المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[كتابة الحديث] ) - شرح نخبة الفكر للقاري

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌(بَدْء التصنيف فِي عُلُوم الحَدِيث)

- ‌[الدَّاعِي لتصنيف الْكتاب] )

- ‌علما، وَعَملا، وَقَالا، وَحَالا.(على تَرْتِيب) ، أَي عَجِيب مُتَعَلق بلخصته، وَجُمْلَة سميتها مُعْتَرضَة. (ابتكرته) أَي اخترعته وَلم أسبق بِمثلِهِ. يُقَال: ابتكر الشَّيْء إِذا أَخذ باكورته، وَهِي أَوله. (وسبيل) أَي وعَلى طَرِيق غَرِيب (انتهجته) أَي جعله منهاجا أَي سَبِيلا

- ‌[تَعْرِيف الْخَبَر والْحَدِيث والأثر] )

- ‌[الْخَبَر من حَيْثُ تعدد طرقه وفردها] )

- ‌[المُتَوَاتِر] )

- ‌[الْمُتَوَاتر: لَا يبْحَث عَن رِجَاله] )

- ‌ الْأَحَادِ

- ‌[الْمَشْهُور والمستفيض] )

- ‌[الْعَزِيز] )

- ‌[الْغَرِيب] )

- ‌[تَعْرِيف الْآحَاد وأقسامه] )

- ‌[تَعْرِيف الْمَرْدُود] )

- ‌[أَنْوَاع الْخَبَر المُحْتفِّ بالقرائن] )

- ‌[أَقسَام الْغَرِيب] )

- ‌[الصَّحِيح لذاته] )

- ‌[الصَّحِيح لغيره] )(وَالثَّانِي:) أَي الْمُشْتَمل على الْأَوْسَط، والأدنى(إِن وجد) بِصِيغَة الْمَجْهُول أَي علم فِيهِ. وَيُمكن أَن يكون بِصِيغَة الْفَاعِل على النِّسْبَة المجازية أَي إِن صَادف. (مَا يجْبر) أَي يُعَوّض (ذَلِك الْقُصُور) أَي عَن مرتبَة العُلوّ (ككثرة الطّرق)

- ‌[الحَسنُ لغيره] )

- ‌[تَعْرِيف العَدل] )

- ‌[تَعْرِيف الضَّبْطِ وتَقْسِيْمُه] )

- ‌[تَعْرِيف المُتَّصِل] )

- ‌[تَعْرِيف المُعَلَّل لُغةً وَاصْطِلَاحا] )

- ‌[تَعْرِيف الشَّاذِّ لُغَة وَاصْطِلَاحا] )

- ‌[أصح الْأَسَانِيد] )

- ‌[مناظرة أبي حنيفَة مَعَ الْأَوْزَاعِيّ] )

- ‌[المفاضلة بَين الصَّحِيحَيْنِ] )

- ‌[شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم] )

- ‌[عدد رجال البُخَارِيّ وَمُسلم الَّذين تُكُلِّم فيهم] )

- ‌[الْأَحَادِيث المنتقدة على البُخَارِيّ أقل عددا ممّا انتقد على مُسلم] )

- ‌[سلسلة الذَّهَب] )

- ‌[الْحسن لذاته] )

- ‌[الْكَلَام حول قَوْلهم: حسن صَحِيح] )

- ‌[زِيَادَة الثِّقَة] )

- ‌[الْمَحْفُوظ والشاذ] )

- ‌(الْمَعْرُوف وَالْمُنكر)

- ‌[المُتَابِع ومراتبه] )

- ‌[الشَّاهِد] )

- ‌ الِاعْتِبَار

- ‌[المُحْكَم] )

- ‌[مُخْتَلِفُ الحَدِيث] )

- ‌[النَّاسِخ والمنسوخ] )

- ‌[أَقسَام الْمَرْدُود] )

- ‌[الحَدِيث الْمُعَلق] )

- ‌[المُرْسَل] )

- ‌[المعضل] )

- ‌[المنُقطع] )

- ‌[المدلس] )

- ‌[المُرسْلُ الخَفِي] )

- ‌[الطعْن وأسبابه] )

- ‌[الْمَوْضُوع] )

- ‌[طرق معرفَة الوضْع] )

- ‌[أَسبَاب الْوَضع] )

- ‌[الْمَتْرُوك] )

- ‌[المُنْكَر] )

- ‌[الْوَهم فِي الْإِسْنَاد والمتن] )

- ‌[المعَلَّل] )

- ‌[المُدْرَجُ وأقسامه] )

- ‌[المقلوب] )

