الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فروى الشَّافِعِي، عَن شُعْبَة قَالَ: التَّدْلِيس أَخُو الْكَذِب. وَقَالَ لِأَن أزني أحب إليّ مِن أَن أدلس، قَالَ: وَهَذَا من شُعْبَة مَحْمُول على الزّجر والتنفير.
وَالْقسم الثَّانِي أمره أخف وَفِيه تَضْييع للمروي عَنهُ والمروي، وتوعير لطريق مَعْرفَته على من يطْلب الْوُقُوف على حَاله.
(
[المُرسْلُ الخَفِي] )
(وَكَذَا) أَي مثل المدلس فِي الرَّد (الْمُرْسل الْخَفي) قيل: الظَّاهِر أَنه عطف على قَوْله: المدلس. وَأدْخل كَذَا لطول الْعَهْد، أَي الثَّانِي هُوَ المدلس، والمرسل الْخَفي، أَي منقسم إِلَيْهِمَا. ثمَّ اعْلَم أَنه لَيْسَ المُرَاد بِالْإِرْسَال هُنَا مَا سقط من سَنَده الصَّحَابِيّ، كَمَا هُوَ الْمَشْهُور فِي حد الْمُرْسل، وَإِنَّمَا المُرَاد هُنَا مُطلق الِانْقِطَاع.
ثمَّ الْإِرْسَال بِهَذَا الْمَعْنى على نَوْعَيْنِ: ظَاهر، وخفي
فَالظَّاهِر: هُوَ أَن يروي الرجل عَمَّن لم يعاصره، أَي لم تثبت معاصرته أصلا بِحَيْثُ لَا يشْتَبه إرْسَاله باتصاله على أهل الحَدِيث، [95 - ب] كَأَن يرويَ مَالك مثلا عَن سعيد بن الْمسيب.
الْخَفي: هُوَ أَن يروي عَمَّن سمع مِنْهُ مَا لم يسمع مِنْهُ، أَو عَمَّن لقِيه وَلم يسمع مِنْهُ، أَو عَمَّن عاصره وَلم يلقه، فَهَذَا قد يخفى على كثير من أهل الحَدِيث لِكَوْنِهِمَا قد جَمعهمَا عصر وَاحِد، وَهَذَا أشبه بروايات المُدلِّسين، وَكَذَا حَقَّقَهُ / 69 - أ / الْعِرَاقِيّ.
(إِذا صدر من معاصر لم يلق) قيد اتفاقي لَا احترازي، وَكَانَ الْأَنْسَب أَن يَقُول: وَهُوَ الصادرِ مِن معاصر. وَلذَا قَالَ تِلْمِيذه: هَذَا الشَّرْط يُوهم أنّ لَهُ مفهوماً، وَلَيْسَ كَذَلِك؛ إِذْ لَيْسَ لنا مُرْسل [خَفِي] إِلَّا مَا صدر عَن معاصر لم يلق. انْتهى. وَفِيه أَن الْحصْر غير صَحِيح لما تقدم من الصُّور، وَمن جُمْلَتهَا معاصر لم يلق (من حدث عَنهُ) كَانَ الظَّاهِر أَن يَقُول: لم يُعرف لقاؤه، كَمَا صرح بِهِ فِيمَا سَيَأْتِي. (بل بَينه) أَي المعاصر، (وَبَينه) أَي المُحدثِ عَنهُ، (وَاسِطَة) . ظَاهر كَلَامه أَن " بل " للإضراب، تَأْكِيدًا على وَجه الِانْتِقَال، وَيُمكن أَن يكون بل للإبطال، عُدُولًا عَن الْحصْر الْمَفْهُوم من الأول. وإفادة للْعُمُوم الْمُسْتَفَاد من الثَّانِي، فَإِنَّهُ يشْعر أَنه نفى الْوَاسِطَة مَعَ تحققها. وَهَذَا أَعم من أَن يكون معاصراً لَهُ، أَو لم يكن، فَيشْمَل جَمِيع [الصُّور] السَّابِقَة.
