة، وَيُؤَيّد الأول قَوْله:
(لِئَلَّا يتسلّط) أَي يجترئ.
(من لَا يحسنُ)[120 - ب] أَي الْعَرَبيَّة وَصِحَّة الْبَدَلِيَّة (مِمَّن يَظُنّ) بِصِيغَة الْفَاعِل أَي يغلب على ظَنّه (أَنه يًحْسِن) . قَالَ تِلْمِيذه: أَي يِرِى نَفسه أَنه يُحسن، وَلَيْسَ كَذَلِك، أَي [وَالْحَال أَنه] لَيْسَ كَذَلِك.
وَقَالَ محشٍ: قَوْله: مِمَّن يظنّ
…
الخ بَيَان لقَوْله: لمن لَا يحسن، وَلَفظ يُظن مَجْهُول، أَي من لَا يُحسن فِي الْوَاقِع حَال كَونه مِمَّن يَظنه الناسُ أَنه يُحسن، بِخِلَاف مَن لَيْسَ للنَّاس فِي شَأْنه حُسن ظن، إِذْ لَا يَقبل [النَّاس] رِوَايَته، وَلَا يلتفتون إِلَى نَقله، فَلَا يُؤثر تَغْيِيره زِيَادَة [فَسَاد] ، وَلَا يَقع لَهُ تسلط. انْتهى. [وتكلفه مِمَّا لَا يخفى] ، وَالْأول أولى لما فِيهِ من إِشَارَة لَطِيفَة إِلَى جرْأَة التَّغْيِير إِنَّمَا هُوَ مِمَّن يكون جهلُه مركبا، وَلَا يُفَرِّق بَين لفظهِ وَلَفظ صَاحب الْوَحْي، بل يلْزم مِنْهُ أَنه فضَّل كلامَه على كَلَامه، وَهَذَا غَايَة الحماقة، بل خَارج عَن حَيِّز