- ‌[المَزيد فِي مُتَّصِل الْأَسَانِيد] )

- ‌[المُضْطَرِب] )

- ‌[المُصَحَّف والمُحَرَّف] )

- ‌[اخْتِصَار الحَدِيث] )

- ‌[الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى] )

- ‌[غَرِيب الحَدِيث] )

- ‌[الْجَهَالَة وسببها] )

- ‌[الوُحْدَانِ] )

- ‌[المُبهم] )

- ‌[مَجْهُول الْعين] )

- ‌[مَجْهُول الْحَال = المستور] )

- ‌[الْبِدْعَة وَرِوَايَة المبتدعه] )

- ‌[سوء الْحِفْظ] )

- ‌[الشاذ] )

- ‌ الْمُخْتَلط

- ‌[الْحسن لغيره] )

- ‌[تَعْرِيف الْإِسْنَاد والمتن] )

- ‌[الْمَرْفُوع تَصْرِيحًا أَو حكما] )

- ‌[الْمَوْقُوف] )

- ‌ تَعْرِيف الصَّحَابِيّ

- ‌[مُرْسَلُ الصَّحَابي] )

- ‌[مَفْهُوم الصُّحْبَة] )

- ‌[طرق معرفَة الصُّحْبَة] )

- ‌[نِهَايَة زمن الصَّحَابَة] )

- ‌[التَّابِعِيّ] )

- ‌[المُخَضْرمَون] )

- ‌[تَلْخِيص الْمَرْفُوع، وَالْمَوْقُوف، والمقطوع] )

- ‌(فحصلت التَّفْرِقَة فِي الِاصْطِلَاح بَين الْمَقْطُوع، والمنقطع)

- ‌[الْمسند] )

- ‌[العالي] )

- ‌[الْعُلُوّ الْمُطلق] )

- ‌[الْعُلُوّ النسبي] )

- ‌[المُوَافَقَه] )

- ‌[الْبَدَل] )

- ‌[الْمُسَاوَاة] )

- ‌[المُصَافَحَة] )

- ‌[النَّازِل] )

- ‌[رِوَايَة الأقران] )

- ‌[المُدَبَّج] )

- ‌[رِوَايَة الأكابر عَن الأصاغر] )

- ‌[الْآبَاء عَن الْأَبْنَاء] )

- ‌[السَّابِق واللاحق] )

- ‌[الرِّوَايَة عَن مُتفقي الِاسْم] )

- ‌[إِنْكَار الرَّاوِي لحديثه] )

- ‌[المُسَلْسَل] )

- ‌[صِيغ الْأَدَاء] )

- ‌[طرق التَّحَمُّل وَالْأَدَاء] )

- ‌[المعنعن] )

- ‌[أَحْكَام طرق التَّحَمُّل وَالْأَدَاء] )

- ‌[المُشافَهَة والمُكَاتَبَة] )

- ‌[المُناولة] )

- ‌[الوجَادَة] )

- ‌[الوَصِية بِالْكتاب] )

- ‌[الإعْلام] )

- ‌[الْإِجَازَة العَامة] )

- ‌[الْإِجَازَة للْمَجْهُول] )

- ‌[الْإِجَازَة للمعدوم] )

- ‌[الْمُتَّفق والمفترف] )

- ‌[المُؤْتَلِف والمُخْتَلِف] )

- ‌[المُتَشَابِه] )

- ‌[المُتَشَابِه المَقْلُوب] )

- ‌(خَاتِمَة)

- ‌[طَبَقَات الرُّوَاة] )

- ‌[التَّارِيخ] )

- ‌[أوطان الرُّوَاة] )

- ‌[معرفَة الثِّقَات والضُّعَفَاء] )

- ‌[مَرَاتِب الْجرْح] )

- ‌[مَرَاتِب التَّعْدِيل] )

- ‌[أَحْكَام الْجرْح وَالتَّعْدِيل] )

- ‌[تَقْدِيم الْجرْح على التَّعْدِيل] )

- ‌(فصل)

- ‌[الأسمَاء والكُنَى] )

- ‌[المَنْسُوبُون لغير آبَائِهِم] )

- ‌[نسَبٌ على خلاف ظَاهرهَا] )

- ‌[الثِّقَات والضعفاء] )

- ‌[الأسماءُ المُفْردَة] )

- ‌[الكُنَى والألقاب] )

- ‌[الْأَنْسَاب] )

- ‌[الموَالِي] )

- ‌[الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات] )

- ‌[آدَاب الشَّيْخ والطالب] )

- ‌[سِنُّ التَّحَمُّل وَالْأَدَاء] )

- ‌[كِتَابَة الحَدِيث] )

