الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(
[المُضْطَرِب] )
(أَو إِن كَانَت الْمُخَالفَة بإبداله، أَو الرَّاوِي) أَشَارَ إِلَى أَن الْإِبْدَال مُضَاف إِلَى الْفَاعِل، وَالْمَفْعُول مَحْذُوف، أَي الشَّيْخ الْمَرْوِيّ عَنهُ، أَو بَعْضًا من الْمَرْوِيّ، فَيكون [114 - أ] شَامِلًا لمضطرب الْمَتْن أَيْضا. قَالَ تِلْمِيذه: أَي بإبدال الشَّيْخ الْمَرْوِيّ عَنهُ، كَأَن يروي اثْنَان حَدِيثا فيرويه أَحدهمَا عَن شيخ، وَالْآخر / 81 - أ / عَن آخر، ويتفقا فِيمَا بعد ذَلِك الشَّيْخ. وَقَالَ السخاوي: كَأَن يروي اثْنَان أَو أَكثر، رِوَايَة وَاحِدَة مرّة على وَجه، وَأُخْرَى على آخر مُخَالف لَهُ.
(وَلَا مرجِّح لإحدى الرِّوَايَتَيْنِ على الْأُخْرَى) وَأما إِن ترجحت إِحْدَاهمَا بِأَن يكون راويهما أحفظ، أَو أَكثر صُحْبَة للمروي عَنهُ، أَو غير ذَلِك، فَالْحكم للراجحة وَلَا يكون حِينَئِذٍ مضطرباً.
(فَهَذَا) أَي مَا وَقع فِيهِ ذَلِك، (هُوَ المضطرِب) بِكَسْر الرَّاء اسْم فَاعل من اضْطربَ كَمَا ذكره السخاوي. (وَهُوَ) أَي الِاضْطِرَاب، (يَقع فِي الْإِسْنَاد غَالِبا) وَيلْزم مِنْهُ أَن يكون الحَدِيث ضَعِيفا، لإشعاره بِأَن لم يُضْبَط على مَا ذكره الْجَزرِي
(وَقد) للتقليل، (يَقع فِي الْمَتْن) أَي فَقَط.
(لكنْ قلّ أَن يَحكم المحدثُ على الحَدِيث بِالِاضْطِرَابِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الِاخْتِلَاف فِي الْمَتْن دون الْإِسْنَاد) اسْتِدْرَاك عَمَّا يُتَوَهَّم أَنه يجوز أَن يكون قَلِيلا فِي نَفسه، وَكَثِيرًا بِاعْتِبَار حكم الْمُحدث بِهِ، فَانْدفع مَا قيل: إِن التقليل يفهم من قَوْله: غَالِبا، وَكَذَا من قد فِي قَوْله: وَقد يَقع فِي الْمَتْن، فَلَا يحسن اسْتِعْمَاله، قَالَ التلميذ: قَوْله: قلّ أَن يحكم الْمُحدث
…
الخ؛ لِأَن تِلْكَ وَظِيفَة الْمُجْتَهد فِي الحكم. انْتهى. وَفِيه أَن الْمُحدث من جملَة الْمُجْتَهدين بل رُبمَا يعْتَمد بعض الْمُجْتَهدين على حكم الْمُحدث فِي الحَدِيث بِالصِّحَّةِ وَعدمهَا.
هَذَا، وَمِثَال المضطرب فِي الْإِسْنَاد مَا روينَاهُ فِي سنَن أبي دَاوُد وَابْن مَاجَه، من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن أُميَّة، عَن أبي عَمرو بن مُحَمَّد بن حُرَيْثٍ، عَن جَدِّه حُرَيْث، عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم:[114 - ب]" إِذا صلى أحدُكُم / فليجعل تِلْقَاء وَجهه شَيْئا " الحَدِيث. وَفِيه: " فَإِذا لم يَجدْ عَصا ينْصِبُها بَين يَدَيْهِ، فليخُطَّ خَطّاً ".