(وَالْفرق بَين المدلس والمرسل الْخَفي دَقِيق) أَي وبالبيان حقيق (يحصل)
وَفِي نُسْخَة: حصل (تحريره بِمَا ذُكر هُنَا) أَي بِمَا ذكر / بعده من تَقْرِيره، كَمَا يدل عَلَيْهِ قَوْله:
(وَهُوَ أَن التَّدْلِيس يخْتَص بمَن روى عَمَّن عُرف لقاؤه إِيَّاه) أَي والمرسل الْخَفي يخْتَص بِمن روى عَمَّن عاصره، وَلم يُعَرف أَنه لقِيه على مَا ذكره السخاوي، وَهُوَ معنى قَوْله:
(فَأَما إنْ عاصره وَلم يُعرف أَنه لقِيه، فَهُوَ المرسَل الْخَفي) . قيل: الْأَظْهر فِي الْعبارَة أَن يَقُول: بِمَا يذكر؛ مُقَيّدا ب: الْآن أَو [96 - أ] غير مُقَيّد. وَيجوز أَي حِينَئِذٍ أَن يُرَاد بِهِ التَّقْرِير السَّابِق فِي تَقْسِيم السقْط إِلَى الْوَاضِح والخفي، حَيْثُ اعْتبر فِي الأول عدم التلاقي، فَعلم أَن التلاقي مُعْتَبر فِي الْبَاقِي الَّذِي هُوَ المدلس بِقَرِينَة الْمُقَابلَة، والمرسل الْخَفي من الأول، كَمَا يدل عَلَيْهِ قَوْله: من معاصرٍ لم يلق فعُلِم من مَجْمُوع مَا سبق الفرقُ بَينهمَا. وَهَذَا إِنَّمَا يَتَأَتَّى إِذا لم يَجْعَل المرسَل الْخَفي قسما من الثَّانِي.
(وَمن أَدخل) كصاحب " الْخُلَاصَة "(فِي تَعْرِيف التَّدْلِيس المعاصرة وَلَو بِغَيْر لُقي) كالنووي، والعراقي (لزِمه دُخُول المرسَل الْخَفي فِي تَعْرِيفه) أَي
تَعْرِيف التَّدْلِيس.
(وَالصَّوَاب: التَّفْرِقَة بَينهمَا) وَفِيه أَنه لَا منع من أَن يكون بَينهمَا عُمُوما خُصُوصا.
(وَيدل على أَن اعْتِبَار اللُقِيّ فِي التَّدْلِيس دون المعاصرة وَحدهَا لَا بُد مِنْهُ) خبر أَن مقدم على قَوْله: دون المعاصرة، وفاعل يدل قَوْله:(إطباق أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ) مُتَعَلق بِالْعلمِ، أَي اتِّفَاقهم (على أَن رِوَايَة المُخَضْرمِين) جمع المُخَضْرَم بِالْخَاءِ وَالضَّاد المعجمتين، وَفتح الرَّاء.
يُقَال: خُضْرِم عَمَّا أدْركهُ: قُطِعَ، وَهُوَ الَّذِي أدْرك الْجَاهِلِيَّة وزَمنَ النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم وَلم يره. وَسَيَأْتِي الْخلاف فِي أَنهم هَل [هم] معدودون / 69 - ب / من الصَّحَابَة، أم من كبار التَّابِعين؟ كَمَا هُوَ الصَّحِيح، وعَدهُم مُسلم عشْرين نفسا (كَأبي عُثْمَان النَّهْديَ) بِفَتْح نون، وَسُكُون هَاء (وَقيس بن أبي حَازِم عَن النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم وَمن قبيل الْإِرْسَال) أَي الْخَفي (لَا من قبيل التَّدْلِيس، وَلَو كَانَ مُجَرّد المعاصرة يُكْتَفى بِهِ فِي التَّدْلِيس، لَكَانَ هَؤُلَاءِ مدلسين، لأَنهم عاصروا النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم قطعا، وَلَكِن لم يعرف هَل لَقَوْهُ أم لَا) .
وَالظَّاهِر أَن المُخَضْرَم مَن عُرف عدم لُقِيّه، لَا مَن لم يعرف أَنه لقِيه، وَبَينهمَا فرق كَمَا لَا يخفى، فَيكون حَدِيثهمْ من الْمُرْسل الْجَلِيّ قريب [96 - ب] من مَرَاسِيل الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
(وَمِمَّنْ قَالَ بِاشْتِرَاط اللقي فِي التَّدْلِيس: الإِمَام الشَّافِعِي، وَأَبُو بكر الْبَزَّار) بتَشْديد الزَّاي، فِي آخِره رَاء.