- ‌[الرَّحْلَة للْحَدِيث] )

- ‌[صفة تصنيف الحَدِيث] )

- ‌[سَبَب وُرُود الحَدِيث] )

الفصل: ‌[كتابة الحديث] )

( ‌

[كِتَابَة الحَدِيث] )

(وَمن المهم معرفَة صفة كِتَابَة الحَدِيث) اخْتلفت الصَّحَابَة والتابعون فِي كِتَابَة الحَدِيث، فكَرِهَهُ ابْن عمر، وَابْن مَسْعُود، وَزيد بن ثَابت، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَأَبُو سعيد الخُدْرِي وَآخَرُونَ من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعِينَ، لقَوْله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم:" لَا تكْتبُوا عني شَيْئا إِلَّا الْقُرْآن، ومَن كتب عني شَيْئا غير الْقُرْآن فَلْيَمْحُهُ ". أخرجه مُسلم. وجَوَّزَهُ أَو فعله جمَاعَة من الصَّحَابَة مِنْهُم: عمر، وَعلي، وَابْنه الْحسن، وَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، وَأنس، وَجَابِر، وَابْن عَبَّاس، وَابْن عمر أَيْضا وَآخَرُونَ من السَّابِقين واللاحقين رضوَان الله تَعَالَى عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ، لقَوْله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم:" اكتُبُوا لأبي شاه ".

وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث عبد الله بن عمر وَقَالَ: كنت أكتب كل شَيْء أسمعهُ من رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم فَذكر الحَدِيث، وَفِيه أَنه ذُكِر للنَّبِي

ص: 798

صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ: " اكْتُبْ ". وَقد اخْتلف فِي الْجَواب، فَقيل: إِن حَدِيث أبي سعيد مَنْسُوخ بِأَحَادِيث الْإِذْن وَالْكِتَابَة، وَكَانَ النَّهْي فِي أول الْأَمر لخوف اخْتِلَاطه بِالْقُرْآنِ، فَلَمَّا أَمِنَ ذَلِك أّذنَ فِيهِ، وَجمع بَعضهم بَينهمَا بِأَن النَّهْي فِي حق مَن وُثِقَ بحفظه وَخيف اتكاله على خطه إِذا كَتَبَ، وَالْإِذْن فِي حق من لَا يوثق بحفظه كَأبي شاهٍ الْمَذْكُور، وَحمل بَعضهم النَّهْي على كِتَابَة الحَدِيث مَعَ الْقُرْآن فِي [219 - ب] صحيفَة وَاحِدَة لأَنهم كَانُوا يسمعُونَ تَأْوِيل الْآيَة فَرُبمَا كتبوه مَعَه، فَنُهُوا عَن ذَلِك لخوف الِاشْتِبَاه.

(وَهُوَ) أَي صفة كِتَابَة الحَدِيث ونعته، (أَن يَكْتُبهُ) أَي الحَدِيث، وَكَذَا الْقُرْآن وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا (مُبَيَّناً) بِفَتْح التَّحْتِيَّة حَال من الْمَفْعُول، وَيُمكن كسرهَا على أَنه حَال من الْفَاعِل وَكَذَا قَوْله:

(مُفسَّراً) وَهُوَ عطف / بَيَان، أَو التَّبْيِين بِالنِّسْبَةِ إِلَى جَوْهَر الْحُرُوف، وَالتَّفْسِير بِاعْتِبَار عوارضها / 151 - ب / من الشكل والنقط. قَالُوا: يسْتَحبّ إبانة الْخط وتحقيقه دون مَشْقِهٍ، وتعليقه، والمَشْق: خفَّة الْيَد وإرسالها مَعَ تَغْيِير الْحُرُوف، وَعدم إِقَامَة الْأَسْنَان. وَالتَّعْلِيق: هُوَ كَمَا قيل: خطّ الْحُرُوف الَّذِي يَنْبَغِي تفرقها، وإذهاب أَسْنَان مَا يَنْبَغِي إِقَامَة أَسْنَانه، وطمس مَا يَنْبَغِي إِظْهَار بياضه، لما قد ينشأ عَن كل مِنْهُمَا عدم التَّمَكُّن من قِرَاءَته غَالِبا.