قد اخُتلِف فِيهِ على إِسْمَاعِيل اخْتِلَافا كثيرا، فَرَوَاهُ بِشْر بن المُفَضَّل،
ورَوْح بن الْقَاسِم عَن إِسْمَاعِيل هَكَذَا، وَرَوَاهُ سُفيان الثَّوْريّ عَنهُ، عَن أبي عَمرو بن حُرَيث عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه، وَرَوَاهُ حُمَيْد بن الأَسْوَد عَن إِسْمَاعِيل، عَن أبي عَمرو بن مُحَمَّد بن حُرَيث بن سُلَيم، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه. وَرَوَاهُ وُهَيْب [بن خَالِد] وَعبد الْوَارِث عَن إِسْمَاعِيل، عَن أبي عَمْرو بن حُريث [عَن جَدِّه حُرَيث] . وَقَالَ عبد الرَّزَّاق: عَن ابْن جُريج سمع إِسْمَاعِيل [بن أُميَّة] عَن حُريث بن عمّار، عَن أبي هُرَيْرَة، وَفِيه من الِاضْطِرَاب أَكثر من هَذَا. قَالَ ابْن عُيَيْنَة: لم نجِدْ شَيْئا نَشد بِهِ هَذَا الحَدِيث.
وَمِثَال المضطرب فِي الْمَتْن، حَدِيث فَاطِمَة بنت قَيْس، قَالَت: سَأَلت أَو سُئِلَ النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم عَن الزَّكَاة، فَقَالَ:" إِن فِي المَال لَحقا سوى الزَّكَاة ". فَهَذَا الحَدِيث قد اضْطربَ لَفظه وَمَعْنَاهُ، فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ هَكَذَا من رِوَايَة شريك عَن أبي حَمْزَة عَن الشَّعْبي عَن فَاطِمَة، وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من / 18 - ب / هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ:" لَيْسَ فِي المَال حق سوى الزَّكَاة ". فَهَذَا
الِاضْطِرَاب لَا يحْتَمل التَّأْوِيل، وَقَول الْبَيْهَقِيّ: لَا يَحْفَظُ لهَذَا اللَّفْظ الثَّانِي إِسْنَادًا، مَرْدُود بِمَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه هَكَذَا ذكره الْجَزرِي. لَكِن قَوْله لَا يَحتمل التَّأْوِيل، فِيهِ بحث، إِذْ يُمكن حمل النَّفْي على الْحق الْوَاجِب الشَّرْعِيّ، وَالْإِثْبَات على الْوُجُوب الْعرفِيّ من الضِّيَافَة، وإعارة الماعون، وَالْمَال فِي النَّفْي يُرَاد بِهِ الْمَعْهُود الَّذِي يجب فِيهِ الزَّكَاة، وَفِي الْإِثْبَات جنس المَال الَّذِي يجب فِيهِ نَفَقَة ذَوي الْأَرْحَام وَنَحْوهَا [115 - أ] ، مَعَ أَن الْقَاعِدَة المقرَّرَة أَن الْإِثْبَات مُقَدِّمٌ على النَّفْي عِنْد الْمُعَارضَة.
ويَقْرب مِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَآتى المَال على حبه ذَوي الْقُرْبَى واليتامى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل والسائلين وَفِي الرّقاب وَأقَام الصَّلَاة وَآتى الزَّكَاة} قَالَ الْبَيْضَاوِيّ: يحْتَمل أَن يكون الْمَقْصُود مِنْهُ، وَمن قَوْله:{وَآتى المَال} الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة، وَلَكِن الْفَرْض من الأول بَيَان مصارفها، وَمن الثَّانِي أَدَاؤُهَا، والحث عَلَيْهَا، وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد بِالْأولِ، نوافلَ الصَّدقَات، أَو حقوقاً كَانَت فِي المَال سوى الزَّكَاة. انْتهى. وَيُؤَيّد الْأَخير مَا روى ابْن أبي حَاتِم أَنه قَالَ عليه الصلاة والسلام:" فِي المَال حق سوى الزَّكَاة، ثمَّ قَرَأَ {لَيْسَ الْبر} " إِلَى قَوْله: {وَفِي الرّقاب} .