(وَكَلَام الحَدِيث فِي " الْكِفَايَة " يَقْتَضِيهِ، وَهُوَ الْمُعْتَمد، وَيعرف عدم المُلَاقَاة بإخباره) أَي المدلس (عَن نَفسه بذلك) كَمَا أخبر ابْن عُيَيْنَة على مَا روى عَنهُ عَليّ بن خَشْرَم وَقد تقدم.
(أَو بجزم إِمَام مِطَّلع) أَي بذلك وَهُوَ عدم الملاقاة، وَإِنَّمَا يعلم ذَلِك بالتاريخ كَحَدِيث العَوَّام - بِفَتْح مُهْملَة وَتَشْديد [وَاو]- ابْن حَوْشَب، عَن عبد الله بن أبي أوفى:" كَانَ النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَالَ بِلَال: قد قامِت الصَّلَاة نَهَضَ وكبّر ". وَقَالَ الإِمَام أَحْمد: العَوَّام لم يُدْرِك ابْن أبي أوفى.
(وَلَا يَكْفِي) أَي فِي عدم الملاقاة، (أَن يَقع فِي بعض / الطّرق زِيَادَة راوٍ) أَو أَكثر، كَمَا قَالَ بَعضهم، (بَينهمَا لاحْتِمَال أَن يكون) أَي هَذِه الزِّيَادَة أَو هَذَا الزَّائِد، (من الْمَزِيد) وَهُوَ أَن يزِيد الرَّاوِي فِي إِسْنَاد واحدٍ رجلا، أَو أَكثر وَهْماً مِنْهُ وغلطاً
وَحَاصِله: أَنه لَا يَكْفِي للْحكم بالتدليس وُقُوع زِيَادَة راوٍ بينَ مَن روى بِصِيغَة تحْتَمل السماع، وَبَين الْمَرْوِيّ عَنهُ فِي بعض الطّرق، فَلَا يُحكم بِمُجَرَّد هَذِه الزِّيَادَة بالتدليس لاحْتِمَال أَن يكون هَذَا الزَّائِد من الْمَزِيد فِي مُتَّصِل الْأَسَانِيد. وَسَيَجِيءُ تَفْسِيره فِي الْمُخَالفَة.
(وَلَا يُحكم) بِصِيغَة الْمَجْهُول، (فِي هَذِه الصُّورَة) أَي الَّتِي وَقعت فِي بعض طرقها زيادةُ راوٍ (بِحكم كليّ) أَي قَطْعِيّ فِي أحد الْجَانِبَيْنِ، (لتعارض احْتِمَال الِاتِّصَال والانقطاع) وَعدم مُرَجّح لأَحَدهمَا.
(وَقد صنف فِيهِ [الْخَطِيب] أَي فِي بَيَان مَا ذكر من المُدلَّس، والمُرْسَل الْخَفي، والمزيد، وَالْفرق بَينهمَا، فصنف فِي خَفِي الْإِرْسَال [97 - أ] كتابا سَمَّاهُ: (كتاب " التَّفْصِيل) بِمَعْنى التَّبْيِين، (لمبهم الْمَرَاسِيل ") . (وَكتاب " الْمَزِيد) أَي وصنف فِي مزِيد الْإِسْنَاد كتابا سَمَّاهُ: تَمْيِيز الْمَزِيد فِي (فِي مُتَّصِل الْأَسَانِيد ") أَي واستوعب فيهمَا مسَائِل الصُّورَتَيْنِ.
(وانتهت هُنَا أَحْكَام السَّاقِط) وَفِي / 70 - أ / نُسْخَة: حكم السَّاقِط (مِن الْإِسْنَاد) أَي وعُرِف حكم الْمَحْذُوف. قيل: الْأَنْسَب تَقْدِيم الحكم على الْأَقْسَام، إِذْ الْأَقْسَام للساقط، وَالْأَحْكَام للأقسام، بِأَن يَقُول: وانْتهى هُنَا أَحْكَام أَقسَام السَّاقِط، بل حق الْعبارَة أَن يُقَال: وانتهت هُنَا أَقسَام الْمَرْدُود، والقسط وَأَحْكَامه.