(ويَشكُل) بِفَتْح حرف المضارعة، وَضم الْكَاف، أَي وَيعرف (المُشْكِل) أَي المغلَق (مِنْهُ) وَهُوَ الَّذِي لَا يفهمهُ كل أحد، وَإِنَّمَا يُدْرِكهُ الْعلمَاء، وَفِيه إِشَارَة

ص: 799

بطرِيق الْمَفْهُوم أَنه لَا يَشَكُل غير المُشكِل لِأَنَّهُ تَضْييع الْعُمر وتكثير الْعَمَل الدَّال على تقليل الْعلم. وَالْمرَاد بالشكل الحركات والسكنات، وَهِي أَعم من الحركات البنائية الصرفية، والإعرابية النحوية، فأو للتنويع فِي قَوْله:

(أَو ينقطه) أَي فِي المُشكِل مِنْهُ، أَو مُطلقًا لِأَن الْغَالِب فِيهِ الْإِشْكَال. قَالُوا: يسْتَحبّ لطَالب الْعلم ضبط كِتَابه بالنقط والشكل ليؤديه كَمَا سَمعه [لقَوْله][صلى الله عليه وسلم] : " نَضَّر الله أمرأ سمع مَقَالَتي فوعاها وأداها كَمَا سَمعهَا "، وَلما فِي الْخُلَاصَة عَن الأصْمَعِي يَقُول: إِن أخوف [مَا أَخَاف] على طَالب الْعلم إِذا لم يعرف النَّحْو أَن يدْخل فِي جملَة قَول النَّبِي عليه الصلاة والسلام [220 - أ] : " مَنْ كَذَبَ عليّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ " مَقْعَده من النَّار " لِأَنَّهُ [صلى الله عليه وسلم] لم يكن يَلْحَن، فمهما رويت عَنهُ ولحنت فِيهِ كذبت عَلَيْهِ، ثمَّ الشَّكْلُ: تَقْيِيد الْإِعْرَاب قَالَ الْجَوْهَرِي: شَكَلتُ الْكتاب إِذا قيدته بالإعراب. ثمَّ اخْتلفُوا هَل يقْتَصر على ضبط الْمُشكل من أَلْفَاظ الْمَتْن والإسناد، أَو يُضبط هُوَ وَغَيره؟ فَقَالَ عَليّ بن إِبْرَاهِيم الْبَغْدَادِيّ فِي كتاب " سِمات الْخط ورقومه ": إِن أهل الْعلم يكْرهُونَ الإعجام - بِكَسْر الْهمزَة - أَي النقط وَالْإِعْرَاب إِلَّا فِي الملتبس وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: النقط والشكل فِيمَا يشكل وَيشْتَبه.

وَقَالَ ابْن خَلَاّد: قَالَ أَصْحَابنَا: أما النقط فَلَا بُد مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يَضبط الْأَشْيَاء

ص: 800

المشكلة إِلَّا بِهِ. وَقَالُوا: إِنَّمَا يَشكُل مَا يشكل وَلَا حَاجَة إِلَى الشَكل مَعَ عدم الْإِشْكَال. [قَالَ:] وَقَالَ الْآخرُونَ: الأولى أَن يَشكُل الْجَمِيع. قَالَ القَاضِي عِيَاض: وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب لَا سِيمَا للمبتدئ وَغير المتبحر فِي الْعلم، فَإِنَّهُ [لَا] يُمَيّز مَا يُشْكِل، مِمَّا لَا يُشْكِل، وَلَا صوابَ وَجه الْإِعْرَاب للكلمة من خطئه. قَالَ أَبُو إِسْحَاق: أولى الْأَشْيَاء بالضبط أَسمَاء النَّاس لِأَنَّهُ لَا يدْخلهُ الْقيَاس، وَلَا قبله [وَلَا] بعده شَيْء يدل عَلَيْهِ [فيرتفع الالتباس] .

(وَأما صُورَة ضبط الْمُشكل، فَقَالَ القَاضِي] عِياض: رَسمُ الْمَشَايِخ وَأهل الضَّبْط فِي الْحُرُوف المشكلة والكلمات المشتبهة إِذا ضُبِطَت وصُحِّحَت فِي الْكتاب أَن يَرْسُم ذَلِك الْحَرْف المُشْكِل مُفردا فِي حَاشِيَة الْكتاب قُبالَة الْحَرْف / 152 - أ /، وَعلل ذَلِك بِأَن الِانْفِرَاد يرفع إِشْكَال الالتباس بضبط مَا فَوْقه [وَمَا] تَحْتَهُ من السطور، لَا سِيمَا مَعَ دقة الْكتاب وضيق الأسطر. وَذكر ابْن الصّلاح [نَحْوهُ] وَلم يتَعَرَّض لتقطيع حُرُوف الْكَلِمَة المشكلة الَّتِي تكْتب فِي هَامِش الْكتاب. وَقَالَ [220 - ب] ابْن دَقِيق الْعِيد: وَمن عَادَة المتقنين أَن يبالغوا فِي إِيضَاح الْمُشكل، فَيُفَرِّقُوا حُرُوف الْكَلِمَة / فِي الْحَاشِيَة ويضبطوها حرفا حرفا