وَقد قَالَ ابْن الصّلاح: وَقد يَقع الِاضْطِرَاب فِي الْمَتْن، وَهُوَ مَا اخْتلف الرِّوَايَات فِيهِ، فيرويه بَعضهم على وَجه، وَبَعْضهمْ على وَجه آخر مُخَالف لَهُ، وَلَا
يتَرَجَّح إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ على الْأُخْرَى، وَلَا يُمكن الْجمع بَينهمَا، فَإِن ترجحت، بِأَن يكون راويها أحفظ، أَو أَكثر صُحْبَة للمروي عَنهُ [لَا] سِيمَا إِذا كَانَ ولدهَ أَو قريبَه، أَو مَوْلَاهُ أَو بلِديّه، أَو غير ذَلِك من وُجُوه التَّرْجِيح الْمُعْتَمد، كَكَوْنِهِ حِين التَّحَمُّل بَالغا، أَو سَمَاعه من لفظ شَيْخه، فَالْحكم للراجح وَلَا يكون الحَدِيث حِينَئِذٍ / مضطرباً، وَكَذَا إِن أمكن الْجمع بِحَيْثُ يُمكن أَن يكون الْمُتَكَلّم معبِّراً باللفظين فَأكْثر عَن معنى واحدٍ، أَو يحمل كل مِنْهُمَا على حَالَة لَا تنَافِي الْأُخْرَى وَإِنَّمَا كَانَ الِاضْطِرَاب مُوجبا لضعف الحَدِيث لإشعاره بِعَدَمِ ضبط الرَّاوِي، أَو رُوَاته الَّذِي هُوَ شَرْط الْقبُول، وَهُوَ مَحْمُول على وُقُوع الْإِبْدَال فِي السَّنَد، أَو الْمَتْن مِنْهُ سَهوا أَو خطأ.
(وَقد يَقع الْإِبْدَال عمدا لمن يُرَاد اختبار حفظه) الظَّاهِر [115 - ب] أَنه صلَة للامتحان الَّذِي هُوَ عِلّة تعمُّد الْإِبْدَال، فَكَانَ حَقه تَأَخره عَن قَوْله:
(امتحاناً) أَي لمن يُرَاد امتحانه امتحاناً (من فَاعله) أَي فَاعل الْإِبْدَال، جعله المُصَنّف من أَقسَام الْإِبْدَال وَإِن جعله غَيره من أَقسَام الْقلب، لقلَّة مناسبته بِالْقَلْبِ، كَذَا قَالَه شَارِح، وَالْأَظْهَر عِنْدِي أنّ مناسبته بِالْقَلْبِ أقوى / 82 - أ /، فَإِنَّهُ يُفِيد الْعَكْس بِخِلَاف الْإِبْدَال، كَمَا يظْهر وَجهه فِي الْمِثَال، وَلذَا جعله السخاوي من أَقسَام الْمركب، وَهُوَ مَا رُكِّب مَتنه لإسناد [آخر] لم يكن لَهُ، لِأَن الْمَقْصُود بِالذَّاتِ هُنَا تركيب إِسْنَاد متن لمتن آخر، [لَا إِبْدَال إِسْنَاد بِإِسْنَاد آخر من غير أَن
يُلَاحظ] تركيبه.