قَالَ الْعِرَاقِيّ: وَهُوَ حسن وَفَائِدَته أَنه يُظْهِر مُشكل الْحَرْف بكتابته مُفردا

ص: 801

فِي بعض الْحُرُوف كالنون، وَالْيَاء الْمُثَنَّاة من تَحت، بِخِلَاف مَا إِذا كُتبت الْكَلِمَة كلهَا والحرف الْمَذْكُور أَولهَا أَو وَسطهَا، وَأما ضبط الْحُرُوف الْمُهْملَة فقد اخْتلف فِيهِ. فَقيل: يَجْعَل تَحت الدَّال، وَالرَّاء، وَالسِّين، وَالصَّاد، والطاء، وَالْعين المهملات النقطة الَّتِي فَوق المعجَمَات، وَلَا بُد من اسْتثِْنَاء [الْحَاء] من ذَلِك لالِتِبَاسها بِالْجِيم. وَقيل: يَجْعَل فَوق الأحرف المهملات صُورَة هِلَال كقُلامة الظفر، مُضْجَعَةً على قَفاهُ، وَقيل: يُجعل تحتهَا حرف صَغِير مثلهَا وَعَلِيهِ عمل أهل الْمشرق والأندلس، وَيُوجد فِي كثير من الْكتب الْقَدِيمَة فَوق الأحرف الْمُهْملَة خطّ صَغِير كفتحة، وَرُبمَا نَشأ عَنهُ التباس حَيْثُ قَرَأَ بَعضهم رِضْوَان بِالْفَتْح أَي بِفَتْح الرَّاء، وَفِي بعض الْكتب تحتهَا مثل الْهمزَة.

(وَيكْتب) أَي وَأَن يكْتب الطَّالِب (السَّاقِط) أَي الْمَتْرُوك من أَصله (فِي الْحَاشِيَة الْيُمْنَى مَا دَامَ فِي السطر) أَي سطر السَّاقِط (بَقِيَّة) أَي من الْكِتَابَة، بِأَن يكون بعد السَّاقِط كلمة أَو أَكثر، (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن بَقِيَّة، بِأَن يكون السَّاقِط من آخر السطر.

(فَفِي الْيُسْرَى) أَي فَيكْتب فِي الْحَاشِيَة الْيُسْرَى، وَمَفْهُومه أَنه لَا يكْتب بَين الأسطر، وَهَذَا الحكم بِظَاهِرِهِ عَام فِي الصفحتين وَلَعَلَّه كَانَ دأب الْمُتَقَدِّمين أَن يجْعَلُوا طرفِي الأسطر متساويين فِي التَّوَسُّع، وَأما على الْمُعْتَاد فِي زَمَاننَا أَن

ص: 802

طرف الْحَاشِيَة الْيُمْنَى من الصفحة الأولى أوسع، عكس الصفحة الثَّانِيَة، فَيَنْبَغِي أَن يكون فِي الحكم تَفْصِيل فَتَأمل، فَإِنَّهُ مَوضِع زلل، ثمَّ [221 - أ] رَأَيْت فِي كَلَام القَاضِي عِيَاض تَصْرِيحًا بذلك وَالْحَمْد لله على ذَلِك.

وَاعْلَم أَنهم قَالُوا: إِن أهل الحَدِيث، وَالْكِتَابَة يسمون مَا سقط من أصل الْكتاب، فَألْحق بالحاشية، أَو بَين السطور باللّحَق بِفَتْح اللَّام والحاء الْمُهْملَة مَعًا، أَخْذاً من الْإِلْحَاق وَالزِّيَادَة، قَالَ الْجَوْهَرِي: اللَّحَق بِالتَّحْرِيكِ: شَيْء يُلْحَقُ بِالْأولِ.

وَقَالَ صَاحب المُحْكَم: اللَّحق الشَّيْء الزَّائِد. وَكَيْفِيَّة كِتَابَة مَا سقط من الْكتاب: أَن يخطّ من مَوضِع سُقُوطه فِي السطر خطا صاعداً مَعْطُوفًا إِلَى فَوق، مَعْطُوفًا / 152 - ب / بَين السطرين عطفةً يسيرَة إِلَى جِهَة حَاشِيَة اللَّحَق، وَقيل يمد العطفة من مَحل السُّقُوط إِلَى أول اللَّحَق، وَالْأول أولى لِئَلَّا يُسَوِّدَ الْكتاب، لَا سِيمَا عِنْد كَثْرَة الإلحاقات، ثمَّ يكْتب السَّاقِط فِي الْحَاشِيَة الْيُمْنَى إِن سقط من وسط السطر لاحْتِمَال أَن يطْرَأ فِي بَقِيَّة السطر آخر، فَيخرج إِلَى جِهَة الْيَسَار، فَلَو كَانَ خرج الأول إِلَيْهَا أَيْضا اشْتبهَ مَوضِع هَذَا السَّاقِط بِموضع السَّاقِط الآخر، وَإِن خرج للثَّانِي إِلَى الْيُمْنَى تقَابل طَرَفاً التخريجين، وَرُبمَا التقيا لقرب السقطين، فيظن أَن ذَلِك ضَرْبٌ على مَا بَينهمَا، وَإِن سقط بعد تَمام السطر يُكتب فِي الْيُسْرَى.

قَالَ القَاضِي عِيَاض، وَتَبعهُ ابْن الصّلاح لَا وَجه لذَلِك إِلَّا قُرب التَّخْرِيج

ص: 803

من اللَّحق، وَسُرْعَة لحاق النّظر بِهِ، وَلِأَنَّهُ أمنٌ [من] نقص يحدث بعده فَلَا / وَجه إِلَى تَخْرِيجه إِلَى الْيَمين، وَهَذَا أَي التَّخْرِيج لجِهَة الْيُسْرَى فِيمَا إِذا كَانَ السَّاقِط من الصفحة الْيُمْنَى حَيْثُ اتَّسع هَامِش الْيَسَار لطريقة الْمُتَقَدِّمين فِي التَّسْوِيَة بَين الهامشين، وَإِلَّا خَرَّجَه لجِهَة الْيُمْنَى. قَالَ الْعِرَاقِيّ: وَقد رَأَيْت ذَلِك فِي خطّ غير وَاحِد من أهل الْعلم، ثمَّ الأولى أَن يكْتب [221 - ب] السَّاقِط صاعداً إِلَى أَعلَى الورقة من أيّ جِهَة كَانَ، [لَا] نازلا بِهِ إِلَى أَسْفَلهَا [لاحْتِمَال حُدُوث سقط آخر، فَيكْتب إِلَى أَسْفَل] فَلَو كتب الأول إِلَى أَسْفَل لم يجد للساقط الثَّانِي موضعا بقابله فِي الْحَاشِيَة خَالِيا، وَيكْتب فِي انْتِهَاء اللَّحق " صَحَّ " فَقَط، وَقيل: يكْتب مَعَ " صَحَّ رَجَعَ "، وَفِيه تَطْوِيل، وَيكرهُ الْخط الدَّقِيق لِأَنَّهُ لَا ينْتَفع بِهِ فِي أحْوج مَا يكون إِلَيْهِ، وَهَذَا إِذا كَانَ بِغَيْر عذر، فَإِن كَانَ بِعُذْر كضيق [الْوَقْت] أَو قلَّة الرَّق الَّذِي يكْتب فِيهِ، أَو كَانَ رحّالاً فِي طلب الْعلم يُرِيد حمل كتبه مَعَه، فَيكون خَفِيفَة الْحمل فَلَا يكره لَهُ ذَلِك.

(وَصفَة عرضه) أَي وَمن المهم صفة عرضه، (وَهُوَ مُقَابلَته) أَي مُقَابلَة

ص: 804

الطَّالِب، أَو مسموعه وَلَو كَانَ من غَيره، (مَعَ الشَّيْخ المُسمِع) أَي الْمُحدث سَوَاء يكون مَعَه أَصله، [وَهُوَ الأولى، أَو لَا يكون مَعَه أَصله] . أَو لَا يكون مَعَه أصل أصلا، وَهُوَ حَافظ ضَابِط.

(أَو مَعَ ثِقَة غَيره) أَي غير المُسمع.

(أَو مَعَ نَفسه) أَي مَعَ أصل الشَّيْخ فِي الصُّورَتَيْنِ.