قلت: وَمَعَ هَذَا، يُلَاحظ فِي الْقلب معنى زَائِد على هَذَا و [هُوَ] تركيب متن آخر [لإسناد آخر]، فَانْدفع مَا قَالَ الشَّارِح: إنّ الْأَنْسَب مَا فعله السخاوي. وَأما قَول الشَّارِح: مِثَاله حَدِيث رَوَاهُ جرير بن حَازِم عَن ثَابت البُنَانّي عَن أنس رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم: " إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة فَلَا تقوموا حَتَّى تَرَوْني "، فَهَذَا حَدِيث انْقَلب إِسْنَاده على جرير بن حَازِم لِأَن هَذَا الحَدِيث مَشْهُور ليحيى بن كثيرٍ عَن عبد الله بن أبي قَتَادة، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، فخطأ فَاحش من الشَّارِح، لِأَن الْكَلَام فِي الْإِبْدَال عمدا امتحاناً، وَلذَا قَالَ المُصَنّف:
(كَمَا وَقع للْبُخَارِيّ والعُقَيْلي) بِضَم عين، وَفتح قَاف، (وَغَيرهمَا) أَي مِمَّن وَقع الْإِبْدَال عمدا فِي حَقهم امتحاناً لمعْرِفَة ضبطهم وحفظهم، أما البُخَارِيّ، فقد رُوِيَ أَنه لما أَتَى بَغْدَاد، سمع بِهِ أَصْحَاب الحَدِيث، فَاجْتمعُوا وعَمَدوا إِلَى مئة حَدِيث فقلبوا متونها وأسانيدها، وَجعلُوا متن هَذَا الْإِسْنَاد لإسناد آخر، وَإسْنَاد هَذَا الْمَتْن لمتن آخر، وانتخبوا عشرَة من الرِّجَال [116 - أ] ودفعوا لكل مِنْهُم عشرَة مِنْهَا وتواعدوا كلهم على الْحُضُور بِمَجْلِس البُخَارِيّ، فَلَمَّا حَضَرُوا وَاطْمَأَنَّ الْمجْلس بأَهْله البغداديين ومَن انْضَمَّ إِلَيْهِم من الغرباء من أهل خُرَاسَان وَغَيرهم، تقدم إِلَيْهِ وَاحِد من الْعشْرَة وَسَأَلَهُ من أَحَادِيثه وَاحِدًا وَاحِدًا، البُخَارِيّ يَقُول لَهُ فِي
كل مِنْهَا: لَا أعرفهُ، وَفعل الثَّانِي كَذَلِك إِلَى أَن استوفى العشرةُ المئة؛ وَهُوَ لَا يزِيد فِي كل مِنْهَا على قَوْله: لَا أعرفهُ.
وَكَانَ الْفُقَهَاء مِمَّن حضر، يلْتَفت بَعضهم إِلَى بعض وَيَقُولُونَ: فَهِم الرجل، وَمن كَانَ مِنْهُم غير ذَلِك يقْضِي عَلَيْهِ بِالْعَجزِ، وَالتَّقْصِير، وقِلة الْفَهم لكَونه عِنْده - لمقْتَضى عدم تَمْيِيزه - حَيْثُ لم يعرف وَاحِدًا من مئة، وَلما فهم البُخَارِيّ رحمه الله من قرينَة الْحَال / انتهاءهم من مسألتهم، الْتفت إِلَى السَّائِل الأول وَقَالَ لَهُ: سَأَلت عَن حَدِيث كَذَا، وَصَوَابه كَذَا، إِلَى آخر أَحَادِيثه، وَهَكَذَا الْبَاقِي فردّ المئة إِلَى حكمهَا الْمُعْتَبر قبل [الْقلب] ، فأقرَّ لَهُ النَّاس بِالْحِفْظِ، وأذعَنُوا لَهُ بِالْفَضْلِ، وعُلُو الْمحل والمنزلة فِي هَذَا الشَّأْن.
وَأما العُقَيلي، فَذكر مَسلَمة بن الْقَاسِم فِي تَرْجَمته أَنه كَانَ لَا يُخْرجُ أَصله لمن يَجِيئهُ من أَصْحَاب الحَدِيث بل يَقُول لَهُ: اقْرَأ فِي كتابك، فأنكرنا [- أهل الحَدِيث - ذَلِك فِيمَا بَيْننَا عَلَيْهِ] وَقُلْنَا: إِمَّا أَن يكون من أحفظ / 82 - ب / النَّاس، أَو من أكذبهم، ثمَّ عَمَدنا إِلَى كتابةِ أَحَادِيث من رِوَايَته، بعد أَن بدّلنا مِنْهَا ألفاظاً، وزدنا فِيهَا ألفاظاً، وَتَركنَا مِنْهَا أَحَادِيث صَحِيحَة، وَآتَيْنَاهُ بهَا، والتمسنا مِنْهُ سماعهَا، فَقَالَ لي: اقْرَأ، فقرأتها عَلَيْهِ، فَلَمَّا انْتَهَيْت إِلَى الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان، فَطِن وَأخذ مني الْكتاب، فَألْحق فِيهِ بِخَطِّهِ النَّقْص، وَضرب على الزِّيَادَة وصححها كَمَا كَانَت. ثمَّ قَرَأَهَا علينا [فانصرفنا] وَقد طابت أَنْفُسنَا،