(شَيْئا فَشَيْئًا) أَي على جِهَة التدريج للِاحْتِيَاط فِي الْمُقَابلَة، وَهُوَ قيد للأخير، أَو قيد للْكُلّ. وَاعْلَم أنّ على الطَّالِب - كَمَا قَالُوا - مقابلةَ كِتَابه بِكِتَاب الشَّيْخ الَّذِي يرويهِ عَنهُ سَمَاعا، أَو إجَازَة، [أَو بِأَصْل أصلِ شَيْخه المقابَلِ بِهِ أصلُ شَيْخه، أَو بفرع مُقَابل] بِأَصْل السماع مُقَابلَة مُعْتَبرَة موثوقاً بهَا، أَو بفرع قوبل كَذَلِك على فرع، وَلَو كثر الْعدَد بَينهمَا، إِذْ الْغَرَض الْمَطْلُوب أَن يكون كتاب الطَّالِب مطابِقاً لأصل مَرْوِيَّه، وكتابِ شَيْخه، قَالَ القَاضِي عِيَاض: مُقَابلَة النُّسْخَة بِأَصْل الشَّيْخ مُتَعَيَّنةٌ لَا بُد مِنْهَا، وَأفضل الْعرض / 153 - أ / أَن يُقَابل كِتَابه بِنَفسِهِ مَعَ شَيْخه بكتابه حِين سمع من الشَّيْخ، أَو قرئَ عَلَيْهِ، لما فِيهِ من [222 - أ] وجود الِاحْتِيَاط والاتقان من الْجَانِبَيْنِ، بِمَعْنى أَن كلا مِنْهُمَا أهل لذَلِك، فَإِن لم تَجْتَمِع هَذِه الْأَوْصَاف

ص: 805

نقص من مرتبته بِقدر مَا فَاتَهُ مِنْهُمَا.

وَقَالَ أَبُو الْفضل الجَارُودي: خير الْعرض مَا كَانَ مَعَ نَفسه، يَعْنِي حرفا حرفا لكَونه حِينَئِذٍ لم يُقَلّد غَيره، وَلم يَجْعَل بَينه وَبَين كتاب شَيْخه وَاسِطَة، وَهُوَ بذلك على ثِقَة ويقين من مطابقتهما. قَالَ ابْن الصّلاح: إِنَّه مذهبٌ مَتْرُوك، وَهُوَ من مَذَاهِب أهل التَّشْدِيد المرفوضة فِي عصرنا، وَصَحَّ عَدمه لَا سِيمَا والفكر يتشعب بِالنّظرِ فِي النسختين بِخِلَاف الأول. قَالَ السخاوي: وَالْحق كَمَا قَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد: إِن ذَلِك يخْتَلف، قُربّ مَن عَادَته - لمزيد يقظته وَحفظه - عدم السَّهْو عِنْد نظره فيهمَا، فَهَذَا مُقَابلَته مَعَ نَفسه أولى، أَو عَادَته - لجمود حركته، وَقلة حفظه -[السَّهْو] فَهَذَا مُقَابلَته مَعَ غَيره أولى. قلت: وَهَذَا هُوَ الْغَالِب على أَكثر النَّاس فِي مُعظم الْأَحْوَال.

(وَصفَة سَمَاعه) أَي وَمن المهم صفة / سَماع الطَّالِب، أَو سَماع الحَدِيث بِنَاء على إِضَافَة الْمصدر إِلَى فَاعله، أَو مَفْعُوله.

(بِأَن لَا يتشاغل بِمَا) الْبَاء الأولى بَيَانِيَّة، وَالثَّانيَِة سَبَبِيَّة مُتَعَلقَة بِالْفِعْلِ، أَي بِسَبَب شيءٍ.

(يُخِلُّ بِهِ من نَسخ) أَي كتابةٍ، و " من " بَيَان " مَا " يَعْنِي بِحَيْثُ يمْنَع مَعَه فَهْمَهُ لما يقْرَأ بِكَمَالِهِ، حَتَّى يكون الْوَاصِل إِلَى سَمَاعه كَأَنَّهُ صوتٌ غُفْلُ، وَيصِح إِذا كَانَ بِحَيْثُ لَا يمْتَنع مِنْهُ الْفَهم كقصة الدَّارَقَطُني أَنه حضر فِي حَداثته مجْلِس إِسْمَاعِيل

ص: 806

الصفار، فَجَلَسَ ينْسَخ جزأ كَانَ مَعَه، فَقَالَ لَهُ بعض الْحَاضِرين: لَا يَصح سماعك، وَأَنت تنسخ، فَقَالَ: فهمي للإملاء خلاف فهمك، ثمَّ قَالَ: تحفظ كم أمْلى الشَّيْخ من حَدِيث إِلَى الْآن؟ فَقَالَ الدَّارَقَطُني: أمْلى ثَمَانِيَة عشر [222 - ب] حَدِيثا، فَوجدت كَمَا قَالَ، ثمَّ قَالَ: الحَدِيث الأول مِنْهَا عَن فلَان عَن فلَان، وَمَتنه كَذَا، وَلم يزل يذكر أَسَانِيد الْأَحَادِيث على ترتيبها فِي الْإِمْلَاء حَتَّى أَتَى إِلَى آخرهَا، فَعجب النَّاس مِنْهُ.

(أَو حَدِيث) أَي تَكَلُّمٍ بِكَلَام مَا، مِمَّا يمْتَنع مَعَه الْفَهم.

(أَو نُعَاس) وَهُوَ مُقَدّمَة النّوم الْمُسَمّى بِالسنةِ بِكَسْر السِّين، وَهُوَ نوم ضَعِيف غير مُخِل غَالِبا، فَلَا يكون قادحاً من الفَطِن، وَهَذَا التَّفْصِيل ذكره ابْن الصّلاح وَذهب الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق الأسْفِراييني، وَإِبْرَاهِيم الحَرْبي وَغير وَاحِد من الْأَئِمَّة إِلَى منع الصِّحَّة مُطلقًا، وَهُوَ الْأَحْوَط ويقويه أَن الحكم للْأَكْثَر والأغلب، وَذهب مُوسَى بن هَارُون الحَمَّال إِلَى الصِّحَّة مُطلقًا، وَهُوَ بعيد جدا خُصُوصا حَال النّسخ إِلَّا نَادرا كَمَا سبق، وَقد رَأَيْت بعض مشايخي كَانَ يعلم الصغار، وَكَانُوا قَرِيبا من ثَلَاثِينَ، وَكَانَ يكْتب الْقُرْآن غيباً، ويُقْرِئهم، ويستمع لَهُم، وَذكر أَنه مَا وجدَ غَلطا فِي / 153 - ب / مصحفه الْمَكْتُوب تِلْكَ الْحَالة من أول الْقُرْآن إِلَى سُورَة الشُّعَرَاء.

(وَصفَة إسماعه) أَي إسماع الشَّيْخ، أَو الحَدِيث للْغَيْر.

(كَذَلِك) أَي بِأَن لَا يتشاغل بِمَا يخل بِهِ من نَسْخ، أَو حَدِيث، أَو نُعَاس على الِاخْتِلَاف الْمَذْكُور حَتَّى لَو لم يُجِلَّ بِهِ يَصح الإسماع كالنعاس الْخَفِيف، وَلِهَذَا كَانَ

ص: 807

المِزيُّ، وَالْمُصَنّف ينعسان حِين إسماعهما، ويَرُدَانِ على الْقَارئ، إِذا زَل، وَكَذَا وَقع [فِي] النّسخ مِنْهُمَا.

(وَإِن يكون) أَي وَصفَة الإسماع أَيْضا أَن يكون (ذَلِك) أَي الإسماع (من أَصله) أَي الشَّيْخ (الَّذِي سمع) أَي الطَّالِب.

(فِيهِ أَو من فرعٍ قوبل على أَصله) مقابلةَ ثقةٍ، وَلَيْسَ لَهُ أَن يحدَّث من أصل شَيْخه الَّذِي لم يسمع فِيهِ، أَو من نُسْخَة [كتبت من نُسْخَة] شَيْخه، وَلَو سَكَنَت نَفسه [123 - أ] إِلَيْهَا لِأَنَّهُ قد يكون فِيهَا زَوَائِد لَيست فِي نُسْخَة سَمَاعه إِلَّا أَن يكون لَهُ إجَازَة من الشَّيْخ بذلك الْكتاب، أَو بِسَائِر مروياته، فَحِينَئِذٍ تجوز الرِّوَايَة إِذْ لَيْسَ فِي أَكثر من رِوَايَة تِلْكَ الزِّيَادَات بِالْإِجَازَةِ لَا بِلَفْظ أخبرنَا، أَو حَدثنَا من غير الْإِجَازَة فِيهَا، وَهَذَا معنى قَوْله:

(فَإِن تعذُّر) أَي كلَّ من الأَصْل، وفرعه الْمُقَابل بِهِ بِأَن غَابَ عَنهُ الْكتاب بإعارة، أَو ضيَاع، أَو سَرقَة أَو نَحْو ذَلِك، فَلَا بُد من الْإِجَازَة كَمَا ذكره ابْن الصّلاح لجَوَاز الْمُخَالفَة والتغيير فِيهِ.

(فَلْيَجْبره) بِضَم الْمُوَحدَة أَي ليجبر الشَّيْخ نُقْصَان / الطَّالِب.

(بِالْإِجَازَةِ لِما خَالف) أَي لشَيْء خَالفه بِأَن نقل مَا لَيْسَ من سَمَاعه، أَو نقص عَنهُ أَو نقل بِلَفْظ آخر (إِن خَالف) أَي الطَّالِب مُخَالفَة مَا.

ص: 808